بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 12 ديسمبر 2024

تصويب السياق: أكاديمية الحياة لتنس الطاولة!

 

تغيرت المعادلة كثيراً، بعدما اضطربت وشبعت اضطراباً. عائد للتو من أكاديمية تنس الطاولة، ذلك المكان الذي أحبه، ويحبني، أعني فيه ما يكفي، ويعني لي الكثير، إن غبت أسأل عنه، وإن غبت يسأل من فيه عني. مكان لا يرتبط بالرياضة فقط، بل يرتبط بالصحة، وبقرارات الحياة، وبالصحبة الصالحة، وبمشاريع المقاومة لسنن الحياة، وآلام الظهر. الآن فقط، أشعر أن السياق قيد التصويب، وأنني عدت للحكمة والرشد بعد انفراط العقد والوقت لشهور متتالية كنت فيها بكل بساطة (مرهقا حد الجنون!)

 

أكمل حكايتي في عالم البزنس، وفي عالم ميزان لصناعة المحتوى الرقمي، والحمد لله، ثم الحمد لله، أعملُ مع شركاتٍ أفخر أنني أعمل معها، علاقتي الإعلانية مع الفيحاء العقارية تسير على قدم وساق، ومشاريع قيد التطوير، وبرنامج يوتيوبي نضع رتوشه الأخيرة. وأجمل تجربة مهنية لي في هذه الحياة قد انتهت قبل أيام، أن أكون مستشاراً لمؤسسةٍ رياضية، ولبطولة كأس عالم بأكملها! لكي تنتهي الحكاية المهنية هذه وتبدأ في وقت واحد، بكأس العالم! علاقة وطيدة مع صناع  الرياضة بدأت فصلا كبيرا في حياتي المهنية، ولكن ثمَّة ما هو خطأ، ما هو خطأ كبير كان يحدث بلا توقف لشهور متتالية، خطأ الاحتراق، وخطأ العمل زيادة عن اللازم، وهذا ليس خطأً تستخف به أبدا!

 

اختلطت ما يكفي بعالم رواد الأعمال، وأصحاب البزنس كما يسمونه عادةً. وتعلمت منه القليل الكافي لأعرف أين الخطأ الجسيم والكبير. ما يبدو في عالم الأشخاص الخارجيين عن عوالم التجارة يختلف عن ما تنظر إليه في عالم البزنس. في عالم الخارجين عن التجارة والاستثمار، أن تعمل لساعات طويلة، وأن تجتهد، هذا يعني دخلا مستمرا، ووقتا إضافيا أليس كذلك؟

سيكون مدعاةً للتباهي أنك إنسان مجتهد، وفعلا، هذه الطاقة، وهذا الجهد هو ما يجعل الموظف مديرا، وما يجعله يترقى، وما يجعله يستلم راتبا أعلى، ولكن هل ينطبق هذا الكلام عليك؟ كصاحب مشروع تجاري؟ أو شريك في تأسيس مشروع تجاري؟

ينطبق لفترة وجيزة، لكن لا تظن أنك كإنسان يواصل الليل بالنهار ويعمل أن هذا مدعاة للثقة، أو للتباهي، نعم يمكنك أن تستخدم تعبك لكي تبدو كقدوة لأبناء أختك وأخيك، يمكنك أن تسامع به أبناءك وهم يسرفون في أموالٍ تكد وتكدح لكي توفرها، لكن في عالم التجارة! أن تعمل ليل نهار! هناك شيء خطأ.

الذي يعمل للاحتراق، ليس مدعاة للطمأنينة والثقة، فالذي يحترق يخطئ، والذي يخطئ (يجيب العيد)، وهذا ما حدث لي في الشهور الأخيرة، كنت أعمل من الصباح حتى العصر، ثم من الصباح حتى السابعة مساء، ثم السابعة مساءً أصبحت التاسعة، ثم امتد الوقت حتى صرت أنام خمس ساعات طوال فترة البطولة، كنت أعلم أنني رميت رهانا كبيرا على صناع الرياضة! لم أتوقع أبدا في أجمل أحلامي أن تكون نهايته حصول المنتخب العماني السداسي على كأس العالم! النهاية التي جعلتني أوقف جنون الأحصنة هذه، وأدخل حالة إجبارية من الهدوء.

لا يوجد مال، ولا فرص يمكنه أن يعوض صحتي، وأن أكون في حياة منطقية وطبيعية بضغط معقول هذا هو ما يحمي مشروعك من الانهيار السريع نتيجة الأخطاء، والضغط، وما يأتي مع كل ذلك من هلع وقرارات خاطئة، وتوظيف سريع تحت الضغط، وانهيار هائل قد يفقدك من الأساس معقولية عملك التجاري. العمل حتى الاحتراق ليس مدعاة للفخر، ولا التباهي، إنه مجرد خطأ، وأنا شخصيا صرت أنظر لأي شخص أتعامل معه وهو يعمل بهذه الكفيفة بحذر شديد، الذي يحترق يخطئ، هذا هو القانون الذي صرت أطبقه.

 

رائد الأعمال الحقيقي يجب أن يفوض بذكاء، وأن يمتلك تلك الحنكة لكي لا يكون هو الذي يقوم بكل الأدوار، الجميع يقول ذلك ويظن أنه سهل، هُنا تأتي أهمية التوفيق، وحسن المعاملة، وبناء قيم الوفاء، وأن تكون أنت نفسك موثوقا لمن آمن بك، كما تؤمن بمن وثقت بهم. ألا تضع نفسك في موقف ملوي الذراع الذي يُفرض عليه مزاج من هب ودب، وألا تضع نفسك في موقف المتسلط الذي يجب أن يمشي كل شيء برأيه، وألا تسكت كثيرا، وألا تعترض كثيرا، وأهم شيء، ألا تعمل فوق طاقتك وجهدك، هذا ليس مدعاة للوثوق بك، الشخص الذي يعيش هذه الحالة هو شخص إما في أزمة، أو في طريقه لأزمة وفي الحالتين عالم البزنس يختار الحذر الشديد، فرأس المال جبان، وصاحب رأس المال شجاع عندما يطمئن فقط.

 

فعلا، هذا المساء من أكاديمية تنس الطاولة أعاد تصويب السياق للحياة التي أريد أن أعيشها.  حياة أجد فيها وقتا لصحتي، ولرياضتي، ونعم، يمكن أن أفرط بهذه الاشتراطات لأسبوع، أو أسبوعين! ولكن عدة شهور متتالية! هناك خطأ في القرارات الوجودية للحياة، وهناك درس يجب أن أتعلم منه، وتصرفات يجب أن أوقفها أو أبدأ بها.

 

أحتجت كل هذا لتصويب السياق، لأعرف أن للجسد حدودا، ويا إلهي الآن أنتبه!

أنا أكتب!

ههههه هذا هو التصويب الحقيقي للسياق! لم أنتبه لهذه الجزئية، أنني أنفقت وقتا طويلا في مراقبة ما أكتبه، وتفاعله، وعلاقته بمنحنى التعلم الكبير بين الكاتب وقرائه!

 

الهدوء، واستعادة الروح الإبداعية، والتفكير خارج منطقة الاحتراق والهلع، عنوان هذه المرحلة التي يجب أن تكون منطقيةً. خرجت من هذه الشهور بخسارات معقولة، ومكاسب جيدة للغاية، مهنيا واجتماعيا وشخصيا. ولكن! لا مزيد من الاحتراق!

 

جازفت بصحتي، وباستقراري النفسي، وربما حتى بعملي التجاري، أن تسير في هذا الدرب نهايتك الخطأ، والحمد لله الأخطاء مقدور عليها.

 

كنت حقا أحتاج إلى تنس الطاولة لأستطيع الانتباه إلى كل هذا. وكنت أحتاج إلى لحظة الكتابة هذه لأعرف أين انجرف السياق، ومتى عاد إلى صوابه!

 

الحمد لله رب العالمين على كل خير وشر ..

 

معاوية