وقعت في خطأ صغير. كتبت مقالاً وكان ينبغي مني أن أتخلص من الأفكار
التلقائية التي تخطر على ذهني. هل هي تخطر على ذهني، أم تخطر في ذهني؟ هذا سؤال
يحتاج لحسمٍ، وليس تعبيرا يحتاج لتفنيد. شتَّان بين جودة الكتابةِ بعد تسييل
الهموم اللحظية، وتلك التي يختلطُ فيها الآنيُّ واللحظيُّ بما هو زمنيٌّ به نزعة
الخروج من كهف الجمجمة إلى العالم الفسيح.
لم يكن المقال سيئا، أستطيع إدراجَه في كتاب ضمن [العاديَّات] التي لا
يهربُ إنسانٌ من انطلاقِها من أنامله للحياة. الهموم الكبيرةُ التي كنت أعيشها
أسبغت بعض الإسقاطات على ذلك المقال، السبب واضح لدي، الهمُّ الذي أعيشه هو همُّ
الكتابة مجددا. على صعيد لقمة العيش اجتهدت بما يكفي لصناعةِ تلك المساحة التي
تكفيني لأموِّل تفرغي للكتابة، عالم الوجه والصوت والتعليق الفارق، لا يخلو الأمر
من جانبٍ نقديٍّ طفيف، ولكن هل يمكن مقارنة مقطع في الانستجرام بمقالٍ يحلل فيه
الإنسان الأحداث بالطول والعرض!
همومي متعلقة بالكتابة، لم أعد أسأل سؤال [لماذا أكتب!] الآن في رحلة سؤال
[الماذا!] أين أنقرض بنفسي أنا وذهني! وماذا سأفعلُ في هذا العالم الذهني الذي
يدور الحوار فيه تخاطرا! هذا الذي يشغلُ بالي، كنت أظنُّ أن نفسي الطويل في
الكتابة قد تأثر بالسنوات التي قضيتها في عالم النص اللحظي القصير، يتضح لي أن أثار
التجربة كانت حسنة للغاية. المهووس بالتداعي يحتاج لتعلم الاختصار كما يحتاج
المهووس بالاختصار، [الكسول غالباً] إلى نفسٍ أطويل ليعطي المكتوب حقَّه. هناك
أشياء كثيرة تتعلق بالقارئ في الكتابة، الاستجابة لشرط القارئ في الزمن الحديث
والاكتفاء بكتابة النص القصير جريمة في حق أي كاتب. نعم الكتابة الشذريَّة فنٌّ من
فنون الكتابة، ولا تخلو من الصعوبة، وهي جاذبة، وأخَّاذة وتساهم في الإشباع الدوباميني
المتمثل في القراء، والقارئ الذي يقرأ لك لأنه يعرفك، وغيرها من شؤون الحياة
الاجتماعية للكاتب، وحفلات التوقيع، والشعور المؤقت بالنجومية، أو بالتحقق
الاجتماعي، كلها تقع ضمن سياقات اجتماعية يتفاوت الكتاب في الحاجة إليها. الهمُّ
يقعُ هنا.
هناك شيء ظريف يحدث، في جزئية التفرغ للكتابة التي كنت أسعى لها سنوات
طويلة! لم أعد نادما على تضييع أشياء كثيرة في الحياة من أجل أن أجد سعة من الوقت
لأتمرن على الكتابة طوال سنوات العشرين، يتضح لي أنَّ ذلك هو الذي يخدمني الآن. لا
أحتاج لوقت بقدر ما أحتاج لطاقة. التفكير في ما أكتبه يستغرق أضعافا مضاعفة وقت
الكتابة، هذه فائدة مهارية على الجانب. يبدو أنني لم أدمر نفسي ككاتب كما كنت
أتوقع، ولا يظهر لي أن التجربة في المجمل كانت سيئة، كل ما علي فعله هو تجاوز
حقيقة أنني لا أنافس في ساحة الكتاب العالميين، وأن أحترم أنني كاتب في مجتمعٍ
واضح المعالم بالنسبة لي، وأن هذا الخيار كانَ من البداية. لم أعد أشعر بالذعر من تويتر، متعة الكتابة
الحرَّة غير المقيدة بعدد حروف استولت بسرعة على محاولاتي القلقة لفعل ذلك في
تويتر. الملاعين لم يضعوا خاصية كتابة مقال في تويتر إلا بعد سنين، على أية حال!
لا شيء يدعو للذعر، كتبت مقالاً، نشطت عقلي، لا أحتاج للإفراط في حرق عقلي، ولا أشتاق
تويتر، سيعود إلى مكانه الطبيعي كمنصة تواصل عندما يسمح الوجدان بذلك. هموم أخذت
أربعمائة كلمة، كان يجب أن توضع قبل أن أبدأ بكتابة المقال! هل سيكون يوميا! غير
مهم، ما دام العقل نشطا سأكتب، وعندما يصاب بالتعب، أو يزورني الاكتئاب، سأفعل
شيئا ما، وعادة يزهر الشعر مع الحزن! أمامي امتحان أذاكر له! وبعدها فليكن ما يكون
والحافظ رب العالمين! يجب أن أتذكر، تصفية ذهني من هموم اللحظة، وبعدها كتابة المقالات. لا بأس، الحياة تجربة تعلم دائمة ولا تتوقف!
ماريو