بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 11 أبريل 2023

الرقيب

 

 

 * مُلاحظة موضوعية: كاتب هذا المقال لديه تحيز شديد وعدم ثقة تجاه الرقيب الإعلامي، يُرجى أخذ ذلك في الاعتبار وأنت تقرأ هذا المقال.



إن آخر ما تحتاج إليه المرحلةُ العُمانية ككل في هذه الفترة، والمرحلة الثقافية، ومرحلة حريات التعبير العام في عُمان هو المجاملة، والكلام المعسول. من المغري جداً تصديق الخطابات اللطيفة التي تصدر من شخص المسؤول الإعلامي [كمواطن] نعم، ومن قال أنَّه ليس مواطنا؟ وليس عمانيا حاله حال الجميع، وماذا بعد؟ يريد الخير، والسلام، والوئام، والنهضة، وسيقول كل هذا [الطقم] الذي حفظناه وسئمنا من فرط ما رُدد على مسامعنا، إن آخر ما تحتاجه المرحلة العُمانية بشكل عام هو أن ينطبق عليها المثل [أسمع كلامك، أصدقك، أشوف عمايلك أستعجب!] وهنا سنأتي إلى تفصيل أكثر.

هناك معضلةٌ لا تخلو من التلاعب بالكلمات عندما نتكلم عن الآراء [الانطباعية!] هذه الإدانة الضمنية لما هو انطباعي لا تخلو من خطاب داخلي لا يخلو من التلاعب بالمتلقي. الإنسان غير المتخصص يلقي انطباعاته، وبالتالي إن حولت فكرة تعبير المرء عن سخطه، أو ضيقه، أو حتى غضبه، أو حتى عدم تصديقه إلى تصنيف [انطباعي] وتقول ضمنيا وبتلاعبٍ بيِّنٍ أن الرأي المطلوب هو ذلك الرأي المنهجي التخصصي، فماذا نقول بالضبط؟


 أن نترك الكلام فقط لمن هو متخصص فقط؟ أي يجب أن تكون مهندسا لتبدي رأيك في تخطيط قريتك، وأن تكون طبيبا عندما تتحدث عن معاملة طبية خطأ، وأن تكون باحثا في شؤون المجتمع لكي تبدي رأيك عن ظاهرة اجتماعية. القانون يسمح لك أن تعبر عن سخطك، وعن ضيقك، وهناك حدود واضحة مرسومة لذلك. التلاعب يكمن في ذلك الضمني في الخطاب الذي ظاهره الرحمة، وباطنه المنع، والعقاب، والغرامات، والملاحقات، وغيرها من الأدوات التي مورست بكرم باذخٍ من قبل بعض الموظفين، أحيانا وفق صلاحية تقديرية لا محل لها من الإعراب الواضح، بل وحتى إبداء وجهة نظر أو النقاش. المواطن الفرد ما الذي بيده سوى إبداء [الانطباع] هل عليه أن يقدم ورقة عمل لكي [يُحترم] رأيه؟ وهل من مهمة كل النخب الفكرية أن تنضوي تحت جناحٍ ما فقط لكي تضمن لنفسها حقاً في الحياة الآمنة دون تدخلاتٍ رقابية تفرض تلك الهيمنة المعنوية للرقيب بكل ما لديه من مشاكل مباشرة مع تأثير الثقافة والأفراد وغيرها من ملابسات الإرث الإشكالي لهذا الموضوع في عمان؟

 

 وكأننا نطالب بالمتلقي الذي يعبر عن رأيه تجاه الشؤون العامة في بلادِه أن يتولى هو عملَ الموظف العام الذي قصَّر أو أخطأ في أداء واجبِه العام تجاه الناس. ما الذي يريد الرقيب أن يقولَه في هذا السياق؟ كن متخصصا؟ أو انكتم فرأيك [انطباعي؟] ما أغرب أن يصدرَ ذلك من الرقيب نفسه الذي يتولى عملية المنع، والإيقاف.

عندما نرى واقع سقف التعبير في عمان، أو كما يروق للبعض أن يقول [المحددات] سنرى رأي العين أنَّ سقف الكلام في عُمان قد ارتفع بشكل ملحوظ، خير شهادةٍ على ذلك هي مواقع التواصل الاجتماعي، ولكي لا أكون متحاملا كعادتي ضد الرقيب الإعلامي، نعم هناك ملمح خيّر للغاية يظهر في الإعلام المؤسسي، ملمح لتحيزاتي المسبقة ضد الرقيب الإعلامي أرفض الاعتراف به إلا على مضض.

 من عجائب الزمان والمكان أن يقدم هذه الشهادة الإيجابية الموغلة في التناقض مع الواقع الإنسان نفسه الذي لديه طاقمٌ جاهز للشخصنة، ولتحييد نماذج انتقائية من ساحةِ التدوين الشخصي. هذه ظاهرة مقلقة للغاية من تضارب الخطاب بين الواقع الظاهري وما به من [لطفٍ] والواقع الآخر وما به من تصرفات قد تصل إلى التهديد بالمحاكمة، وتقديم الشكاوي، وغيرها من وسائل الإرضاخ، فضلا عن المخادعة التي قد يقوم بها بعض الموظفين بتقديم معلومات غير دقيقة قانونيا، وتجنب توجيه رسائل مباشرة، والعمل في مظلة من السريةِ التي من المستغرب أن تكون في إجراء مدني [معاملة] متعلقة بالحقوقِ التي للمواطن، والتي كفلها النظام الأساسي للدولة صراحةً، تحويل إنسان من صفة فرد إلى مؤسسة بدون وجه حق هي جريمة في حق النظام الأساسي للدولة، وإساءة للاحترام له، هذه هي الحقيقة المنطقية البيِّنة. المدونة الشخصية تبقى شخصية، حتى تبدأ في نشر الأخبار، وتتناول الشؤون [اللحظية القريبة] وغير ذلك، هي مدونات شخصية، لا علاقة للرقيب الإعلامي بها. لقاء [تضرب سوالف] فيه، لا علاقة لها بالأحداث القريبة لا يقع تحت تصنيف [إعلام] .. عندما لا تنشر أخبارا، أنت لا تمارس عملا إعلاميا، وليكف الرقيب الإعلامي نفسه عن حقوق الناس المكفولة قانونيا!


 عندما يقوم أحدهم بإنشاء قناة تغطي الأخبار المحلية، والقريبة، وقتها سنقول أن تطبيق القانون واجب عليه، أما ابتكار هذا التأويل الأعوج من أجل ماذا؟ هنا سنتكلم عن الانطباعات!

ما هو الانطباع العام عن المؤسسات الإعلامية في عمان؟ ولا سيما تلك الرسمية منها؟ الانطباع العام هو أنَّها أخفقت في الوصول للناس، والتسخيف الذي تتعرض له منذ زمن طويل سببه نظرية الرقيب المتهالكة والتي لم تعد تصمد أمام أدوات العصر الحديث، ما الحل؟ هل الحل هو تغطية هذا الإخفاق البيّن المجمع عليه بمحاربةِ المنصات الرقمية؟ من أجل ماذا؟ هل الأمر هو هيمنة واحتكار؟ هذا نعم هو انطباع، ويحتاج ربما إلى استبيان صريح وشفاف، ولتقم به هذه المؤسسات التي تزعم الشفافية والصراحة، وليكن ذلك على الهواء مباشرةً، هذا إن أردنا أن نطبق الكلام المعسول ونحوله إلى واقع، أما البقاء في تلاطمِ تلك التصريحاتِ المتلاعبة فهو لا يخدم لا الوطن في شيء، ولا واقع الحريات في شيء، عُمان بحاجة إلى حريةٍ مسؤولة، وهي أيضا بحاجة إلى تقبلٍ لسقف قد لا يخلو من بعض الأخطاء، وبعض المجازفة، نظرية المشي على المضمون واعتبار أن الحديث حق فقط لمن هو متخصص يقوم بتقديم مشورات مجانية لمن قصَّر في عمله من الأساس هو جزء من ثقافة الاستحقاق السلطوي التي تأسست فكريا حتى أصبح التصدي لها صعبا للغاية، كيف يمكن لمسؤول عام أن يطالب من المواطن أن يكون موظفا بلا راتب لديه! كن متخصصا، ثم تكلم! لماذا يا شيخً! هذه المخاتلة في تأطير الرأي الانطباعي هي نوع من التسطيح المتعمد، فالذي لا يعجبه ما يحدث فهو انطباعي، وكأن هذه الانطباعات ليست مهمة، وكأن الدراسات الإعلامية المليارية، ذات الزيارات المهولة لا تعتمد هذا المُسخَّف والذي تم تبخيسه علنا [الرأي الانطباعي]، هذا الرأي تقوم عليه مؤسسات إعلامية كاسحة، وتحلله أنظمة ذكاء صناعي تلاحق العالم في قوة الوصول، وعندما يصدر هذا الكلام غير الدقيق فالأمر مقلق، مقلق لأن كل هذا لا يخلو من الخداع المتعمد، على الرقيب أن يعترف أحيانا بقصور أدواته، وتقصيره في قراءة معطيات الواقع الرقمي قبل أن يفتي بهذه الفجاجة عن موضوع مثل [الانطباع].


 الانطباع العام عن المؤسسات الإعلامية في عمان هو انطباع سيء، وإن كان الرأي الانطباعي لا يصفُّ في مديح هذه المؤسسات، فهو انطباع سيء، أما الحديث عن الانطباعات المجانية الواسعة الشاسعة التي تقدم ليل نهار في الإعلام، والمدح الفج، والتطبيل الذي يصلح لحدود العمومية المفرطة من متخصصين في مجالِهم فهذا ليس انطباعيا، هذا هو جوهر المسألة، وجوهر معضلة الرقيب الإعلامي في عمان، ولذلك هذا التحدي كبير بمعنى الكلمة.

ختمنا جانب [الانطباعات] في هذا المقال، وهي إحدى آليات التعبير عن الواقع الذي يعيشه الإنسان، والإنصات لها، وجمعها، وتقييم أنماطها، وتشابهها، وتفاوت موجاتها عملية علمية معقدة لا يتم اختصارها في جملة واحدةٍ فحسب. نأتي الآن إلى جانب الحلول النقدية، ما هو الحل في موضوع العلاقة الملتبسة بين الإبداع العُماني، والتعبير عن الرأي، والرقيب الإعلامي!

إن أراد الرقيب الإعلامي أن يثبت حسن نيته، فعليه أيضا أن يظهر ذلك في تعامله مع الكتاب، والأدباء والمبدعين. إن فكرة إعطاء الرقيب الإعلامي مدى زمنياً مفتوحا للرد على كاتب لنشر كاتب هي فكرة وخيمة للغاية. وهذا الذي يكتب هذا المقال تعب من فرط النداء والمتابعة لكتابٍ يريد نشره، هل نحترم القانون؟ نعم نحترم القانون. هل نطبق تفاصيله؟ نعم نطبق تفاصيله، ولكن ماذا عن الجوانب الإجرائية، وتحسين الجودة الإدارية لعمل المؤسسات الرقابية؟ هنا يصمت الكلام لأننا نتكلم عن مدى زمني مُرسل، لا أحد يعلم متى يرد عليه الرقيب، حتى وإن تعطلت مصالحه، وهذا هو الخط الكبير على أرزاق أناس كثر يعملون في صناعة المحتوى الرقمي إن جاء هذا الرقيب المتهالك، بكل ما لديه من بطء إداري، وسوء في فهم السوق من نواحيه التجارية، وكل الذي يريده هو إثبات موقف ما قد يكون شخصيا، وقد يكون انتقائيا، وقد يكون غير مبرر، فما الذي يجعل قنوات اليوتيوب [وعددها آلاف مؤلفة] في عمان فجأة تحتاج إلى تصريح؟ وترخيص؟ وتعطى صفة منشأة إعلامية خاصَّة؟ ما أعجب هذا التناقض بين التصريحات والواقع! والأمل معقود على شيء واحد، أن تكون التصريحات في الآونة الأخيرة بشارةً لبدء مرحلة من التفاهمِ الإداري، والقانوني بين الرقيب الإعلامي، والمبدع العُماني، وصانع المحتوى، والكاتب، والمسرحي، والمنتج الفني، هل هذا الذي سيحدث؟ عسى أن يحدث ذلك من أجل ما نتفق عليه، وهو حق هذا الوطن ككل في التعبير الحر عن الرأي، دون تقييد، أو تهديد، أو شخصنة من قبل الرقيب الذي من العجب أن يمارس هو الشخصنة، ثم يدعي التعرض لها! هذه من عجائب الدنيا التي لا تتوقف.

 

إن واقع الرقابة الإعلامية بما فيه من مناطق رمادية شاسعة لن يحقق هذه الرؤية. والذي سيحقق هذه الرؤية للدولة، وللمواطن هو القانون فقط. عندما تتقدم إلى القضاء أمام قرار إداري، وعندما تكون هناك هيئة قانونية هي التي تتولى الفصل في الخلافات في الرأي بين الرقيب الإعلامي، والكاتب والأديب. عندما تتقدم برواية ولا يرد عليك لسنوات، وعندما يمنع برنامج دون تسبيب واضح، هذه تصرفات لا تدل على حسن نية لدى الرقيب الإعلامي، بل تدل على مُنافس يريد الإطاحة بكل الوسائط الأخرى التي تثبت لماذا [انطباع] الناس عنه سيء، وساخر، ومليء بالسلاحف، وغيرها من وسائل المنع التي تتم باتصالات، وبرسائل تحمل ختم [سري]، بغير وجه حق قانوني أو إداري. أبسط حقوق الكاتب ألا تعدل على كلامه دون معرفته، وأن تناقشه في التعديلات وتأخذ موافقته، وأن تجعل ذلك حوارا ثنائيا لا عنجهية من جانب واحد. وأبسط حقوق الكاتب أن يعرف لماذا شيء ما لا ينشر، وأن يناقش، وأن يعطى فرصة لتعديل العمل، هذه حقوق، مبنية على الاحترام، فإن كان [انطباع] الرقيب الإعلامي عن المبدع أنه لا يستحق هذه المعاملة فهل من العجب أن يبادله المبدع هذا [الانطباع]. لا منهجية ولا تخصصية في عدم الإفصاح لإنسان عن سبب عدم نشر مادة، ولا تخصصية، ولا منهجية في تغيير مسميات الأشياء، كحال قنوات اليوتيوب التي منذ عشرين سنة منها آلاف القنوات، ولكن نماذج منتقاة بعناية هي التي تُحاصر تحت هذه الحجة: الترخيص!

تحيزي الحاد تجاه الرقيب الإعلامي يمنعني من الاعتراف أن بارقة أمل تأتي مع كل هذه التصريحات الأخيرة. وعلى الرغم من كل الفصول الرديئة التي شهدتها العلاقة بين الثقافة، والإعلام الفردي، والإعلام المحلي، ونزعة الهيمنة العنجهية التي يمارسها الرقيب سأقول أن الحلول هي إدارية وإجرائية في المقام الأوَّل، الرقيب الإعلامي يحتاج إلى تدريب في معاملة الناس، وأقصى ما يريده المرء من هذه المؤسسة هي أن تحترمَه ولو قليلا، أن تحترم عقلَه كمتلقٍ ولا تسوق عليه هذه الخطابات بما فيها من ضمنية ملتبسة ومتعمدة، وأن تحترمه هو كمواطن صاحب معاملة، بوضوح، وألا تخلط الحابل بالنابل في الأوراق القانونية، وتعطي الفرد صفة مؤسسة، هذه التجاوزات خطيرة جدا بمعنى الكلمة، ولا ينتج عنها الظلم فحسب، بل ينتج عنها صناعة الطغيان الفردي الذي يقود عقلية الفرد الرقيب إلى التلف، والشخصنة، والحروب، وبذر البذور ضد فلان وعلان وغيرها من الوسائل السيئة التي تُمارس أمام الذين يقولون ما هو واضح للعيان، أن المشروع الإعلامي للمؤسسات الرسمية يحتاج إلى زمن طويل ليواكب هذا العالم، وأن كلمة [انطباعات] هذه، هي أساس قراءات ورصد طويلة وعريضة تعتمد عليها شركات ضخمة ميزانياتها بالمليارات التي لا تملكها وسائل الإعلام الرسمية والخاصة والفردية كلها مجتمعةً، العالم يذهب لعصور التحليل بالذكاء الصناعي، ونحن نتكلم عن [الرأي الانطباعي] وكأن كلمة [رأي] قبله لا تعني شيئا.


 كلها معضلات لدي تفاؤل أنها ستحل، ولدي تشاؤم شديد أنَّها ستكون عسيرة إلى أن تصل لحالة الحلول. التشريع هو الحل الأكبر، بما فيه من وضع النقاط على الحروف، وإعطاء كل ذي حق حقه، وفتح باب الاحتكام إلى شيء واضح لا إلى منطقة رمادية باسم أشخاص يحتكمون إلى مدرسيّتهم الخاصة بهم. سأطمئن إلى شيء واحد، أن هذا التوجه جاء بتوجيه مباشر من جلالة السلطان، وسأطمئن بعض الشيء إلى أن هذا ركن متين يوثق به، أما عدا ذلك من التجربة الحالية للرقابة الإعلامية، فهي تستحق [الانطباع] السائد عنها، فعوضا من صناعة أدوات للوصول للناس، أصبحت تشتغل لبسط هيمنتها على هؤلاء الذين هم من الأساس طفشوا منها وذهبوا إلى عالم الإنترنت الفسيح، ولكي لا يتحاذق أحدهم ويقول [النت مصدر مشاكل] نعم النت مصدر مشاكل، ولكن ليس كل الذي به يبحث عن المشاكل، البعض فقط يبحث عن مساحة فردية بيضاء تكفل له شعوره بأنه مواطن له رأي، لا يخضع للتوجيه، ولا للخداع، ولا للي الذراع فقط لأن الرقيب لديه إخفاق إعلامي كبير لا يريد الاعتراف به. هذا الكلام المعسول يحتاج إلى برهان واقعي، وإلى أن يحدث ذلك سأبقى متشائما تجاه هذا الرقيب الذي عندما يتورطُ في إخفاقه في الوصول للناس، يحاصر هؤلاء الذين وصلوا لهم بحجة: هذه صلاحياتي!

 

معاوية الرواحي