بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 26 ديسمبر 2024

أربع سنوات من الإعلانات!


يمضي الوقت بسرعة! أليس كذلك؟ أعبر الآن في السنة الخامسة من دخولي هذه المهنة العجيبة. بدأت كاضطرارٍ، وأصبحت مع الوقت اختيارا، ثم قرارا، ثم شغفاً مستمرا.
لا يمكن فصل عمل الإعلانات عن صناعة المحتوى، فالمحتوى يقود للمنصات، ومع الوقت يقود للإعلانات، وعلى عكس ما يظنه البعض أن الإعلانات مرتبطة بما يسمى (الشهرة) هذا ليس أكثر من تصور غير دقيق أبدا، والبعض المتحامل الذي يخلط القضايا بين العمل التجاري وبين النشاط الاجتماعي يكرر هذا دائما. العمل في هذا المجال يحتاج إلى وعيٍ تجاريٍّ عالٍ، اشتهر كما تشاء لن تستمر في هذه المهنة إن لم تتعلم تجنب أكبر أخطائها، وأخطرها، تلك التي قد تنسف بك وبمصداقيتك وتذهب بك لنهايات مروّعة.

دائما ما أتكلم عن الجانب المخيف في هذه المهنة. أن تتعرض لخديعة من مُعلن، أو كما حدث في زد ميديا، تلك الشركة التي كنت على وشك أن أعلن عنها بحماسة، قدّر الله أنني كنت في صلالة وانشغلت عن الواتساب والحمد لله أنَّ الأمر لم يتم. يا إلهي! لا أتخيل حجم الكارثة التي كنت(سأندمر) فيها. مهنة لا تخلو من الخوف، أن تقع في خديعة من هو أذكى منك. تتعلم مع الوقت أن تعرف أن عالم التجارة ليس بريئا، وأن به ما به من مآزق، ومع الوقت تطور نفسك، ومعارفك، وتتعلم مهارات جديدة تجعلك تستمر، وبدون ذلك، لن تستمر في هذه المهنة الصعبة.

مهنة الإعلانات شيء، والتسويق شيء آخر، ومع الوقت الحملات. كيف تعطي أسعارا جيدةً وفي الوقت نفسه أنت لست شركة مترامية الأطراف، لديك مطور أعمال، ولديك قسم تسويق متكامل؟ من السهل أن يلوك البعض النصائح الفضفاضة الجاهزة.

نعم، الإعلان الواحد يمكنك أن تفرغ له قسما كاملا، وتصور بالدرونات، بل وترسل (كوينتن ترانتينو) أو ستفين سبيلبيرج ليخرجه، في عالم الأفكار والتخيل كل شيء ممكن، في الخيال يمكنك أن تنفق مليار ريال من أجل إعلان واحد، لكن في الواقع الكلام يختلف. وياما يأكل أذنك شخص خارج المجال يتكلم عن الجوانب الإبداعية فقط، نعم الإبداع!! يا سلام عليه، ما أجمله، لكن في الإعلان السؤال الكبير: كم ساعة عمل سيأخذ؟ كم موقع تصوير؟
الأمر لا يتعلق بالفكرة فقط، تكاليف التنفيذ هي التي تحدد السعر، وبالتالي الإبداع في التسويق في السوشال ميديا يتعلق في طريقتك في تكييف الفكرة الإبداعية بحيث لا يكلف الإعلان مائة ألف ريال، في النهاية، هي باقة من (500-800) ماذا عساك أن تفعل بها؟ تتأقلم وتقدم شيئا جميلا. الفكرة الجيدة تخفف تكلفة الإنتاج، هذا هو القانون الذي تتعلمه لاحقا، وتعرف أن الفكرة القوية رزق من الله حالها حال الفرصة الجميلة والجيدة.

ويمضي الوقت، وتتعلم مع الوقت ألا تسمع لذلك التنظير الجاهز، بل وتتعلم أن تصمت وأن تغلق الحوار. سهل جدا أن تطرح فكرة الذهاب لموقع سياحي، وتصوير (سنابات) من أعلى قمة جبل، ومن ثم العودة بالمظلة إلى الوادي، وتصوير كل ذلك بالجو برو، نعم هذه ريل ستحطم الأرقام، لكن السؤال هل وقتك يسمح؟ وهل وزنك يسمح؟ وما تكلفة كل ذلك؟

إن كنت سأختصر تعريف البراعة في عالم الإعلان فهو أن تكون موسوعيا قادرا على أن تعرف كيفية سير كل مشروع تجاري. تلك الشهيرة المتعارف عليها كالمطاعم والعطور هذه أسهل بكثير، ومتعارف على قوالبها، أسهل تنفيذا وأصعب وصولا، فماذا عساك أن تلفت الانتباه به في بحر من الإعلانات الشبيهة؟ الإعلان السهل أصعب في أن تبدع فيه، والإعلان الإبداعي المجنون أصعب من أن تنفذه، واستمرارك في هذا العمل التجاري مرتهن كليا بقدرتك على التوازن بين الأمرين.

العمل التجاري يعلمك دروسا لا نهاية لها، أساسه تعلم الأشياء الجديدة، ودائما ما أكتب عنه مركزا على التحديات التي فيه. لا أعرف لماذا أنسى أن أكتب عن الجوانب النفسية الجيدة فيه. الجانب النفسي السيء هو الإرهاق، والقلق، واضطرارك لأن تكون متأهبا للتغييرات والظروف المفاجئة، فضلا عن صعوبة بعض المعلنين الذين تماما هم خارج مجال التواصل الاجتماعي، معلومة ذهبية تنفع مشروعه لا يقولها لك، ماذا ستفعل وقتها؟ يشرح لك كما يشرح لزبون، وأنت تريد أن يشرح لك لكي تشرح للمتلقي، معضلة دائمة، ولسبب ما خلق الله الناس ليحتاجوا بعضهم البعض، وإلا كيف نتعاقد في هذه الحياة إن كنا كلنا نفهم في المال، والتجارة، والإدارة، والتسويق؟

ثمة شيء مبهج جدا في هذه المهنة، مبهج نفسيا بمعنى الكلمة، وهي شهادتك على قصص النجاح التي تراها تتخلق أمام عينيك. أستمتع جدا بالتواصل مع المعلنين، كنت أستمتع بالدروس الخصوصية التي أتلقاها من (مجرّب) عاش التجربة، بدلا من شخص ينظّر لي بلا نهاية كيف أن الإعلان الذي يحتاج خمسين كومبارس، وعشرة درون سينجح، نعم سينجح، لكن النقاش مع المتخيل غير المرتبط بالواقعية، هو نفس النقاش مع الواقعية الجامدة الخالية من الخيال، مجرد تضييع وقت!

كان هذا ما يصبرني على ساعات العمل المهولة التي تأتي مع هذه المهنة، ثم مع الوقت بدأت أرى نمطا جديداً، بالذات مع المعلنين السابقين. نمط قصص النجاح! التي مع الوقت تكثر من حولك. الذي فتح مشروعا منزليا أصبح اليوم لديه محل، والذي كان لديه محل على وشك الإغلاق أصبح اليوم يفتح فرعا ثانيا في ولاية أخرى. قصص الجهد، والتعب، ونحت الصخور، كلها تلهمك، كلها تشحذ همتك، كلها تقول لك أن النجاح ممكن، وأن المزيد من التعب والتخطيط والتعلم من التجارب يمكن أن يقودك أنت إلى هذا المآل المثمر، والنافع بإذن الله.

وهي متوالية، إبداعية، وتجارية، في محيط يرى الإبداع عملا تطوعيا قسريا. حتى هذه اللحظة تميل بعض العقول المتحجرة إلى اعتبار ربحك من منصتك وكأنه (عيب) لا سمح الله! بينما العيب الحقيقي هو أن تقسر إنسانا باستحقاقٍ مليء بالسمية أن يبقى يلف ويدور في فلك اعتبار السوشال ميديا إما تضييع وقت، أو وكأنه نشاط بالوكالة، هو ينظر، وأنت عليك بمنصتك النشطة أن تحقق نظرياته الفذة التي ستغير العالم والمجتمع. نوع آخر من البشر من مضيعة الوقت النقاش معهم ولا سيما وأن منصتك هي حر مالك، ملكك، أنت الذي يحدد كيفية التصرف به، ولكن منذ متى النقاش مع المنظرين بالوكالة ينفع أحداً، سيلوك أذنك وهو يخبرك عن النشاط الاجتماعي، وعن تغيير الكون، بل وأحياناً حتى عن القيم الفلسفية الكبرى ثم يقول لك: لا تُعلن، افعل كما أفعل، أدخل تويتر وأقوم بكل نظرياتي (مجانا) من أجل الكون، نموذج آخر من الذين يظلمون أنفسهم وفي نهاية المطاف من يظلم نفسه ليس إلا مسألة وقت قبل أن يبدأ بإسقاط هذا الظلم على غيره.

لم أعد أملك أي رغبة في مناقشة شخص يظن أنه من حقه أن يفرض قرارات حياته على غيري. مثل هؤلاء الذين يربطون الإعلان في السوشال ميديا بالحلف الكاذب، تقول له: أنا لا أفعل ذلك؟ ولدي منهج، وقيم مهنية لا أحيد عنها.
يصمت، ثم يقول لك: ولكن هؤلاء الذين في سناب، وهؤلاء الذين في المكان الفلاني! طيب لماذا تزر وازرة وزر أخرى لا تفهم!

التجربة مستمرة، والآن تدخل نموها التدريجي. والقانون الكبير في هذه الحياة مثل القانون الكبير في البزنس: كل شيء يأخذ وقته!

للحكاية بقية