بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2020

عن التغيير

 

 

 

يقول لي البعض: لقد تغيرت كثيرا يا معاوية! لماذا؟ وكيف؟

لماذا؟ لأنني شخص سيء بكل معاني الكلمة، سمحت لأشكال شتى من الأخطاء والانجراف أن يأخذني إلى البعيد، إلى الخسارة، إلى فقدان للمنطق كان يمكنه أن يستمر للنهاية، وكان طريق العودة بعيدا، وصعبا، ومفزعا، ويحتاجُ إلى صدام مع الذات.

عندما تكون شخصا سيئا تكون المشكلة بالجَميع ما عدا أنت، وعندما تضيف إلى ذلك نرجسية شخص مبدع متعدد المواهب فأنت على وعد مع حياة من ابتكار الأوهام، والتبريرات، وأضف إلى ذلك ضغوط، وخصوم، وأصدقاء مؤذين، ونزعة لجلد الذات وللانجذاب إلى الصداقات النرجسية والسامة، تكتمل الخلطة المرعبة.

وهذا ما حدث لي، ونعم كانت لحالتي المرضية، وثنائية القطب مساهمة جزئية في ذلك، هذا لا ينفي أن السلوك، والاستقرار الذهني هو مهمة صاحبه، مهمتي أولا وأخيرا، أنا الذي يفكر، وما يهيجه المرض من أحقاد أو مشاكل خارج موضوع السيطرة على الذات، إنها قضية فكرية، ونفسية، وذاتية وتحتاج لصدام!

لم أستطع الصدام مع ذاتي، كنت أعوض أخطاء نرجسيتي بسلوك خطأ من جلد وإهانة الذات وتحقيرها، نمط معاكس للذي ينسب لنفسه مواهب وذكاء لا يملكه ولكن بشكل معكوس. كانت بداية الصدام مع نفسي خطأ، والمقاربة المبدئية خطأ، ولا تُعامل أخطاءك كشخص نرجسي بتحقير الذات، فهذه أيضا نرجسية مرضية.

تأجل الصدام مع الذات سنوات، شُغلت بمعارك متعددة تظهر من كل حدبٍ وصوب. وأنت مضطرب حائر في من تكون تُبتلى بمن يضربك وأنت مكسور، وكل ثعبان سام نرجسي مستعد للتزلف إلى فئة، أو مؤسسة يجدُ السانحة التي يضربك فيها، تأجل صدامي مع ذاتي لأنني كنت في صدام كبير، كبير للغاية فوق طاقتي!

كانت بداية عودتي للتفكير المنطقي عندما اقتنعت أن مضادات الاكتئاب ليست الدواء المثالي في حالتي، إنها تزيد حالتي سوءا، تشعلني إبداعيا وتضاعف من خيالاتي، وتزيد ذهني توقدا، ولكن على الجانب الآخر كنت سجين الكتابة، لا حياة لي سوى معاوية الكاتب، المدون، الشاعر، ولا حياة غير ذلك.

عندما توقفت عن تناول مضادات الاكتئاب، وعندما حذرني الأطباء من خطرها على حالتي بالتحديد، كان الأوان قد فات، كنت قد دخلت صدامي الكبير، ويا لها من حالة طريفة قدريا، أن تحارب لاستعادة عقلك في تلك الظروف، ثمان سنوات كاملة، والمعركة تجري داخليا وخارجيا، انفرم عقلي بكل معاني الكلمة!

عندما بدأت الإدراكات كنت قد وصلت لعام 2013، في ساحة حرب مشتعلة، وأنا إما أداة أو قربان، ذلك السقوط الذي استغله البعض ليرميني ويتخلى عني، واكتشافات أن قذارة الموالي، والذي يقول لا مُحتملة، وتحدث، وأن الإنكار ليس أفضل ردة فعل تمارسها وقتها. وزاد الإدمان الأمور تعاسة.

بدأت بالهرب من الحياة، الإدمان كان صديقا قذرا لسنوات، ومعه طغمة من الأصدقاء القذرين، أحاول الوقوف على قدمي ولكن قرر أحدهم أنني يجب أن أنطمس، وعملية شاملة للانتقام وتلقيني درسا قد بدأت وتلقيت كل الضربات وعشت ألمها المروّع لسنوات وسنوات، لا علاج دوائي ينفع مع حالة مثل هذه مطلقا!

أحد الذين قاموا بإيذائي لسنوات قال يوما ما: معاوية لو تطعنه بسكين يسامحك، هذا الشخص نادر للغاية وقلبه فعله أبيض! ما أقبحها وأجملها من شهادة من شخص يكرهك، من فرط ما يثق بطبيعتك الطيبة يؤذيك بارتياح، فالذي يفعله من تعفن خلاياه الدماغية مبرر، كان يجب أن ينكسر معاوية، وانكسر حقا.

وهكذا، بدأت أتلقف عقلي تدريجيا، بصعوبة بالغة، أعالج دوائيا، ولكني هُناك الإدمان الذي على الجانب، وارتباك في المشهد الداخلي، بين القريب والصديق، والتصورات المبالغ فيها عنّي، والتي وللطرافة كنت أعمقها لحماية نفسي، أصرخ أن معاوية لم يعد طيبا، أصبح عدائيا، ولم يصدقني أحد!

كان أمامي أحد طريقين، الصدام مع الذات، أو الصدام مع العوامل الخارجية [وما أكثرها!]، ولأنني معاوية، اتخذت القرار الخطأ كالعادة وقمت بالصدامين في وقت واحد، ومن هنا حدثت ظاهرة معاوية الرواحي، الذكي، المرتبك، طاقة الكتابة الهائلة التي تعيش حربا شعواء مجهولة الأطراف معلومة الأسباب.

صدامان مفترسان يحدثان في وقت واحد. دخلت السجن، عولجت قسرا، عدت لدائرة التعساء الذين سميتهم أصدقاء، وعندما منّ الله عليّ بأجمل تجربة في حياتي، سجنت بعيدا عن الحشيش والكحول لعام كامل، وعندما دخلت الحبس الانفرادي، لأول مرة أتفرغ لمعركتي الداخلية دون منغصات خارجية.

تنافس من وثقت بهم في التخلي عني، كان البعض نبلاء وهجروني دون أن يقدموني قربانا، لم تقف معي غير عائلتي التي لم تكن تفهم ما يحدث لي، في السجن الانفرادي خضت معركتي الذاتية، وأنهيت نصفها، بقي النصف الثاني الذي كان سيقتلني لو حدث في تلك الظروف.

لكن الحياة لا تسير كما تشتهي السفن، خرجت من الانفرادي، وذهبت للسجن العام لتقطع أدويتي، وبدأت قصة محاكمتي التي تُختصر في الهاشتاجات التي يشهد عليها تويتر إلى أن يشاء الله. حدثت #براءة_معاوية_الرواحي، وعدت لعمان دائخا، معي نصف معركة مع ذاتي، وعادت الظروف الخارجية للعمل.

أمامي نصف معركة! ماذا أفعل؟ والظروف الخارجية أخذت مسارا مختلفا، من تصدّر ودق صدره في شأني أصبح يتنصل من دورِه، هُناك شيء كبير حدث، ما هو؟ لا أعلم حتى هذه اللحظة، أمامي النصف الباقي من المعركة، ولم يعد معاوية ذلك الطيب جدا الذي يصدق بسهولة أي غريب أو قريب، تغير النصف، وبقي النصف.

غسلت يدي من معركة الموالين والممانعين، فقدت ثقتي بالطرفين، ولكنني فقدت الثقة بنفسي أيضا، وهُناك بدأت عملية التخدير الشاملة التي أدخلتني المعركة. قررت السفر، ثم الهجرة، لم يكن لدي مجال لأحارب معركتين وأنا متمزق أحارب ذاتي الغامضة عني كل الغموض، سافرت، وبدأت أفكر باستفاضة.

المهذون الذي لقبه بعض أقرب رفاقه "معيوف" تأقلم مع هذه الحقيقة. والنرجسية المعززة بالمخدرات كانت تخديرا موضعيا، تغيرت نصف تغيير، من الداخل فقط، ولكن في الخارج كانت هناك عوامل الإدمان، والاقتناع بالعلاج، وعدت للاضطراب، مع نصف خلاصات ممتازة للتغير، لكن تطبيقها صعب! صعب جدا!

كنت أغلي حقدا، على نفسي، وعلى كل إنسان استغفلني، على كل من قدمني قربانا، على كل من كذب عليّ، بما في ذلك "معاوية" الذي أهرب منه بكل شخصية أدبية ممكنة، كنت غاضبا، بكل معاني الكلمة، وبعد عودتي من السجن، ومحاكمتي مجددا في قضية رفعها شخص أذاني بعمق في محاولته لتغطية خطئه الفني، ثرت.

علمتني الظروف بعض القناعات الجديدة، أنها معركة خارج الميدان، معركة حقائق، وأدلة، وعلمني التدوين السياسي الاحتفاظ بكل ما يثبت جانبي من الحكاية، وسواس سري آخر أدين له بكل الفضل في حمايتي من شرور الجَميع، ولا سيما هؤلاء الأشباح الذين يفعلون السوء ويهربون من عواقب فعلهم وينكرونه.

قررت الهجرة، وهُناك انفلت كل شيء، تعني لي عمان كل شيء تقريبا، وبدأت ثورتي على الظروف الخارجية والعوامل الخارجية بانهيار داخلي استمر لعامٍ كامل تقريبا. غاب العلاج عنِّي، ولكنني بدأت بعلاج نفسي داخليا، كانت المواجهة صعبة وطالما فكرت بالموت وقتها من شدة الألم، ومواجهة الحقائق.

كانت بداية التغيير بدراجة! تخيل! بكل هذه البساطة. وكنت قد أنهيت ثلاثة أرباع معركتي الداخلية، اطمأننت إلى حدوث الربع الباقي بالعلاج والخروج من الإدمان، لم أكن مدمنا محترفا وقتها، دخلت حالة الاستعمال العادي ولكنني كنت مصرا على الخروج نهائيا من كل المؤثرات العقلية بلا استثناء.

عدت لمعركتي مع العوامل الخارجية، وكانت عاصفة حقيقية، قلت جانبي من الحكاية بكل قبحه، وواجهت كل هؤلاء الذين ظن بعضهم أنني غافل عن أذاهم، أنني غافل عن حمايتهم لأخطائهم تجاهي، وانفلتت شخصيتي العدائية من عقالها، كانت كل مؤشرات الحياة تقول أنني مشروع انتقام إغريقي، ونويت ذلك حقا!

بدأت مرحلة رصاص اللغة، هجوم عنيف بكل الأدوات، وضعت عدوي نصب عيني، وكان العدو الصديق يتمادى، كنت أنتظر اللحظة المناسبة، وشاء الله أن يقدرها لي على طبق من ذهب، سبحان الله، يعاقبني الله على ما ظَلمت، وينتصر لي على ما ظُلمت، كان الإيمان بالله هو الذي حسم معركة التغيير نهائيا.

وبدأت المعركة تأخذ مسارا أفضل، لم يعد لدي ما أقوله، ما كان خافيا أصبح معلنا، من كان يزعم الصداقة انكشف ما يفعله، وحالة الحقد الشديد تحولت إلى طاقة مجددا، طاقة نحو الحياة والأمل، ولكنني كنت وقتها لاجئا، لم أعد مدمنا، صرت أعرف الصديق من العدو، وغسلت يدي من الممانعين كليا.

من ضمن أعمق إدراكاتي وقتها، أنني حقا [مهذون]، بقائي في هذه الدائرة الهجلية تضمن لي سلامتي العقلية، عدت للأدوية، وبدأت أستقر ذهنيا، تزامن ذلك مع ملابسات أخرى، ولكن، لم يعد لدي ما أقوله، بقي القليل المختزن في النفس، ولكنه لا يقال علنا، قلته في الختام، وبدأ الانتظار الأعمى.

فور ظهور علامات الاستقرار عليّ، فعّل أحد الحمقى الذين كنت أتربص به حقائقه، خوفه الشديد من أن يُعرف دوره في إيذائي، وأن يتوقف استغلاله لي، وتقديمه لنفسه أمام الناس كصديق مخلص، تجاوز الحدود، وخرجَ وقدّم لي كل ما أريده لأثبت براءتي من أشياء كثيرة، أنا لست بتلك الطيبة، ولا الغباء.

لا إدمان، أعالج نفسي، وعرفت جيدا الكثير من مشاكلي وبدأت معونة المحترفين، كان آخر العوامل مواجهتي مع الحكومة، وياللغرابة! ثمة هدنة صامتة حدثت دون اتفاق، هناك بدأت حياتي مع الدراجة، وأصبح لدي أصدقاء أصفهم بالصالحين، كان أولهم إسماعيل، وأمجد، وأنس، ورامي، وبقية الشلة حفظهم الله.

وجاءت اللحظة الحاسمة، عندما قدمت جانبي من الحكاية بكل ما يثبته، جاء اتصال السفير عبد العزيز الهنائي، وتم إبلاغي بالعفو السامي الكريم! وبدأ حلم اسمه [الحياة في عمان] يظهر أمام عيني بكل ممكناته الإدارية، والقانونية، والسياسية، بل والاجتماعية! سبحان الله والحمد لله.

لم أكابر، أنا سيء وهذا [حكم] ولكنني تجاوزت مرحلة اهتمامي بالأحكام، لم أعد أسعى لحياة مثالية، صار أقصى همي حياة ناجحة، والنجاح يتمثل لي في إيقاف تيار العداوات، ودخول المعارك. تغير معاوية، أصبح غضوبا ويحقد بسهولة، ولم أسامح مطلقا كل من أذاني، أقصى ما أستطيعه اعتزالهم كليا.

وبدأت حقا أتغير، أصبح هذا ملموسا، أصدقائي يشجعونني، لم أعد وحيدا، حتى في تلك الظروف المريرة أيام سفري لبريطانيا، وجدت الصديق الصالح الذي لا يحرمني من جملة [الله يوفقك]، ولمست نتائج لجهدي وصدامي مع نفسي، ولم أعد مدمنا، وصرت أعرف الذي أؤذيه، والذي أسامحه، والذي أعتزله.

تعلمت أن أدين نفسي بمنطقية، وأن أدين الآخر بأقصى ما يمكن من إنصاف، أن أكره بالقدر الذي أوذيت به، لا أكثر، ومطلقا ليس أقل. لم يعد ما حدث لي خافيا، اتضحت معالمه، وقلت وتيرة المواجهات، ظَلمتُ وظُلمتُ، وكانت أول خطواتي الاعتذار لمن كان يقبله، والاعتزال لمن لم يقبل اعتذاري.

وتغيرت حياتي، الخمرة أصبحت عودا أعزفه، والحشيش أصبح دراجة أقودها، وأحاط بي كل هؤلاء الذين يريدون الخير لأنفسهم ولي في وقت واحد، لا تخلو حياتي من المنغصات مع ذلك، لا تصمد أما دروس الحذر التي تعلمتها عبر هذه السنين، وأولها اعتزالي الممانع والموالي كليا، الأذى متساو منهما.

وانتهت حكاية صعلوك مدوّن، عدت للهذونة تدريجيا، وجزاك الله كل خير أيها السلطان هيثم بن طارق، أهديتني حياة طبيعية. والدي وقف في صفي، ومن بقي من أصدقاء تمسكت بهم، وتمسكت بحقي في ألا أكون شخصا سيئا، الأمر لا يتعلق بالأحكام الشخصية، إنها يتعلق بحياة من الحب والسلام والأمل.

أقضي القليل من وقتي متربصا، والكثير من وقتي في تعلم الشفاء من المرحلة المؤلمة التي كنت فيها، أعبأ لما يعزز في داخلي الروحانية، والخيريّة، وأتجنب كل التجنب الذين قد يقودونني لإيذائهم، لم أعد أصادق نرجسيا يتغذى عفنُه بتسميمي، والذي يستثمر مشاكلي ليسيطر علي، أصبحت أؤذيه بشدة.

وأنا كائن مؤذٍ، شديد الأذى معنويا إن اقتربت منه بالأذى المعنوي، ولا أسامح مطلقا الذي يفعل شيئا نيابة عني، أو الذي يريد أن يوجهني لأي مسار، لغم جاهز للانفجار، مع ذلك، راضٍ عن مستوى العدائية المنطقي الذي صار حالي إليه، عداء معنوي! أفضل من معارك قد تمتد عشر سنوات بلا توقف.

وما زالت عملية العلاج والتعافي مستمرة، لم أعد أهتم بالحكم العام، [سيء/ جيد] ولا أهتم للتصورات المثالية، أعززي في نفسي طاقة للتغير، وأن أذهب لاتجاه أفضل، مسالم، ومحب، ومليء بالمودة، وما زال نصفي العدائي متربصا، وجاهزا للدفاع عن حقي في الحياة الطبيعية بكل نصاله الحادة.

وانتهت حكاية صعلوك، عدت للهذونة، ووجدت وظيفة تناسب ظروفي، وسعيت للاستقرار بكل وسائله المتاحة، تزوجت والحمد لله، وأعيش في دائرة مسوّرة بكل ما انكسر في روحي من زجاج. حذر، ومرتاب، وسريع الغضب لا العطب، قلق أكثر من كوني خائف، ومليء بالأمل أكثر من الحماسة، ولم يعد يهمني تغيير العالم.

والحمد لله رب العالمين، أتلقى علاجي، وأواصل النبش في طيّات نفسي المركبة، ومتقبل وجود نواقصي، وأفعل ما بوسعي لأكتشف أين مكمن الخطر والخطأ. لم أسامح نفسي كليا، ولم أسامح من أذاني، لكنني صرت ألقي بثقل معقول من الاهتمام لأسلم ويسلم غيري من شروري، أجتهد وأصيب وأخطئ، وأحاول مجددا.

وهكذا: نهاية صعلوك، وعودة مهذون، وكل الشكر لجلالة السلطان، ووالدي، وعائلتي، وأصدقائي، ثم كل الشكر لماريو الذي كان شاهد كل المراحل والذي يطل عبر حروفي خفيا وجليا ليذكرني أن حق كل إنسان في تغيير سوئه للخير مقدس حاله حقوقه الأخرى في الخطأ، والتجريب، والمجد للحروف، والهجل، والحب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.