بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 18 أكتوبر 2025

التقرير الفصلي

 للآن، ورغم كل النصائح التي تكال لي ليل نهار، عن ضرورة إبقائي الماضي بعيدا عن كتابتي، لا أستطيع أبدا أن أقتنع بالمنطق الذي يسرده البعض لأنَّه ينظر إلى حياتِه هو أكثر من فهمه لحياة أشخاص عاشوا الحياة بشكل مختلف!!!


منطلقاتهم نبيلة، وحسنة، وعملية، وأيضا نفعية أكثر من كونها منطلقات نافعة:
- أنت حالياً أمورك ماشية، هُناك كثير من التقبل الإيجابي لك!
- من منظور عملي بحت، ذكرك لماضي الإدمان، أو مشكلاتك العميقة لا يساعدك كثيرا على الترقي في الحياة.
- (انسَ).

كان هذا الكلام صحيح عندما كان سياق يسنده. فرق كبير بين أن تطلق صرخات نداء متتالية، أو تحاول استجلاب التعاطف والشفقة بسبب آلامك، أو أن تشكو إلى من يحب سماع عذابك، وأن تصل إلى خلاصاتك من كل الذي حدث لك وحدث منك. هذا الكلام صحيح عندما تتبنى وجهة نظر غير دقيقة، أو تتصل عاطفيا بشكل كبير بحدث من الماضي. الذي يعيش حياة خالية من هذه المآزق، والمشاكل، والأخطاء، والظُلم، صعب أن تشرح له التغييرات الجذرية التي تحدث لك وأنت تتجاوز كل ذلك الموَّال الصعب. التعافي من الإدمان، هذه في حد ذاتها من أشد التجارب التي أتمسك بها، والتي أبقى دائما أتذكرها، وأبقيها واضحة. لا شيء في هذه الحياة أتمسك به كحقيقة أكثر من كوني تعافيت من الإدمان الذي أخذ سنوات متتالية من حياتي. الاستقرار الصحي الصعب للغاية، والذي تأتى لي، سنوات من الجهد، والتعب، والمتابعة، والحذر الشديد. أن يكون لدى البعض (الأفضل نفعيا) هو أن أعيش في حالة إنكار، واختفاء خجول. نعم، هذا الذي الآن يصول ويجول في العالم الرقمي ويعيش دور (المشهور) نسبيا، هو نفسه الذي كان زائرا لتنويم مستشفيات المسرة، والجامعة، وما يسمى (مستشفى المجانين) الشخص نفسه، والواقع اختلف. الشخص نفسه الذي يعيش الآن تحت مظلة القانون، ليست لديه نزعة تلقائية لاختيار أقوى جهة في الدولة، أو أقوى سلطة في الدولة، أو حتى كي يتحدى السلطان مباشرةً بغض النظر عن السبب لذلك، هو نفسه الآن الذي يعيش، ويحاول الحياة، هو نفسه الآن الذي يتعامل بالمنظور القانوني في كل شيء. لدي حقوق، لا أتنازل عن ذرة منها، وما لا يسمح به القانون لا أقضي حياتي في معركة معه. متعايش حالي حالي أي شخص، وطبعا من التفاهة أن أتلقى تنظيرا عن الشجاعة من اسم مستعار، أو شخص شجاعته في طاولات المقاهي أو الحانات منقطعة النظير والنظائر. نعم، لما تكون شخص عاش حياة كلاسيكية، تخرج، واشتغل، أو عمل بزنس ونجح، من حقك تخشى على سجلك الناصع وتخفي كل شيء. أنت لم تصب بالجنون الحقيقي، لم تدمن، لم تدخل السجن، لم تدخل الانفرادي لفترة تجاوزت المئة يوم، لم يتحول ملفك إلى سجلات مرضية علنية ومنشورة، لم تهرب من مصحات نفسية، لم يعف عنك السلطان قابوس ويأمر بعلاجك، ثم تهرب من المصحة، وتعود للإدمان، ومن ثم ترجع وتهاجمه، ثم تبكي، ثم تعتذر، ثم ترجع وتهاجم كل شيء، ثم تهاجم نفسك، وكل هذا كان علنيا. النصيحة هذه ليست أكثر من نصيحة شخص جاهل لديه معايير معينة ويظن إنها تنطبق علي. الوضوح هذا هو اختياري في الحياة، اختياري لأبقي كل شيء على الطاولة مع الجميع. أن ترفض أن أكون بخير، هذا يجعلك مباشرة في خانة الشخص الذي أحذر منه، أن تحاول المساس بسلامة حياتي، هذا يجعلك بكل بساطة عدوَّا، وجاهز لمحاربتك ولو استدعى ذلك موتي. لا مساحة لأي هزيمة أخرى في حياتي، إما حقوقي أو الموت. باختصار تام. تريد ترفضني، حياك الله، ارفضني لما أجي أطأ ساحتك، أو أطلب منك شيء. لما أتقدم لوظيفة في شركة أنت تملكها، من حقك تماما أن تشترط ما تشاء. لما أريد صداقتك، والقرب منك، وقتها ارفع عقيرتك ونعم، ارفض. أمَّا أن أكون بعيدا عن حياتك! وتحل زائرا على حياتي! أنت العدو هُنا، وردة الفعل تجاهك مستحقة. لذلك، تختفي هذه الضغوط، بين فترة وفترة، وترجع لاحقا لأنه هذه المسلمات لا تنطبق علي. وأحترم انطباقها عليك. أعيش مآلات خياراتي كلها، بعضها جيد، وبعضها سيء. كنت مسجون!!! كنت لاجئ؟؟ كنت كما أسمى تجاوزا (معارض) هذا شيء بيني وبين دولتي، شيء مباشر، بيني وبين القانون، بيني وبين السلطة والنظام العام، ما شيء حاجة تمنحك أي استحقاق تتدخل فيه، لأنك هنا أنت المعتدي. كنت مدمن أتعاطى مادة مخدرة على الهواء مباشرة في بث مباشر، ممتاز، دخنتها في صدري، وتعاطيت في دماغي، ما دمت لم أزر بيتك، أو أقترب من حياتك، اقترابك من هذا الجانب يجعلك أنت المخطئ، ومن واجب الدفاع عن نفسي. كنت ما كنت من خير وشر. لو كان لك حق، ماذا تريد؟ اعتذار؟ تعويض؟ لن أنكر حقك، وإن كان الأذى صدر من جانب واحد مني تجاهك، يحق لك الكثير إلا شيء واحد، إن جئت تريد الانتقام، أو كنت تافها يلعب دور الضحية وأنت مصدر أذى لي، وقتها ليس إلا المواجهة، وهذه حيلة المضطر، شيء لا أريده، ولا أبحث عنه لكنني لن أهرب منه. حياتي ليست نزهة في حديقة، أعرف صعوباتها، وعودتي لعمان أعرف صعوباتها، وجزاهم الله كل الخير اللي واقفين معي فقط عشان تكون أقرب شيء للطبيعي في معمعة من الأحكام. تجي أنت في منتصف هذي المعمعة عشان الآن فجأة تتجرأ وتكون (بخير). هذا خيار الضرورة، بناء الحدود، وبناء صلابة، بل وللأسف بناء قسوة شديدة، لا أمانع أن يسجن أو يذهب مستقبل أي شخص يعتدي علي، عندما أخطأت خسرتُ ودفعت ثمن خطئي. لم يعد لدي مجال لهذا الغفران الرومانسي. وثمَّة أشخاص ينتظرون الاتصال المؤلم قريبا عندما يتحرك القانون ضدهم. لهذا، صار طقس فصلي كل عدة أشهر أكتب عن هذا الموضوع. تراه ما دائما نصيحتك صادقة، أحيانا كل اللي (تستكاوده) إنك ترابع معاوية اللي كان مدمن وكان معارضِ. سردية اجتماعية تغنيك عن عبء أن تكون قريبا مني، وما ألومك، ابتعد، وارحل، وما عليك لوم، خسرت أصدقاء مقربين كثر بسبب تعقيد وضعي الاجتماعي، ما تجي تو عشان خلاص سرديات اجتماعية تجد هذا أهنأ لك. - سردية هذا كان شخص ذكي جدا ومحسود، أسهل بكثير من شخص اضطرب مرضياً وعقليا وفكريا. - سردية إنه هذا كان لاعب كبير في حقل السياسة، والحقيقة أبسط بكثير ولا تتجاوز شخص لديه فضول معرفي، وكاد أن يقتله هذا الفضول، شخص مجازف ويظن أن التجارب لا يمكنها أن تقصف حياتك. ولا لاعب كبير في حقل السياسة، ولا اقتربت من ذلك، كنت مدونا نشطاً، ومع الوقت تعقد كل الشيء وخرج عن قدرتي على التحكم به. سهل جدا تتقبل سردية تغلف حياتك، أرفض ذلك، تماما. إدماني جزء من حقيقتي كما أن التعافي منه جزء من حقيقتي. حياتي المبهدلة أمنيا وقانونيا جزء من حياتي، كما أن هذا الهدوء والمضي قدما في منطقة قانونية جزء من حياتي. حياتي المضطربة عائليا وعلنيا ومشاكلي مع والدي جزء من حياتي، كما أن قربي الشديد منه وعلاقتي القوية به الآن جزء من حياتي. أنت لا تنصحني لكي أبقي كل هذا في خفاء (لأجلي) أنت تفعل هذا لأجلك، لأجل حساسياتك. أعرف أنني مضغة في ألسنة كثيرة، بعضها بالشماتة، وأعرف أنني يكال لي المديح بما أستحق وما لا أستحق من قبل أشخاص يؤمنون بي، ويحبونني، كلاهما ينظران للحقيقة من الخارج. الذي أنظر له من الخارج، وأكتب عنه ضمن ميثاق الوضوح بيني وبين الحياة له سببه العملي، وهو ببساطة أن أخسر مسبقا أي نموذج بشري لديه أحكام تجاه ماضي أي إنسان. ليش أتعب نفسي؟ أحسن من البداية كل شيء في الطاولة، ما لازم أقطع شوط عشان تجي بعدين منصدم إنه هذا الطالب النجيب في علم النفس الذي يتحدث بطلاقة وانطلاق كان يوما ما مأساة علنية من مآسي عمان الرقمية!!! حياتي لم تتعدل وتنصلح لأنني كنت ذكيا، ولا لأنني كنت صالحا بشكل كبير فتغيرت، حياتي كلها مرتهنة بقرار واحد عطوف وحليم من السلطان هيثم بن طارق، والصدفة الوجودية فقط لأنني عماني، والصدفة الوجودية إنه عمان دولة معها نظام الفرصة الثانية (والأخيرة عادةً)، صدفة وقدر ورحمة من الله. وهذا العفو هو سبب كل هذا التحسن في حياتي، الشيء الجيد اللي فعلته إني تمسكت بهذه الفرصة الثانية، وتعاملت معها باحترام. هذا هو الشيء الجيد اللي فعلته، الشيء الجيد الذي فعلته هو أن انعكاسات هذا العفو على عائلتي كان جيدا، وأحافظ على هذه الانعكاسات. الشيء الجيد هو أنني رب أسرة، مستعد للموت من أجلها عشر مرات، وسأرضى بالشهادة في سبيل الدفاع عنها ضد أي شر. هذا هو الشيء الجيد. الشيء الجيد أنني أحاول، ولا أيأس، وليس لدي أصلا خيار اليأس. لذلك، لو كان كل حرجك إني كنت مدمن مخدرات، أو كنت إنسان على قيلتك (فاصل ومجنون وخريج مستشفيات نفسية) ما محتاج أشرح لك شيء، أعرف أوقفك عند حدك إذا تجاوزت، وأعرف أعيش بدونك وبدون اهتمام لك. عادي، رأيك، تحبني، تكرهني هذي حقوقك في الحياة، وما دامت لا تتعدى على حقوقي خذ راحتك في الشماتة كما تحب وتشاء. قصتي لا سالفة تغيير، ولا سالفة شخص واجد (برابر) والخير اللي فيه عظيم، قصتي قابلة لتحدث لأي شخص جامح، ولأي شخص يوصف بإنه (فاصل) ولأي شخص ورط نفسه في معمعة وما عرف يخرج منها، فقط لأنه الصدفة مخلتنا في عمان، وإلى الآن مفهوم الفرصة الثانية لم تتنازل عنه عمان بعد والله يعلم بالقادم ولكن كل المؤشرات تقول: كل حد معه فرصة يبني حياة لو فهم ما له وما عليه وتقبل الأمور بواقعية. ولأجل هذا كله، اللي حاب يغث حياتي بتحيزاته، وكيف الحياة الأنسب لي، وماذا يجب أن أجعله معلنا. أحب أذكرك، أنا مدمن مخدرات سابق وعشر سنوات من الإدمان، ومعي مشكلات عواقبها جسيمة وحالة مشخصة عدة مرات وعلاجها أبسط من البسيط لكنني رفضت الاعتراف بالدواء وبالداء. ووضعي اللي يسميه البعض تجاوزا (سياسي) فقط اللطف والعطف من السلطان جعله طبيعي وعطاني فرصة حياة ثانية. وجزاه الله كل الخير، هو وصاحب السمو السيد ذي يزن الذي يسّر لي فرصة للمشاركة والمساهمة. قصة ما لها علاقة بي، قصة سلطان عفو، وأب غفور، وبشر أنقياء، ما لها علاقة أبدا بي، والشيء الوحيد الجيد بي إني احترمت هذا النقاء الذي مورس تجاهي وسعيت لإنصاف من عاملني به. قصة ممكن تحدث لأي شخص لو كان هو يريد أن يغير حياته لمسار مختلف عن الطريق للنهاية، أو حسب خطتي السابقة: جيب العيد إلين تقول بس ثم انتحر ولن يأسف عليك أحد! تفكير مرضي لا أكثر قابل للحل بعدة جلسات من العلاج مع أخصائي خريج جديد يعرف البروتوكول العلاجي المناسب. لا مشاكلي كانت عويصة، لا مرضي شديد، ولا لي مساهمة هائلة. أعيش في واقع أقوى مني، ورحمة الله شاءت لي هذه الفرصة الأخيرة، ومتمسك بها حد الموت من أجلها. حياتي في عمان ما نزهة، وراضي بها، وخياراتي أدفع ثمنها، وما أقبل أي شخص يدفعني ثمن خطأ لم يصدر في حقه. لذلك، لو كنت تظن إنك لو عشت هذي الحياة فلن تنجو منها، ممكن نعم، ممكن لا، لكن كل شخص ممكن ينجو أول ما يعود للواقعية، وعاد أنت ورحمة الله بك، تنجو في عمر الخمسين، أم في عمر الستين، أم في عمر السابعة والثلاثين؟
والحمد لله على كل حال