عاشق الحياة، المتمرغ في الافتتان بها، أسير زخرفها يعظُ
الموتى، والأحياء، ولا يجد غضاضة أن يتناثر لعابه حبا فيها، فهي [الحياة]، كل ما
يتعلق بأمنياته، وإن كان ثمّة شيء هو مستعد أن يموت من أجله، مجددا فسيموت من أجل
الحياة، من أجل ثانية يقضيها في اللهو، واللغو ثانية لا يتنازل عنها.
بعد الموت لا تهم الأسباب كثيرا للميت، إنّه حيث هو
يعرفُ الحقيقة التي غابت عنه في حياته، أما الأحياء، فتثور ثائرة استحقاقهم
للحياة، والمزيد منها، لإدمانهم على الخوف من الموت، لرغبتهم في المزيد من الحب
الجم الملهوف ليعيشون، ولذلك، لن يفهم عشاق الدنيا معنى فقدان الأمل في الحياة.
ولأنها مفارقة لها من صفات الجدلية الكثير، ولأنها جدلية
لها صفة مفارقة، ولأنها متناقضة بين المنطق والوهم المنطقي، يحدث الجدال بين
الأحياء والموتى، ولا يكون منصفا، أو منطقيا وإنما كتلة من التلوّع والتحسّر، كمن
يرى غيره وهو يحرق مالَه في موقد، لماذا تفعل ذلك؟
عندما تجادل ميتا، أنت لا تجادله عن حياته، لا تسبغ صفات
النبل والمنطق على فعلك، أنت تجادله عن حياتك، تُسائله عنها، تمارس أقصى استحقاق
ممكن لمتعطش لاهث وراء الدنيا أن يفعله، إن كنت تريد أن تفهم ستعترف أن المعطيات
التي لديك ليست كافية، لكنك تريد أن تحكم، وهذا سهل عليك دنياك تغويك!
والدنيوي المغالي لا ينتبه إلى ما يفعله عندم يُسائل
ميّتا، قد يصلُ افتتانه بدنياه إلى مصادرةِ تلك الميتة، وكأنه يقول للميت: لماذا
لم تمت من أجلي؟ إن طرقا كثيرة هُناك لتموت من أجل حياتي، بطلا، منتصرا، ممجدا،
لماذا لم تمت من أجلي؟ من أجلنا، عشاق دنيانا الكؤود!
سائل الميّت كما تحب، حاصره كما تشاء، حاكمه كما تريد،
هذا لا يزيح عنك المسؤولية الجزئية، أنك أحد أسباب موته، وإن لم تكن، فأنت أحد
أسباب غياب من ينقذه، لأنك عاشق للدنيا، ولأحكامك، وكل ما يمكن أن تحاصر به نفسك
وغيرك لتفتتن بالدنيا أكثر وأكثر، حتى لو كان ذلك على حساب موت شخص آخر!
أنت يا عاشق الدنيا لا تفهم أنك موهوم بالخلود، وبالرغبة
فيه، خائف من الموت، هؤلاء الذين لا يخشون الموت يؤرقونك، فأقصى ما تطالبهم به هو
أن يموتوا من أجلك، غير ذلك كل ميتة ذهبت هدراً، لا تخدم عيشَك، ولا تساعد مطلبك
تنزع منها استحقاقها، في حياتها، وفي مماتها، أين كنت من قبل؟
وهذا ما يفعله "العقلاء" باستماتة،يطبقون
نظرياتهم المعيارية عن ما هو طبيعي وما هو مجنون، إن الحاجة لوهم الحياة الطبيعية
جزء من استمرار البشرية، وقد يشط هؤلاء بعشقهم للحياة إلى حد محقهم حياة غيرهم،
ليس على المريض حرج إن كان منطق الحياة أنانيا، ومريضا، وظالما، وقاتلا! ليس عليه حرج!
وقف أيها "العاقل" متباهيا بمنطقك، بوهمك
الأزلي في البحث عن الخلود وفي نيل السعادة، أنت لا تفهم الجنون، ولن تفهمه،
وأغلال العشق الدنيوي التي تكبّلك تمنعك من الفهم، لكنك لا تمنع نفسك من الأحكام،
تطلقها كالرصاص، وما أشجعك أيها العاقل! تطلق رصاصك على ميّت! هنيئا لك هذا الجبن
المحمود!
معاوية الرواحي