ثمة مواضع نفسية تظهر بين الفينة والأخرى، وتكتسب انتشارا مهولا، وتراها في لسان الناس، والعموم، مواضيع تعليب التشخيصات النفسية موضوع [ADHD] والتشخيص الذاتي، ارتباطه بالقلق، والشتات، وأسئلة كثيرة تطرح قبل أن نصل إلى هذا التشخيص والذي هو من الأساس علاجي، وطبي، وقانوني، وله سيرة طويلة جدا جدا من الدراسات المتراكمة. ولكن، في عالم الوجبات النفسية السريعة قد يشعر إنسان باستسهال لتشخيص نفسه أو غيره بأنه [ADHD].
هذا موضوع عويص بمعنى الكلمة، ولذلك تأتي الأدلة التشخيصية العالمية كإجابة حاسمة لكل هذه المناطق الرمادية، جزء من عملية علاجية في بعض الدول لها قوانين صارمة تحكمها، وفي بعض الدول هنالك غياب للاهتمام بموضوع الصحة النفسية، أو سهولة في الفلات بتشخيص خاطئ، أو بعلاج خاطئ، أو منظومة طبية من الأساس لا تنفق ما يكفي من الموارد لعلاج المصابين بالأمراض النفسية، أنت وحظك، في أي بلد تعيش.
الموضوع الرائج الآخر، هو موضوع الشخصيات النرجسية، وهو تشخيص جسيم بمعنى الكلمة، يتعامل معك أحدهم بشكل سيء، مباشرة تلصق به الاتهامات، أنه شخص سام، أنَّه شخص نرجسي، أنه شخص بلا تعاطف، أناني، وتبحث في أسرع المواقع عن صفات الشخص النرجسي! ليس خلال أسبوع يا صديقي، ليس بسبب انطباع، ليس بسبب قيل وقال من كلام الناس، ليس لأن هذا الإطار العريض بالنسبة لك أسهل في الفهم وبعدها تقوم بتركيب هذا الإطار على المعطيات التي لديك!
التشخيص اضطرار قانوني، أو علاجي، أو جزء من قرار شخصي، انطباع تكونه، الأمراض النفسية والاضطرابات النفسية متداخلة بشكل معقد إلى الحد الذي جعل هذه الأدلة التشخيصية أقرب الملاذات الآمنة للعاملين في حقل الصحة النفسية لتقديم أفضل الخدمة العلاجية للمريض، هذا فضلا عن التوعية الإدراكية، والعلاج طويل المدى، وتكوين ملف متكامل عن هذا [العميل/المريض] والتي هي الطريقة التي تُساعد على حل المشكلة.
نفترض أنك تتعرض إلى تساؤل عميق عن علاقة من علاقاتك، شخص يؤذيك، يتعامل معك بشكل سيء، تلقائيا وأنت تريد قطع علاقتك بهذا الإنسان سوف تفترض أنك مع شخصية نرجسية، وتقطع الأمل في وجود علاج لهذا الإنسان، وتبتعد، وتكون ربما مشاعر الضحية، وتبدأ بتكوين مشكلة نفسية خاصة بك، وعقدة تجاه سلوكيات ليست بالضرورة كلها نابعة من مشكلة مرضية جسيمة، كاضطراب الشخصية النرجسية، أو كالنرجسية كمرض نفسي صعب للغاية أن يتم التعامل معه.
طيب! أين تولي بوجهك أمام هذا التعقيد. السؤال هو سؤال الدافع، والمنفعة. تتعامل مع مدير سام، يختلف عن تعاملك مع شخص من أفراد عائلتك، يختلف عن التعامل مع صديق الطفولة، يختلف عن التعامل مع علاقة عاطفية، يختلف عن التعامل مع زوج أو شريكة حياة، يختلف عن التعامل مع خطيب أو خطيبة، يختلف عن التعامل مع شريك في العمل، يختلف عن التعامل مع شخص نعرفه في المجتمع، أو صديق لصديق، لست بحاجة إلى البحث عن الإطار العريض الذي تضع فيه هذا الإنسان في تشخيص ضروري.
لماذا؟
تعاملك مع شخص وفهمك لأنماط السلوك المؤذي لك أو له شيء، وحاجته هو لعلاج هذه المشكلة ووصوله إلى حالة الصدق مع مشكلته، وبالتالي الصدق مع معالجه، ومن ثم تجربة طويلة زمنيا في محاولة حل هذه المشكلة، وربما التدخل الدوائي، وربما التدخل العلاجي، وربما التثقيف العائلي، وربما الجلسات العلاجية المشتركة، كل هذه الأشياء في سياق آخر، مع شخص يدرك أن لديه مشكلة ويريد حلها.
افتراض آخر، هل لديك شخص يعرف أن لديه مشكلة ولكنه يريد إخفاءها؟ هل يريد مسح آثارها؟ هل يريد بكل بساطة أن ينجو بمشكلته بدلا من أن تصبح وبالا على رأسه؟ وأن تحيط به الوصمة الاجتماعية المُرة، لا سيما عندما نتكلم عن ذلك الطيف السلوكي الذي به التلاعب، والإيذاء، أو الانتقام، أو الحقد، أو الحسد، أو الأنانية المفرطة، أو الانحرافات الجنسية، أو السرقة!
قد تلجأ إلى معارف علم النفس لتحمي نفسك، وهذا سلوك حصيف، لكن لا تلجأ لها لكي تصنع مشكلة أخرى. هذا هو الفارق الجوهري بين الدور الذي تلعبه معارف علم النفس في تبصيرك بوضعك وحالتك وتعريفك بطرق حماية نفسك، أو العلاج. علم النفس ليس مجرد قلق واكتئاب وحماسة وتوكيد، البعض يأخذ من علم النفس جوانب إيجابية ويعيد تكوين اللغة النفسانية ويجعل منها شيئا مفيدا، وأحيانا شيئا ضارا.
مثلا، هل تتذكرون حكاية "أنا أحفز نفسي بنفسي" تعامل كثيرون بسخرية مع الموضوع، وافترضوا تلقائيا أن كل هذه الدورات خداع في خداع "وكلام في كلام" .. الحياة والتعامل البشري كله على بعضه [كلام في كلام] ماذا تريد من العلاقات البشرية؟ كلها لغة مواقف؟ وصفقات؟ ومنافع؟ وتعاملات؟ وماذا؟ نصائح؟ وقيود؟ ثمة خطأ جوهري كبير في هذا التعامل.
السؤال هو: هل تشكل هذه الدورة لهذا الإنسان منطقة كلام واستماع لا يعيشها في حياته! هل تعتقد أن دورة التنمية البشرية هذه لا تنفعك! ربما، ربما لأن لديك أصدقاء جيدين، وعائلة تحيط بك، وزملاء عمل صالحين، ولكن ماذا عن هذا الذي ليس لديه سوى هذه المساحة لكي [يسمع بعض الكلام الجميل والمحفز] الفائدة النفسية التي يحصل عليها ليست خدعة، وليست نصبا، وليست كذبا، هو حقا يحتاج إلى ذلك المكان، ليس فقط بسبب الشخص الواقف على المسرح، ولكن أيضا بسبب الجمهور الذي سوف يكلمه، وسوف يحدثه، وسوف يجد أناسا متعطشين من أجل التغيير الإيجابي في حياتهم!
البعض يشعر بهذا الشعور عندما يذهب إلى نادي قراءة، والبعض يشعر به عندما يذهب لصالة الحديد. وأيضا، البعض يذهب إلى نادي قراءة لكي يحيط به مجموعة من الذين يستخدمون التسلط المعرفي ويشعرونه أنه جاهل وغبي وجديد ولا يفهم، وأيضا البعض يذهب للصالة الرياضية لكي يجد مجموعة من ضاربي الهرمونات الذين يخبرونه أن تمرينه خطأ، وأن وجوده في ذلك المكان هو وجود لكي يتم [استلامه] والضحك عليه [عشان يستوي صلب] ويصبح عوده أقوى!
ملمح نفسي من المنصف الانتباه له قبل الاستعجال في إطلاق الأحكام، كحال المثال عن الشخصية النرجسية. انظر إلى اضطراب الشخصية الحدية، وإلى اضطراب الشخصية الهستيرية، واضطراب الشخصية المرتابة، وقارن بينها وبين خلاصتك الأولى عن الشخصية النرجسية، ستعرف إنك دخلت في ورطة، وتساؤلات، ومقارنات، وستضطر إلى خوض معارف نفسية أخرى أغلب الظن أنها مملة جدا بالنسبة للمتخصص خارج إطار علم النفس، عن تكوين السلوك، والعادات، وتكوين الإدراك، وآليات ذلك، علم النفس يتحدث بلغة أخرى مختلفة، لغة الاستبعاد، ولغة التأكيد، والأمر بالنسبة للمختصين القدامى ليس سهلا في غياب معطيات حقيقية وصادقة، هل تتوقع أن قراءة مجموعة نصوص عن الشخصية النرجسية يكفي لكي تطلق هذا الحكم؟
نعم، هناك أشخاص من الجهل الكافي لاعتبار أن طرقهم المشحونة بالقسوة، والأحكام، وعدم التعاطف مع الهشاشة النفسية، وكل همهم إدانة الشخص الذي يعاني نفسيا بأنه ضعيف، أو إيمانه ضعيف، ويمكن في المقابل أن يحاول الذي يعاني من أذاهم المعنوي وضعهم في إطار المرضى ضمن طيف النرجسية واضطرابات الشخصية وغير ذلك، ويتم تبادل الإطارات العريضة في مهرجان أحيانا تكتفي بوصف مثل [يجهل، لا يعرف، يؤذي دون قصد، يؤذي لأنه متألم، يؤذي لأنه يريد ذلك، يؤذي لأنه يظن هذا يجعلك قويا، يؤذي لأنه يعلم أنك لن تؤذيه، يؤذيك بالكلام لأنه يظن أن الكلام كلام] وهكذا دواليك، تعقيد الأمر ضروري بمعنى الكلمة، اما تعال وصف أحدهم بالشخصية النرجسية، أو باضطراب الشخصية الحدية، أو باضطراب الشخصية الهستيرية، أو باضطراب الشخصية النرجسية، أو بثنائي القطب، أو باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، أو ترى مجموعة أعراض على طفلك فتقرر أنه متوحد!
أنا لا أقول لك أنت شخص عامي ابتعد عن علم النفس ودع هذا العلم لمتخصصيه، كلا وحاشا، علم النفس للجميع، وبه من المعارف والمدارك ما يقيك، وما يحميك، وما يطورك، وما يعالجك، وما يحمي غيرك منك، وما يحميك من غيرك، وما يشرح لك بعض أخطائك، وما يشرح لك متى ظلمتَ ومتى ظُلمتَ، ولا يخلو من مبادئ العدالة الفلسفية، والعقود الاجتماعية، والقيم الإنسانية العُليا، وأسئلة الفضيلة، بل وحتى أسئلة النفع، والصلاح، والكسب الحلال، والصدق، وآثاره عليك، والكذب وآثاره عليك. الذي أقوله لك أن توغل برفق، وأن تصل للنتائج بعد تفكير طويل، وبحث، وأن تمارس الاستبعاد، والتسبيب المنطقي، وأن تستعين ربما خلال هذه الرحلة بمن يساعدك على تكوين خلاصاتك، ومن يدلك ويرشدك على الذي يجب أن تقرأه، وتعرفه.
ويجب أن تحسم سؤالك، ما الذي تريده من المعارف النفسية؟ تريد أن تساعد أحدا؟ أم تريد أن تدينه؟ شتان بين اكتشافك أنك تحاول مع شخصية نرجسية تستغلك، وتستنزفك، وتؤذيك، وتعاني من الخواء الداخلي والفراغ، وتصل لخلاصة أنك تضيع وقتك، وبين ردة فعل تجاه تعرضك للأذى ومحاولتك لنزع الحياة الاجتماعية من إنسان وضعته بشكل صارم في خانة [السيء].
صنفت أحدهم بوصمة [نرجسي] لأنك لا تريد مساعدته، أو صنفته بأنه يعاني من اضطراب شخصية لأنك تعبت منه، أو صنفته بأنَّه وسواسي، أو عصابي، أو ذهاني لأنك تريد التنصل من قدرتك على مساعدته وترمي بكل هذا العبء على الأطباء والمعالجين، يختلف عن تصنيفك لإنسان لأنك تريد أن تعاقبه، وتريد أن ينال جزاء عمله، بل وربما تريد أن تشن حملة عليه في عمله، أو مع عائلته، أو مع المجتمع ككل مهما كان دافعك.
يجب أن تسمي فعلك باسمه الحقيقي، لأنك أنت تعلم دافعك الداخلي، الأذى أذى، وله دافع وسبب، والانتقام انتقام، وله دافع وسبب، وتعرضك للأذى له سبب، وإيقاعك الأذى بغيرك له سبب. الأمر لا يتعلق بالدفاع عن نفسك فقط، الأمر أيضا يتعلق بصحتك أنت، لذلك، هذه الوجبات النفسية الرائجة في الإنترنت قد تكون ذات فائدة عالية جدا في منحك الخيوط الأولى لتبدأ البحث، لتقع في فخ التشابهات، لتبدأ عملية الاستبعاد، لتبحث عن الأنماط، لتجد المعالج ربما، أو تجد الكتاب المناسب الذي ينفع مع تجربتك، لتجد المرجع الذي يملأ فجوات الأسئلة في عقلك بإجابات تحتاج إليها، وتنفعك.
ثمَّ، ماذا عساك أن تفعل بتشخيصك لغيرك؟ تعالجه؟ تعاقبه؟ ماذا تريد بالضبط؟ ستعود إلى دائرة الأفعال، والسلوك، والدوافع، والأسباب، مرغما، أنت وإطارك الذي وصلت له بعد جهد جهيد وسؤال وتعب، أو الإطار السريع الذي راقَ لك بسبب التشابه المبدئي. وسواء شخصت نفسك أو شخصت غيرك، ماذا عساك أن تفعل بهذا التشخيص؟ تبدأ عملية علاجية مرتجلة؟ أم تبدأ تأثير الأقران؟ أم إسناد الأقران لبعضهم؟ أم تتعلم حماية نفسك!
كلها أسئلة مركبة ومن منا لم يقع في هذه الأخطاء في مسار حياته! حتى الذين يعالجون الآخرين، وحتى الذين يمارسون علم النفس لسنوات وسنوات يقعون في أخطائهم النفسية، علم النفس عدسات، ومهارات، وبصيرة، ولكنه لا يخلو من مشاكل أصحابه، ومشاكله، والمعضلة التي تجعله دائما في مقدمة العلوم التي تلهب فضول الناس، وأيضا في مقدمة المجالات التي تسهل إطلاق الأحكام.
ما الذي أريد قوله من كل هذا السرد:
لا شيء قاطع، كل شيء تقريبي حتى تثبت المعطيات الكبيرة، وهذه الحالات الأسهل في التعامل معها والعلاج والحصول على المساعدة، أما المشكلات الصغيرة قيد التبلور، والمشاكل التي تصنعها الظروف، والظروف المؤقتة، والعوامل المتداخلة، فهذه كلها تحتاج إلى نفس طويل، وتحتاج إلى هدوء، وأناة، وقراءات متتالية، وبعضها تحتاج إلى سنوات لتبدأ في التخلص من مشكلة نفسية بدأت وتطورت وأصبحت مركبة غامضة على صاحبها، وعلى الذين حوله، وعلى المتعالج الذي يتعامل معه. هذا لا يشمل علم النفس فحسب، يشمل أيضا أي شيء آخر في هذه الحياة المليئة بالعوامل الخفية، وبالأحداث غير المتوقعة، وبالظروف المفاجئة.