بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 12 يوليو 2023

سؤال هاشم الجحدلي

 من يجرؤ؟

.. متى تحس بالتغيير في سلوكياتك، أولوياتك، اهتماماتك، مواقفك: هل بعد كل تجربة مؤثرة هل بعد كل موقف مزعج هل بعد قراءة متأنية هل بعد علاقة متوترة أو عميقة هل بعد تراكم تجارب وخبرات أم بعد شيء آخر، وما هو؟ وهل تحس مباشرة بهذا التغيير وتتلمس آثاره؟

هاشم الجحدلي
إجابتي
التغيير، يأتي بعد إما صدمات متوالية قصيرة، واكتشاف أن إعادة التفكير بالحياة بالطريقة نفسها دون تغيير سيزيد عدد الصدمات، ويجعلها بلا نهاية، أو قد يقود للصدمة الكبيرة، وهذه التغيير الذي بعدها يأتي مثل [خلع الكتف] .. عندما تشعرُ أنَّك عشت صدمة غيرتك حقاً، لكنك لا تعرف تغيرت إلى ماذا! لا تعرف [إلى ماذا تحولت]. يبدأ الأمر بنوعٍ من الشعور بالغربة وأنت مع نفسك وأفكارِك. كانتقال الملحد لليقين، ولو كان المبدئي، أو إلغائه لاحتمال [انتفاء الخالق] والسؤال المرير: هل حقا كنت أؤمن أن كل هذا صواب؟ وأن كل ذلك الشك هو حقيقة في حد ذاته؟ هل حقا أوقفت كل الاحتمالات لكي أجعل كل هذا الكون عبثا بلا خالق فقط لأنني أتحامل على النبوَّة أو بعض رواياتها؟ هذا هو التغيير الفكري، تتأمل حال حياتك. صديقك الملحد الذي يتفوه بالكلمات المقذعة عن الذات الإلهية يصبح إنسانا تتجنبه، يجرحك ما يقوله، المتطاول الفج بالسباب على النبوة، يصبح إنسانا مقيتا [وواهما]، شعور بالعار الشديد أن كل ذلك كان [حقائق] في ذهنك. والتغييرات الأخرى، كالذي ينتقل من الفقر للثراء، يصاب بالهوس المجنون أن يعوض حياته الفقيرة، يلبس خمس ساعات، يشتري سيارة غبية اللون، ويحيط بحياته المتنفعون، ومصاصي الدماء، وهو لا يدرك أن صدمة التغيير جاءت سريعة، مفاجئة، وتأخذ زخمها المفاجئ، وقد تنهيه في جرعة زائدة، أو حادث هواية خطرة يظنها [مستحقة للأثرياء فقط]. والذي ينتقل من الثراء للفقر، ويتغير، وقد يصبح حاقدا على الحياة، وينتقلُ تدريجا من تجربة لأخرى، ورحلة بطيئة جدا من التقبل، واكتشاف [أكذوبة] كبيرة كان يعيشها، وشعوره بالحصانة، ودوام الحال يتلاشى أمام عينيه عندم يصبح فجأة أحد الذي يصفون في طابور الخبز، أو الذين يضطرون للجوع وجبتين في اليوم. وأخيرا، عندما يتغير القاسي لإنسان طيب. ذلك الفج، الغليظ، الذي خسر من حوله بسبب شراسته، وقسوته، وجرب الوحدة، وأن يهجره الناس، ذلك النرجسي الذي سمم كل زملائه في العمل، والذي يأتي عليه يوم العيد ولا رسالة تصل له تهنئه، ويكتسب مع الوقت [موت الإيجو] يتعلم التعاطف، وقليل من العطاء، وقد ينجح ببطء شديد في أن يصبح إنسانا قادرا على الشعور بغيره، وأن يتوقف عن التلاعب بالآخرين من أجل مصالحه، وأن يفسح المجال لقلبه كي ينبض في صدره. وأخيرا، الإنسان الطيب الذي يتحول إلى إنسان قاسٍ. ذلك الأهبل، الذي يتعرض للتنمر، والاستغلال، ويسخر منه الناس، ليصبح مشروع حامل سكين، أو حامل سلاح ناري، مشروع انتقام، وذلك الذي كان يبكي عندما يشاهد فيلما في السينما، ينثر بذور الدمار، وقصف الأعمار، وقتل الأحلام، والحياة تكون بالنسبة له الخصوم، والأعداء، ويصبح الحب عبئا، والأمل مرضا، وحسن الظن خطأ. يتغير الإنسان ببطء أو بسرعة، في كل الأحوال هي صدمة اكتشاف كم انهار ما كان [حتميا] باليقين، ليصبح نسبيا بالتجربة. يُجرِّب ذاته الجديدة، وكأنه شخص غريب، وكأنه [متقمص] لذاتٍ إنسان آخر، وكأنه [يعيش] في عقل ليس عقله، وكأنه [ضيف] جديد في منزل لم يغادره مالكه السابق، لكنه مصاب بغيبوبة، والضيف هو أصبح صاحب البيت. وبعد أن تكتمل أركان التغيير الداخلية، تبدأ المعركة الخارجية، وإزعاجها، ومقاومة التغيير من الداخل تأتي على هيئة [نوبات] من الذكريات، وكأنها كما قال المعري [فكأن زجر غويها إغراؤها] ومقاومة التغيير من الخارج تأتي على هيئة شيطان من البشر يقول لإنسان عد لتعاطي المخدرات، أو على هيئة ملاك من البشر يقول لك: "لا تكن سيئا" ويقاوم تغيرك للأسوأ، ويقف في وجهك. وفعليا [يزعجك] ويقلق راحتك التي كانت مليئة بالشر. التغيير يأتي من إثبات لك أن نظريتك السابقة في الحياة تحتاج إلى تعديل، ويحدث داخلك، وأنت تعصر عقلك، وتواجه نفسك، وخطابك الداخلي يقول لك [افعل كذا، ولا تفعل كذا] عندما تتوقف التبريرات الواهية التي كنت تنسجها عن إقناعك أنت، وعندما تواجه الحقيقة الصافية لسلوكك لا غير، [كنت أفعل، كنت لا أفعل] ويصبح ما تريد وما تخاف مجرد فكرة نقدية خاضعة لمعول التغيير الذي ما أن يدبُّ تأثيره في النفس، تبدأ المراحل العديدة والتي إن كان التغيير نحو الخير فنهايتها الاستقرار والشعور بقبول الذات، أو التغيير نحو الشر الذي نهايته التبرير، وفقدان التعاطف، وعقلنة السوء، أو التغيير النسبي، الذي يصبح فيه الإنسان خيرا وشريرا في وقت واحد، وهنا تتبادل الأوهام مواضعها، ويصبح الذي قتل مئات الناس لطيفا بالقطط، وصديقا لمزارع اليقطين، أو يصبح الذي ساعد مئات الناس سيئا، ومختلسا، ويسرق من دار أيتام.

ويأخذ التغيير مداه ووقته، حتى يصل إلى المنطقة الحتمية، عندما تدرك أن بعض الأشياء لن تتغير، وستبقى دائما كما هي عليه، وهُنا يتمايز النسبي والحتمي، ويحدث القبول الواضح للذات، وينشأ من هذا [التصالح] الذي رغم جانبه الحتمي المزعج، لا يخلو من نسبية التغيير، وإمكانياته، وطرقه، وقابلية حدوثه. هذا ما دار في خلدي بعد قراءتي لتغريدتك أيها العزيز جدا جدا جدا على قلبي ثم عقلي.