بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 15 مارس 2023

حضور ذهني: تشويشٌ أسبوعٍ شاق

 

 

 

أشعرٌ بهبوطٍ شديد. مشاعرَ سأكتشفها بعد قليل عندما تتنزلُ الكلمات من الجمجمة إلى الأنامل، وتتناثر الحروف على هذه الورقة البيضاء. لا أشعر بطموحي في الحياة، ولا بالتعب، ولا بالحماسة، ولا باليأس. هبوطٌ خاوٍ من المعنى، قليل الدسم، فاقد للقيمة الغذائية. شعور يشبه العسل المطبوخ في نارٍ من سعيرٍ فلم يعد سوى لطخة سوداء من السكَّر المُكربَن، حليبٌ لم يبقَ منه غير اللون والطعم، أو قطعة من الجبن جفَّت في معطفٍ نسيَته امرأة عجوزٌ في حافلة هاري بوتر قبل ثلاث عقود. هبوط بلا معنى.

كنت أريد كتابة مقالٍ عن شأن ثقافيٍّ ما، لا أشعر بأي شيء تجاه الثقافةِ حاليا، أو لأكن [منضبطا مفاهيميا] لكيلا يزعل إنسانٌ صديق لي في تويتر، تجاه [الحركة الثقافية]، بقدر ما في المصطلحات من تشابه، بها اختلاف. كنت متحمسا بالأمس، اليوم، أجدني بلا اندفاعٍ ولا حماسة. هذا ما يفعله الإرهاق المتتالي، والنوم لعدد ضئيل من الساعات لأيام متتالية. من أين يأتي الإنسان بالطاقة؟ يأتي بها من فن الراحة الذكية. لا أتقنُ هذا الفن، ويجب أن أتعلم هذه المهارة إن أردت الصمود في هذه الحياة. أمامي محاضرةٌ بعد ساعة، ويصلني خبر إلغاء محاضرةِ علم النفس! وكأن هذا اليوم يحتاج للمزيد من التعاسة، أفكر بالنوم وتجاهل حضور محاضرة الاقتصاد، توسوس لي نفسي بأشياء كثيرة تتعلق بالإهمال الدراسي. ويعود عقلي إلى لحظة الدافع الكبير بعد تحقيق درجة جيدة، أو درجة كاملة في امتحان صغير. لقد أصاب حشر المنذري أكباد الحقائق كلها عندما قال: أنشغل بمعاركي الصغيرة!

أحاول تجنَّب التعميمات التي تتعلق بالحياة كاملةً في هذا النص. كنت على وشك أن أكتب أنني [لا أعرف لماذا أعيش!] ثمَّ يقفز لي الرقيب الداخليُّ الحنبليُّ المشرف على شؤون الحضور الذهني فيقول لي: هل لا تعرف بشكل عام أم هذا الذي تشعر به الآن؟ الحضور الذهني يستدعي عادةً الوقوع في لحظة المكان الخارجي، والانتباه إلى لحظة المكان الداخلي، ممارسته بالكتابة لا تخلو من المجازفة، لن أستطيع أن أقول للجميع افعل الشيء نفسه، كأنك تحاول رسم ظل شمعة تتراقص في الريح، تحتاج لسرعة كي تلاحق الأفكار التي تتالى في ذهنك. يستيقظ عقلي على ما يستطيع فعله، هذه الكلمات تستفزُّ تمريناً سابقا مترسخاً عبر سنوات الكتابة، تقول لي: تستطيع الكتابة. الذي أشعر به يختلف، لا أشعر أنني أستطيع الكتابة، بل وأشعر [الآن وحاليا] في هذه اللحظة أنني لا أفهم لماذا أحب الكتابة! لا أشعر بالحب للحياة، لا أشعر بالكراهية، لا أشعر بالأسى، لا أشعر بأي شيء، أشعر بالتعب الشديد، وأتمنى أن أنقرضَ إلى لعبة [هاري بوتر] التي نزلت في النسخة الخامسة من الــ[Play station] .. كيف أترجم هذه الجملة اللعينة! هل أكتب [البلاي ستيشن] وإن قلت [النسخة الخامسة من محطة الألعاب] أو [النسخة الخامسة من منصة الألعاب] وهل أضيف لها [سوني]! كيف يمكن أن تصنع معنىً خارج اعتراف التداول العام به؟ وكأن هذه الجزئية اللغوية هي ما أحتاج إليه الآن لزيد قرف اللحظة! فضلا عن الجملة الأخيرة والتي هي ضمن تداخل اللغة الإنجليزية مع النسق العربي في الكتابة. هل هو النسق؟ أم السياق! يا إلهي، قالها الأستاذ الكبير يوما ما: اللغة سجنٌ! وحتى وأنت تحاول التحرر منه، تحمل الكلبشات في دماغك!

لا أريد الوصول مبكرا للجامعة، هذا الشحوب في وجه حماسةِ من ألتقي به يصنع لي شعورا مضاعفا بالتشويش. عندما تكون في مزاج سيء، يضغط الناس المنشرحين على أعصابك، فرصةٌ لأتعلم ما الذي يشعر به الآخرون الذين يعيشون يوما سيئا وأنا أنزلُ على المكان [مفرفراً] عقلي ينفق حضوره من وفرة هرموناته، ومستقبلاته العصبية التي أقنعته أن يكون سعيدا ولو لبعض الوقت. الآن، في هذه اللحظة، وفي هذا اليوم، لا أشعر بالسعادة، لا أشعر بالتعاسة، لا أشعر بالحزن، لا أشعر بالندم، لا أشعر بالغضب، لا أشعر بأي شيء، أشعر بالتعب الشديد، وأواصل الحياة كأنني [روبوت] ينفذ نصا برمجيا، ويمارس الوجود لأنه موجود. كيف تعطي المعنى لهذه الحياة وأنت في هذه اللحظة؟ تكتب كل ذلك، وتتمنى أن يصنع معناه لدى شخص آخر، يعيش هو الآخر يوما سيئا. يا إلهي الرحيم! أعني على تعب الحياة!

 

ماريو