بين الأصدقاء، وفي حال الاختلاف الفكري يجب أن نفرِّق بين حقنا في قول رأينا، وتبني مواقفنا أو إجبار بعضنا البعض عليها. إفساد الود هو [تسييس للصداقة] قولا واحدا!
صديقك ليس أداةً سياسية تمرر بها أجندة مهولة وثقيلة عليك وعلى وجودك، يجب أن تفهم ذلك إذا أردت أن تلوك شؤون الأفكار.
التفكير فطرة في الإنسان،الموقف قرار تنفيذي. أسئلة الصداقة يجب أن يُجاب عليها قبل الخلاف الفكري لا بعده، لا توجد جدوى أن تقيم صداقات كثيرة وأنت جاهز لخساراتها لتقدمها كقرابين في آتون أجندتك.
يجب أن تفهم نفسك جيدا، وتفهم مساحة الاختلاف لديك، وسياقه، عدا ذلك، ستكرر الخطأ نفسه مرارا.
ولا حل لهذا الإشكال، الآمال شكل من أشكال النوايا. إذا نويتَ أن تكون حادا فلا تكن نذلا، الصديق ليس بيدقاً لكي تحقق به ما عجزت عن فعله بنفسك، الصديق ليس درعا تصد به هجوم الغرباء عليك، الصديق اسمه صديق، تصدقه القول، ويصدقك القول، وليست مهمته أن يحارب في معاركك نيابة عنك!
على أية حال، لم تعد الصداقة ثمينة كما كانت في أجيال سابقة. كل يوم يأتي بهلاوس الاكتفاء بالذات ونظرية [الذي لا يطاوعك اتركه]، أصبح البشر يبحثون عن من يشبههم، العشرة، وغيرها من العواطف الكلاسيكية أصبحت ركاما تذروه الرياح. في عصرنا الحالي، ما أسهل خسارة الأصدقاء بسبب نقاش.
وهي ليست مسألة أجيال بقدر ما هي مسألة أعمار،إلى متى ستحتاج إلى الخسارات أن تعلمك أن الصديق له حياته المستقلة، يمكنك أن تكون مُسيَّساً كما تشاء،مواليا، ممانعا، معارضا، مطوعا، ملحدا، شيطان جهنم الرجيم، أو ملاك المثالية الرحيم. صديقك ليس ورقة تحرقها في ألاعيب خيالك فلا تخسر أصدقاءك.
ويجب أن تفهم الفارق بين الصديق الضعيف اليائس الهش، وذلك النذل الجبان الذي يريد أن يرمي بك في آتون المواجهات كأنك جندي من جنوده. اليائس الهش يشكو لك قلة حيلته، يلجأ إليك وإن بدا لك أنه يضغط عليك، النذل الجبان يعتقد أنه ذكي، ويظن أنه يلعب بك في اللعبة الكبيرة ضعيف النفس والضمير.
إذا أردت أن تحارب في معركة فكرية كبيرة، لا تكن جبانا، حارب بنفسك، وتحمل الخسائر بنفسك، لا تبحث عن مكبر صوت على هيئة صديق لكي تختبر أفكارك، مهما بدت لك أنها صواب، ومهما شعرت أنك تعتنقها، حارب بنفسك، هذه معركة ترفية أنت اخترتها، المعارك الحقيقية هي التي تختارك دون سواك.
لذلك، هذا موقف يجب أن يتضح من جانبك، لا تحاول أن تتمسك بالصداقة وفي الوقت نفسه تجعل موضوعا فلسفيا اختلفت الخليقة حوله شرطاً لاستمرار صداقة من عدمها. لا تتخذ أصدقاء حتى تتبين من أمرك رشدا، وإن استدعى الأمر أن تجد بيئة مؤقتة كل ما فيها هو من يشبهك فهو أفضل من خسارات وحسرات.
الاختلاف الفكري يقود مع الوقت إلى اختلافات شخصية كثيرة، هُنا تأتي أهمية التفاوض وتحديد المساحات بين كل شخص تختلف معه [فكريا]، هذا فقط في حالة الخلاف الفكري الذي قاد لخلاف شخصي، أما الخلاف الشخصي، فلا حل له، لا أفكار يمكنها أن تجعله منصفا. البغضاء لا منطق لها ولا فيها ولا منها.
وأنت تعيش هذه الحياة سيدهشك كم [لا يعبأ] الآخرون بك ولا بما تفكر به، هذه الحياة مصالح متشابكة، [نفع] متبادل عادةً. قد تظن أنك مهم جدا في عالم الأفكار، وأنَّك تشبه الذين تؤمن بهم، قوي مثلهم،وستلطمك الحياة على وجهك عندما تكتشف أن كل أفكارك لا تهم ما دمت إنسانا لا يسيّس صداقاته.
وإذا كانت قناعاتك صلبة ولا تتزحزح، هُنا افعل الصواب، وارحل إلى المحيط المسيّس الذي يمكنك أن تمارس فيه ما تشاء من ألاعيب، حيث لا أصدقاء، ولا صداقات، ولا آمال، ولا إنسانية، عش في الخوارزمية التي تناسبك واخرج منتصرا أو مهزوما، لا يهم، فقط لا تقحم الصداقة في حساباتك الفكرية المسيسة!