بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 19 يوليو 2025

الرسالة رقم 3: أن يبدأ العقل بالحديث!

 

الرسالة رقم 3: أن يبدأ العقل بالحديث!

 

ابني العزيز، الملهم بن معاوية

 

لست في حالةٍ عاطفيةٍ هذا الصباح. إنها الساعة الواحدة فجرا وأبوك حتى هذه اللحظة لم ينم. أبوك حالياً طالبٌ في الجامعة، من المتفوقين على دفعته، معدله التراكمي (3.9) وهذا ما يعد في زماننا معدلاً عظيماً يستحق الفخر، لكنه أيضا في الثانية والأربعين من العُمر، ولديه قصة طويلة عريضة في علاقته مع الدراسة، ولأنك ابني يجب أن أسردها وأنا بكامل تركيزي. كل النصائح للعالم في كفَّة، ونصيحتي لك أيها الملهم في كفّة أخرى، لهذا أفضل أن أؤجل شرح تعقيدات علاقتي مع عالم الدراسة الجامعية إلى حين اكتسابي قدرةً موضوعية عاليةً على كتابة رسالة تربوية مفيدة، قد تنفعك، وربما تنفع معك أبناء جيلك الذين لا أحد يعلم كيف سيكونون! ظننا أن مواليد 2000 يعيشون حياةً مختلفةً للغاية! ماذا عن جيلكم الذي يولد في عصر الذكاء الصناعي، وعصر الواقع الافتراضي! ستخبرني أنت وقتها عن حياتكم يا ابني العزيز، أما عن حياتي الآن، حياتي اليوم في تاريخ 19/7/2025م، فنحن في واقع ينذر بالعجائب. يرأس أمريكا الآن رئيس أهوج، وثمة دولة اسمها إسرائيل لا أعرف هل ستكون باقيةً في زمانك أم لا، يرؤسها سفّاح من سفاحي العالم الحديث.

أحتفل اليوم بأخبار صغيرة، لها علاقة بعشق أبيك الهائل لعالم الدراجات، وإحباطِه الشديد من غياب المسارات التي تضمن لي أن تعيش طفولتك كما عشنا طفولتنا، ننتقل بالدراجة الهوائية، ونذهب للدكان بالدراجة، في عالم السيارات اليوم لا أعلم أي طفولة أستطيع أن أقدمها لك. شعرت بالأمل لك أنت أكثر من أي شيء آخر، وتمنيت أن تبث عروق هذه المسارات للدراجات في عُمان كاملة، بحيث تجدها في اللحظة التي أهديك فيها دراجتك الأولى. إن لم يحدث ذلك، وإن بقيت الشوارع خطرةً كما هي الآن، فسامحني يا ابني، أكتب لك هذا الاعتذار وعمرك عشرة أيام، أبوك أنقذت حياته دراجة هوائية، لا شيء أحب إلى قلبي من أن يكون ابني من عشاق هذه المركبة المعدنية التي بها روح، ولكن إن لم يوافق الزمان خوفي عليك من مهزلة السيارات، وما تفعله بالمشاة وبالدراجين، فلا تحمل في قلبك على أبيك الذي يقرر من منطلق المسؤولية التي تقع على عاتقه أن تقود دراجتك في الأماكن الشحيحة المخصصة، تجربة شاحبة، غير كافية، وأرجو أن يتيح لك الزمان أن تعيش هذه التجربة بشكلها الكامل والحقيقي ذات يوم في مكانٍ آخر، لا تلم أباك إن خالف الزمان أحلامه لك.

لعل هذا كان أجمل خبر في يومي، أما عن باقي اليوم فأنا غارق بك. عمرك 12 يوماً، وتمضي في مسار النمو، وأنا كأبٍ حائر يعاني كل المعاناة من التناقض بين الشعبي الاجتماعي، والعلمي المثبت. أبٌ جديد، يحاول فعل الأفضل لك، يحاول قدر طاقته أن يوفر لك أفضل ما لديه. الخلاصة الأولى التي وصلت لها هو أن عنايتي بكل ستكون بكل كاملٍ عبر عنايتي لوالدتك، أنت الآن في العمر الذي تشكّل فيه الأم جوهر حياتك، وتجربتك، ورابطك العاطفي، وتغذيتك، وتنظيفك، ومتابعة شؤونك التي أحيانا أعجز عنها كأب. اكتشافي اليوم عنك كان فطريا بحتاً، أن جسدي كرجل غير مهيأ لكي أحملك فترتاح، أو أضعك على حجري فتنام نوما جيدا، أستطيع حملك، وتأمل عينيك، ولقد كنت اليوم بهيا وجميلا عندما ابتسمت لي ابتسامة صادقةً هذا طبعا قبل أن تقدم لي بعض الهدايا البيولوجية التي فاضت وأنت في حضني، هدية جميلة لم تُنسني هديتك الأجمل، ابتسامتك الأولى الحقيقية التي كانت نتيجة تفاعل بصري بيني وبينك.

حاولت أن أجد وقتاً كافيا لأعود إلى مراجع علم النفس، لأعرف أي مرحلة تطورية أنت فيها ولكي أطبق ما تعلمته على إشاراتك، وتواصلك. كنت أظن أنني سأكون أباً حديثا للغاية، ثمة مدارس جديدة مؤصلة بشكل ممتاز تعطيك دربك المختلف، عندما تكبر، ستعرف أيضا أن أباك ليس بيده كل شيء، ثمّة ثقافة اجتماعية تفرض علي الكثير، وأبسطها: كيف يمكنني أن أشرح لأحد أنه يمكنك تربية طفل على إعطائك إشارات برغبته في الذهاب للحمام، وبالتالي يتعلم التحكم بأمعائه مبكرا؟ نعم، هناك طريقة أيها الملهم، ولكن ماذا بيد أبيك سوى أن يأكل تبناً ويطيع الثقافة الاجتماعية التي صوابها صواب، ولكن ثمَّة صواب علمي أجمل، وأنفع! لذلك سامحني يا ابني العزيز، ظننت أن الوعي يكفي لكي أحقق كل ما تعلمته، وكل ما تشوقت لتطبيقه، ولكن للظروف أحكام، وكم يغيظني هذا، يغيظني بشدة!

أين كنت؟ خرجت عن الموضوع مجددا! كنت أريد العودة إلى عالمين من علماء علم النفس، واحد مزعج للغاية اسمه جان بياجيه، والثاني حسبما أتذكر اسمه فيغوتسكي، قرأت لهما أشياء مفيدة للغاية عن مراحل تطور الطفل. لم يسمح الوقت لأبيك طالب علم النفس أن يقرأ جيدا، ليعرفك أكثر، لينفعك أكثر، ليراقب مراحلك أكثر. معلومة علمية تغني عن الكثير من التجربة والخطأ، الآن وأنت تطور الإدراك، ولاحقا وأنت تكون مساحتك الأولى، وتحكمك المبدئي بمهاراتك الحركية الكبيرة، ولاحقا بمهاراتك الحركية الدقيقة، لماذا؟ هل لتقصيري؟ كلا يا ابني العزيز، لأنني لم أعد أملك وقتا، لدي امتحانات، وأعمال إنشائية بسيطة في المنزل، ومتابعة لشؤون العمل وطلب الرزق وأمنيات بعقود تجارية أستطيع بها شراء المزيد من الألعاب لك. ولدي ثلاثة امتحانات، ومجيئك المبارك شغلني عن الفصل الصيفي الذي أدرسه، وهذا الفصل بعده سنة التخرج، ولا أدري كيف ستكون دراستي بعد مجيء سيادتكم إلى حياتي، الذي أعرفه، كل شيء يهون من أجل تلك الابتسامة الصادقة البريئة التي رأيتها اليوم في وجهك.

لهذا فضلت أن أعيش تجربتي معك بعاطفتي أكثر من عقلي، وأنا عاطفي للغاية، أبدو من الخارج عقلانيا، ومنطقيا، هذا ليس أكثر من ستار دفاعي يحمي أبوك به عاطفيته، ولي قصة في هذه الحياة سأسردها لك بكل صدق، فأنت من بين الجميع لا أستطيع أن أغذيك بكلمة واحدة تخالف ما حدث، ما أستطيع قوله سأقوله، وما لا أستطيع قوله لك، لن أقوله لأي إنسان في هذا العالم. هذا ما أنوي فعله في هذه الرسائل، ولا أعرف إلى أين تذهب بي، ولا أعرف لاحقا أيضا إلى أي مدى ستفيدك، أقصى أمنياتي أن تكون أثرا أتحدى به ظروف الغياب والفقد، وأن تبقى في حالي استرد الله أمانته مني، هذه وصية صغيرة سأتركها لأصدقائي، أن يجمعوها في كتابٍ وأن يتركوها لك ولإخوتك.

أقطع مشوار عشرين دقيقة لأصل إلى منزل جدتك. وعندما سيادتك وصلت إلى عالمنا وجعلتني أباً لم أكن أعرف حجم الفطرة الهائل، المختزن سلفا في عقلي. عدسة الأبوَّة تغيرني وتأخذني كل يوم إلى مسارات ذهنية غاية في الدهشة والعجب. عائلة والدتك كانت قبل مجيئك تمثل لي أشياء جميلة، أحبهم، وهم أشخاص رائعون، لكن بعد مجيئك تغيرت أهميتهم بالنسبة لي! أصبحوا أكثر أهمية، وبدأت أرى جماليات جديدة بهم، كلها مرتبطة بتعاملهم النقي والجميل مع أرواح الطفولة، مثل روحك أنت أيها القط المشاغب الذي بدأ يعرف صوتي، وبدأ يتفاعل معي بالنهنهة والمناغاة. أنت جميلٌ ونقي، كما سمّاك يوسف الكمالي في قصيدته (خال من العلم والفلسفات). عينان من صفاء لانهائي، وملامح وجه صادقة تقول كل شيء. وما روح الطفولة إلا أنت أيها الملهم؟ صدقٌ تامٌّ، ووجه ناطق بكل مشاعرك، وصوت عاجز عن الكلمات ولكنه غير عاجز عن المعنى، تعلمني كل يوم ما يجعلني أفهم لماذا رغم تعبي الشديد أقطع ذلك المشوار، وأنا حقا لا أملك أربعين دقيقة في يومي، مع ذلك، أقطع ذلك المشوار فقط لأرى ماذا ألهمتني اليوم! وأنت أيها الملهم، تلهمني حقا! تلهمني في كل مرة أراك بها، وتعزز أشياء كثيرة لم أكن أعلم وجودها في قلبي.

في هذا العمر يا ابني العزيز، دور أبيك شحيح للغاية، بسيط جدا، ربما لهذا أستعجل الكتابة لك، فما يدريني إن كنت سأجد فرصة للكتابة في السنوات القادمة، ولا أعرف من أي طينة أنت ستكون! مشاغبا؟ أم ستكون هادئا؟ لا يمكن تصديق من يقول أن البشر طبائع وراثة فقط، ولا يمكن تصديق من يقول أن البشر صفحة بيضاء، أنت مثل جميع البشر يا حبيب قلب أبيه، ستعيش حكايتك، وبعضها سأكتبه أنا، وبعضها سيُكتب نيابة عنك، ومع الوقت ثمة ما ستكتبه أنت، متى؟ وكيف؟ لست أدري، الحياة تستمر بالواجب والباقي في يد توفيق الله.

تجاهك حتى هذه اللحظة أشعر أكثر مما أفكر. أؤدي واجبي تجاهك بكل ما هو متاح في صحتي وقدرتي، أزورك كل يوم مرة أو مرتين، والأولوية الآن هي العناية بوالدتك، هذا أقصى ما أستطيع تقديمه لك إضافة إلى شراء الاحتياجات، والآلات، وغيرها من الوسائل الحديثة التي أحبها جدا، وأبسطها ذلك القفاز الذي يراقب ضربات القلب، ونسبة الأكسجين، والنوم العميق، وما يعطيه من مؤشرات حول صحتك، والغازات، وتغذيتك، وشؤون أخرى كثيرة بفضل آلة صغيرة صرت أستطيع أن أعرفها.

عقلك، ونموك، وحواسك، كلها أشياء من المبكر فعل أي شيء تجاهها، حاليا صحتك هي الأولوية القصوى، وقطعا لن أكتب عن الذي يطرأ على صحتك في هذه الرسائل، لأنني بكل بساطة عرفت جيدا علاقة الأبوَّة مع الغرباء. توصلت لقانونها بسرعة: "لا أحد له أي استحقاق في شأنك" وعندما أريد نصيحةً سأسعى لها من شخص واحد أثق في أمانته التربوية! بكل بساطة. التربية والغرباء علاقة مقرفة قليل من الناس يفهمون أنَّ (الجدعنة) لا محل لها من الإعراب في عالمي عندما يتعلق الأمر بتربيتي لأبنائي، وأعلم جيدا أنني سأكون شرسا في الدفاع عنك، وعدوانيا عندما يحاول أي إنسان التدخل في شأنك بدون وجه حق، كل هذا أيضا مبكر، ولكنك ستكبر، وستعرف أكثر، وستعرف أن لأبيك حكاية، وله أيضا أطباع، وله قصة، وله ما له وعليه ما عليه، ربما ليس في السنوات العشر القادمة، أظن إنك ستكون في عمر المراهقة عندما ستقرأ هذا الكتاب، هذا إن لم أفعلها وتخذلني صحتي وأفلسع راحلا عن دنيا البشر، سيكون ميراث أضعف الإيمان أن أسجل لك هذه الرسائل.

كنت اليوم أريد كتابة مقال ونشره في جريدة الرؤية، الجريدة التي يكتب أبوك فيها مقالاته بين الفينة والأخرى. مقال بعنوان (الكتابة لمن؟) والآن أستسخف هذه الفكرة وأنا أعرف الكتابة حقا لمن؟ لك يا من أحببت، لك يا من أحب، لكن أنت أيها الملهم، لمن عساني أريد أن أكتب أكثر مما أريد لابني الأول! ربما لأبنائي القادمين بعدك! لا أعرف هذا حتى الآن، الذي أعرفه أن الكتابة لك كقارئ عمره عشرة آيام لا تخلو من بعض الربكة. هل أوجه لك خطابي كما لو كنت ستقرأ هذا الكلام طفلا؟ أم أوجهه كما لو كان رسالة تربوية من مثقف ينشر في مدونته، الذي أعلمه، أن هذه المدونة تعني لي الكثير، والتدوين يعني لي الكثير، وهي المرة الأولى بفضل سيادتك أيها المشاغب صاحب الهدايا البيولوجية العجيبة صرت أكتب فيها مجددا، ولا أكتب كما هي عادتي الآن، مستلبا في العصر الرقمي الغاشم، واضطرارات لقمة العيش التي تجعلنا نشطاً فيه، اكتب ككاتب يريد حقا أن يكتب ما يبقى، وأي دافع في هذا العالم يمكن أن يجده كاتب أكثر من كتابة رسائل لابنه!

كما كنت أقول لك، لدي بعض الربكة في الكتابة لك، فعلى الرغم من كونك إنسان معلوم، أنت أيضا قارئ مجهول، متى ستقرأ هذا الكلام؟ وبأي وعي؟ وهل سيرافقك إلى سنواتك القادمة؟ هل ستقرؤه أبا أيضا؟ كل هذا غائب عن عيني، غائب عن حسابات الممكن والمعلوم، غائب مثل غياب حروفك التي تُكتب، وكلماتك التي تقال، حتى هذه اللحظة، أنت روحٌ مفعمة بالبراءة والصدق التام، تتكلم بعينيك، وبالقليل من الأصوات التي تتكون بالتدريج، وكثير من التقلب والمنعكسات العصبية التلقائية، هذه المرحلة التي أعرفها عنك بعد ولادتك، وبعدها، ستبدأ في التحكم تدريجيا بعالمنا بعدما قضيت تجربةً مائيةً في ظلمات ثلاث. تشغلني حاليا هموم النمو أكثر من هموم التربية، وهموم العش الأبوي أكثر من هموم الأفكار، وهموم صحتك أكثر من أي همِّ آخر.

أتجنب خوض نقاش عنك مع إنسان لا يستحق. لأنني حقا أمقت هؤلاء الذين كل ما يهدونك إياه من نصائح الأبوَّة الكثير من التشكّي، والوعيد بأن القادم أسوأ، وسيكون متعبا، وسيكون شاقا! لا أعرف لماذا يمارس البعض هذا السلوك! هل ثمة سبب قهري حتمي يجعلهم يفعلون ذلك؟ بكل صدق لا أدري، سأكتشف هذا مع الوقت إن وجدت نفسي أحد هؤلاء. الذي تعلمته مبدئيا هو الكتمان، ووجدت هذا تلقائيا، هل تبكي أم لا؟ لا أحد له علاقة، هل أنت هادئ أم لا؟ لا أحد له علاقة، هل تسمح لنا بالنوم؟ لا أحد له علاقة، أكتفي بقول الحمد لله، وأغلق الحديث عنك مباشرةً أمام أي إنسان تسمح له السماجة أن يتدخل في هذه المنطقة الخاصة جدا. كل هذا جديد عليَّ، وكأب جديدٍ كل هذا أيضا يأتي مع تحدياته. التحدي الداخلي موضوع يحل بالتأمل، ولكن كيف يمكن فهم هذا السلوك الاجتماعي المنفّر؟ لا أعرف! الذي أعرفه أنني صرت أعرف الإنسان الذي أغلق الحوار معه خلال دقيقة بعد أن يقول لي مباشرة: القادم جحيم، القادم صعب، القادم سهر، القادم بكاء! الغبي ليس من قال ذلك، الغبي من يستمر في الحديث معه أو يفتح أبواب قلبه لهذا الخطاب المغرق في الوعيد!

لعل الناس يتعمدون الكذب، ويخفون أشياءهم الجميلة! هذا يحدث في عالم العلاقات أيضا، عندما يتبارى الغارقون في الخصومات والخلافات في إظهار وإبراز الحب والتناغم، وعندما يخفي الذين يعيشون حياةً جميلة ذلك بالشكوى من الصراعات والخلافات؟ لعل الأبناء علاقة من هذه العلاقات التي سيريد المرء دائما إخفاء جمالِها عن الغرباء. ربما في رسالة قادمة، عندما أعرف بالضبط أي خطاب أستخدمه في رسائلي لك سأكتب عن الموضوع. أحيانا أفكر بدمج مقالاتي التي أريد كتابتها في رسائلي لك، بذلك كما يقولون في عمان (حجّة بحاجة) أكتب رسالتي لك وفي منتصف الطريق أكتب مقالا للنشر، وهكذا أدمج بين الكتابة لك والكتابة التي أمارسها في الحياة في رسائلي لك! لا أعرف جدوى ذلك، لكنني سأجرب، حتى هذه اللحظة ليست لدي خطة واضحة في رسائلي لك، الذي أعرفه أنني سأكتب لك، ماذا سأكتب؟ وكيف ستسير هذه الرسائل؟ لا أعرف.

بدأ عقلي في التحدث معك، وهذا شيء جيد، عسى أن يثمر مع الوقت إلى توثيق لرحلتي وتغير أفكاري مع نموك. أعرف أن العمر يمضي بسرعة، وأعرف أنني يوما ما إن شاء الله لي سأقرأ هذا الكلام وأنا أقول في نفسي: كم ظننت ما ظننت؟ كأي تجربة في الحياة بين ما نتوقع وبين ما يقع، هذه هي الحياة يا ابني العزيز، ستعرف ذلك ذات يوم، ستخبرك الحياة بالكثير، ما بيدي هو أن أخبرك عن بعض ما في هذه الحياة، أما الحياة ككل، فهي أكبر من طاقة أبيك، وأكبر من طاقتك، هي هكذا، غامضة وواسعة، شاسعة وحازمة، صارمة في سننها، وجميلة رغم صعوباتها، فطرة بنا، ونزعة للبقاء. حسنا أيها الملهم، أيا ما كان العمر الذي تقرا فيه هذا الكلام، أكتب هذا الكلام اليوم وأنا أحبك، ابتسم أكثر في لقائنا القادم، صرتَ أجملَ ما في يومي، وعسى أن أكون لعمر قادم من أجمل ما تعيشه في أيامك.

 

أبوك الساعي لك للخير

معاوية

19/7/2025