أواجهُ، ضمن ما أواجه في هذه الحياة، جُملا اعتراضيةً على هيئةِ إنسان. والذي يعيش تجربتي في هذه الحياة يكوِّن نظرته الخاصَّة لماهيةِ الذات، والآخر، والأثر، والإرث، والتأثير، وما يحق للغريب، وما يحق لك تجاه الغريب، وما يحق للغريب تجاهك. لا يمكنك أن تكون إنساناً عاشَ تجربة الجنون، والتمرد، والمرض، والكراهية، والمحبة، والنجومية، والسقوط الكبير، والقاع، والعودة، والسقوط مجددا، والانهيار العصبي، والسجن، والريبة، والظنون، والخصومات، والمصالحات، والتمرد الاجتماعي، والامتثال الاجتماعي، والحدية، والمنطقة البيضاء، والمنطقة السوداء، والهدوء النهائي، والشر، وبعض الخير. لا يمكنك أن تعيش كل هذا دون أن تكوِّن نظرتك، وأن تدوِّن قراراتك تجاه التعامل مع الآخر في هذه الحياة.
يحارُ البعض في فهمي لسببٍ بسيط، لأنَّه لا يقرأ لي. هذا هو السبب الكبير، والبسيط، والواضح. يتقف حائرا متسائلاً، هذا العاقل الذي يبدو مثقفا، يتحدث بسرعة وانطلاق، يحترمه طائفة من الناس ويسمونه كاتبا، أو شاعراً. وفي الوقت نفسه المتمرد نفسه، والمجنون رسميا، والمريض، والكائن المسكون بالشر والانتقام المتناثر في الفيديوات المرئية. الذي يقف في تلك الحيرة أعرفُ مباشرةً أنَّه لم يقرأ لي، ولا يقرأ لي، وقد يفعل ولكن لمجرد التربص والبحث عن الخطأ والتناقضات أو المبالغات أو الكذب عندما يحدث أن أكذب على نفسي أو على غيري. وأواجهُ في هذه الحياة هذا الذي لا يفهمني، ولا يقرأ لي، ومع ذلك يكرهني كراهية شديدة تصل إلى حد الغل!
قضيت معظم سنوات عُمري وأنا أكتب. كل يوم أكتب، لا أتوقف عن الكتابةِ إلا لايامٍ معدودةٍ. تجربتي الحقيقية في هذه الحياة كانت أمام لوحة المفاتيح، أما هذه التي حققت كل ذلك الضجيج، والجدال، والصخب، تلك المرتبطة بالمواد المرئية فكانت دائماً فقرة اعتراضية تستمر عدة أسابيع قبل أن تختفي، وأختفي معها وأعود إلى الكتابة. لهذا السبب أصنع هذه النظرة المغرقة في التناقض والتي توقع البعض ممن يحبون إلغاء البشر في مأزقٍ ظريف. هو نفسه هذا الشخص الذي يكتب المقالات، نفسه ذلك المجنون الذي كان يصرخ، ويبكي، ويشتم، ويعتذر، وفاقد للسيطرة، وفوق ذلك مدمن! كيف يمكنني أن أؤذيه بماضيه؟ وفي الوقت نفسه كيف يمكنني أن ألغيه؟ هذا هو سؤال الغل!
أن يصدر ذلك من إنسان قمت بإيذائه هو شيء مفهوم، شخض أذاك! لن تطيق منه أي فعل حتى لو حرر فلسطين! هنا لغة الموقف والكراهية تنتصر لامحالة. لكن السؤال، ماذا لو كنت أنت غريبا؟ ليس بيني وبينك أي أذى وأي تاريخ؟ هُنا السؤال الكبير: ما الذي يدفعك للشعور أنَّه يمكنك أن تمارس كراهيتك تجاهي، وأن تتقيأ سُميَّتك وتظن أنه لن تكون لي ردة فعل تجاهك؟ وفي النهاية عندما تتعرض للحرج أو لردة الفعل وكأنك تصاب بصدمة أن هذا الإنسان يدافع عن نفسه، وأنَّك أنت فعليا المعتدي!
أيهما حقيقي أكثر؟ وأيهما العارض؟ معاوية الذي يكتب؟ أم معاوية الذي يهذون ويعيش أياما مليئة بالهجل! الذي يقرأ لي يعرف [فاصلي] الهجلي، ويعرف أنها الأسابيع التي لا أستطيع الكتابة فيها، أنفجرُ في الكلام، لأسباب كثيرة، ثنائية القطب واحد منها، والاضطرابات الداخلية والصدمات سبب آخر. الذي يقرأ لي يعرف منذ سنوات طويلة هذه الحكاية ولذلك لا يعبأ بها، ينتظر بفتور الأيام التي تأتي بعدها، والتي أعود فيها إلى الكتابة معظم وقتي، والآن، بعد مشاغل الحياة والمسؤوليات، معظم الوقت الذي أملكه لنفسي. الكتابة لدي ذات وظائف متعددة، منها الوظيفة العلاجية، ومنها وسيلة للتعايش مع المجتمع والناس.
أنا مضطرٌ لذلك بشكل قسري، الدفاع عن حقوقي في هذه الحياة أمام الغرباء يستدعي مني صناعة هذا التصويب الدائم للسياق. عشت وترعرعت كاتباً، وأين؟ في هذا الوسط الثقافي العُماني المحتقن بالإلغاء والشللية! وأن تكون كاتبا، وعدوا للجميع بما في ذلك السلطة والدين! هل تتخيل حجم الصدمة المضادة الذي يمكنك أن تتعرض له؟ لا عجب أنني اخترت طوفان الكراهية لسنوات من عُمري، تلك البذور التي بذرتها، والأشواك التي حصدتها، تجربتي، وأنا أعلم بها، وأقبل نتائجها. أن يجعل غريب مشحون بالغل مهمته التنكيل بي معنويا أو نفسيا بسببها، هو يفتح باب ردة الفعل بكل بساطة، ويؤسفني أن أعترف: أنا لست إنسانا طيّبا، بي قسوة تكفي لإيقاع الضرر والأذى، وكلما كان العدو منيعا، ذهبت إلى ما هو أبعد من الخسارات لرد الصاع. طبيعة أتعايش معها بصعوبة بالغة بصناعة كل هذه الحواجز الممكنة التي تمنع أي غريب من اعتبار حياتي مشاعاً متاحاً.
أسوأ ما أواجهه في هذه الحياة ليس أحمق يرفع الكلفة ويمزح مزاحا ثقيلا، وليس اسما مستعارا يظن أن اجترار ماضي الأخطاء قد يؤلمني، وليس غافلا أو جاهلا يرفع الكامرة في وجهي في مكان عام ويظنُّ أنُّه يحق له ذلك، ويتفاجأ عندما أهجم عليه وأصنع حرجا عاما في وجهه! هذه المواقف العادية التي لا أعبأ أن أدخل فيها مهما أدى ذلك إلى صناعة صورة سيئة عني، أنني لست شخصا طيبا! وأنا لست إنسانا طيبا! أعامل كل إنسان بأخلاقه هو، ولست فخورا بذلك، ولا أحب ذلك، ولكن هذا ما أفعله! لا أظن أن الحياة وضعتني في رفاهية التعامل بسموٍّ مع خصم قذر!
أسوأ ما أواجهه في هذه الحياة هو الذي يحاول تخريب حقوقي. هذا الذي يجعلني أتعامل بعدوانية مفرطة. ومن أين يصنع الاستحقاق على ذلك؟ بإلغاء كل ما كتبته. بإلغائي، وبالتمسك التام بكل ذلك معاوية [العارض] أو كما يسميه البعض معاوية [المعارض] وغيرها من التصنيفات. هذا هو أسوأ ما أواجهه في هذه الحياة. لذلك لا أعبأ حقا بالغرباء الذين كل همهم صناعة انطباع سيء عني. فليصنعه كما يشاء، لا يزعجني أن يكرهني إنسان، أو أن يستخف بي، أو ألا يحبني، الذي يزعجني أن تُظلم حقوقي نتيجة هذه التحيزات، هُنا، أنا لست إنسانا جميلا ستحب أن تتقاطع معه، لست إنسانا جميلا ستحب أن تظلمه، لست إنسانا جميلا ستظن أنَّك ستفلت من حقده الشديد والمتراكم، أنا لست إنسانا جميلا، لست طيبا، لست جميلا، لكنني أسعى دائما إلى حياة دون صدامات. إذا ظُلمتُ سأظلم، وكما قال الشاعر: "أجهل فوق جهل الجاهلينا"
مؤسف حقا، ومحزن، ولكن، هذه حقيقتي التعيسة، ولست بصدد تلطيفها بأي حاضر حدث، أو أي لحظةٍ تمتلئ بالحب، للحب سياقه الذي أعيشه محافظ عليه، وللكراهية سياقها الذي أعيشه وأنا أكرهه، لكنني لا أتنصل منه.
لم تكن لحظة كتابة جيدة، ولم تكن كما كنت أريد. ولكن، من الذي يزور هذه المدونة من الأساس! القلة القليلة التي تعرفُ صلتنا ببعض، ككاتب يخاطب قراءه، وكقراء يعرفون اللحظة التي يتدخلون فيها لتصويب سياقٍ منكسر، أو لكسر وهم مستمر.
معاوية
29/8/2024