نهارٌ واقعي من الجذور إلى الأوراق. يومٌ إجباري من الراحة. آلام عضليةٌ تغزو كافة أوصالي. ينصحني عبد الملك الدغيشي مليار مرَّة بأنَّ الذي أفعله خطأ، أعرف أنَّه على صواب، ولكنني لا أستجيب لأحد، هذه المشكلة التي أواجهها الآن بصبر من نوعٍ آخر.
في صالة التنس، أصل الساعة الخامسة وأغادر الساعة الحادية عشر، أتمرن كأنه اليوم الأخير في حياتي، مرهق، محطم، متكسر، أقود دراجتي الهوائية ثمان ساعات، أقضي خمسة أيام وربما أكثر في التعافي من رحلة واحدة.
هذه هي قوَّة الغشامة. أن تكون من النوع المختلف من البشر، الذين لا يحتاجون إلى تشجيع، بل يحتاجون إلى فرامل. ما أن قابلت أخصائية التغذية التي قررت التعاون معها قلت لها:
- لدي مثل من تأليفي هل سمعت به؟
قالت: الله يستر من أمثالك.
سألتها: من الأشجع من الشجاع؟
سألتني: من؟
قلت لها: الغشيم!
صرت أفهم نفسي جيدا، لكن هذا لا يعني قدرتي على تغييرها. الوقت الذي يُراهنُ عليه عادة في التغيير ليس أكثر من إيقاف لاستفحال التفاقم. والرحلة صعبة للغاية، تواجه من؟ نفسك؟ حقيقتك؟ طبيعتك؟ وذاتك المضطربة المليئة بالمشاكل؟
أخوض غمار رحلة التغيير الثالثة، وكم هو مبهر وكاذبٌ للغاية أن تؤطر كل هذا بحقائق نفسية مزيفة، أنَّ السبب في ذلك هي الإرادة الجبَّارة، وأنَّك [الوحش] الذي يغير نفسه للأفضل، لو لم أكن طالب علم نفس لربما خدعت نفسي بهذه الخدعة، هذه المهنية التي أتعلم أبجدياتها في المجال تعيدني لصوابي، كي أفعل ما هو صواب، كي لا أخدع نفسي قبل أن أخدع غيري.
صيدليتي الخاصَّة مُنعت عني! تخيل يا ماريو! تلك الصيدلية المليئة بأوهام التعلق، والضغط الشديد على النفس مُنعت بقدرة قادر، من الذي منعها! خبير في مجالِه! هل تستطيع مقاومة العالم الخبير في مجاله؟ لن تستطيع، أنت تعلم جيدا أنَّك تغير شيئا كبيرا هذه المرَّة، تصلح من اعوجاج دائم في شخصيتك.
الغشامة! بصمتي الأولى في الحياة! الاندفاع الأهوج. في كل شيء! ما عدا شيء واحد يوقفك عند حدك، ويوقفها عند حدها، الرياضة! هذه التي تعاقبك بالألم، وبمعرفة حدود قدرتك، على صعيد الأذهان، يمكنك أن تذهب للوهم بعيدا جدا.
أستحضر تجربتي في الحياة، وتلك الأيام التي انهمكت فيها في ما كنت أظنه نشاطا سياسيا أو اجتماعيا! يا إلهي، فعلا الغشيم أشجع من الشجاع! لا شعور بالعواقب، هجوم مهووس مجنون على كل شيء به خط أحمر أو قانون!
لم يتغير موقفي الداخلي من الكلام، باعتباره حقا. الذي تغير هو جدواه، وأثره، أما قيمة الحرية لم تتغير مطلقا. لا أشعر بسخافة أن تجازف أو تحاول لكنني الآن أحلل فقط، ما تلك الفوضى والبوهيمية اللغوية التي عشتَها؟ مندفعاً من أجل نداء غامض يتجلى الآن بعد انقشاع غبار المعارك!
العقلاء يختارون انتقاد الدولة، أنا اخترت الهجوم عليها، ثم الهجوم على المفتي، والثقافة، والإلحاد، والعابر، والسائر، ومن ثم أشعر بالذنب وبقايا التربية التي تلقيتها فأهاجم نفسي وأعاقبها بشتى أنواع العقاب، متطرف حادٌ في القبول والرفض، إما إنسان لا يلقي للمجتمع أي اعتبار، أو آخرٌ منساقٌ وراء القيود الاجتماعية، سنوات هكذا، وسنوات هكذا حتى استقرت المراكب على ميناء معقول. لم تعد حياتي الخارجية تؤرقني، ولقد هدأت بفضل الله، وبعفو السلطان، وبعناية الإنسان النبيل الذي وقف معي وساندني، صاحب السمو السيد ذي يزن. لم أعد ملفا سياسيا، ولم تعد لي علاقة بهذا الكوكب الذي لا أفهمه. لكنني ما زلت أتساءل، وأتساءل! وبعض الأشياء تتضح لي الآن.
كل هذا جزء من الطبيعة الداخلية أكثر من الخارجية. الاندفاع، والحدية، والمجازفة، والسعي المجنون للصدام مع السقف الممكن من أي شيء!
تغير موقع المعركة والصدام، وأواجه الآن عمراً كاملا من التفكير غير المنطقي. تأخذ الصدامات معاني مختلفة عندما يتعلق الأمر بصحتك وبقائك. حتى هذا الألم! السجن، يشفى نسبيا، والضغط الاجتماعي تتوقف عن الشعور به أما آلام صحتك، أو الدسك الذي يضرب مثل سكين من نارٍ في عصبك، هذا هو الألم الحقيقي، الألم الذي مهما جننت، قد تختار أن تزهق روحك بيدك ولا تختار ألما مثل ألم الضرس أو ألم العمود الفقري.
بعد شهورٍ من النشاط، أجلس في البيت، مجبرا، مضطرا. أعيد النظر في خطتي تجاه خططي. مضحكة الجملة بمعنى الكلمة! وضعت خطة وأنفذها، لماذا أفعل ذلك؟ لكي تلجمني؟ وتوقف طاقتي؟ وتجبرني على الراحة في يوم الإجازة؟ هذا هو الصواب، ومضطر لفعله.
هي نفس بشرية، إن أرهقتها ستسايرك حتى تنقلب عليك. أشعر بكآبة حادة، وبرغبة في الذهاب لصالة التنس وقضاء خمس ساعات هناك أزهق فيها كل قلقي. هل هذا هو الصواب؟ كلا. ليست هذه الحقائق التي أود الكتابة عنها، ليس هذا ما أود مشاركته لكوكب كامل من البشر، إن أردت فعل الصواب، عليك أن تكون واقعيا، بعدها ستتضح حقائق الأشياء، ونواميس البشر.
يتمرنون بالتي هي أحسن، يأكلون بالتي هي أحسن، ولا يتخذون صيدلية كاملة لكي يحرقون شمعة الصحة والعمر. توقف انطلاقك عندما تضطر، وترمي شرارة في قش الكسل والعجز وقلة الحيلة، وتنتقي المستشار المؤتمن إن وفقك الله في ذلك. اللعنة! أشعر بكآبة طاحنة هذا النهار، سأذهب للمشي، ربما هذه هي الحيلة التي توقف هذا.
المعالج النفسي الألماني يتواصل معي بعد انقطاع طويل، يشعر ببعض الضيق من عودتي لسابق العهد، للحدية التي تؤدي للاحتراق. أشرح له عن تجربتي مع الحديد وكيف أنها تحدتني بمعنى الكلمة، أخبرته عن الآلام العضلية التي أمر بها فتنهد بضيق!
- أنت تعاود فعل الشيء نفسه!
فعلا صعب، أن تكون طبيعتك هكذا. خصالك هكذا. ليس بيدك سوى أن تتقبل تفويض بعض قراراتك لمن يفهم وتثق به. وأن تحاول مجددا.
نهار واقعي تعيس. لا أعرف إلى أين ستأخذني هذه الرحلة. معلق ببدايتها، كل هذا تأهيل لكي تبدأ الرحلة الحقيقية. جلست بالأمس مع مدربٍ كبير في مجال الدراجات، امتلأت النفس بالحزن، والكآبة، والشعور بغياب الأمان في شوارع مسقط العدوانية تجاه الدراجين!
يقول لي بكل واقعية: في مسقط، الأمر لا يتعلق [إذا] كنت ستصدم من قائد سيارة، الأمر يتعلق بــ[متى] سوف يصدمك قائد سيارة!
هذا هو الواقع المر في مسقط! المدينة العدوانية ذات الثقافة المرورية المبنية على استحقاق سائق السيارة، وكأن الشارع له وحده دون العالمين!
هذا النص مظلم، وسوداوي، ومن الأفضل أن أذهب للمشي قبل أن تفتك بي حسرات كثيرة، لم أعد أريد الكتابة عنها....
نلتقي عندما نلتقي!