يوم الراحة من التمرين! تراجيديا فكرية، اليوم لا تمرين، غدا لا تمرين، بعد غد لا تمرين، بعد بعد غد لا تمرين. أربعة أيام متتالية من الاستشفاء القسري.
الجسد يتطور، والنفس تشعر بالربكة. كنت أعلم أن تجربةَ تمرين الحديد ستكون مختلفة، لكنني لم أعلم أنها شاملة إلى هذا الحد!
شاملة بدنيا: تستهدف الجسد كاملا، حتى لو أردت عضلات الأنف، والأذن، هنالك خطة للوصول لها!
لا أقول ذلك من باب الطرافة! نعم هنالك تمارين ابتكرها البعض للحواجب، والعين، والأذن، بل وحتى اللسان! حيثما كانت هنالك عضلة في الجسم، هنالك طريقة للوصول لها!
شاملة نفسيا:
وهذه بها كلام كثير، البعض يظن أن تمرين الحديد مكان لكي [تفرغ فيه] طاقتك، وغيرها من التأطيرات التي تعكس أهدافه. هذا ما يجعل البعض ربما يأخذ تمرين الحديد كتحدٍ لكسر رقم دائم، ولا يتعامل مع المسألة بشكل موجي، مستواه يتقدم، ثم يتراجع. البعض يأخذها كخطة طويلة المدى، وهناك من يتعامل مع الموضوع بغشامة سوف تودي به للمشاكل، وقد يتعلم من الدرس وقد لا يتعلم، من الناحية النفسية! الثبات يجب أن يكون سيد الموقف وإلا فإنَّ الدروس الكبير تتربص به كما تفعل الضباع بجاموس برِّي شارد!
تجربة مختلفة أن تبدأ تمارين الحديد بعد الأربعين، ولعله خير ووقت مناسب بالنظر إلى ما يحدث من تراجع وانطفاء حيوي، أيضا، تختلف الأهداف، الثابت في شمولية هذه التمارين نفسيا هو أنَّك يجب أن تتقبل عامل الوقت، وتدريجية كل شيء، الاستعجال لا يكلفك جهدك ومالك، قد يكلفك صحتك، أو ما هو أسوأ، قد يكلفك حياتك.
ثم شمولية كل شيء آخر، الغذاء، والنوم، والسلوك الصحي، كلها عواملٌ تدخل في صميم هذه التجربة. كل شيء مرتبط بالآخر. هذا هو المبحث الذي يلوكه الجميع في هذه التجربة، المهم جدا لأجل النتائج وقليل الأهمية من حيث التجربة، أن تتمرن يعني أن تستمر، ولكي تستمر عليك أن تحدد الاحتراق الذي تقدر عليه في حياتك.
سأعطيك مثالا عزيزي القارئ:
إن كانت حياتك مليئة بالتحديات والمصاعب، هل من المنطقي أن تجعل ذهابك إلى صالة التمرين تدريبا على المزيد من الصعوبات؟ أظن أن البعض يغالي في تصوير عالم الحديد كعالمٍ شاقِّ مليء بالتحديات، والصعوبة!
تحمل ثقلا يقارب طاقتك الكاملة، وتعود للمنزل وترتاح وتنام وتتابع التلفاز ثم تخرج على الناس كأنك أندرو تيت تتهمهم بالضعف، وضعف الإرادة، وتستخدم خطاب التشجيع السام! هل هذا الذي يجعلك قويا!
أين القوة في ذلك؟ تبني عضلات ثم ترجع لكي تتهم الجميع بالضعف؟ لديك مشكلة يا هذا! الأمر لا يتعلق ببناء العضلات لو كنت مهتما بالأشكال لهذا الحدث، لعلك أقل شخص مناسبةً لكي يشجع أي إنسان على خوض هذه التجربة.
أتفهم الآن لماذا يترك كثيرون هذه الرحلة. إنها حقا لا تخلو من السمية! وإن لم تكن التجربة سامَّة، فهي لا تخلو من الخطورة، وإن لم تكن خطرة، فهي لا تخلو من غياب الفوائد العملية والنفسية لساعة ونصف من التمرين!
مشكلة ألاحظها الآن بعد ما دخلت هذا المجال، كل إنسان يريد أن يخطط لك ما الذي تفعله بجسدك! وإذا لا سمح الله أجرمت وقلت له: "تهمني قوة العضلة وذاكرتها، وأداؤها في الحياة" كأنك أصبته في مقتل!
يعني تتمرن ولا تريد عضلات جميلة! هل أنت غبي؟ ترد عليه، أريد التغلب على آثار العمر، تجاوز الضمور العضلي، وأخطط لأحلام بسيطة، كالركض ساعة على البحر، أو السباحة بضعة كيلومترات، مباشرةً يزعل عابد العضلات ويعتبرك إنسانا يضيع الوقت!
ما هذا البحر الواسع الشاسع! الكروس فت لهم فلسفة ومدرسة، وبكل صراحة هي الأقرب لعقلي والأبعد عن جسدي. بناة العضلات لهم مدرسة أخرى وهي الأقرب لجسدي والأبعد عن عقلي، ومن ثم معك الرياضات التحمليَّة الشاقَّة التي تجمع البساطة والصعوبة، وأخيرا الرياضات المهارية التي بها التعقيد الشديد. ما الذي تريده في هذا الكوكب الضاري الذي أساسه الاحتراق!
أقول لصديق مهووس بالتمرين، شعاره في هذه الحياة "لا يكفي، لا يكفي" أنني أختلف في أهدافي معه، يزنُّ على أذني كأنَّه دبور هارب من الحريق: يجب أن تضع أهدافا صعبة، وإلا لن تصل؟
أصل لأين؟ لمسابقة؟ لبطولة؟ لا أريد أن أصل إلى مكان أريد أن أصنع عادةً جيدة، أتمرن، أعود للمنزل أحمل معي "نشعة" هرمونية، أكتب عليها بعض السطور، أو أذاكر!
يصاب بصدمة، وكأنني أهنت معبدا مقدسا ينفق فيه يقينه وإيمانه، وصحته، وطاقته النفسية!
بصدق! هل عالم الحديد حدي إلى هذه الدرجة؟ يبدو أنني اخترتُ مجالاً سوف يتحدى طبيعتي، أم هو عمر الأربعين الذي جعلني أبدأ بهدوء؟ لا أعرف، كل الذي أعرفه أنني أعيش ما يكفي من التحديات في هذه الحياة بحيث لا أحتاج إلى آلام عضلية شاقَّة لأشعر أنني أحسن حالا، أتأخر شهرين؟ ثلاثة؟ لا بأس. تأخرت سنوات من قبل، دع العضلة تنام، ودعني في شأني، واذهب أنت وتمرن عشر مرات في الأسبوع، كل إنسان لديه طريقته في صناعة تحديات في حياته.
لا تخلو الحياة من الصديق الحكيم، الذي يقول لك الشيء الصائب. من مضغ الطعام، إلى طريقة الشفاء من التمرين، كيف تحدد طاقتك، وقوتك، والأهم كيف تأكل. لم أعد ألقي بالا لموضوع الطعام، كلمت أخصائية تغذية وأمشي على الجدول الذي لدي بحذافيره، أزعجني جدا أنها حذفت مكملاتي ولم تبق منها إلا على شيئين فقط، مع ذلك، أشعر بتحسن في طاقتي ونومي، وأنتظر ذلك اليوم الذي أستطيع جمع تمرين الحديد مع تنس الطاولة في يوم واحد، يبدو أنه لن يأخذ أكثر من شهرين، لا بأس، ملتزم بالخطة، وأمضي فيها قبلت أو لم أقبل.
كنت أقضي ساعات على دراجتي، وكانت الرحلة تمتد لساعات متتالية، لم أفهم كيف لشخص لديه هذا الصبر على رياضة مثل الدراجة أن يفرَّ من تمرين الحديد الذي لا يأخذ أكثر من ساعة ونصف! الآن فقط فهمت السبب! لأن البيئة النفسية المحيطة بالحديد أصعب بكثير من البيئة تلك التي في الرياضات المهارية، أو رياضات القدرة والاحتمال!
لحسن الحظ أنني شرحت كل هذا للمدرب، وطبعا، أضطر لشرح هذا لكل صديق متحمس يدفعني دفعا لكي أعتبر بناء العضلات هدفا، منذ متى العضلة هدف؟ هي وسيلة، ما فائدة عضلة لا أستخدمها لاحقا في رياضة! ما فائدة تمارين الرجل إن لم تنفعني في الذهاب إلى [هايك] طويل!
كلمة "كمال الأجسام" في حد ذاتها كلمة خطرة نفسيا، وسامَّة جدا، من أين هذا الكمال المزعوم! عموما، الذي يسعى لهذا الهدف لست ضده، ولا أعتبره مخطئا، لكنني أقول: هذه الطريقة من التفكير مضرة نفسيا، وقد تنقلب على صاحبها ذات يوم، وقد انقلبت على كثيرين.
المشوار في بدايته، أتأمل آثاره علي، وأتأمل البيئة المحيطة التي به وأخوض التجربة وأشاركها للناس، لطالما كنت أتمنى أن يكون المحتوى الذي أنشره وأكتبه متعلقا بشيء مثل الرياضة، الآن أصبح متعلقا بالصحة، وبحياة ما بعد الأربعين، بلا جنون، بلا مجازفات، شيء واقعي. لذلك أجلت اعترافي بخطتي الغذائية والرياضية حتى بدأت بفعل الأشياء بأقرب الطرق للصواب، الطريقة طويلة المدى، المملة، الخالية من الصرامة، والمعقولة منطقيا.
ثلاث مرات في الأسبوع للحديد، مرتين أسبوعيا لتنس الطاولة، ومع الوقت ستكون ثلاث بثلاث في يوم واحد، سآخذ عدة شهور حتى يكون الوقت الكلي الذي أدفعه للرياضة "تسع ساعات" وهذا يكفي تماما، ولكن إلى حين الوصول لهذا، ثمة عملية تأهيل طويلة المدى سوف تحدث، الجميل في وجود خطة هو وجود نتائج، ولأنني لست متعجلا، أقضي هذه الأيام الإجبارية من الاستشفاء في الكتابة، والمذاكرة، وإنهاء متعلقات العمل والحياة، هذا الوضع أجمل من توقعي السابق.
ماذا أريد أصلا؟ أريد الشعور بأنني قادر على التمرين ست ساعات؟ بمستحضر ما قبل التمرين، ثم بالأحماض الأمينية؟ أم أريد الوصول إلى المستوى الذي أعصر فيه تمريني في ساعتين، أعود منها نشطا؟
الأمل بعيد المدى هو الدخول نادي الرابعة فجرا، والنوم التاسعة ليلا، هذا لن يحدث بسهولة، وربما لن يحدث مطلقا! هذا تغيير جذري شديد، ولكنني أدخره للعمر المناسب، ربما خلال عام.
لست متفائلا، لست متشائما، أذكر نفسي بكلمة واحدة "منضبط" لدي خطة، وأتبعها، وكذلك لست خائفا من الصدمات، سواء الصحية، أو الإصابات، أبني كل الاحتمالات الممكنة لاعتبار أن وجود عدة خطط صغيرة كل منها يمشي قليلا على مدار اليوم أفضل من الطريقة السابقة، المندفعة، والحادة.
هذه هي التأملات العامَّة التي تتعلق برحلتي حتى الآن في رياضة الحديد، بماذا سينصحني المدربون؟ لا أعرف، وماذا سأجرب؟ لا أعرف، لا تأخذ وقتا طويلا، ولا تستهلك جهدا صعبا، وأمضي بروية إلى هدف بعيد المدى.
هل سيسمح لي الدسك والسكري بإتمام الرحلة بسلام؟ لا أعرف، أعطيت الخبز خبازه، وأمضي بهدوء إلى حلمٍ سلوكي، أساسه صناعة الروتين، هذا الذي يهرب منه الجميع كم أتمناه في حياتي!
يوم الراحة، أربعة أيام بلا تنس، وبلا حديد، وبلا أي شيء. بعض المشيء، وكثير من المذاكرة، وبعض الكتابة، وربما القليل من البيانو! ربما !!!
على أية حال.. نلتقي عندما نلتقي
نهاركم سعيد .. لو كنت أكملت إلى هذه الجملة، شكرا لك على اهتمامك.