بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 5 يناير 2025

قليل من كثير تويتر

لا يختلف اثنان على حسن مقصدك يا أبا البراء، ومشاهدة هذا الفيديو (الرياضي) لعله أدخلك إلى الجو الرياضي العام، والذي صدمني أنا شخصيا، ذلك العائد من تجربة سياسية وظني أن الجو الرياضي أقل شحنا من السياسي! ويتضح لي العكس تماما، هكذا هو جو المشجعين، في كل العالم. لا يمكن أن نقسر البشر على إطاعة تفضيلاتنا، ولسبب ما وصل المجتمع البشري إلى قانون يحكم الجميع وإلا فالذي يرى فلانا تافها، آخر سيرى فلانا متسلطا، أو مهينا، أو مملاً، هذا يتهم ذلك بالضحالة وذاك يتهم هذا بالتدين الزائد، وهكذا تطيش معادلة احترام الحرية الفردية. وأعرف سترد علي بالحمية نفسها التي تحركت في قلبي وأنا أرى هذا المقطع الاستهزائي، ولكن مجددا، هو هو جو الرياضة، التحدي، وكل هذا يحدث في روح ليست جادّة كثيرا، وليست عدوانية، ولا غرضها الإهانات وإنما هو جو الكرة هكذا. فيه الذي يعيش نقاء الروح الرياضية، وفيه الصالح والطالح. استهداف إنسان في رزقه، ومخاطبة جهة عمله، هذا تصرف خطير للغاية وقاد في السابق إلى ردات فعل غير محمودة، لأنه باختصار تام (ظلم) ولأنه باختصار تام (كيد) ولأنه باختصار تام يفتح بابا يجعل المسؤول يمارس التجبر والتسلط والإلغاء كما يحب ويشاء بناء على تفضيلاته ومدرسيّته. يظن البعض أنه يمكنه السيطرة على عصر السوشال ميديا بضبطها نوعيا، ويظن أن يمكن أن يفعل ذلك بإخراس وإسكات الآخرين، وهذا مستحيل، هذه الصناعة، وما يفرضه الجيل الجديد من معطيات تفوق جميع الأجيال سناً، وخبرةً وانتقاء عبرة واحدة وهدم مستقبله أو قطع رزقه أو محاولة ذلك ليس حلا أبدا، وإنما يصنع مشكلة أكبر وردات فعل أسوأ. هذه وجهة نظر، ومجددا ليس لدي أدنى ذرة شك أن قصدك خير. الظاهرة الرقمية ليست بهذه السهولة لكي نختار فلان دون آخر، إنها ظاهرة تحتاج إلى مقاربة فنية، وإبداعية، ونوعية، وإلى تنظير فكري يتجاوز الروح الكلاسيكية تلك التي غلبت على تلك الأيام البعيدة عندما كانت الكاميرات حكراً على فئة معينة، وعندما كان الرقيب الإعلامي والاجتماعي يصول ويجول في الدفع بما يحب ومنع ما لا يحب. حرية الناس القانونية هي المرجع الأوَّل، والباقي ساحة آراء. لذلك يا أبا البراء أتمنى أن تراجع موقفك في مخاطبة جهة عمل إنسان فقط لأنَّه قام بشيء لا يعجبك ذوقيا. الوطن كبير وغالي، واسمه كبير وغالي، ولكن أيضا ليس بالمثاليات، وبالكيد لإنسان مع جهة عمله يمكننا أن نغير أي شيء.  

أتمنى حقاً أن يقع كلامي في قلبك وعقلك موقعا حسنا. مودة وتحية كبيرة لك دائما. 




تسلم يا أبا البراء وشكرا لك على سعة صدرك. ويمكننا أن نختلف دون أن نختصم. سأوجز كلامي في النقاط الآتية:
- يحق لك كما يحق لأي مواطن أن يوجه نداءه إلى السلطات في الدولة، هذا حق منصوص في النظام الأساسي للدولة ولا جدال فيه.
- يحق لي ضمن الحرية المكفولة قانونيا أيضا أن يكون لدي وجهة نظر تختلف، معك، أو حتى مع الرقيب الإعلامي.
- وزير الإعلام موظف في الدولة مهمته أن ينفذ سياستها، وما يخص الرأي العام، والجانب الرقمي فيه تشارك فيه حزمة كاملة من مؤسسات الدولة برعاية مجلس الوزراء، لذلك فكرة أن يقيّم وزير الإعلام أرزاق البشر، ويستخدم التراخيص القانونية كأداة لي ذراع من أجل مدرسة هو يؤمن بها هذا هو أشد الضرر على عُمان، ولا أظن أن وزير الإعلام أو أن الحكومة تريد هذا الوضع أن يحدث، فهذا الوضع كارثة على عُمان وضرر كبير لها، لذلك أستبعد كليا أن يُمارس هذا الشيء بناء على معايير نقدية قابلة للنقاش.
- من بين الجميع اخترت فيديو لناشط عُماني هو محمد المخيني، والذي كنا نختلف معه أو لا نختلف نموذج منضبط جدا جدا من جوانب كثيرة، وهذا أحد أسباب اختلافي معك، ثمة نماذج سيئة بمعنى الكلمة، فلماذا يتم لي ذراع المخيني وغيره والدعوة إلى قطع رزقه ومخاطبة جهة عمله ورئيس الوحدة الحكومية التي يعمل فيها؟ لأنه لا توجد أداة أخرى؟ ولأنه يمارس حقه القانوني الطبيعي فهل لكي نجبره على الانصياع لذائقة نؤمن بها نذهب إلى هذا الحد، واستهدافه، واستهداف رزقه وجهة عمله؟
- السؤال الآخر: محمد المخيني هل ذهب في مهمة رسمية؟ أم ذهب ممثلا نفسه؟ هذا سؤال كبير ومهم قبل أن نبدأ بلومه على تصرفاته؟ هذه معايير ذوقية مختلف عليها دائما.
- لو أردنا أن نحكم بالذائقة، أو بلغة (السمت/الرزانة) أو ننبذ الكوميديا أو الضحك، ماذا عن مسلسلات صالح زعل؟ وفخرية خميس؟ ماذا عن كل ذلك؟ لو أردنا أن نتعامل مع اللحظة الفنية الإبداعية بتعاملنا الرسمي ما نهاية كل ذلك؟ نهايته القمع، وتكميم الأفواه، وسوف يستبد بالبشر رقباء يقطعون أرزاقهم ولسانهم فقط لأنه يقيس الأمور بناء على هواه وتفضيلاته.

- صياغة مدرسة رقابية على الواقع الرقمي ضرورة وطنية مهمة، وحماية للأجيال الجديدة من خطابات عالمية اختراقية تفتت وحدة المجتمعات، هذه حقيقة، لكنها لن تكون بصناعة العبر، واستهداف ارزاق البشر، ووظائفهم، وجهات عملهم.

- لا يحق لوزير الإعلام، ولا لغيره أن يقسر إنسانا على تبني توجه معيّن وسلاح ذلك هو الترخيص وإيقافه، هذا تجبّر لن تسمح به عُمان، لا الدولة، ولا الحكومة، ولا يسمح به القانون، ولا يسمح به النظام الأساسي للدولة، وأنت طبعا لم تقل ذلك وحاشاك أن تفعل، لكن لغة المآلات ستذهب إلى هذه النهاية، وما أبداه الرقيب الإعلامي في السنوات الأخيرة يدل على أنّه يفضل استخدام هذه الأدوات بدلا من صناعة واقع إبداعي مغاير.

- وزارة الإعلام جهة تستلم التعليمات من الدولة وتنفذها، هي ليست مشرعا، هي مساهم كباقي الجهات في صياغة هذه السياسات والتي كلها يجب أن تكون مطيعة وملتزمة بالقانون، وبالنظام الأساسي للدولة.

- حرية التعبير المكفولة قانونيا أساس نهضة المجتمعات، وأي مساس بناء على التحيزات الشخصية، أو النفسية، أو الطائفية، أو الذوقية، أو الاجتماعية، أو العرقية، أي مساس بحقوق التعبير لإنسان بأي حجة من هذه الحجج هو جريمة هائلة في حق عُمان، وفي حق قانونها، واعتداء سافر على النظام الأساسي للدولة.

- أفهم جيدا حسن نيتك وأن دافعك فكري بحت، ولكنني تمنيت أن يكون النموذج الذي تجلبه إحدى النماذج الكثيرة التي فعلا قدمت صورة سيئة، أما عن مشهد منفر للذائقة، يتمثل في وقوف شخص في الشارع، هو حر، يتعرض للسخرية هو حر، نحن لسنا في ساحة رسمية لكي نقيس الأمور بهذه الطريقة، ينشر في حسابه الشخصي، يعبر عن نفسه.

- لسنا في مدينة فاضلة لكي نغفل عن وجود الخلل، والخطأ، والإجرام، والتعدي، والسب، والشتم، هذا موجود، ويمارس بشكل دائم، ولسنا في غابة بحيث يكون قطع الرزق، والتهديد به، ولي الذراع أداة مسموحة في الدولة، هذا خطر على عُمان، وخطر حتى على كل التغييرات الجميلة في حرية التعبير في عهد السلطان هيثم حفظه الله ورعاه، والذي يعتدي على هذه الحريات القانونية يجرم في حق عمان وهو الذي يستحق المحاسبة والعقاب.

- الحلول الفنية موجودة، والبدائل الإبداعية موجودة، وآلاف الطرق موجودة، لكن الذي على الرقيب فهمه هو احترام البشر، وحقهم القانوني، وعدم التطاول بأي شكل على مكتسبات هذا العهد الزاهر، وحماية المجتمع، وحماية البلاد، بدون تغليب التحيزات الشخصية، وهي مهمة صعبة أدرك أنَّ معالي وزير الإعلام أهل لها، وأن وزارة الإعلام رغم التحديات العالمية في ساحة الإعلام قادرة على تجاوزها مع الوقت ولا سيما مع قانون الإعلام الجديد الذي وضع النقاط على الحروف وجعل كل شيء واضحا بما هو للناس، وبما هو للقانون، وبما هو للرقيب.

- قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق، جملة عُمانية حكيمة للغاية. تحت أي ظرف من الظروف رزق إنسان ليس لعبة في يد أحد، وليس مضغة في لسان أحد، وأعلم جيدا أنت لم تنادِ بقطع رزقه، لكن غيرك فعل، ويفعل، وأختلف معك في استدعاء جهة عمله وهو ذاهب في سفرة شخصية، هذا عنك، أما عن الطرف الثاني الذي ينادي بقطع الرزق فهو عدوي، وعدو عمان، وعدو المجتمع، وما ينادي به ضرر على عُمان، وفساد وتجبر وتسلط في الأرض، هذا لكي يكون السياق واضحا.

أشكر لطفك الشديد يا أبا البراء، ولك مني كل التقدير، والاحترام، وحسن الظن بك، ما فتحته تغريدتك في لغة الحال لها ألف تبرير، لكن ما يحدث في لغة المآل، هُنا نتكلم عن ضرر لا داعي له، ويمكن تجنبه، ليس بلي الذراع بالوظائف، وليس بلي الذراع بالتراخيص، وليس بالذوق الشخصي، وإنما بالقانون، وبالسياسة المنطقة الديناميكية المتفاعلة مع العالم وظروفه والمجتمع وحركته.

هذه وجهة نظري في الموضوع كاملا. مودة وسلام