هذه معركتي! وهي مؤجلة، ما يبدو الآن كسباً لأيام
متتالية بلا تدخين ليس أكثر من انتصارٍ وهمي تخدره نشوة الإرادة، والشعور
بالإنجاز، والإشباع الخفي لما قمت باتباعه من معايير صحية. هكذا يدور الأمر في
عقلي:
- لقد قطعت التدخين، أنت الآن أكثر صحيةً، حسنا
فعلت!
ولكن هل الأمر حقا يجري بهذا المنطق؟ الإرادة التي
لم تتحاول إلى عادةٍ ملتصقةٍ بك، الإرادة غير العميقة تتصدى لها المشاكل العميقة،
وهُنا النزال الذي أحاول خوضه، واستباقَ وسائل الدفاع تجاهه، هذه الأيام تُراكم
معها منطقاً آخر، به التعب الصغير يكبر، وهو يهون الآن أمام النشوة المؤقتة للشعور
بالإنجاز، والشعور الوهمي بالنجاة من إدمان النيكوتين العميق!
بدأت ملامح خسارة حياتي المضافة كمدخن. ساعةٌ كاملة
فقط ليتفتح عقلي. أين يحدث التراكم؟ سيحدث عاجلا أم آجلا لأن العادات المرتبطة
بالحياة المضافة لأي مدخن موجودة ولم تتغير. تخيل أن لديك موعداً في الساعة
الثامنة صباحا! كشخص لم يدخن يوما ما سوف تستيظ وتأخذ نصف ساعة [لتصحصح] ثم ستذهب
إلى موعدك!
كمدخن، تأخذ ربما عشر دقائق لكي تنتقل من حالة النوم
إلى حالة النشاط، وتقفز من السرير إلى المسبح إلى دشداشتك إلى السيارة وأنت بكامل
نشاطك. أين تحدث الهجمات اللاحقة التي ترضخك وتعيدك إلى قبول وضعك كمدخن؟ من نسيان
هذه التغييرات!
أثناء فترة الانقطاع، تكون مشغولا بنشوة الإرادة،
بشعورك بالقوة، وأنَّك تقاوم إدمان من إدمانات العصر. تعرف أن القرف الذي تشعر به
مؤقت، وتعرف أن الألم سيقل، [والضيقة] التي تعصف بمزاجك ستتبدد مع مرور الأيام،
ولكن إلى أي مدى! ذات يوم سيقف هذا التحسن، وسترجع إلى مزاج الإنسان العادي،
الإنسان غير المدخن! ووقتها ستواجه الحياة بلا عادات تحسن مزاجك. هل رأيت ذلك
الشخص [غير المدخن] الذي يشربُ مشروب الطاقة؟ هذه هي العادات التي نتدخل فيها
لتغيير مزاجنا، وللتعايش مع ليلة بنوم سيء، أو مع زحام متتالٍ لعدة أيام متتالية.
تعايش كيماوي! القهوة، وسيلة مقاومة أخرى.
يتراكم الشعور بالخيبة، ساعتان فقط لكي تطيق أن تفتح
الواتساب وترد على أحد، خمول شديد، شعورٌ بالخوف من تناول وجبات ثقيلة، وصناعة
ارتباط مع منتجات النيكوتين التعويضية. هذا وأنت لم تترك النيكوتين، هذا وأنت
توقفت فقط عن تنفسه عبر رئتك. هذه هي الخيبة العدمية التي تتفاقم لاحقا، وتسأل
نفسك! كل ذلك التعب، هل نسيته؟ كل تلك المحاولات للانقطاع لماذا فجأة أصبحت لا
تعني لك أي شيء، الإدمان العميق وجد معززاته، ذلك النكز اليومي لوعيك، وشعورك
أنَّك صرت إنسانا أقل إنتاجية!
أبسط شيء، الصدمة المهنية. هل يتسع العالم [لمؤثر]
في العالم الرقمي أن يكون بمزاج سيء! كيف ستحضر فعالية ما؟ وأنت معكّر المزاج،
منزعج، لا تستطيع الكلام إلا بشحوب، وكأنك مسحوب إلى ذلك المكان مجبرا؟ ضربة أخرى
تعزز الهجمات العدمية اللاحقة، والتي ستأتي، والتي قد تكون أقوى من السابقات مع
مرور الشهور.
أجهز ميدان المعركة المنطقية، وأعرف أن عادات كثيرة
لي مبنية على الحياة المضافة للمدخن، والنشاط المرتبط بآلية لتنظيم المزاج. هو فقط
ذلك الشعور أن [مرة واحدة لن تضر] ينسفُ بكل بدائل النيكوتين، ويجعل التدخين
الخيار الأسرع، والأوفر وقتا. ويعود كل شيء إلى ما كان عليه!
أكثر شيء يخيفني في التدخين هو الإسراف فيه، أثناء
الكتابة العادة لا تمزح! والعلبة تختفي، ومخزون السائل الإلكتروني ينفد، والإدمان
العميق يصنع لنفسه حضورا في عادات مقدسة في حياتك ككاتب!
أتقبل هذا العذاب حاليا، ولا أركز عليه كما كنت أفعل
في المحاولات السابقة. الخطأ في المحاولات السابقة أنني أشعر بالانفصال عن دماغ
المدخن وأن الأيام التي تزداد تعني انقطاعا أكبر. نعم. شعور وهمي جميل في بدايته.
زخمٌ من الإشباع والنشوة. الذي يحدث لاحقا هو المقلق، في داخل الذهن، هُناك تحدث
اللعبة التي تقلب الطاولة على رأسي، وربما رأس كل إنسان حاول مرارا أن يترك هذه
العادة المميتة! ويتساءل: لماذا أعود؟ لماذا أعود!
وعينا بالصحة محزن أحيانا. تحتاج إلى ضربة على رأسك
لتستيقظ. هذا ما حدث لي عندما بدأت مزاح السكر الثقيل يزداد، صدمة وغيرت سلوكي
جذريا، المؤشرات الرئوية ليست جيدة. والضربة التي تأتي من تدخين عشرين عاماً لن
تكون ضربة جيدة. الأمر لا علاقة له بضعف الإرادة، ولا علاقة له بنظريات القسوة على
الذات التي يلوكها البعض كأنها بلا مضار أخرى. الموضوع فكري بحت، ويحتاج إلى صناعة
مجادلات محكمة، ولا تعرف أي ثغرة أفلتت من رأسك، أي ثغرة ستجعلك في الوقت الخطأ
تقرر القرار الخطأ.
كل إنسان ينقطع عن التدخين بطريقته، الذي ينعزل،
ويبتعد عن أجواء التدخين، والذي يقسم يمينا على القرآن، والذي يختفي لمدة أسبوعين
ويسافر ويعيش عصبيته بعيدا، كل إنسان بطريقته. وبطبيعته التي يعاني بسببها. إن
كانت علمتني تجربتي مع ثنائية القطب شيئا، فهو الخوف من مزاجي، الخوف من المزاج
الجيد كالقلق من المزاج السيء والمنخفض، كيف تبقي نفسك في حالة وسطية! هذا هو
التحدي الصعب، والسجائر كانت عاملا مساعدا للأسف، عاملا يجب أن أتعلم الحياة
بدونه! أسأل الله أن تكون هذه المرة الأخيرة التي أضطر فيها لصناعة حرب فكرية
مضادة لعادة مستشرية ماديا وفكريا. ويعلم الله فقط، هل سأنجح، أم سأعود مكتئبا
عدميا أبرر للموت على هيئة تلك السيجارة الرأسمالية التي تعد بالموت، ومع ذلك لا
يعبأ الملايين بها!
معاوية
30/8/2024