بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 3 يوليو 2025

حقنة من القلق

 عشتُ سنوات العشرين والثلاثين كائنا شديد القلق، بمعنى الكلمة شديد القلق، ولا أقصد ذلك القلق العادي، مثل الذي ينتظر امتحانا، أو متوتر أمام مقابلة عمل.

القلق، الوجودي، العاصف. ومهما تكن عند امرئ من خليقة، وإن خالها تخفى عن الناس تُعلم!

الجميع يعلم قلقي الشديد، ولا سيما تلك الفترة التي كنت أنسلخ فيها من كائن ساذج بمعنى الكلمة، سهل الخداع، عُرضة للسخرية، إلى هذا الكائن الذي أصبح قاسياً بشكل أنا نفسي صرت أخشى منه! 


إنها السنة السادسة الآن منذ أن بدأت قراراتي تتخذ مساراً طبيعيا، وهادئا، اعتزال معمعة الرأي العام ومواجهات الخطابات، اعتزال بشر، ومنظومات، وقطع علاقات مع بشر إما بعداوة وخصومة، أو برماد اختلاف الاهتمامات، ولا سيما هذا الذي صديقك فقط وأنت من سجن إلى سجن، من مشكلة إلى مشكلة، لكن وأنت بخير! ينقلب عليك انقلابا يجعلك تتساءل، هل هو حقا صديق؟ أم إنسان يعيش جبنه، وخوفه، وكراهيته عبرك!


لم أكن أحسب أثر قلقي على حياتي الاجتماعية، وأنا إنسان لم يتغير كثيرا عندما يتعلق الأمر بما يمكن أن يفعله عندما يكتشف أنه خُدع، أو يتعرض للاستغلال، أو ينتبه ولو متأخراً إلى إنسان كان يراهنُ على وهم أنني شخص طيّب! غضبي عاصف، وأكاد أصفه بالخطير، واستعدادي للدفاع عن نفسي فعليا وعمليا لا أعبأ أن يوصلني حتى إلى موتي! لن أسمح لنفسي أبدا بأن أتقبل عدوانا من أي شيء، كما لن أسمح لنفسي أن أكون البادئ بالاعتداء! هكذا أعيش، لا ضرر ولا ضرار، وهذا ما أحاول أن أثبت عليه، أن أبقى في مححيط ردة الفعل فقط.


مع نهاية تلك المعمعة الشعواء، بدأت أكتشف ضرر القلق على العلاقات الاجتماعية التي حولي. وكيف إنه في عالم البشر الطبيعيين، كمية عالية من القلق تعني إفساد الجو تماما. أن تكون غاضباً من أي شيء هذا موضوع، لكن أن تفجر غضبك في النادل في جلسة عشاء مع الأصدقاء هذا شيء آخر.


فقط، بعض الهدوء الذي بدأ يكتنف حياتي بدأت أرى الجانب الآخر مما يسمى بشكل عام (العصبية) والتي قد تكون (العصابية) أقرب.  وبدأت تجارب الحياة تظهر أمامي، هذا الذي وصل إلى منصب مرموق وأصبح عصابيا لا يُطاق، وهذا الذي لا تطيق أن تركب معه في سيارته من فرط ما يسب ويشتم كل أحد، مستعد لخوض أي معركة في الشارع، وهذا الذي من شدة الضيق يفتك بالطالع والنازل، ما أن يمسك لسانه موضوعا إلا ويجعل المكان خانقا، وسامّا، ولا يطاق.


الهدوء إجابات على أزمنة مصائبك. وهذه من الإجابات التي وصلتُ لها، وشكلت لي إجابةً عن السبب الذي جعل كثيرين بشكل مُحق يبتعدون عني تماما، هذه ضمن الخسارات الخفية لأي إنسان يختار عالم المواجهات العلنية، وسواء كان على حق، أو على باطل، إن كان العبء الانفعالي الذي عليه عاليا، سوف ينعكس على من حوله عاجلا أو آجلا.

إن كنت تتساءل لماذا ينفض الناس من حولك، ولماذا يدور حولك بعض القيل والقال، أو لماذا في حال مجيئك أو وجودك يتجنب البعض الحضور ليس لأنه يتخذ موقفك تجاهك، وليس لأنه يحسدك، فإن أحد الأسباب هي كمية العصابية التي تحقنها في الذين حولك.

وبالطبع، الحياة ليست رحلة رومانسية، الضغط النفسي الشديد يجعلك رغما عن أنفسك في هذه الحالة القلقة، والمعيار هو طول هذه المدة الزمنية، وتكرارها مع الأشخاص نفسهم، عامان من القلق الشديد وتجاوز الصدمة لا يمكنها أن تمر دون أن تحقق أثرا كاويا على علاقات تنشد الهدوء، والحكمة، والاتزان، وأحيانا شيء أبسط بكثير مثل: قضاء وقت ممتع.


منذ عامين وأنا أحاول التأكيد على مدركاتي الذهني أن هذا هو الصواب الذي يجب أن أفعله، لا أنجح دائما، ولذلك عندما أصل إلى تلك الحالة من الهلع، أتجنب الناس، أتجنب الكتابة، أتجنب أشياء كثيرة حسب طاقتي على التجنب.

المثير للغيظ في المسألة، أن القلق الذي يبعدك عن الناس، يصنع قلقا نتيجة بعدك عن الناس، لذلك هو قضاء وقدر أحيانا أن تكون حول البشر، وأنت ويومك، وأنت وهرموناتك، وأنت وأفكارك التي تذهب بها أو تذهب بك يمنة ويسرة، من هذه الظروف المركبة تنشأ الحوادث المزعجة التي تقودنا إلى هذه الخسارات الصغيرة المتراكمة.


الذي يحقن قلقه في الآخرين من واجبه تجاه نفسه أن يجد طريقةً لكي يخفف هذه الخسارات الصغيرة، لأنها مع الوقت ستتحول إلى انطباع عام، وحتى لو تجاوزت حالتك التي سببت لك هلعك، ربما ستجد أن قلقك ذلك يعود إليك على هيئة إنسان أدنى تصرف منك كفيل بجعله يتوتر تجاهك بشدة، ليس لأن ذلك الموقف الصغير يستحق، لكن لأنك أقلقته بما يكفي وأوصلته إلى التأهب التام لتجنب أي توتر يمكن أن تسببه له.


أما عندما يكون الأمر نتيجة طرفين قلقين! أهلا وسهلا بدراما العلاقات، والخصومات، والحوارات الكاوية!


ونعيش ونتعلم!

الأربعاء، 2 يوليو 2025

منطقة أخرى غامضة!

 الكاتب الحقيقي، موجود في سطوره، في عقول وقلوب قرائه، كاتب لا يموت، ترك أثره، وكتب، أما وجهه الخارجي فهي ليست أكثر من أسمال بشرية بالية مصنوعة من الطين تهيم على وجهها في الأرض. الوجود الحقيقي للكاتب هُناك فيما كتب، أما باقي الشكليات المادية هذه فليست أكثر من كائنات من لحم ودم تحاول الحياة. هذا هو الفهم الناقص الذي يجعل الكثيرين ينسون أن القارئ يصنع الكاتب، وهو الذي يدفعه للاستمرار، وهذا الانغراس التاريخي في الذاكرة العامة (بجودته أو برداءته) هو حقيقة وجوده الجوهرية.


الغارقون في تقديس الإناء. الكتاب المجلد الأنيق، أو المحافل الثقافية الباهرة، هل هذه حقيقة الثقافة؟ 

حقيقتها هي ورطتك في الحياة، ولعنتك مع ما رميته من تفاعلات نصيّة أمام وجه العالم.

أن تكون (شخصيةً) مثقفةً، هذا دور مهني بحت، ليس سيئا، ليس خطأ، بل هو جزء من كونك تحترم السياق المهني للمجال الثقافي.


لكن أن تصول وتجول في حقول الثقافة، وأنت لا تكتب! لا ترسم! لا تعزف! أن تصول وتجول في عالمها وأنت لا تكتب هُنا السؤال!


الإناء ليس مهما، أين تقول شعرك ليس مهما، هذه اعتبارات غير موضوعية، المهم إنك تكتب، وما تتركه، وما يترسخ عبر السنوات بينك وبين قارئك هو الذي يصنع وجودك الذي بعده لا يعود وجودك المادي مهما!


الإنسان الذي من لحم، ودم، يبحث عن الرزق، ويمر بالإفلاس، والمرض، ويخاصم، ويصادق، ويحب، ويكره، هذا وجوده الجانبي، الهامشي، أما وجوده الحقيقي فهو حيث كتب، وما بقي، وما ترك أثرا، وما صنع هويته الغامضة في عالم المعنى الذي لا يملك مقاليده أحد.


أن تكتب، يعني أن تكتب، تستمر في الكتابة، لا تتوقف، فهي ليست موهبة، وليست هبة، وليست هدية من السماء، وليست اعتبارا أو مكانة، هي تراكم طويل المدى، يترسب مفعوله الجيد أو السيء مع الوقت.


أمَّا مرور عشر سنوات منذ آخر مقال أو قصيدة، والحياة على الرخصة الثقافية التي تتأتى من المحافل الاجتماعية، هُنا ثمة علامة استفهام تُطرح، وفي النهاية، كل إنسان بينه وبين قارئه ما بينه وبين قارئه، (سر المهنة) الذي لا كاتب في هذا الكون سيجرؤ على أن يبوح به.


القارئ معلم، صديق، خصم، عدو، أخ، عائلة، وطن، مجتمع، سجن، حرية، حقائق بعدد أنفس الخلائق. ويكفيك عندما تلقى قارئك الحقيقي أن تقف متواضعا أمامه، فهو الذي يعرف كل نسخك التي نسيتها، ويذكرك جيدا، والقارئ الذي يذْكرك، هو القارئ الذي يُذَكِّرك، ولذلك، كاتب دون أن يكتب ليس أكثر من إنسان يقاوم الموت. وقد يموت وهو على قيد الحياة!


أي موت شنيع هذا عندما تفقد قدرتك على الكتابة!

الثلاثاء، 1 يوليو 2025

شؤون ملكية

 جالس يلفت انتباهي موضوع الأمير هاري (سابقا) وميجان! وأتساءَل عن استمرارية علاقة مثل هذه؟

لأن الفرضيات كثيرة، ومنها (وافق شنٌّ طبقه). الأمير المتمرد على التقاليد الملكية، مع تراكمات هائلة كونه (الاحتياطي) غير صدمة خسارته لوالدته ومحاولته ربما البحث عنها في مختلف النساء. 

وممثلة رأسمالية أمريكية لا أظن أن أحدا يرتاحُ للمشهد العام الذي تصنعه؟

أتساءل حقا، هل يمكن لهذه العلاقة أن تستمر؟ ألن يأتي يوم وينتبه هاري إلى أنَّه يسحق كل ما نشأ وترعرع عليه؟ هويته، وطنيته؟ مسؤولياته الملكية؟ من أجل ماذا؟ ومن؟ ممثلة أمريكية رأسمالية تسحبه سحبا إلى صناعة تاريخ مهني مليء بالتمثيل، والأفلام، والمقابلات؟

من المستفيد حتى الآن من هذه الزيجة؟ أليست ميجان؟ هذا ما يتم تأطيره بقوَّة وبشدة من قبل وسائل الإعلام، تبدو ميجان كما لو كانت هي الشيطان فقط في المعادلة.

ولكن ماذا عن هاري؟ المندفع لتحطيم الكثير، هل هو فقدان الشعور بالمعنى في الحياة؟ أم ببساطة تسجيل اللطمات الأخيرة التي يمكن أن يلطمها للنظام الملكي المترسخ؟ ما يبدو للمشاهد الخارجي نظاما ملكيا، هو أيضا (عائلة) بالنسبة لهاري الذي حضر غريبا، بلا زي عسكري، مع ألف تساؤل عن هذه العلاقة وتذهب إلى أين.


أعرف أن لكل إنسان رأي، وأعرف أن الرومانسيين في الحياة يشعرون أن الحب ينقذهم، وفي الوقت نفسه ثمَّة جانب نفسي لا يمكن تجاهله على الأقل على سبيل التكهن، كلاهما به نزعات الآخر يكملها، الهوية البديلة التي تقدمها الممثلة الرأسمالية الأمريكية للفتى الملكي البريطاني (والعسكري أيضا).


كتابه، حديثه عن القتلى الذين فتك بهم، سعيه الرأسمالي لاستخدام اسمه وحكايته لحلب أكبر قدر من المال، اعتناقه هذه الحياة شبه الأمريكية، وماذا بعد؟ بعد المال؟ بعد النجاح؟ بعد التحقق؟ ماذا بعد؟ ألن يضربه ذلك الخواء، ذلك الحنين الجارف لهويته الأولى؟ وعندما يصبح أخوه ملكا لبريطانيا، هل سيعود عودة السند العائد إلى طريق الحق والصواب؟


أعتقد أن هاري يعرف جيدا أن علاقته بالممثلة الرأسمالية الأمريكية شيء هي التي تتمسك به بجنون، بقدر ما يبدو الواقع الخارجي وكأنها هي التي تؤثر عليه، هي التي تسحبه، هي النرجسية المخادعة، لكنني حقا لا أظن ذلك.

مقاييس الربح والخسارة مختلفة، هاري له خط رجعة، أسس شخصية المتمرد بما يكفي، صنع لنفسه البريق الإعلامي الذي يعطيه أفضلية وقدرة على إعادة تصويب السياق، ماذا عن ميجان؟ بنقرة زر يمكن أن تُشيطن، وتخسر كل شيء.


إنها صفقة عالم الضوء والنفوذ، عالم الوصول الملكي الفلكي، لكن ليس هاري هو الطرف الضعيف، رغم ما يبدو عليه كل شيء، هو الطرف المهيمن، المسيطر، الذي يمكنه في ثانية واحده أن يلعب دور العاشق المكلوم ضحية (النداهة الأمريكية) التي سحرته وخربت بيته وزعّلت عليه باكجنهام وضواحيها..


إن كان ثمَّة طرف حقاً يعلم الذي يفعله، فهو هاري، ليس غبيا، وليس عفويا، وليس عاديا كما يريد أن يبدو، أما عن الممثلة الرأسمالية الأمريكية فكما يبدو هي تعيش الحكاية قدر ما تستمر، تحشد ما استطاعت من المال والحال، وتتمسك بهلع بهذه الزيجة فهي على عكس زوجها ليس لديها حياة أخرى بديلة تعود لها، ستصبح زوجة أمريكية أخرى ضمن نصف الزيجات التي نهايتها الطلاق، ووقتها لا أحد يعرف كيفية افتراق الطرق! 


أبعاد سيكولوجية كثيرة في هذه الزيجة، والمؤكد أنَّ ما يُراد تأطيره أمام المتلقي هي سرديات عديدة، قادمة من طيّات النفس البشرية الحانقة، المشحونة بالمواقف، هذا ما أظنه عن هاري، يعيش رحلة تصفية حسابه مع ذاته، ومع معناه، وعلى الهامش رحلة اتخاذه الموقف الكبير، إلى أن يحين الوقت الذي تتناقض فيه الخيارات، إلى أن تفوح أخبار عشيقة دخلت على الخط، وطلاق عالمي يسيّل لعاب المجلات والصحف التي يدعي أنه يشتكي منها!


لا أندمج مطلقا مع هذه السرديات التي تتقيأها الصحف والبرامج ليل نهار، هذا العالم علّمنا عشرات المرات أن مثل هذه الحكايات لها نهاية، ومثل هذه الحياة الساخنة، المليئة بالدراما لها (قفلة) .. كيف ستكون هذه القفلة؟ لا أحد يستطيع التقين، لكن هل حقا نهاية هذه الحكاية عجوزان اثنان يكتبان يوميات أمير سابق، وممثلة رأسمالية أمريكية استطاعت إنقاذ أميرها من حياته الملكية؟ 


أراهن أن ميجان ستخرج الخاسر الأكبر من هذه الحكاية، أما هذا البريء ذو الشعر الأحمر، والعيون المليئة باللوعة والحسرة على ضياع المعنى، أظن إنه يحسب حساب كل شيء، لا أعتقد أن به ذرة من العفوية، وإن كان على ميجان، بكل ما تمثله في هذه الحياة من مادية، ومن شكليات، ومن مسلسلات، وموضه، وبرامج، أجدها على عكس السردية الشائعة أبسط، وربما أكثر نقاء من هذا المشروع التاريخي الكاوي الذي يمثله هاري!


على أية حال، لا أحد يعرف الحقيقة!


ننتظر ما تسفر عن المآلات!

من ظاهرة آمبر هيرد ومستر جوني ديب، والآن الأمير هاري والممثلة الرأسمالية ميغان ساسكس ماركل. الزخم الإعلامي.


لست من نظرية هاري الضحية أمام الساحرة الأمريكية، ولدي فضول شديد لمعرفة المآلات القريبة والبعيدة. التلاعب بالجموع، وصناعة سردية محكمة، وحلب هذه السردية كما يحلب ضرع البقرة الحلوب، الزيارات، المقابلات، الرأسمالية، المنفعة، كلها أفكار تتجمع في هذين الشخصين وحكايتهما.


تابعت باشمئزاز تام تلك المقابلة، الضحلة، بكل ما بها من ابتسامات متكلفة ومزيفة، حاولت التقاط شيء ما لعله ينفعني في ربط معارف علم النفس مع الواقع، لم أجد شيئا يذكر. ثمَّة من يتمسك بسرديته، يحافظ عليها، يستخدمها كمنتج.


هذا هو وضع هذين الاثنين حالياً، صُنَّاع مُنتج يباع. ولعل هاري كان يعلم جيداً أن هذا المسار أربح له (ربما ليس أنفع) لكنه قطعا أربح له من ملاحقة ما تيسر من المنافع الملكية. 


هل هو موضوع وقت؟ ونرى نسخة هوليودية من الأمير السابق؟ نسخة البرامج، لأن هذا الإنسان بارع حقاً، بارع في التلاعب بالسياق، بارع في إحكامه، وصناعته، بارع في هذا التحالف الرأسمالية مع ميجان التي تبدو للجميع كما لو كانت هي التي تدير اللعبة نيابة عنه. 

لست مع هذه الفرضة، وأصر بشكل ما أو بآخر على أن الذي يحدث هو العكس، هي أداة في يد إنسان ينتقم من ذاته السابقة، العائلة التي ربما يراها قتلت أمَّه، من السياسة، من الأنظمة الملكية. يصنع الضوء مستثمرا ما تأسس له من قبل نتيجة سياق مغاير، وهو الآن حرٌ طليق، من الالتزامات، حتى هذه العائلة التي توصف بالملكية أصبحت جزءا من سرديته.


حالة فعلا تستدعي التساؤل، وتستحق التأمل. كيف لعائلة ملكية بريطانية أن يخرج منها هذا الجامح؟ موقفه أقوى بمراحل من عائلة رسمية، لا تعترف بلغة المناكفات الإعلامية، ليست من الأساس إلا مادة منتهكة، موقف هاري أقوى أمام العالم، أمام الجموع، بل حتى قدرته على إعادة صياغة التاريخ الحقيقي تصبح كل يوم أقوى.


ثمَّة شيء غير مقنع أبدا، وهذا الزخم الذي بدأ يُصنع، والنسخة الهشَّة التي صنعت من ميجان ضحيةً (مشروطة) بمن؟ برواية هاري فقط، لقد وضعت حياتَها ورهنتها في سردية هاري التي يتمسك بها. الوضع ليس كما يبدو مطلقاً.


وهذه الرأسمالية الكلاسيكية، تفعل ما بوسعها لحلب هذا الزخم، هي تمسك الجانب العملي بخبرتها كممثلة تعرف عالم الضوء التجاري، وهو بجوهره الملكي كأمير، ترعرع في القصور، إنه ابن الملك! هذه حقيقة حاضرة في الأذهان أمام الكوكب الأمريكي الذي فقد اتصاله بكل شيء ملكي منذ إعلان الاستقلال.


لعبة سياقات، وسرديات، وصراع إنسان جامح مطلق اللسان واليدين أمام مؤسسة ملكية مليئة بالمحاذير، والمعايير، معقودة اللسان، تتلقى ضربة أندرو، والآن ضربة هاري.


يبدو أن ويليام سيكون هو الحل الملكي الدامغ لإعادة تشكيل خارطة العائلة الملكية البريطانية، يبدو لي أنَّ هذا هو موضوع وقت قبل أن تتساوى الأمور، ويتحول الأمير ابن الملك إلى الأمير أخ الملك، ووقتها نحن أمام حكاية إعلامية دسمة.


أتساءل أحيانا وأقول في نفسي: لو كان هاري إنسانا أعرفه عن قرب، وكان صديقا مثلا، أو صديقا لصديق ألن أتعاطف معه تلقائيا؟ ربما لأنني أشعر بالتماهي والفهم.


عجيب الموضوع أليس كذلك؟ كيف حياة إنسان تصبح مادة خام لكي نجرب فيها لساننا، وعقولنا، وأصابعنا، ويكتب الذي يكتب، ويقول الذي يقول، ويصور الريلات الذي يصور الريلات؟


الذي فعله هاري هو إنه أنسى المتلقي جذور الحكاية، ذكي للغاية، ووجد بغيته في الممثلة الرأسمالية ميغان التي لا تخلو من كونها الدرع السردي الذي يحمي رحلته الكاوية. 

رغم كل شيء، ثمَّة شيء محزن أن يصبح إنسانا مجرد حكاية جامدة، محزن بشكل غريب، وربما بشكل شخصي. 


دعنا نرى أين تذهب هذه الحكاية.