بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 16 أغسطس 2024

البكاء على النص المفقود!

 

 

 

زمنٌ طويلٌ مرَّ منذ أن فتحت هذه الورقة البيضاء، صفحة المايكروسفت وورد أعني! انفرطت عقود الأيام والسنوات وأنا غارقٌ في ذلك الاضطرار الرقمي، هذا الذي اسمه تويتر! أتلقى عقوبتي القدرية بكل تجلياتها المتناقضة. راهب عزلة يحب الكتابة يجد نفسه في مهنةٍ رقمية، يلاحق المشاهدات، والزيارات، ويصنع المحتوى الترفيهي! طالب علمُ نفس يتجنب صناعة المحتوى الدوبامينية ويحاول إسباغ صفةٍ فنيةٍ على مهنته، يحاول ولا ينجح لأن الجمهور لديه مزاج يختلف عن مزاجه السوداوي الكئيب. مُعلنٌ في [السوشال ميديا] يرفض كل الرفض أن يلجأ إلى حلول الغش الرقمي، وزيادة عدد المتابعين وهميا، ويرفض كل الرفض أن [ينفضَ] زيارات الفيديو الذي يصممه بالقليل من الريالات ليصل إلى ملايين الزيارات الوهمية. كاتبٌ يفعل كل ما بوسعه لصناعة المعايير التي تجعل مهنته جحيماً، ومغردٌ مفرط في الكتابة يصرُّ على الانصياع إلى المشيئة [الإيلون ماسكيَّة] ربما لأنه ترك قاعدة البيانات اللغوية التي كان يكتبُ فيها في ملف الكتابة، ربما لأن عدد الكلمات التي تكتسب خطا أحمر اللون أسفل منها في برنامج معالجة النصوص قد زاد، ربما لأنه قد سئم الضغط على زر الفأرة الأيمن وكتابة [Add to dictionary]. ربما لأنَّه تعوَّد أن يثق أكثر من اللازم بمتصفح الجوجل كروم، وبما يسَّره عيلون في تويتره الذي أصبح متغيرا يحمل صفة [X]. راهب كتابة وعزلة، تعوَّد أن يكتب وهو تحت تأثير لحظة الكتابة، وتنويمها المغناطيسي، يحرث في البحر، يخرجُ أحيانا بفتوح جميلة، يكتشف علاجه الذاتي في سطورٍ تغير من مساره في الحياة. وماذا تشاء الحياة؟ تشاء أن يخسر نصاً لا يعني له الكثير فحسب، ولكنه أيضا يعني لمسار شفائه الكثير، يخسره، ويضيع فيعود منتقما من ذلك الواقع الاحتمالي إلى هذه الورقة البيضاء التي يندفع فيها الكلام، فلا الأنامل تعيق سرعة الأفكار، ولا المخاوف تتحقق ليحدث ذلك الضياع المُر والمؤلم! لقد خسرت نصا ثمينا، نصا تمنيت أن أقرأه على الأقل لمرة واحدة! خسرته والسلام، وضاع من حسابات اللغة والكلمات، وليس بيدي الآن سوى أن أبكي الحبر المسكوب، وأحاول أن أستعيد من الذاكرة لحظة تحدث لمرة واحدة، ولا تتكرر دهشتها مرتين! سحقاً لهذا العدم الرقمي الذي استلب قطعةً من حياتي، ولحظةً من ذاكرتي! لحظة من أخطائي، لحظة لن تعود! ولحظة لن أكتبها الآن! سحقاً، سحقا، سحقا!