#أتضامن_مع_أحمد_العجمي:
كما تحدث معظم الأشياء التي تتعلق بحرية التعبير في عُمان، نتعلم بالتجربة المريرة، وبخسارات الآخرين، وبالجدالات غير المنطقية عن هذا الموضوع. إنسانٌ يحكي عن تجربته في الحياة، بطريقته، وبأسلوبه، لم يشر إلى شخصية معيَّنة، ولم يفعل أكثر من أن يتحدث بعفوية عن تجربته في الحياة، فماذا كانت النتيجة؟
إيقافه عن العمل؟ لماذا؟ أعلمُ أن مئة إنسان من الذين يستميتون في الدفاع عن إخراس الآخرين، وبث الرعب والخوف في نفوس الذين يتحدثون بأريحية علنا، والذين ينشرون سوف يجدون ألف حيلة ووسيلة لإخراج أحمد مخطئا. وعلى ماذا تبنى هذه الحجج؟ على الذائقة؟ والصوابية الإدارية؟ وعلى ماذا بعد؟ على كل الافتراضات عن المثالية المنشودة، ولا ننسى طبعا مهرجان الأسماء المستعارة الشجاعة التي يحلو لها أن تعلم العالم دروسا في كيفية التعبير، وطريقته المثلى، وكأن أوَّل شيء يجب أن تتعلمه عن التعبير هو إخفاء هويتك! مأساة بمعنى الكلمة! مأساة تعيسة تتعلق بحقوق يكفلها القانون ويخالفها الرقيب الإداري كما يحلو له!
وكل هذا امتداد إلى المشكلة الجوهرية في الإعلام في عُمان، هذا التمكين المبالغ فيه للتحيزات الشخصية للرقيب. ليس الرقيب الإعلامي فقط، أيضا الرقيب الإداري الذي يذهب للبعيد وينسخ المنهج نفسه، إنسان تحدث في لقاء إذاعي عن تجربته في الحياة! وأورد [أفّيه] لا يقدم ولا يؤخر، لا خالف سرية العمل، ولا ذكر أسماء، آلية لغوية من آليات التمثيل والتشبيه، يمكن تحليلها ليوم القيامة وكلها ستقع منطقيا تحت مظلة [الرأي الشخصي] هذا الذي تملكه، ويكفله لك نظام أساسي في الدولة، ويكفله لك القانون، ويكفله لك أي شيء آخر سوى هذه النظرية الرقابية التي تجعل إنسانا متشنجاً في إخراس شخص آخر!
ما هو السبب الذي يجعل أي مؤسسة تتشنج في التصدي لفرد؟ السبب هو فشلها الإعلامي، فشلها في الوصول للناس، عجزها عن اتخاذ الخطاب المقنع الذي يجعل المجتمع يؤمن بها، هذا يحدث ليل نهار، وقد يحدث قريباً عندما نرى ماذا ستفعله وزارة الإعلام بعد صدور قانون الإعلام، ويحدث في مؤسسات كثيرة تجد أنه من السهل أن توقع الدروس الموجعة والصعبة على أي شخص يخرج عن خطاباتها الجامدة والمتشنجة والرسمية والسطحية والعمومية والمتنصلة من أية مجازفة في الجدال أو حتى في الإبداع!
جزء كبير من المشكلة الفكرية العمومية التي يظن البعض أنه يريد بها خيرا! وكأننا نستورد الآن مشكلة الصوابية السياسية الغربية ونكوَّن في عمان مشكلة أخرى، الصوابية العُرفية، وابتكارات أخرى على شاكلة هذا لا يعجب المجتمع، هذا لا يعجب الحكومة، هذا لا يعجب المؤسسات الرسمية، وهذا لا يعجب المسؤولين وغيرها من الحجج التي لا علاقة لها مطلقا بكل ما نلمسه واقعيا من بشائر ارتفاع سقف التعبير، والحرية الشعبية، وتغير معطيات كثيرة كانت في السابق كابوسا حقيقيا على الذين يجازفون بالتعبير عن رأيهم العلني!
موظفٌ تكلم عن تجربته في الحياة! هل ستصادر هذا عليه؟ وماذا ستقول بعدها؟ ستقول أنه تكلم عن المؤسسة بدون إذن؟ هل هناك قانون يمنع ذلك؟ أم لائحة؟ أم قرار إداري؟ وهل هذا القرار الإداري متسق مع نص دستوري واضح المعالم؟ وقانون الحرية الفردية في التعبير عن التجربة الشخصية في الحياة؟ ماذا ستفعل غدا؟
ثمة أشياء غير مستساغة شخصيا، مثلا المحامي الذي يتحدث عن قضايا اطلع عل حيثياتها، طيب، هذا شيء لا تستغيه، ولا أستسيغه، لكنه قانون! نعم، قانوني للأسف الشديد، ولا يمكن أن نعطل حرية إنسان في التعبير عن تجربته في الحياة فقط لأن هذا لا يعجبنا، إلين أين سنذهب بعد ذلك؟ إلى البعيد؟
الذي يعبر عن رأي ديني سوف ننعته بالمذهبية؟ وننعته بتفريق الصف؟ وهو يعبر عن رأي ديني ينتمي له؟ والذي يعبر عن رأي وتجربة شخصية رياضية سوف يتهم بأنَّه يريد إثارة الفتن الرياضية؟ والذي يعبر عن تجربته في عالم الوظيفة سوف يتهم بأنه يهاجم الجهة التي يعمل بها؟ والذي يكتب عن المدير السام الذي يهاجم الموظفين ويحطم أحلامهم سوف يتم التجني عليه؟
الخطورة ليست في خروج شخص ليعبر عن رأي خارج المألوف أو بطريقة كوميدية، الخطورة في هذا الموضوع أن تقييم الآراء هذه يحدث في إطار التقدير الإداري، ليس ضمن الحرية القانونية المكفولة في القانون ليس ضمن كل هذا التحسن الذي تعيشه البلاد في عهد السلطان هيثم بن طارق، ليس ضمن التحسن في التعبير الذي تشهده عُمان منذ نهاية حالة الطوارئ الوطنية والأزمات المتتالية منذ مرض ووفاة السلطان قابوس رحمة الله عليه، إلى سنوات كوروانا، إلى مرحلة سداد القروض الباهظة، إلى وإلى وإلى!
التفكير الرقابي ومعضلته! هي المشكلة حقا، عندما ينصب إنسان نفسه رقيبا على طريقة الآخرين في الكلام لا على مضمون كلامهم، عندما ينصب أي إنسان نفسه كرقيب على كلام الآخرين هذه هي النهاية التعيسة، التسلط، والقمع، وما هي الحجج؟ نبش وستجدها تعود إلى الذائقة والتأويل وتحديد ماهية الصوابية بطريقة ضبابية وغير واضحة.
أتضامن مع أحمد العجمي ضد إيقافه عن العمل بسبب لقاء إذاعي، وأتمنى أن يكون الحكم في هذه المسألة هو النظام الأساسي للدولة، والقانون، وكل الذي يظن أنَّ محاولة تكبيل اللسان العام، أو اللسان الفردي، والرأي الفردي سوف يؤدي إلى نتيجة حسنة فهو واهم، ويضر بلاده، ويضر وطنه، ويضر عمان، لأننا نعيش في عالم كبير واسع مرتبط كل الارتباط بالمفاهيم المشتركة لحرية التعبير، ونعم نأخذ الصالح منها، وننبذ الطالح، وفق تعريف قانوني وليس وفق تحيزات الرقيب الإداري، أو الرقيب الإعلامي الذي عاث ما عاثه في عالم التعبير عن الرأي وكأن تعطيله وعرقلته للآخرين ستؤدي بالضرورة إلى التفات الناس له، وانتباههم إليه وإلى حججه الواهية، وتلاعبه المتكرر بماهية الحقيقي، وماهية النافع والمفيد وكأن الذي يبثه من تسطيح، وعمومية هو الحقيقي، وهو النافع لمجتمع وبلاد!
متضامن مع أحمد العجمي، كعماني، وكإنسان يؤمن ويحترم النظام الأساسي للدولة، ويحترم القانون، ويحترم أنَّ مثل هذه القرارات المتعجلة لا تنفع لا مؤسسة، ولا بلادا، وسيبقى للإنسان مساحة للتعبير عن نفسه وعن تجربته في الحياة.
وما أسخف هذه الحجج المبنية على الشماتة! ما أسخف هذه الحجج التي تصاغ بناء على الشخصنة والملاحقة، ما أسخف هذه الحجج المبنية على أنَّ [كلامه لا يعجبني] فليذهب كلامه للجحيم، وليوصف بالتافه، وليوصف بالحكيم، وليوصف بأي شيء، هذه آراء، يحق لك رفضها، يحق لك الاعتراض على كلامه، لكن أن يصل الحال إلى هذا القفز المتسارع إلى استخدام السلطة الإدارية، هذه ليست مشكلة متعلقة بمؤسسة أحمد العجمي، هذه مشكلة فكرية شائعة، وعامة، عندما لا يعجبك كلام أحد، حتى لو كان قانونيا، حتى لو كان لا غبار عليه وضمن المسموح في النظام الأساسي للدولة والقانون، يكفي أن تتحرك الألسنة المسمومة والغاضبة ضد شخص لكي يقفز لك الرقيب الإداري هذه المرة ويركض إلى أقصى القرارات الشرسة وكأن هذا هو الذي سيجعله يثبت هيمنته وموقفه!
لأي رقيب في عمان، إن كنت فشلت في الوصول للناس، وفشلت في الوصول للمجتمع وكونت سياسة إعلامية فاشلة وضحلة ولم تستطع إقناع أحد، إن كنت غارقا في العموميات الضحلة، والشعارات الرنانة التي لا تستطيع إخراجها من العمومية إلى المجادلة والتعقيد والإقناع [ارحل].
لا أعلم هل هذه المرحلة من حرية التعبير الفردي في عمان كانت فقط نزهة مؤقتة وسوف ينتصر بعدها الرقيب الإعلامي، وسوف ينجح في إخراس الأفواه، وينجح في تعطيل المشاريع الفردية، وسوف يخرج مهيمنا متسلطا عنجهيا انتقائيا بعدها وينتهي هذا العيد الجميل من القدرة على التعبير؟ وهل سوف يلحق به الرقيب الإداري الذي سيلاحق أفراد مؤسسته أيضا بسياسة شبيهة؟ ما الذي تنتفع منه بلاد من كل هذا؟ لا أعرف!
سدنة الصمت، وكهنة الرقابة، ووطنيو الأسماء المستعارة، والغاضبون، والساخطون، والمنادون بإخراس الذي يختلفون معه هذه ظاهرة فكرية عامة، هل هي طبيعية؟ نعم، طبيعية، هل هي متوقعة؟ نعم هي متوقعة؟ هل تنفع عمان! وماذا عساه أن تستفيد بلاد من وجود رقيب يمارس تحيزاته، وتأويله، يرفض التعبير العفوي التلقائي عن الرأي!
وقبل أن يجادل أي شخص في إدانة أحمد، أرد مقدما، يحق لك رفضه شخصيا، يحق لك رفض كلامه، يحق لك أن تصفه بأي صفة، لكن أن تنزع عنه قانونية التعبير عن تجربته في الحياة هنا عليك أن تتحدى النظام الأساسي للدولة، وتسقط شرعيته، وتسقط الحق القانوني الفردي الذي يضمن لإنسان أن يحكي عن تجربته في الحياة، دون هتك أسرار جهة عمله، دون الإشارة إلى شخص بعينه، دون أن تفرض عليه طريقة كلامه، دون أن تلزمه بأن يتبنى الخطاب الذي فشلت أنت فيه بالوصول إلى المجتمع والناس، هو رأيك أن ترفض ما فعله أحمد العجمي، رايك القانوني، رأيك المكفول ضمن أطر الحرية، وأيضا هو رأي أحمد العجمي الذي عبر عنه بكل تلقائية، هذا موضوع آراء، وموضع حرية تعبير، وموضوع حرية نقدية، وليس موضوع جزاءات، وبسط السلطة الإدارية على أبسط الأسباب مهما كانت الحجج، هنالك قانون، وليتبع القانون أليست هذه أبسط أبجديات القبول الحضاري للقانون في أي دولة؟
هنيئا للرقيب الإعلامي الذي بثَّ مدرسته، وحقده على الأفراد، وشخصنته، ومحاولاته الدائمة لصناعة موضع لنفسه بالمنع، والعرقلة، وتخويف الناس على مستقبلهم وعلى لقمة عيشهم، نعم أيها الرقيب الإعلامي أهلا بك، أهلا بك أنت والرقيب الإداري في عُمان لا نعرف إلى أين ستذهب على صعيد حرية التعبير الفردي!
إن كان ثمة حل في هذا الموضوع فهو أن يوكل موضوع مخالفات التعبير عن الرأي [اتفقنا أم لم نتفق فكريا حولها] إلى المنظومة القانونية، بما فيها من قدرة على الاستئناف، ومواجهة القضاء، والمضي في المنظومة العدلية، أما هذا الوضع الذي يصول ويجول فيه الرقيب الإعلامي والإداري بتحيزاته، وبعموميته، وبتفضيلاته الشخصية، وبشخصنته، وبانتقائيته، فلا أعرف من هذا الذي يريد لعمان الخير ويرى أن هذا الوضع يخفف المشاكل أو الأزمات، هذا الوضع صانع للأزمات، وصانع للمشاكل وسيظهر الوقت والزمن إن كان سينفع عمان ويقودها إلى حماسة اجتماعية، وأجمل جماعي أم سيقودها إلى حالة قاتمة من فقدان الثقة والسخط والغضب المتراكم!
هل أول أحمد العجمي الأوَّل؟ كلا، ما دامت هذه المدرسة الرقابية المستمرة فنحن أمام أكثر من أحمد عجمي، والسبب ليس التسبيب القانوني، ولا الإداري، السبب هو صراع مدارس في التعبير عن الرأي، وفئة تعشق الصمت، وتقدسه وتدافع بشراسة عن قدرتها على تكميم أفواه الآخرين تحت أي حجة، رقابية، أو إدارية.
حفظ الله عُمان من كل شر، وحفظ الله حرياتنا المدنية من مهرجان المتأولين لأبسط ثغرة تسمح لهم أن تخرس مواطنا لم يخالف القانون، ولم يخالف النظام الأساسي للدولة، لكنه خالف تفضيلات، وتحيزات مسؤولا قرر بكل بساطة أن الطريقة المثلى هي إيقاف إنسان عن عمله!
طيب ماذا عن النصح، وتوجيه الملاحظات، وغيرها من الوسائل؟ كلا! الإيقاف عن العمل هو الحل أليس كذلك؟ بهذا تبدو قويا، وواثقا، وقادرا على بث رسالة الخوف للبقية!
إن كان ثمة حكم، فهو القانون .. عدا ذلك، على الدنيا السلام، وهي مرحلة أخرى قبل أن يصح الصحيح، ويعرف الذي يعبر عن أي رأي أن المسألة قانونية بحتة، لا علاقة لها بالرقيب وعنجهيته وتشنجه وإلغائيته وشخصنته، ولا علاقة لها بصلاحيات مسؤول فلاني أو علاني.
أعان الله كل إنسان يمر بهذا الموقف ويضرب الأخماس في الأسداس ويعيش كل تلك التساؤلات المرة! لماذا حدث ذلك؟ هل خالفت القانون في شيء؟
إن كان أحمد خالف القانون، فأدعو الادعاء العام للتحرك ضده بكل قوة، وإن لم يخالف أحمد القانون فليحمه القانون من تأويلات الرقيب الإداري الذي لم يستطع أن يفرق بين التصريح الذي يعبر عن مؤسسة، والرأي الشخصية الذي يعبر عن تجربة إنسان يسرد بكل بساطة تجربته في الحياة وفي العمل.
ومجددا، أرد مقدما على الذين يجادلون عن [الكيفية] القانون لا يعرف الكيفية، يعرف النص المباشر، والمقصد الصريح، وإن كان ذكر شخص أو لم يذكر، الكيفية إن لم تعجبك أو لم تعجبني هذا موضوع آراء، وليس موضوع استخدام سلطات وصلاحيات ننادي على الطالع والنازل أن تستخدم ضد كل من لا يعجبنا!
حرية التعبير الحقيقية أن تتقبل أن الإنسان الذي يقول كلاما لا يعجبك من حقه أن يقول كلامه، كما هو من حقك أن تقول كلاما لا يعجبه، أما القمع، فهو أن تستخدم أبسط الحجج الواهية والزخم الاجتماعي فقط لكي تهدد إنسانا مستخدما صلاحياتك، وتأويلك مما يفتح ألف باب للتساؤلات
هذه هذه المدرسة الرقابية الإعلامية هي الأنفع لعمان؟ أم أن الذي يمارسها ويدعو إليها يضر عمان حقا!
سيحكم الوقت بذلك.
والله الحامي والحافظ من شر كل متربص كؤود.
الذي يعبر عن رأي سلطوي، قمعي [لا يعجبني] لا يعني بالضرورة أن أنادي بقمعه, والذي يعبر عن رأي تحرري أيضا [لا يعجبني] لا يعني أن أستدعي السلطوي ضده.
صدام الآراء صحي لكل طرف، وحرية التعبير أن تتحمل وطأة الرأي والرأي المضاد له.
أما لو كان كل شخص يعبر عن رأي لا يعجبك ستسمح لنفسك أن تنسفه من الوجود، وتلغي حقه القانوني، وتخالف القانون ضده فهذه اسمها غابة، وفوضى وهذه نهايتها وخيمة على الناس، وعلى المجتمع، وعلى الدولة، وعلى كل إنسان يحب بلاده ويتمنى لها الحرية والسلام.
الحكم في الآراء ليس كونه يعجبك ويتفق مع أجندتك أو الدعاية التي تستميت في الدفاع عنها، الحكم هو الحق القانوني، والذي يشيع الآن فكرة الرقابة العمياء، وكأن الطريقة المثلى لمعاملة كل من يعبر عن رأي يخرج عن المسلمات العرفية هو التنمر، والتسميم، والشخصنة، والسخرية، والاستهزاء، فضلا عن ما العبث الذي تقوم به قبائل الأسماء المستعارة، والمتسترين تحت مظلة القضايا بهذه المعرفات الشبحية، يخونون من يشاؤون، ويخالفون القانون، ويفعلون ما يحبون، هذه وصفة فوضى، ليست وسيلة لتنظيم أي شيء، وليست أكثر من شيوع لنظام الغابة اللغوية والتي نهايتها مضرة للمجتمع وللحكومة وللدولة ككل.
وليحكم الوقت بصواب وخطأ هذه المقاربات!
تخيل معي ما يلي:
مهندس زراعي يتكلم عن الوسيلة المثلى لمكافحة آفة من آفات النخيل في عمان.
يظهر في لقاء إذاعي ويتحدث عن تجربته العملية والعلمية، فيقول لك مثلا: الرش طريقة أثبتت فشلها في دول عديدة، والطريقة المثلى للتخلص من آفات النخيل هي المقاومة الحيوية، أو حرق المزارع المصابة، أو استخدام الجراثيم التي تفتك بآفات النخيل، أو استخدام الخنافس المقاومة للحرارة، أو صناعة الفطر الذي يقضي على أعشاش الآفات.
هذا مثال افتراضي:
بناء على الوضع الحالي ماذا تتوقع؟ هل سيكون منطقيا فجأة أن تهجم عليه وزارة الزراعة بكل شراسة؟ وتقول له: أنت تستخف بكل جهودنا في مكافحة الآفات الزراعية؟ أنت تنقص من مكانة الوزارة؟ أنت موظف سيء وهيا نفصلك عن العمل!
لو جاء مهندس زراعي من وزارة الزراعة وقال ما يلي: جهود وزارة الزراعة هي جهود عبثية غبية والوزارة فاشلة في كل ما تقوم به!
نعم! هنا يتحرك ضده النص القانوني، واللائحة الإدارية، بل وحتى الرقيب الإعلامي الذي سيغني يا ليل يا عين من أجل إظهار هذا الإنسان مخطئا، بل وربما الجهة التي استضافته، مع أن المفروض منطقيا هو أن يتحمل هو مسؤولية كلامه.
نكمل المثال:
الصياغة الأولى تعبر عن رأي مهندس زراعي يتحدث ضمن الصوابية العلمية، جالس يقول ببساطة: رش المبيدات ليست أفضل الخيارات، هناك خيارات أفضل.
لو كنت شخص مؤمن بحرية التعبير لبلادك، تلقائيا لن تجد حرجا في كلامه، نعم، كلامه دقيق، وهناك ميزانية وموارد وظروف كثيرة، بس لا تجعل كلامه خطأ، نعم ممكن إنك تسوي وسيلة لمكافحة الآفات إنك توظف مائة ألف شخص عشان يجمع كل الآفات [بملقط] هذا ليس كلاماً خطأ نظريا، ولا منطقيا، لكن هو أيضا كلام غير قابل للتحقيق، سترد عليه برأي، وعلى الدنيا السلام، وكل واحد يصلح سيارته، وخلاص رأي ومر.
لكن لما تتحول الحكاية إلى مواجهة بين مهندس ووزارة الزراعة، هنا ماذا نفعل؟ هنا تحول الأمر إلى تأويل الرقيب لكلام موظف، وهذا الموظف نعم هو مهندس زراعي، جاء في اللقاء بصفته مهندس زراعي، يتكلم عن [وظيفة في هندسة الزراعة]، لم يأتي ممثلا لجهة عمله، لم يأت ممثلا لمديره العام، لم يأت ممثلا لدائرة مكافحة الآفات الزراعية [إن كانت موجودة] جاء لكي يتحدث عن خبرة وتجربة إنسان عماني يتكلم عن عمله في حقل الهندسة الزراعية.
ثمة فارق هائل جدا جدا في التعامل مع الحالتين، الأولى موظف ساخط يهاجم جهة عمله، والثانية شخص يعيش تجربة وظيفية يعبر عنها بشكل قانوني سليم.
الموظف في أي مؤسسة ليس إعلاميا لكي ينفذ أجندة المؤسسة الإعلامية، وإذا كانت المؤسسة الإعلامية تعاني للوصول للناس، وكانت تتعرض لسياسة إعلامية تعسفية تفرض عليها خطابا ما يهدد فرص نجاحها في الوصول للناس فليس الحل هو قسر كل من يعمل فيها على تنفيذ أجندة المؤسسة الإعلامية، هذا إعلامي، وهذا موظف له حق في التعبير عن تجربته الشخصية، حق قانوني، حق يكفله نظام أساسي، حق دستوري أصيل يحميه السلطان نفسه والذي يتجرأ على الخلط بين الحق القانوني لإنسان في الحديث عن تجربته في الحياة، وعلى التعبير العام عن موقف جهة عمل فهذا خلط خطأ، ويخالف القانون، والتعسف الإداري له قانون يحميه.
والمشكلة فكرية في المقام الأول، الرقابة على الكلام، وتحميله فوق ما يحتمل، وصناعة أية فرصة لكي يُجعل من الفلان والعلان عبرة لمن يعتبر، هشاشة ما بعدها هشاشة، ودليل على سوء الخطاب الإعلامي، وخوفه من المجازفة، وعدم اتصاله مع المجتمع، وتنصله من مسؤوليته، وذهابه مذهب العموميات الضحلة والشعارات الرنانة، وتوسله بكلمة [الحكومة] وكأن مؤسسة لو فشلت فأنت تسيء للحكومة وأنت في مواجهة مع الدولة، أسلوب سيء بمعنى الكلمة يمارسه البعض للدفاع عن نفسه أمام حرية الإعلام، وحرية النقد الاجماعي، وحرية الفرد المكفولة في القانون.
وجود رأي عام، يراقب عمل المؤسسات هو شيء ينفع الدولة، ينفع الحكومة، ويجعل كل شخص ضالع في العمل العام تحت عين الرقيب الاجتماعي، لكي لا يكذب في تقاريره على الحكومة، وعلى مجلس الوزراء أو يحاول أن يتستر بالصمت ليصنع إنجازات وهمية أو يخفي إخفاقات كبيرة، هذا الرأي العام المبني على الاتصال بآثار القرارات المؤسسية على المجتمع، والذي يراقب تنفيذ القرارات الرسمية، والذي يراقب المناقصات، ويراقب الأخطاء هذه كلها عبارة عن جهاز رقابة مجاني تستفيد منه الدولة ولا يخاف من هذا الجهاز الاجتماعي سوى المقصر، وإلا فما الذي يجعلك تضع الناس على المحك!
تخيل أن وزارة الزراعة لو أخطأت في موضوع رش المبيدات، أو تأخرت وفجأة تقول لك: لو انتقدت تقصير الوزارة أنت تهاجم الدولة، وهات يا محاكمات وهات يا تأويل؟
أعتذر لكل أصدقائي الذي يعملون في وزارة الزراعة لأنني أضرب بهم المثل دائما، ولكن ضع مكان وزارة الزراعة أي مؤسسة حكومية، الممايزة بين خبرة الإنسان، وبين وظيفته، وكونه له رأي خارج إطار عمله هذا جزء من الحق القانوني لأن يكون لك رأي، أن تحاول المؤسسة جعلك سفيرا إعلاميا لها رغم أنفك، هي لديها جهاز إعلامي، ولديها دائرة إعلام، ولتتفاهم مع وزارة الإعلام إن كانت تجد صعوبات في إيصال رسائلها للناس.
أما هذا النظام المرتجل لإخراس فلان وعلان واللجوء السريع لسلطات الانقضاض الإداري، ما هو النفع العام الذي تنتفع به أي مؤسسة؟ إن كان مسؤول ما في جهة حكومية مرعوب بمعنى الكلمة من أي رأي يصدر تجاهه من أي شخص وأول فكرة لديه هي اللجوء إلى وسائل الإخراس؟ بالله عليكم! لماذا من الأساس تستنزفون ميزانية الدولة بدوائر إعلام ومؤسسات إعلامية، اعملوا مجموعة واتساب وانشروا فيها [بوسترات] وقولوا ما شئتم من كلام عام وشعارات رنانة على شاكلة [نعمل ما بوسعنا].
الجميع يعلم أن المؤسسات تفعل ما بوسعها، شوية رحابة صدر مع الآراء، وقليل من النصح والحوار خير لعُمان من التوتر الشديد والانقضاض الإداري السريع وكأن كل رأي هو مؤشر لحالة طوارئ قادمة!
ليت شعري! لماذا كل الذين يزعمون أنهم يتصدون للأزمات في الرأي العام هم فعلا يرمون الحطب في جمرها!
يصنع الأزمات من يزعم أنه يتصدى للأزمات!
ما هذا التناقض الغريب!!! يعلم الله لماذا!
وجهة نظر إعلامية تخص مقابلة #أحمد_العجمي .. لو كان هناك إعلامي مهتم بالتسويق لوجد في هذه المقابلة فرصة رائعة جدا للتسويق لمفهوم التدقيق على المسافرين، ولشرح السبب الذي يدفع بالمطارات لاتخاذ إجراءاتها، واجد نواحي، وواجد أشياء لها قيمة إعلامية مفيدة جدا للمؤسسة ككل!
ما فاهم من اللي مباشرة اتجه لقرار التوقيف!
طيب تسألني ويش الإجراء [الأنفع] .. الأكثر براجماتية للاستفادة من الموقف!
أولا: لو معك ملاحظات، تكلمه، توضح ملاحظاتك، تصلح الخطاب الإعلامي اللي يتبعه أحمد وتكسبه في صفك، ما معقول يكون معك هذا الوصول الإعلامي وأول فكرة تجي في بالك فكرة التعنت، والهيمنة، وتخويف باقي الموظفين وكأنك تريد فقط أن تصنع عبرة!
ثانيا: الموظفون في العالم الحديث جزء متفاعل مع العالم، وجزء من رسالة المؤسسة، الأطباء يفعلون ذلك في منصاتهم ويمارسون توعية نيابة عن المؤسسة الصحية، المدرسون يفعلون ذلك ويرسلون رسائل تربوية نيابة عن المؤسسة التربوية، وقس على ذلك!
ولكن هذا هو العقل الرقابي، مشغول بالإيجو ماله، مشغول بعقد المحاكمة المساءلة، مشغول بترسيخ نفسه كسلطة، ما يهتم لأي منفعة منطقية!
معك موظفين في مؤسستك ولديهم منصات تصل للجمهور العام! موه الحل أسوي لهم عقدة؟ عشان يخافوا منك يعني؟ عشان أنت [الأوكيه] العملاق؟ موه يعني استفادت المنظومة من الرقيب الإداري أو الإعلامي الذي يخاف من ظله ولا يريد أن يجازف برأي أو يجازف حتى بأفّيه كوميدي!
ياخي بصدق، لو كانت هناك جهة في عمان فاهمة الإعلام صح هي الشرطة! خارج الصندوق، توصل رسائلها حتى بالفنون الشعبية، والإسكتشات! وللآن وللآن حملة الشرطة عن الاحتيال الرقمي، والطريقة التي أداروا بها هذه الحملة تخليني فعلا أستغرب من عمان!
جهة عسكرية، إعلامها خارج الصندوق، ذكي، مع إنه المنطق يقول لك جهة عسكرية تكون متزمة وخطابها الإعلامي بيكون جامد! بس اللي صاير هو العكس.
وكم جهة مدنية، يشوب خطابها التكلس، والعمومية، والشعارات الفضفاضة ولا ننسى أيضا أحيانا تلك السحنة الكريهة جدا التي يلوكها البعض عن المجتمع وكأنه جاهل وأعمى ويحتاج إلى التوعية دائما!
باغي تكون براغماتي، استفيد من موظفك، استفيد من نشاطه، واكسبه لصفك، ماذا عساك أن تستفيد عندما تصير عنتر زمانك البطل الوحش العملاق الأوكّيه، الخشن، الشديد، القوي، هارون الرشيد، أتاتورك، شاروخان الرقابة؟
ما أعرف كيف يفكر البعض، بس متأكد إنه مطلقا ما قادر يستوعب إنه للفرد منصة، وهذه المنصات في العصر الحديث أقرب للإنسان وأقرب للنفس من هذه المؤسسات التي تعاني بشدة من مبادئ رقابية متكلسة، وقديمة، وكلها تلف وتدور حول سلطة الرقيب الذي بدلا من أن يتجه إلى التساؤل حول فشله في الوصول العالمي، أو الوصول للناس يتجه إلى تعطيل الفلان والعلان من الناس فقط لأنه مبدأ صناعة العبر متبع وممارس بوفرة في المحيط المحلي!
كل مؤسسة ستحتاج بعد وقت إلى تكوين قوتها الناعمة للوصول للمجتمع، ولبث رسائلها فيه، وستحتاج إلى أن تقترب أكثر من المشهد الإعلامي العالمي الحديث، وستحتاج إلى تطوير وسائلها، والذي يظن أنَّ تعطيل وتحطيم الأفراد هو طريقة للنفع العام، وأن صناعة الترهيب، والعبرة ينفع في أي شيء، حكم الزمان من قبل، وسيحكم الزمان مجددا أن هذا التصرف يضر أي مؤسسة، وأي مجتمع، ويؤذي الخطاب الإعلامي ككل ويحوله إلى مضمون هزيل، وشكل براق يردد فيه الكلام الفضفاض عن النوعية المزيفة، والعالم كله يتجاوز هذه المؤسسات التي تؤمن بهذه الرسائل الرجعية الضحلة وتتجه كل يوم إلى لغة المجتمعات، واللغة اليومية التي يصنع فيها الناس الحدث، ويصنع فيها الناس الخبر، ومع الوقت يصنعون الزخم الذي يؤدي إلى التبصير، فالتعبير، فالتفكير، فالتغيير.
هنيئا لكل رقيب [ماشي نكس] الله يوفقك يا وحش يا بطل يا عملاق يا عنتر بن شداد، عسى الناس كلها تخاف منك وتحسب حساب عشان لما تزعل وتمارس تحيزاتك ستكتشف لاحقا إنه أي شخص تلقائيا سوف يوقف مشروعه الإعلامي ويبقى يلف ويدور في دائرة المشروع الشخصي، ووقتها عاد تباهَ بإنجازات مبالغ فيها وأنت لا قادر تسوي خطاب اجتماعي يصل للناس، ولا خليت اللي يجتهد ويحاول يشتغل براحته لأنك سيكلوب عملاق ترى الأشياء بعين واحدة!
عموما، سيثبت الزمان مع الوقت أي المدارس الرقابية تنفع بلادا ومجتمعا ومؤسسات وأي مدرسة ستضرها، كل الذي يحدث هو صراع أجيال، ومعضلة تسليم الراية التي يتمسك بها البعض بكل طاقته وكأنه سيعيش زمانه وزمان غيره!