وهمٌ كبير للغاية، أنك أنت فقط من يدفع ثمن الغضب، أو السخط، أو الاستحقاق المبالغ فيه والخيبة التي تأتي عندما يتعامل العالم مع استحقاقك (كما هو متوقع) بدون اقتناع.
غضبك ينعكس على غيرك، ذلك الذي يفقدك مع الوقت، يراك تغلي، ولا يعرف كيف يتعامل معك، منهم من يخاف منك، منهم من يبتعد عنك، هذا فضلا عن الانفجارات التي قد تكون مؤذية، أو عنيفة. تغلي، وتغلي، وأنت لا تعرف كم يطيش منطقك، وكم تتسع دائرة صوابك بالتبريرات، ولو كنت تعيش في واقع عنيف، أو مسلح، هذه وصفة جاهزة لكارثة حقيقية.
سخطك ينعكس على غيرك، على أحلامهم، عندما تكون الكلمة الطيبة بعيدة عن لسانك، تتحول إلى ذلك الإنسان الذي يقول له شخص: "لقد قبلت في كلية التربية" فيرد عليك بسخطه (المنطقي) الذي يراه صوابا: هذيلاك، آلاف الناس متخرجين تربية وما محصلين وظائف!
سخطك مشكلة، ليست مشكلتك فقط، عندما تستخف بأحلامك، أو تحتقن بسبب استحالة حدوثها، أو ربما لأنك ظلمت، يجب أن تعال هذا السخط، سخطك من الواقع، سخطك من ظلم الحياة، سخطك من حقيقة أن الحياة غير عادلة؟ ماذا ستفعل؟ ستوجه طاقتك للمحظوظين في هذه الحياة؟ تنتقص منهم، تكرههم، تحسدهم، تشعر أن الذين نجحوا فعلوا ذلك بالحظ؟ بدون جهد؟ وماذا عن الذي ورث مالا طائلا؟ هل ستكرهه؟
ثم تنتقل، مع الوقت، من الذي لديه مال، إلى الذي لديه حال، وتتآكل بالحمض الكاوي للسخط. أو بالجمر الحارق للغاضب، بينما تلك الطاقة كان عليها أن تتجه إلى ترميمك، إلى إعادتك لمنطقة التحدث، وتحقيق الذات، والسعي من أجل ذلك.
الناس تشفى، وتتغير، تشفى من الغضب، وتشفى من التعاسة، والذي كان غاضبا على عدم حصوله على وظيفة يحصل عليها بعد حين، والذي كان غاضبا بسبب تأخر زواجه، يتزوج بعد حين، والذي كان غاضبا بسبب عدم إنجابه للأطفال يحصل على الأطفال بعد حين، وهكذا دواليك، ثمة مشاكل تُحل لكن السؤال ما هي ضرائب تجنبك للتراكم الهائل من الغيظ، والحنق؟ هي الخسارات، لأنك حتى إن شفيت بعد غضبك، الآخر الذي صببت جام غضبك عليه (ربما) لن يتجاوز، والذي ملأت رأسه بسخطك من استحالة كل شيء، واستحالة الحياة، وظلمها، ماذا ستقول له بعد أن تثبت أنت لنفسك أن الحياة ليست مستحيلة، وأن الاجتهاد مع الظروف المناسبة يمكن أن يحقق بعض الأحلام وإن كانت صغيرة؟
إن كان غضبك ظرفيا، أو كان سخطك مرحليا، وتجاوزته، عليك أن تتقبل أن بعض العلاقات كسرت، ولن تعود، وأنك خسرت بكل بساطة، تتقبل أنك خسرت، ما لن يعود، وإن عاد سيعود مكسورا لدرجة أنك لن تتقبل الاستمرار فيه.
الاستحقاق يختلف عن الحق، وغضب المظلوم يختلف عن سخط الحالم، وكلنا كبشر نمر بهذه المراحل، فقط ربما علينا أن نعترف أنها مشكلة، علينا الانتباه لها، وعلاجها، وإن لم نستطع علاجها على الأقل الاعتراف بها، وصناعة الظروف التي تحمينا من المزيد من الخسارات بسببها.
بعد أن تشفى من السخط، بسنوات وسنوات، وتتحقق أحلامك، ماذا ستجد نفسك؟ إنسانا لم يقل كلمة طيبة يوما ما، عاش غاضبا، ساخطا، حانقا، ألا يكفي من تراه حولك من نماذج؟ كيف طاشت كل تلك الأيام عن يدهم، وكيف كبر من كبر، وشاب من شاب، وهم يظنون أن تلك (طبيعتهم).
اسمها مشكلة، ولكل مشكلة علاج، لو تقبلت أنك بحاجة لعلاج، ومساعدة، وقليل من التوجيه، والإرشاد، وتعريف الشيء بمسماه. هذا خير لك من أن تكون ذلك الإنسان الذي لا يذكر أحدا بخير، ينتقص من الجميع بلا توقف، لا يقول (مبارك) ولا يقول (شكراً) ولا يفرح لفرح أحب من يحبهم، يتتبع الأحزان، والوفيات، والمصائب، وليس على لسانه سوى (فلان مريض، فلان مات، فلان أصيب بالسرطان). كلنا نعلم بوجود هذه النماذج حولنا، وربما لا نملك شجاعة لنقول لهم سبب ابتعادنا.
خلاصة كلامي، السخط، الغضب، الإحباط الذي يحول الأمل إلى حقيقة، الضيق الدائم، كلها لها حلول، سلوكية، علاجية، تأملية، كلها تؤثر على المدركات، والسلوك، كلها ليست (ضريبتك وحدك) كلها ستتسرب بشكل ما أو بآخر إلى الخارج، إن لم يكن الآن، فمع التفاقم والزمان. وكلها يجب أن تتعامل معها كمشكلة تحتاج إلى حل، وليست كطبيعة توجه بوصلة ذهنك إلى التأقلم معها ..