الخامسة فجراً وكل شيء مختلطٌ في عقلي. طنينٌ ساحقٌ يحاولُ إيجاد الحلول لكل هذه التحديات الجديدة التي أعيشها. آخر مرة كنتُ أعيش فيها هذا الضغط النفسي الشديد كانت في عام 2019م أشد فترات تأزمي أيام المكوث العابر في بريطانيا. كل شيء غير واضح، ومتداخل، ومع ذلك كل ما كان يحدث كان يتحدث باسم الغدِ الغامض وأسئلته.
والحاضر! يتشابه في العملة الناقصة عن الجميع، تلك التي يتساوى فيها البشر ولا زيادة لبشريٍّ فيها على آخر، عملة الوقت التي يجيد الأذكياء فقط فهمَ نقاطها المتراكمة، وتوزيع جرعاتها الشحيحة، وأنا لست من هؤلاء للأسف على الرغم من محاولاتي المجنونة لأكون منهم! واليوم تفشل إحدى هذه المحاولات، ليس فقط في إدارة الوقت وإنما في إدارة القلق والضغط أيضا.
أستيقظ مفزوعاً. كل أسئلة الغد تحاصرني. رحلتي الدراسية تمخر عباب الوقت، والساعات المعتمدة، وشهرٌ كاملٌ يمرُّ من هذا الفصل الدراسي المشحون بالأشياء الجديدة. أين أذهب بنفسي لا أعرف! أحاول التماسك قدر الإمكان، وتوزيع وقتي بطريقة معقولة. أصطدم بجدار وراء جدار، وفي النهاية وقت النوم هو الضحية الاعتيادية، اللعب الخطر بالصحة، وإتلاف شمعة العُمر من أجل نجمة المستقبل.
أحاول بكل قوتي وطاقتي على صناعة حياة ونجاحٍ مُرضٍ لي ولمن أحب في عُمان. لكن الأمر ليس بتلك السهولة، ليس ولديَّ ذلك الماضي المجيد الذي يسحب عنقي بحباله، ليعيدني إلى كل آثاره المستمرة والمزمنة. وعندما أتعب، هذا الماضي هو الذي ينسف طمأنينة نومي لأراه في أحلامي، وكوابيسي. لقد تيقنت في رحلتي السابقة لتدمير الذات أن أجعل كل شيء صعبا، وأن أسد الطريق ببراعة بالغة في وجه المستقبل، وقد نجحت نجاحا بالغاً في ذلك.
أردت ذلك الدمار، وحصلت عليه، وأريد هذا البناء، وأسعى للحصول عليه. وماذا أبني؟ صروحا من الوهم؟ رغبةً في الخلود؟ أو تنظيراً عظيماً للبشرية؟ لا شيء من كل هذا، هي حياة إنسانٍ واحد يودُّ أن يكمل رسالته كربٍّ لأسرة، وكابن لعائلة، وكفردٍ لمجتمع يؤمن به. كائن مرهق للغاية يتحدى وجوده السابق بوجود جديد، ويدعو الله من قلبه أن يحميه من شر الناس أولا ثمَّ من شر نفسه. كل شيء متداخل، مختلط، والماضي يحل على هذه اللحظة بكل قوته!
الصدمة الحقيقية هو انجلاء السياق على حقيقته. رحلة البحث عن المعنى في هذه الحياة، وفعل شيء ما بهذا العمر. كنت أظنُّ أن الصعبَ هو ما كان والسهل هو ما سيأتي. يتضح أنني كنت مخطئا بشدة! كل ذلك الاندفاع رغم ضرائبه كان أسهل بكثير. اليأس أسهل بكثير من حياة يدفعها الأمل، والشتات، والضياع، والهرب من كل شيء ليس هو الاختيار الثقيل. الثقل الحقيقي هو أن تعتنق مسؤوليتك عن نفسك، وعن غيرك وتمضي بذلك. دهشةٌ معرفيةٌ تبقى دائما متناقضة عندما تصل، عشت أحد الأمرين قبل الآخر، ستحاصرك تلك الدهشة لأنك لن تعيشهما معاً مهما حاولت!
الخامسة فجراً، ليس لدي ما أحتفل به اليوم. حتى بهجة الاستيقاظ المبكر هذه لم تعد أكثر من واجبٍ دماغٍي أؤديه بأناقة وإتقان. أحتاج إلى جلسةِ كتابة حقيقية أتأمل وأرتب فيها كل هذا الشتات. أفهم دوافعه، أحدد موقفي منه، وأعرف بعدها فقط كيف أستخرج نفسي من كل هذا الضغط النفسي. كل هذا الشعور الثقيل حلوله صغيرة. فجواتٌ بين الآمال والخطط، وسلوكٌ يغير هنا وهناك. ربما لهذا السبب أيقظني ذهني، ربما لأنَّه سئم من هذه التداخل العنيف بين السياقات، ربما لأنني بحاجة لبعض الكتابة، وللكثير من التأمل، والتفكير، وربما بعض الموسيقى. ربما! وربما! وربما!