جالس يلفت انتباهي موضوع الأمير هاري (سابقا) وميجان! وأتساءَل عن استمرارية علاقة مثل هذه؟
لأن الفرضيات كثيرة، ومنها (وافق شنٌّ طبقه). الأمير المتمرد على التقاليد الملكية، مع تراكمات هائلة كونه (الاحتياطي) غير صدمة خسارته لوالدته ومحاولته ربما البحث عنها في مختلف النساء.
وممثلة رأسمالية أمريكية لا أظن أن أحدا يرتاحُ للمشهد العام الذي تصنعه؟
أتساءل حقا، هل يمكن لهذه العلاقة أن تستمر؟ ألن يأتي يوم وينتبه هاري إلى أنَّه يسحق كل ما نشأ وترعرع عليه؟ هويته، وطنيته؟ مسؤولياته الملكية؟ من أجل ماذا؟ ومن؟ ممثلة أمريكية رأسمالية تسحبه سحبا إلى صناعة تاريخ مهني مليء بالتمثيل، والأفلام، والمقابلات؟
من المستفيد حتى الآن من هذه الزيجة؟ أليست ميجان؟ هذا ما يتم تأطيره بقوَّة وبشدة من قبل وسائل الإعلام، تبدو ميجان كما لو كانت هي الشيطان فقط في المعادلة.
ولكن ماذا عن هاري؟ المندفع لتحطيم الكثير، هل هو فقدان الشعور بالمعنى في الحياة؟ أم ببساطة تسجيل اللطمات الأخيرة التي يمكن أن يلطمها للنظام الملكي المترسخ؟ ما يبدو للمشاهد الخارجي نظاما ملكيا، هو أيضا (عائلة) بالنسبة لهاري الذي حضر غريبا، بلا زي عسكري، مع ألف تساؤل عن هذه العلاقة وتذهب إلى أين.
أعرف أن لكل إنسان رأي، وأعرف أن الرومانسيين في الحياة يشعرون أن الحب ينقذهم، وفي الوقت نفسه ثمَّة جانب نفسي لا يمكن تجاهله على الأقل على سبيل التكهن، كلاهما به نزعات الآخر يكملها، الهوية البديلة التي تقدمها الممثلة الرأسمالية الأمريكية للفتى الملكي البريطاني (والعسكري أيضا).
كتابه، حديثه عن القتلى الذين فتك بهم، سعيه الرأسمالي لاستخدام اسمه وحكايته لحلب أكبر قدر من المال، اعتناقه هذه الحياة شبه الأمريكية، وماذا بعد؟ بعد المال؟ بعد النجاح؟ بعد التحقق؟ ماذا بعد؟ ألن يضربه ذلك الخواء، ذلك الحنين الجارف لهويته الأولى؟ وعندما يصبح أخوه ملكا لبريطانيا، هل سيعود عودة السند العائد إلى طريق الحق والصواب؟
أعتقد أن هاري يعرف جيدا أن علاقته بالممثلة الرأسمالية الأمريكية شيء هي التي تتمسك به بجنون، بقدر ما يبدو الواقع الخارجي وكأنها هي التي تؤثر عليه، هي التي تسحبه، هي النرجسية المخادعة، لكنني حقا لا أظن ذلك.
مقاييس الربح والخسارة مختلفة، هاري له خط رجعة، أسس شخصية المتمرد بما يكفي، صنع لنفسه البريق الإعلامي الذي يعطيه أفضلية وقدرة على إعادة تصويب السياق، ماذا عن ميجان؟ بنقرة زر يمكن أن تُشيطن، وتخسر كل شيء.
إنها صفقة عالم الضوء والنفوذ، عالم الوصول الملكي الفلكي، لكن ليس هاري هو الطرف الضعيف، رغم ما يبدو عليه كل شيء، هو الطرف المهيمن، المسيطر، الذي يمكنه في ثانية واحده أن يلعب دور العاشق المكلوم ضحية (النداهة الأمريكية) التي سحرته وخربت بيته وزعّلت عليه باكجنهام وضواحيها..
إن كان ثمَّة طرف حقاً يعلم الذي يفعله، فهو هاري، ليس غبيا، وليس عفويا، وليس عاديا كما يريد أن يبدو، أما عن الممثلة الرأسمالية الأمريكية فكما يبدو هي تعيش الحكاية قدر ما تستمر، تحشد ما استطاعت من المال والحال، وتتمسك بهلع بهذه الزيجة فهي على عكس زوجها ليس لديها حياة أخرى بديلة تعود لها، ستصبح زوجة أمريكية أخرى ضمن نصف الزيجات التي نهايتها الطلاق، ووقتها لا أحد يعرف كيفية افتراق الطرق!
أبعاد سيكولوجية كثيرة في هذه الزيجة، والمؤكد أنَّ ما يُراد تأطيره أمام المتلقي هي سرديات عديدة، قادمة من طيّات النفس البشرية الحانقة، المشحونة بالمواقف، هذا ما أظنه عن هاري، يعيش رحلة تصفية حسابه مع ذاته، ومع معناه، وعلى الهامش رحلة اتخاذه الموقف الكبير، إلى أن يحين الوقت الذي تتناقض فيه الخيارات، إلى أن تفوح أخبار عشيقة دخلت على الخط، وطلاق عالمي يسيّل لعاب المجلات والصحف التي يدعي أنه يشتكي منها!
لا أندمج مطلقا مع هذه السرديات التي تتقيأها الصحف والبرامج ليل نهار، هذا العالم علّمنا عشرات المرات أن مثل هذه الحكايات لها نهاية، ومثل هذه الحياة الساخنة، المليئة بالدراما لها (قفلة) .. كيف ستكون هذه القفلة؟ لا أحد يستطيع التقين، لكن هل حقا نهاية هذه الحكاية عجوزان اثنان يكتبان يوميات أمير سابق، وممثلة رأسمالية أمريكية استطاعت إنقاذ أميرها من حياته الملكية؟
أراهن أن ميجان ستخرج الخاسر الأكبر من هذه الحكاية، أما هذا البريء ذو الشعر الأحمر، والعيون المليئة باللوعة والحسرة على ضياع المعنى، أظن إنه يحسب حساب كل شيء، لا أعتقد أن به ذرة من العفوية، وإن كان على ميجان، بكل ما تمثله في هذه الحياة من مادية، ومن شكليات، ومن مسلسلات، وموضه، وبرامج، أجدها على عكس السردية الشائعة أبسط، وربما أكثر نقاء من هذا المشروع التاريخي الكاوي الذي يمثله هاري!
على أية حال، لا أحد يعرف الحقيقة!
ننتظر ما تسفر عن المآلات!
من ظاهرة آمبر هيرد ومستر جوني ديب، والآن الأمير هاري والممثلة الرأسمالية ميغان ساسكس ماركل. الزخم الإعلامي.
لست من نظرية هاري الضحية أمام الساحرة الأمريكية، ولدي فضول شديد لمعرفة المآلات القريبة والبعيدة. التلاعب بالجموع، وصناعة سردية محكمة، وحلب هذه السردية كما يحلب ضرع البقرة الحلوب، الزيارات، المقابلات، الرأسمالية، المنفعة، كلها أفكار تتجمع في هذين الشخصين وحكايتهما.
تابعت باشمئزاز تام تلك المقابلة، الضحلة، بكل ما بها من ابتسامات متكلفة ومزيفة، حاولت التقاط شيء ما لعله ينفعني في ربط معارف علم النفس مع الواقع، لم أجد شيئا يذكر. ثمَّة من يتمسك بسرديته، يحافظ عليها، يستخدمها كمنتج.
هذا هو وضع هذين الاثنين حالياً، صُنَّاع مُنتج يباع. ولعل هاري كان يعلم جيداً أن هذا المسار أربح له (ربما ليس أنفع) لكنه قطعا أربح له من ملاحقة ما تيسر من المنافع الملكية.
هل هو موضوع وقت؟ ونرى نسخة هوليودية من الأمير السابق؟ نسخة البرامج، لأن هذا الإنسان بارع حقاً، بارع في التلاعب بالسياق، بارع في إحكامه، وصناعته، بارع في هذا التحالف الرأسمالية مع ميجان التي تبدو للجميع كما لو كانت هي التي تدير اللعبة نيابة عنه.
لست مع هذه الفرضة، وأصر بشكل ما أو بآخر على أن الذي يحدث هو العكس، هي أداة في يد إنسان ينتقم من ذاته السابقة، العائلة التي ربما يراها قتلت أمَّه، من السياسة، من الأنظمة الملكية. يصنع الضوء مستثمرا ما تأسس له من قبل نتيجة سياق مغاير، وهو الآن حرٌ طليق، من الالتزامات، حتى هذه العائلة التي توصف بالملكية أصبحت جزءا من سرديته.
حالة فعلا تستدعي التساؤل، وتستحق التأمل. كيف لعائلة ملكية بريطانية أن يخرج منها هذا الجامح؟ موقفه أقوى بمراحل من عائلة رسمية، لا تعترف بلغة المناكفات الإعلامية، ليست من الأساس إلا مادة منتهكة، موقف هاري أقوى أمام العالم، أمام الجموع، بل حتى قدرته على إعادة صياغة التاريخ الحقيقي تصبح كل يوم أقوى.
ثمَّة شيء غير مقنع أبدا، وهذا الزخم الذي بدأ يُصنع، والنسخة الهشَّة التي صنعت من ميجان ضحيةً (مشروطة) بمن؟ برواية هاري فقط، لقد وضعت حياتَها ورهنتها في سردية هاري التي يتمسك بها. الوضع ليس كما يبدو مطلقاً.
وهذه الرأسمالية الكلاسيكية، تفعل ما بوسعها لحلب هذا الزخم، هي تمسك الجانب العملي بخبرتها كممثلة تعرف عالم الضوء التجاري، وهو بجوهره الملكي كأمير، ترعرع في القصور، إنه ابن الملك! هذه حقيقة حاضرة في الأذهان أمام الكوكب الأمريكي الذي فقد اتصاله بكل شيء ملكي منذ إعلان الاستقلال.
لعبة سياقات، وسرديات، وصراع إنسان جامح مطلق اللسان واليدين أمام مؤسسة ملكية مليئة بالمحاذير، والمعايير، معقودة اللسان، تتلقى ضربة أندرو، والآن ضربة هاري.
يبدو أن ويليام سيكون هو الحل الملكي الدامغ لإعادة تشكيل خارطة العائلة الملكية البريطانية، يبدو لي أنَّ هذا هو موضوع وقت قبل أن تتساوى الأمور، ويتحول الأمير ابن الملك إلى الأمير أخ الملك، ووقتها نحن أمام حكاية إعلامية دسمة.
أتساءل أحيانا وأقول في نفسي: لو كان هاري إنسانا أعرفه عن قرب، وكان صديقا مثلا، أو صديقا لصديق ألن أتعاطف معه تلقائيا؟ ربما لأنني أشعر بالتماهي والفهم.
عجيب الموضوع أليس كذلك؟ كيف حياة إنسان تصبح مادة خام لكي نجرب فيها لساننا، وعقولنا، وأصابعنا، ويكتب الذي يكتب، ويقول الذي يقول، ويصور الريلات الذي يصور الريلات؟
الذي فعله هاري هو إنه أنسى المتلقي جذور الحكاية، ذكي للغاية، ووجد بغيته في الممثلة الرأسمالية ميغان التي لا تخلو من كونها الدرع السردي الذي يحمي رحلته الكاوية.
رغم كل شيء، ثمَّة شيء محزن أن يصبح إنسانا مجرد حكاية جامدة، محزن بشكل غريب، وربما بشكل شخصي.
دعنا نرى أين تذهب هذه الحكاية.