بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 16 أغسطس 2025

أتابع تنفسك وأكتب!

 

الرسالة رقم 5: 15/8/2025م

 

أتابع تنفسك وأكتب!

 

كانت ليلةً حافلةً بلا نوم. هل أقول عودتك؟ أم أقول مجيئك إلى منزلك؟ كل من يسألني عنك أقول له: الملهم موجود لدى المجتمع!

كتبت اليوم في مجموعةٍ هاتفيةٍ بها صديقين اثنين: ذاهب لأستعيد الملهم من المجتمع!

الحقيقة الناصعة عندما تتناثر أشكال التمردِ، والفوضى، لينتصر المجتمع في النهاية. لسببٍ ما أوجبَ المجتمع عليَّ ألا أعيش معك تحت سقف واحدٍ لأربعين يوماً. أيُّ شعور بالغيظِ لذلك الذي يُسمى (ولي أمرك). أنا وليٌّ أمرك المؤجل حتى يشاء المجتمع أن يسلمك لأبيك فقط بعد مرور أربعين ليلة منذ مجيئك إلى منزلك. أن تعيش في عمان، تتقبل مرغماً سنن عمان التي تتفهم أحيانا لماذا تُمارس. أصبح كل شيء حقيقيا الآن، أنا الذي يقضي الليل بجانبك، مليئا بشتى أنواع الأسئلة والمخاوف.

أنت الآن بجانبي وأنا أكتب، للمرة الأولى أشعر أنني أحادثك مباشرةً. مشاعري تتقاتلُ مع بعضها البعض، للمرة الأولى أنت أمانتي الحصرية في هذا الصباح. أقضي الوقت في البحث عن الأسئلة، ما هو الضروري؟ وما هو العارض؟ هل تنظيف المخاط مثلا دوري أم عند الضرورة؟ ما درجة حرارة الغرفة الملائمة لك؟ أين أضع جهاز تنقية الهواء الذي كان لديك عندما كنتُ مع المجتمع؟

لأكون جاداً بعض الشيء، أقصد بالمجتمع بيت جدتك الجميلة، إنها إنسانة رائعة قامت برعايتك على أكمل وجه لشهر وعشرة أيام. لا أعترض على أن تكون في منزل جدتك، الذي أرهقني حقاً كيف لأبيك أن يكون أولوية ثانيةً فقط لأنَّ الزائرات لهن السبق على أبيك. شعورٌ مزعج للغاية لإنسان أصبح محافظاً بعد سنوات من التمرد. كنت متلهفا ليعود المنزل لسابق عهده، لأشعر مجدداً بأنني مع عائلتي، وأنت أيها السنجاب الجميل الكائن الذي جعلنا عائلةً بعدما كنا فقط زوجاً وزوجةً. صرنا عائلة صغيرة، أمٌّ وأبٌ وطفلٌ صغير جميل هو أنت.

مرَّت الليلة الأولى لك في منزلك ولم يغمض لأحد جفن. ولم يفكر أحدنا بالتناوب على رعايتك، وهذا كان الدرس الأول في رعاية طفل صغير من قبل عائلة ثنائية صغيرة. التناوب هو السرُّ الذي يضمن وجود أحدنا بجانبك وهو بكل طاقته وانتباهه. جلبتك معي إلى مكتبي، تعلمت الوقوف على احتياجاتك الرئيسية، والتغذية هي أهمُّها. مراقبتك نائما ليست مهمة سهلةً، تلك الكوابيس المفزعة التي تتحدث عن الاختناق المفاجئ للرضع نسفت كل قدرةٍ لي على الهدوء، يجب أن أتفقدك بشكل مستمر، أطمئن إلى تنفسك، وأعود فأبحث مجددا عن معلومات فوق معلومات، هل ما تسمى اللهاية ضرورية؟ أم هي غير ضرورية؟ متى تكون ضرورية؟ وأصول وأجول في دهاليز الإنترنت. يزعجني العالم عندما يختلف في الآراء بشأن أشياء صحية في المقام الأول، هذا يقول حليب البقر غير جيد، ذلك يقول مناسب، ثالث يقول لا داعي للشيء الفلاني إلا بعد الشهر الثالث، وغيره يقول كلاما مختلفاً وهكذا دواليك.

أنت أمانةٌ في عنقي. وأنت أمانةٌ ليست سهلة يا عزيزي الملهم. يا صديق ليلة الكتابة هذه التي لم تحدث منذ سنين وسنين. المكان مظلم، ضوء شاشة الحاسب الآلي يزعج عيني، أبقي المكان مظلماً لأتمكن من رؤية وجهك. أكرر في عقلي: التناوب أفضل الحلول، بهذه الطريقة نتمكن والدتك وأنا من العناية بك بكامل طاقتنا.

تطمئنني عندما تصدر صوتا مفاجئا، أو تتقلب، وهذه أول مرة أكون فيها معك لوحدي، بلا شبكة أمان. لم أستطع أن أضعك بعيدا عن بصري، أكتب وأنا أشاهد وجهك، لأول مرة أحب فكرة أنني أكتب بدون الحاجة للنظر للوحة المفاتيح. أتابع تنفسك، وأكتب. يا إلهي انظر لهذه الجملة العجيبة!

"أتابع تنفسك وأكتب!"

جملةٌ من تلك التي لا يأتي بها الخيال. عاديةٌ في الواقع، وجميلة في اللغة، وكأنها من أجمل ما يجود به الخيال من وحي. بقيت أربعون دقيقة عن موعدِ وجبتك الدورية حسب التوقيت الذي نسير عليه في تغذيتك. تدخل الآن مرحلةً بدأت فيها تدخل عالم الصحو وتطيل المكوث فيه. أدهشتني ملامح وجهك بالأمس! ودفعتني للتساؤل، هل ردات فعلنا مخزنة بنا من الولادة؟ الانزعاج؟ الدهشة؟ الضيق؟ وملامح الملل! كنت مصابا حقا بالملل، تحاول النوم وكأنك تتساءل: ما الذي يجب علي فعله الآن؟

شبّهتك بالذي لديه يوم إجازة ولا يعرف ماذا يفعل بذلك اليوم؟ هل حقا نحن تلك الحقائق التي يختزنها جذع الدماغ؟ ونتفرع منها، لذلك نحن البشر نتشابه في العمق ونختلف في الأطراف؟ من أين تعلمت ملامح الشعور بالملل؟ تأملك يعمّق إيماني بالله! الخالق الذي أبدعكَ وجعلك جميلا غامضا.

لم تتغير مهمتي معك، لأعتني بك يجب أن أعتني بوالدتك، أن أتيقن من امتلاكها الطاقة الكافية لاحتياجاتك غير المتوقعة، ومواعيدك التي بحكم عمرك لن تكون منظمة كما نحب ونشاء. تتساقط مدارس التربية في هذا العمر، ستة أسابيع، هذا عمر الرعاية الصحية، والعناية الجسدية أكثر من كونه عمر التربية. تعلمت ما استطعت تعلمه فقط لكي أتمكن من العناية بك لعدة ساعات بينما تأخذ والدتك قسطا من الراحة. هذه المرَّة الأولى التي أنت فيها معي، عيني عليك، وأصابعي على لوحة المفاتيح، أعود للوحة المفاتيح فقط لكي أتيقن أنني لم أخطئ في طباعة شيء. أكتب ببطء فقط لكي لا أشيح بعيني عنك. هاتفي في وضع الصامت لكي لا يزعجك من نومك، والضوء الشحيح القادم من الإضاءة التي تواجه باب المكتب يكفي لكي أرى وجهك، وأطمئن إلى تنفسك. أتابع تنفسك وأكتب!

لقد ابتسمت لي اليوم ابتسامةً صادقةً للغاية. كنتَ بمزاجٍ جيدٍ. نظيف، وغير جائع، استيقظت من النوم وأُخرجتَ من شرنقتك، تتمطى وملامح وجهك تشبهنا نحن الكبار! ويدهشني هذا الشيء، يدهشني علمياً، ويدفعني للبحث عن هذه المنعكسات، كيف تخزن؟ ومتى تتكون؟ ومن أين تعلمت العصبونات في دماغك كل هذا؟ وددت أن الوقت الذي أقضيه في العناية بك يسمح لي بالغوص في صفحات الإنترنت، والمراجع العلمية، ومناقشة الذكاء الصناعي لكي يستخرج لي المراجع والدراسات مباشرةً، كيف يعرف الطفل الابتسام؟ ومتى؟ وما هي مراكز الدماغ التي تتطور الآن؟ ومتى تلتقي مع بعضها؟ ومتى يخرج الرضيع من مرحلة المنعكسات العصبية إلى مرحلة التحكم المتعمد؟ كلها أسئلة فوق أسئلة، ولكن عيني ليس بيدها أن تغفل عنك وجهك، أتابع تنفسك وأكتب!

من المشاعر والانتظار، إلى فوضى الأشياء. وصولك، وتلك الفيوض العاطفية، ثم ذهابك للمجتمع في بيت جدتك لكي تكون ملكا حصريا للزائرات حتى يأذن المجتمع لأبيك أن يعيش معك في منزلٍ واحد. الاستقرار في المنزل، إعادة ترتيب الأوراق، وضع أدويتك، وأغراضك، وأدوات العناية بك، الأشياء، هي تلك الأشياء، الكثير من الأشياء الصغيرة. مرحلةٌ داخ فيها أبوك في الشوارع، وفي المحلات، وفي الاكتشافات الجديدة، ووالدتك وأنا نتعلم كل يوم شيئا جديداً، كنت أظن أنني قد ذاكرت، واجتهدت (استيقظ الملهم)

حسنا يا حبيب أبيك. يا من بابتسامةٍ تزيح عنه التعب. وقت نهاية هذه الرسالة. مرَّت أول جلسة رعاية كنت فيها معك وحدي. المرة القادمة سأضع الكامرةَ على وجهك، وأرفع صوتها عاليا، وأفعل ما أفعله، أكتبُ، أتابع وثائقيا، أفعل أي شيء. ذلك الشعور العارمُ بالمسؤولية ليس سهلا على الإطلاق. كل يوم أتعلم شيء جديد. أمامنا ليلة معك، حتى تتعلم النوم نهاراً، وتتباعد فترات تغذيتك. فرحت لك اليوم، لقد بدأت تنتبه للأصوات، ونوعا ما بدأت تتابع بعينيك تلك المحفزات البصرية التي جلبتها لك. حتى هذه اللحظة، واجب كأب هو الصف الثاني بعد والدتك العظيمة التي لا تكل ولا تملُّ في سبيلك. إن كان ثمَّة شيء قد ترسخ في قلب أبيك في هذه المرحلة فهو فهمي التام لماذا: أمُّك ثم أمُّك، ثم أمّك، ثم أبوك.

 

أبوك الداعي لك بالحفظ والصون

معاوية