بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 13 فبراير 2025

سعيد جداد من منظور اجتماعي بحت!


لي عدة أيام وهذا الموضوع يشغل ذهني. ربما لأنني أؤمن أن حلاً ممكنا في الأفق المنظور يمكنه أن يوقف تفاقماً لا داعي له في حياة إنسان آخر. أعلمُ أنني بكتابتي لهذا المقال أمشي فعليا في حقل ألغامٍ مزيَّن بالأسلاك الشائكة المكهربة على جانبيه، لهذا قضيت عدة أيام وهذا الموضوع يشغل ذهني، تمنيت أن أكتب شيئا نافعاً لعله يحقق خيرا، أو يدفع بصوابٍ غائب عن الأذهان للحدوث، وبالتالي يوقف ضرراً لا داعي له لأطراف كثيرة بعضها معنوي واعتباري، وبعضها شخصي وإنساني، وبعضها عائلي واجتماعي.

في البداية دعني أشرح بما لا يدع مجالا للتأويل معنى كلمة (منظور اجتماعي) أي أنني هُنا لست لأدخل طرفا في المجادلات بين سعيد جداد وخصومه. ومن يتابع حسابه يعرف جيدا إلى أي مدى عادت تلك الخصومات اللغوية، وأيضا يلاحظ أنَّ نمطاً ما من الكتابة والمواقف السياسية قد عاد أيضا إلى خطاب أبو عُماد، هُذا هو الجانب الذي لا أتدخل فيه، فأنا لا أضمن خصوم سعيد جداد له، وأيضا لا أضمن سعيد جداد أمام خصومه، وأرفض أن أدخل طرفا في معمعة الخطابات أو الملاسنات، فضلا عن الهجوم المتبادل بين الطرفين لست هنا لأكون درعاً له فأحارب نيابة عنه، ولست هنا لأكون رأس حربة يُطعن في كبده، أرجو أن يكون هذا الكلام واضحا للجميع لكي لا أجد نفسي في صداع أمام من يؤيده، ومن يعارضه وأضطر للحديث مع اسم مستعارٍ مصطف يظن أنه سيدفعني للانضمام تحت لواء طرف من الأطراف لأنني (تجرأت) وكتبت عن هذا الموضوع الذي يراه هو (من شأنه).


طيب يا معاوية، تقول أنَّك جئت تفكر بحل؟ أليس كذلك؟ نعم ولكنني أحتاج لهذه المقدمة الطويلة لأرصف السياق في هذا الطريق المزركش بالألغام، لذلك سيطول الكلام والذي لا يجد في نفسه القدرة على إكمال هذا المقال أتمنى أيضا أن يجد في نفسه القدرة على كف لسانه عني. أما وقد وضعت هذه المجادلة الدفاعية لكي لا أترك مجالا للتأويل، دعني أشرح وجه تضامني الإنساني العميق مع سعيد جداد.


عند الحديث عن أبي عماد، أنت أمام ملف نسميه نحن في لغتنا المتعارف عليها (سياسي) وهو فعليا، وقانونيا لا هو سياسي ولا هم يحزنون، أقصى ما يمكن أن نسمي به ملف أبي عماد هو ملف تعبيري رقمي، جزء من الظاهرة اللغوية الاعتيادية، مرتبط بموضوع التعبير عن الرأي، ومرتبط بموضوعات أخرى مثل القانون الذي يشمله، والصلاحيات التي تسمح أو لا تسمح بمحاسبته، وعندما نخوض في هذا الشأن فنحن نصطف تلقائيا، وبالتالي هُنا يصبح كل شيء صعبا للغاية، لأنك هُنا أمامك عدة خيارات صعبة.


الخيار الأول: أن تختار الوقوف مع سعيد جداد، وبالتالي تستخدم حجج المحامين لتبرئته، وتصطف ضد خصومه الذين يكيلون له اتهامات بعضها لا يخلو من التوقع المنطقي البديهي باحتمال صحته، وهو أنَّه يريد السفر ليشن هجمات ضارية على الحكومة وغير ذلك من التوقعات والتكهنات والتي قد نرجح بعضها وقد لا نرجح بعضها والخ الخ الخ، الخلاصة لا أحد يعرف ما في ضمير إنسان، الظاهر هو أنَّه يقول أنه يريد السفر من أجل العلاج، والظاهر يقول أنَّه لا يعرف سبب منعه من السفر، لذلك عن تصديق أن أبا عماد يقول الحقيقة والصدق، سوف تستخدم تلقائيا خطاب التصدي للظالم المتعسف، وبالتالي تدخل في المعمعة من أوسع أبوابها.

لا أختار هذا الخيار لسبب واحد، لأنني لا أملك أي حقائق تجعلني أستطيع الكتابة بأريحية وأنا مطمئن تماما أنني لا أعرض نفسي لمشاكل مع القانون، أن أزعم أنَّه ممنوع من السفر هذا يعني أن أكون قريبا من الحدث، لذلك من هذه الزاوية لا أجعل نفسي درعا لشيء غامض، وأمنع نفسي من اختيار هذا الخيار لغياب الوضوح، ولحفظ سلامتي الشخصية.


الخيار الثاني: إدانة سعيد جداد واتهامه بالنوايا السيئة. وهُنا نستدعي انطباعنا عنه، ولن يخلو هذا الانطباع من تتبع الخطاب السياسي (وهو ليس سياسيا بقدر ما هي مجموعة آراء) هل هي مستفزة للبعض؟ نعم، وقد تكون مستفزة بشدة. هل تقع تحت مظلة القانون؟ نعم، هناك قانون يتعامل معها بمنطقه وهنا لا أستطيع أن أفتي، وجود تكهنات ظنيّة حول سعيد جداد هذه حقيقة لا يمكن التشكيك فيها، هل هي صحيحة؟ هُنا يعلم الله صحة طرف دون طرف، لماذا لا أختار هذا الخيار؟ مجدداً لأن هذه ليست مهمتي، هناك قانون، هناك دولة، هناك أجهزة، أنا ابن مجتمع أتحدث عن ابن مجتمع آخر، هذا السياق ليس سياقي ولذلك لا أختار الخيار الثاني. لذلك أتضامن مع فكرة أنَّ كلامه لو كان صحيحا فهذا إجراء أتمنى أن يُرفع عنه، وركز على كلمة (أتمنى) وهي تلك الكلمة السخيفة الشاحبة التي نبديها فقط لنرفع عن أنفسنا الحرج والملامة لعدم اتخاذنا موقفا، وأنا أقول بالفم المليان لا أتخذ موقفا في معمعة الإجراءات، ولا في معمعة الخطابات، لا أدينه لأنني لا أعرف نيته، موقفي يكمن في مكان آخر سيسرد في نهاية هذه المرافعة الطويلة العريضة. الذي يختار هذا الخيار يبدأ من بساطة (خليه يستاهل/ وحده يدور حال نفسه) إلى نهايات معقدة مثل (هذا الشخص ناوي نية) ولكل طرف أسباب لكي (يظن) هذا الظن، أما الحقيقة فمجهولة لأنها تقع في قلب إنسان واحد.


ثم نأتي للخيار الثالث والأخير: التنصل والصمت. وقد كنت لشهور حتى شعرت بالخجل من نفسي أتخذ هذا الخيار. وفي الوقت نفسه أشعر بالحيرة، فالكتابة في مثل هذه المواضيع المتأزمة شيء صعب للغاية حتى على إنسان كتب آلافا مؤلفة من الصفحات والتدوينات، أخذ تقليب الأمر وقته في ذهني حتى أجد طمأنينة في الكتابة، وأيضا حتى أجد وقتا يسمح لي بإيضاح جميع أفكاري بما لا يفتح أمام وجهي بوابة أنصاف المجادلات مع الذين لا يجادلون وإنما يضغطون عليك لتكون مع أو ضد، فضلا عن جمهور غير قليل من ذوي المكائد الذين يتمنون عودتي لمواجهة الجهات الحكومية والهجوم عليها لا حبا في سعيد جداد وإنما كراهية في معاوية الذي يبدو أنَّه يضايقهم لأنه لم يعد مأساة متحركة تمشي على قدمين مكلبشة تتنقل من سجن لآخر. هل فهمت عزيزي القارئ صعوبة هذا المقال؟


جميع هذه الخيارات هي مواقف، وهي نابعة من معالجة موضوع سعيد جداد (كحالة) أكثر من أي شيء آخر. حالة، رقمية، عبارة عن مجموعة خطابات مواقف وتغريدات، وننسى أن إنساناً يكمن وراء هذه الحالة، وهذا هو منظوري الشخصي الذي أنظر به لهذا الإنسان.

أنا لا أعرف سعيد جداد السياسي، لا يهمني أمره، ولا شأنه، ولا يعني لي أشيء شيء، أعرف الإنسان الآخر وراء تلك الخطابات المتلهبة المتعلقة به معاً وضداً، ذلك الإنسان اللطيف للغاية، والدمث، وأتعاطف معه كل كثيرا. بينما يرى الناس إنسانا سياسيا مراوغا ومخاتلا ولا يخلو من التناقض، أرى إنساناً مجروحا بشدة، منذ فقده لفلذة كبده وأنا متقين أنني أمام إنسان تغير للأبد، وبترَ منه اسم (سعيد) الصفة ليبقى سعيد الاسم. كيف أعرف ذلك؟ أعرف ذلك بما يكفي لأقول: لا يوجد ألم يغير الإنسان أكثر من خسارته لفلذة كبده.

ما هي التفاصيل؟ لا أعرف، ما هي الحقيقة: سعيد جداد فعلا أب خسر فلذة كبده.


ثمَّ شاءت الظروف أن أعرف هذا الإنسان عن قرب، ولا ألومه لأنه دائم الحذر مني، فأنا أيضا قطعة من الجنون والتقلبات الخالية من المنطق مما يجعل أي إنسان في الحقل السياسي (الذي نسميه السياسي تجاوزا) يفكر ألف مرة قبل أن يطمئن لجانبي، وطبعا لا ألوم أي شخص في ذلك، لم أكتسب أي خط ثابت في حياتي إلا عندما غيرت مقاربتي من (ناشط سياسي/تجاوزا) إلى هذا الذي أعيش في كنفه الآن (الناشط الاجتماعي) وهي مجددا تسميات معلبة ما أنزل الله بها من سلطان، شخص يعبر عن مجموعة آراء في أحداث اجتماعية ما الذي يجعله ناشطا!! أهلا بك في عمان، حيث لنا تسمياتنا الخاصة دائما وأطرنا الخاصة بنا. ما علينا ليس هذا موضوع تفكيك مجادلات التسمويين بلا حدود!


أكمل سرد تعاطفي مع سعيد جداد، وأسبابه. لا أعرف منذ كم سنة وهذا الإنسان (حالة) بالنسبة للبعض (ملف) وبالنسبة للبعض (حدث) لا أعرف كم إنسانا يرى في سعيد جداد (إنسان). مضت حياته في معمعة مرحلة معينة، وتكهربت، وسواء كان ظالما أو مظلوما أصبحت حياته مليئة بالجروح والآلام، وهذا ما يجعلني أفسر ردات فعله التي قد أرفضها فكريا ولكنني أيضا (أظنُّ) أنها سبب ذلك التناقض الصارخ بين شخصيته الدمثة والخلوقة جدا وروحه الطيبة، (والكاركتر) الرقمي الذي يجعل كل من يعرفه عن قرب يفهم جيدا أن سعيد جداد (الحالة) يدور في فلك التأثير والخطابات، أما سعيد جداد الإنسان فكل من يعرفه عن قرب يعرف إجابة أسئلة (لماذا) التي تدور حول هذا الإنسان.


لا يخلو أبو عماد من عاصفةٍ من التساؤلات، وهذا ما أفقد الجميع عدسة النظرة الاجتماعية لكي نتضامن كلنا أجمعون في اعتباره حالة (سياسة/ تجاوزا) واكتمل هذا الانطباع بعد أن أصبح لاجئا سياسيا، ولست قطعا بصدد فتح أي قطعة مما حدث في بريطانيا، من خيره، ومن شره لاحترامي للعفو السامي الذي أغلق ملف كل شيء يخص الحق العام في تلك الفترة. الذي أستطيع قوله هو أنَّه كان لاجئا، وعاد لعمان بعفوٍ سامٍ، وبدأت حياته الجديدة في عُمان.

تخيل تخيل عزيزي القارئ، الآن فقط بعد كل هذه المجادلة الطويلة والعريضة أستطيع أن أفتح هذا الموضوع وأنا مطمئن أنني وضعت جميع النقاط على حروف السياق والموقف. السؤال الاجتماعي الكبير، لماذا وصلت حالة أبي عماد إلى هذا الوضع؟ أن يكتب لاجئ سابق عاد بعفو للبلاد أنَّه ممنوع من السفر هذا البيان من جانبه يشي بتأزم في حياته بعد العودة لعمان! السؤال هو: لماذا؟ هل كان بالإمكان أفضل مما كان؟ وهنا ما أريد أن أكتبه قبل أن يفقد الكلام قيمته.

كائن ناشط في الكتابة والمواقف الرقمية يستخدم حجة العلاج للسفر وشن هجمات ضارية هذا محتمل، وأيضا إنسان ممنوع من السفر يختنق بتأزم وضعه هذا أيضا وضع محزن. أين كان بالإمكان أفضل مما كان؟

تلقى سعيد جداد العفو السلطاني الكريم، تلقى العفو القانوني، ومعه العفو السياسي، وأتيحت له الفرصة للعودة إلى بلاده، لكن هل تلقى العفو الاجتماعي؟ هُنا أستطيع أن أجزم من متابعتي لكل ما يكتبه هذا الإنسان لأربع سنوات أنَّه لم يتلقه كما حدث لغيره، سواء ذلك المعلومة في العالم العلني أو ذلك غير المعلوم في العالم العلني. أعرف أن أحدا غاضبا عليه سيرد علي بلغة: "وحده باغي/ يستاهل/وحده يدور حال نفسه" لكنني أيضا أستطيع أن أقول له أن حجم (المشاكسات) الرقمية المتعمدة من أبي عماد لم تكن بهذه الوتيرة لفترة لا تقل عن العام منذ عودته. هذه المؤشرات تعني شيئا ما، وهُنا ينتهي الحديث عن الحتمي من الأحداث، والمنطقي، لأسرد وجهة نظري والتي هي مبنية على كل ما ورد أعلاه.

أنا حقَّا أحمل مودة حقيقة لأبي عماد. مودة الصديق الذي جمعتني به غربة واحدة، واللاجئ الذي عاد معي في طائرة واحدة، وإنسان تمنيت كل التمني أن يعيش حياةً هادئة في بلاده. ومن الذي يلام حقاً على وصول شخص على هذه الحالة من الاختناق الشديد، والضغط الذي لا محالة سوف يسبب الانهيار أو الانفجار؟ بكل صديق الذين ألومهم هم كل هؤلاء الذين من المجتمع العماني الكبير الذين لم يضعوا في حسبانهم أن حالة أبو عماد أصعب بكثير من حالة غيره، وأنَّ اندماجه من المجتمع هي عملية كانت تحتاج إلى بعض القلوب الصفوحة، والحليمة، وكان بالإمكان أفضل مما كان، لن يكون الأمر سهلا، ولن يكون التغلب على ذاكرة بريطانيا سهلا، ولكنه كان ممكنا، أما الآن وقد مرت السنون على العُمر، أصبح الأمر أشد صعوبةً ومع ذلك هو ممكنة بشكل ما أو بآخر، ممكن فقط من منظور اجتماعي. وهذا ما جئت أدعو إليه، وما جئت أتمناه، وهذا هو النداء الذي أوجهه لمن قد يقتنع بوجهة نظري: سعيد جداد يحتاج إلى مقاربة اجتماعية توقف ذلك الحاجز النفسي الهائل الذي يتعلق به، ونعم ستقول لي: ولكنه هو أيضا عليه أن يفعل شيئا ما!!! نعم، ولكن بكل صدق هل تشعر أنَّه سيتمكن من الاندماج بالمجتمع بهذه السهولة؟ أقول بكل ثقة من خاض التجربة: لن يستطيع لوحده، ثمَّة يد اجتماعية لعلها لم تمتد، أو امتدت بخجل، أنا متقين أن إجابة أسئلة سعيد جداد (الحالة) كانت اجتماعية، ولعل الأوان لم يفت، وليت أحدهم يفهمُ أنَّ هذا الإنسان قد عاد لبلاده، ولا يوجد أي منطق على معاقبته على حالة سابقة للاجئ عاد بكل ثقة ببلاده، سعيد جداد قضية اجتماعية، وليت أحدهم ينصت لما أقوله قبل أن يتدهور حال هذا الإنسان ويصبح مجددا (حالةً عامَّة) ونهاية حزينة لا أعرف كيف ستكون.


لا أريد مجادلة أحد في وجهة نظري، هي خلاصتي الشخصية التي لا أفرضها على أحده، وكذلك لا أريد مناقشة أي شأن قانوني، أو سياسي (تجاوزا) يخص سعيد جداد. لا أريد أن ألومه، ولا أريد أن ألوم خصمه، لست درعا، لست حربةً في كبده، أقول وأصرُّ أن الحلَّ اجتماعي، ولن يكون سوى حل اجتماعي مبني على هدف واحد هو الإيمان والتعاطف بحق إنسان في إكمال ما تبقى له من العُمر في حياة هادئة. لا أعرف منذ متى وسعيد جداد لا يعرف سوى هذه الحياة؟ لا أعرف أيضا ما عملية التأهيل الاجتماعي التي عليه أن يخوضها ليخرج من عزلة، وجدران، وحواجز، وتربص ذلك الوضع المكهرب الذي عاشه لسنوات طويلة، أقول كمجرب قضى فترة أقل بكثير مما قضاها أبو عماد أن الأمر صعب للغاية، صعب فوق ما يتوقع إنسان يلوك الصوابيات وهو لا يعرف أي تغيير عميق يحدث نفسيا لكل من يدخل هذا العالم، وأي ترسبات ثقيلة لكل من خرج منه.


لأضع الشك في موضعه الحسن أستطيع أن أختم كلامي بأنني أيضا لدي شكوكي ومخاوفي، لا يمكن الجزم ببراءة سعيد جداد كليا، فهو ليس ساذجا، وليس إنسانا عاطفيا على نيّاته لكي أراهن بكل ما معي من تصديق أنَّه لم يعد إلى لعبة المواجهات، وكذلك أيضا لا أجزم أنَّ الذي يحرك خلاياه المناعية الاجتماعية تجاهه أيضا ينظر له بنظرة تجاوز وعفو، ثمَّة ما تراكم ولم يتحرك أحد لإيقاف تلك الحالة الاجتماعية، والوضع الذي يحدث الآن وإن كان قابلا للحل، غدا! لن يكون قابلا للحل.


المآلات كلها غير حسنة، ولن تنفع لا بلادا ولا إنسانا. وإن اتضح أن حالة أبي عماد الصحية حقاً حرجة، وحقاً يمكنها أن تعرض حياته للخطر، فالضغط أكثر وأكثر قد يقود إلى نهاية مأساوية لكل هذا، ما النهاية حقا؟ كلنا نعرف: وفاته! وبعدها ماذا؟ ما هو الأثار الاجتماعي النهائي؟ وماذا عساه أن يجادل إنسان؟ إن كان أخطأ قانونيا في شيء، فهو حاله حال أي مواطن تحت مظلة القانون، ولكن ماذا لو حدث ذلك الآن؟ بعد أن خرج من صمته ووجه النداء لسلطان البلاد لإيقاف منعه من السفر. هذه النهاية الأشد ضررا في كل هذا السياق.

النهاية الأخرى: يتضح أن سعيد جداد يخدع الجميع، وأن الزمار يموت ويده تلعب، وأنَّ كل من سيتضامن معه يشعر بالخديعة، ونرى نهاية تبلور حياته الاجتماعية لكي يتحول هذه المرة إلى حال الذي ليس لديه شيء ليخسره، وبالتالي يعود إلى (حالةٍ) بدلا من أن يعيش إنسانا خاليا من هموم ذلك العالم المكهرب الذي يستدعي الأمر معجزات حقيقية للخروج منه. لا أستطيع أبدا أن أنفي هذا الاحتمال، وأيضا لا أستطيع بسبب هذا الاحتمال أن أتصالح نفسيا مع كونه ممنوعا من السفر (إن صح كلامه).


النهاية الثالثة: يذهب للعلاج، ويعود، ويتضح أنَّه حقا كان إنساناً لم يرد أكثر من السفر لهذا الغرض، وهذا ما يتمناه كل إنسان لديه تعاطف مع هذا الإنسان، وما يتمناه كثيرون من ذوي القلوب الطيبة، وذوي العقول التي تصدقه وتراه صادقا، وربما أكون من هؤلاء مع حفاظي على مساحة هائلة من الشكوك بسبب طبيعة عقلي الذي امتلأ بشتى الصدمات حتى أصبح لا يرجح شيئا بسهولة.


النهاية الأخيرة: تأجيل النهاية، ومد أجلها إلى أن يشاء الله، وأن يتحرك من المجتمع من لديه كلمة، ولديه قدرة، ولديه تأثير لاحتواء هذا الإنسان اجتماعيا، وتيسير أمره، ودمجه مع المجتمع، ومساعدته على تجاوز سنوات وسنوات عاش فيها في آلية النشاط (السياسي/ تجاوزا) ليجرب ولو لبعض السنوات هذه الحياة الاجتماعية. لا تضامني، ولا تضامن العشرات ممن يعرفونه يكفي، ملف سعيد جداد الاجتماعي ثقيل بمعنى الكلمة، وكل إنسان يتمنى مآلا نهائيا مطمئنا لأبي عماد سوف يتمنى ذلك، ولكن ماذا عساه أن أقول، العين بصيرة، واليد قصيرة، عسى أن يحتسب الأجر عند الله إنسانٌ يقف معه ويعينه على التجاوز، ويفتح له باب الاندماج مع الناس، والشعور بهم. في ذلك نفع من أولا وأخيرا؟ في ذلك نفع للمجتمع، وبث لروح التجاوز والبدايات الجديدة، ووفاءٌ للسماحة التي بنا في عُمان، ومآل حسن لإنسان، ورب أسرة، وأخ لنا في عُمان اسمه سعيد جداد. هذا ختام قولي، من منظور اجتماعي بحت، أظن به النفع، فإن أخطأت فمن نفسي والشيطان، وإن أصبت فمن الله، ومن محبة هذه البلاد الجميلة التي لا أتمنى أن أرى إنسانا فيها يصرخ طالبا السفر للعلاج فيصمت الناس عنه بحجة (سوء الظن به). إن كنت صادقا يا أبا عماد، وفقك الله ونصرك، وإن لم تكن صادقا هداك الله، وراجع نفسك مليا، وعش ما أمامك من عُمر في طمأنينة بين الناس، ومعهم. أسأل الله أنني لم أخطئ، وليحفظني الله من تبعات هذا المقال إن كانت له تبعات.


معاوية الرواحي