بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 18 أغسطس 2024

ما يكتبه واحد مستحرق لا أكثر

 لما ينظِّر مترف على موضوع مهنة ما في المجتمع، ويفتح لك باب للمساءلات عن تلك المهنة، كلامه صحيح، أن تلك المهنة مأساة، ومن يعمل بها سيعيش الأمرين!

لكن ماذا عن تلك الحقيقة الضمنية! وكأن استغلال العمَّال هي حقيقة الكل متفق عليها، وكأن الأولوية هي حماية [العُماني] من المهنة العُمالية، بينما الأولوية الأولى وهي حماية العمَّال، أي عامل في أي مهنة من الاستغلال وبخسهم أجورهم هي الأولوية لحماية الاقتصاد! أعرف أنني أنفخ في قربة مقطوعة، ولكن أن يعمل اثنان العمل نفسه وهذا يستلم نصف راتب ذلك، هذه وصفة تحطم أي اقتصاد وتحطم ثقافة العمل، وتصنع الترف، والاستغلال، وبكل بساطة، هي سبب مشكلات كثيرة في واقعنا المحلي لكننا نتعالى أن نعترف بهذه المشكلة! والعُماني ما مال شغل! يا إلهي، حرقتي لن تتوقف أبدا، لأن هذا الموضوع ثقافي، جزء من مشكلاتنا النقدية، جزء من المسكوت عنه، الذي صنع من وظيفة [سائق تنكر] حياةً ونجاحا، وصنع قائمة هائلة من الزبائن، والمصداقية، والجذب، وفي النهاية أصبح يعمل في سيارته الخاصة، ولاحقا في أسطول من السيارات التي يملكها، قبل أن يعمل في الحافلات. لكننا ماذا نقول عنه الآن، نقول عنه: "رجل أعمال" .. نقول عنه "صاحب تجارة" لكننى ننسى أنه كان عاملا، ثمة شيء مخجل في أن تكون عاملا! نماذج النجاح تهطل علينا من كل حدب وصوب، لكننا مترفون حتى النخاع، مترفون في تحيزاتنا. وتعرفوا موه الغم! الغم أنَّ قرارا مهنيا غبياً أن تغادر ولايتك، وترتحل يوميا مائة كيلومتر وتدفع نصف راتبك من أجل مهنة يوجد لها شبيه قريب من ولايتك هو قرار مبرر اجتماعيا! لماذا؟ لأنك تمتثل اجتماعيا! تمتثل للحد الذي تقبل به دخلا أقل، وما أسوأ لو كنت أنت نفسك تقيم الناس بما يملكون من مال! هذا يكسب ألف ريال، لكنه بالنسبة لك [عامل ماهر، مهنة بسيطة، شغلة بسيطة] وأنت تلف وتدور في هذه الحياة بربع دخله! مع ذلك تتعالى عليه! ما أقبح الترف، وما أقبح المترفين! بصدق، ما أعرف ليش شيء قناعة عامَّة إنه العامل مسموح استغلاله، لأنه وافد صح! طيب، من يدفع ثمن هذا الترف؟ يدفع ثمنه الاقتصاد، والقطاع القاص، ودفاعه المستميت عن [المأذونيات] الثمينة! وعلى الجانب الآخر، يشق الصخر، وهذه الصعوبات، وهذه المعايير، وهذا الترف، ولسان حاله جيلٌ حقيقي، يؤمن بالكفاح والكدح، جيل صنع نجاحاتٍ تتجاوز كلام المترفين، جيل تجاوز هذا الاستحقاق المجاني الذي يلوكه الجيل الذي حصل على كل الفرص، والذي كانت الوظائف تركض إليه، والذي مرَّت عليه أزمنة النمو العماني وهو يعبد فكرة الوظيفة ذات الراتب الثابت، الجيل الذي مرَّت عليه كل الطفرات، بما في ذلك جيلنا الذي فوَّت شراء [بت كوين] في زمانها! الذي فوَّت شراء أرض عندما كانت تباع وصلا أحيانا تصل قيمته إلى مائتي ريال! هذا الجيل، الذي قبلنا، وجيلنا يرفع عقيرته لكي يحدد لهذا الجيل الذي ينحت في صخر ماهية المقبول وغير المقبول! ألا فليخجل كل مترف أن يحدد لكل هؤلاء المتعبين ما هو الشقاء الذي يستحق أن يتخذ، تواضع قليلا، وانظر لقصص التعب والنجاح، وانظر للواقع الجديد، وانظر لكل الذي ينحتون في الصخر ويصنعون رزقا في واقع أصبحت الفرص فيها تحتاج إلى تعب حقيقي للحصول عليها، وإلى تعب مضاعف للحصول عليها! من السهل جدا أن ترفع عقيرتك لكي تقول، لا تعمل في مهنة بسيطة، لا تعمل حلاقا، لا تعمل جزارا، لا تعمل ميكانيكا، ارفع عقيرتك كما تشاء، هذا لا يدل على شيء أكثر من انفصالك عن مجتمعك، وواقعه، وغرقك في ما آلت إليه حياتك، و حياة جيلك من فرص سهلة، أما الأجيال التي أتت بعدك فهي لا تفكر بطريقتك، ولا تنال فرصك، ولا تهتم لأمرك ولا لرأيك، جيل يعرف مشاكله، ويعرف من به من حمقى مسكونين بالاستحقاق الذي ورثوه من جيلنا وجيل الذين سبقونا، ويعرفون ما به من جلد، وصبر، وطاقة للنجاح، ورغبة في التحقق! شتان بين جيل وجيل، الجيل الذي يصنع نجاحه التجاري بقرض من البنك، في وظيفة مضمونة، وهذا الجيل، الذي من قصص نجاحه بدأت بشابٍ ملطخ بالزيوت في المعبيلة الصناعية، ينافس لوبيا متحكما بالسوق، وثقافته، ليصبح اليوم رائد أعمال يصنع الوظائف لأبناء وطنه، ويساهم في نمو السوق! إن شعرتَ أنَّك تريد إطلاق الأحكام على حلَّاق، أو جزّار، أو ميكانيكي، خذ نفسا عميقا، وتذكر أنها يد يحبها الله ورسوله، أنت، ولسانك، وترفك، وكلامك الفاضي، وغبائك الشديد الذي أنساك أن الأولوية هي حماية العمال من الاستغلال، لا تحديد الموقع الذي يجوز فيه الاستغلال، والذي لا يجوز فيه! شيء لا يرضاه الله، ولا المنطق، ولا القانون، ولا العدالة الفلسفية، لكنك ترضاه وترتضيه لعباد الله لأنك أحمق ترسخ الامتثال الاجتماعي لقبول الظلم، واعتباره جزءا من الحياة! قانون الاقتصاد بسيط جدا، الذي يعمل يجد، والذي لا يعمل لا يجد، لكنك ما دمت تتقبل حقيقة أن هناك من يعمل ولا يجد! النتيجة ستتفاقم، وتتفاقم، ووقتها نظّر أيها المترف في الذي يستحق أن يستغل والذي لا يستحق أن يستغل لماذا؟ لأنَّ "نظرة المجتمع" تكفي لديك للتنظير لواقع استغلالي لديه معايير حمقاء، لحسن الحظ، معايير يعلم الذين يعيشون وطأة الواقع الجديد أنَّها ستقود إلى الفشل والعسرة! فلا نامت أعين المترفين!

صدق ما أفهم بعض المترفين هين عايش! أبدا أبدا ما قادر أفهم! هل هو عايش في حقبة ماضية، وما قادر يتجاوزها! ولا عايش في منطقة نائية ما قادر يندمج مع الناس ولا يعرف ظروفهم! ولا عايش في حالة إنكار لدرجة إنه الأحكام اللي يطلقها تشمل، وتشكل ضغطا حتى على أقرب الناس له! الموضوع ثقافي، لكنه من شدة تاثيره وقوته يتدخل في قرارات مصيرية اجتماعية هائلة! دغدغة الاستحقاق الاجتماعي الشكلي خيانة نقدية جسيمة. ولو كانت هناك قضية تستحق أن تمنح أولوية لكانت حقوق العامل، لكن للأسف الشديد نحن نستيقظ أن لأي مهنة حقوقا فقط بعد أن تطالها يد التعمين! أما قبل التعمين! كيف نفكر اجتماعيا! خلّوه، تراه وافد! منطق اجتماعي سقيم، وما غريب على جيلنا أو الجيل اللي قبلنا، لأنه عايش في برج عاجي، حد على باله إنه عدد سكان عمان لن يزيد، وحد على باله إنه كل المجتمع لازم يكون دكاترة ومهندسين، وحد على باله إنه كل المجتمع لازم يتوظف في الحكومة! وكل ما تجي لجيل تحصل فيه مشاكله، بس الذي يغير المعادلة هو ما يفعله هذا الجيل الجديد الذي لم يكن أمامه سوى أحد الأمرين: 1- يتلقى الاستحقاق من الأجيال التي قبله، يتحدث مثلها، يطلق الأحكام مثله، وينتظر العربة، ويتمنى أن يجود عليه الزمان بالفرص التي جاد بها للأجيال التي قبله. 2- ينحت في الصخر، ويفعل كل ما بوسعه ليحقق مستقبلا لنفسه، الذي يدرس بدراسته، والذي يكتسب مهارةً بإتقانه، والذي يفتح عملا باجتهاده. عموماً، عاد لنا نلوج الموضوع من عام 2007 .. اللي أقدر أقوله إنه الجيل الجديد صار عارف إنه كل هذاك اللوعان المترف الذي يلوكه البعض ليس أكثر من انفصال عن الواقع! على الأقل هذا الجيل عارف ورطته في الحياة، وجالس يتعامل معها بواقعية، أما جماعة الترف الرومانسي! تعالي، وإطلاق أحكام، وانفصال عن الواقع، ومجرد طرح يخفي حقيقة بشعة: إنه الاستغلال الانتقائي شيء نقبل به! يا رجل! أنا أصلا حالموه أستفز نفسي مرة أخرى! الذي يواجه معضلات مصيره سينحت الصخر من أجلها، أما المترف، أنا غلطان أصلا لما أخلي نفسي عرضة للتعرض لمجادلته، لأنها مقرفة، وضحلة، وجاهلة بمعنى الكلمة! والأكثر قرفاً لما واحد يقيم الناس بالمال، وما يملكون من مال، ويقول لك "فلان مسكين صياد!" يا رجل، أنت المسكين، وذلك الصياد لديه منزل بلا قروض، ودخل حقيقي، ويد يحبها الله ورسوله، خليك أنت في الإنصات لمثاليات المترفين، ورومانسية المنفصلين عن الواقع، خلقك الله في جيل به شتى الأزمات، لكنك مصر تستوي أحمق كما جيلنا وتلوك أبجديات الترف! عموما أنا حالموه أضايق بنفسي! خلاص هذا الموضوع أنا يائس منه مسبقا من زمان، حالموه أرجع وأشقي نفسه به مجددا!

أقول شيء، من قلب شخص مستحرق بمعنى الكلمة على معضلة ثقافية عُمانية؟ صرخة "العماني ما مال شغل" التي طافت أرجاء عُمان حتى صرت أُعرَّف بها وكأنني لم أقل غيرها! هذه الصرخة كان وراها اللي وراها، من حكايات، ومشاهدات، وراها اللي وراها من غيظ شديد على تناقضات فكرية ما فاهم أبدا ليش ما تكون الشغل الشاغل للكثير من جماعة الثقافة اللي كل همهم التنظير في الاستراتوسفير العاجي! لو كان شيء حاجة تعلمتها من هذا الوضع الزفت اللي اسمه [عالم المشاهير] بما فيه من استحقاق، وبعد عن الواقع، وخيانات نقدية لا أوَّل ولا آخر لها، سواء كانت تلك الاضطرارية التي يدفع بها المرء الشر عن نفسه، أو تلك الاختيارية التي يريد أن ينصب فيها الشخص نفسه في موقع بعيد عن المجتمع والناس! فهو أنَّ الذي يريد النجاح في عُمان فعليه أن يبني صلابة نفسية صارمة وشرسة تجاه ما يسمى [كلام الناس/ رأي الناس] ولا أقصد بالطريقة النرجسية المتعالية اللي تشوف الناس [جعد وما تفهم] بل بالطريقة الصلبة، التي تجعل الإنسان ينظر لهدفه ولا يحيد عنه! الترف مقرف، والاستحقاق مقرف، والظلم مقرف، وهو شيء نلوكه وكأنه شيء طبيعي! العنصرية مقرفة، المذهبية مقرفة، الاستعلاء السلطوي مقرف، والثورية العوجاء مقرفة، كل فردانية تتقاطع مع النرجسية مقرف، أشياء كثيرة مقرفة. بس أقول لكم شيء، وما أكلم جيلي، أكلم هذا الجيل البائس اللي جاي تو وعاد من ينصحه! عاد جيلنا! عاد جيلنا من بين كل الأجيال هو اللي ينصح هذا الجيل اللي ينحت في صخر! عاد حنوه ننصح هذا الجيل! والله اللي فعلا فيه خير حال عمان، ويحب عمان حقا، يخلي هذا الجيل يصنع مصيره بعيدا عن كل تراكمات الترف والاستحقاق التي عمّقت أزماتنا الثقافية والمعرفية! وما أسهل أن يساء فهمك، هل تتوقع إن جاي أقول حال حد: لا تخجل أن تعمل أي شيء، لا تخجل أن تعمل عامل نظافة، لا تخجل أن تعمل في أي مهنة بسيطة! ما جاي أتكلم بهذا المنطق، ولا جاي أتكلم بالمنطق الآخر المترف، إنه لا تسكت، وإنه تراه [حقَّك] إنه الدنيا تفرش لك الأرض ورد، لا أتكلم عن هذا المنطق ولا أتكلم عن هذا المنطق، أتكلم عن منطق آخر. إنه واجبك تكون صلب نفسيا، واجبك تجاه نفسك، لو كنت طبيب امتياز شاب تلطمك عمان بلطمة على وجهك إنك جالس تنادي بالتوظيف، وتنذل ذل الدنيا وأنت تتمرن في عيادة، تستغلك ليش؟ لأنه النظام مبني على استغلال الوافدين وأنت جالس تأخذ نصيبك من الظلم العُماني، الظلم المترف اللي خلاك تشوف الحياة غير عن كلام المترفين أمثالي، مترفي جيلنا اللي يحاضرولك في الاستحقاق، وما يجب أن تكون عليه كعماني وأنت [ماكل تبن] في الظروف اللي تشوفها في الواقع، والتناقض بين كلامنا وما تراه من واقع! واجبك تكون صلب نفسيا، وواجبك تقاتل عشان أحلامك، وإنه تتقبل إنه المعركة أكثر صعوبة، سواء كنت طبيب، أو كنت مهندس وجد نفسه مهندس بمرتبة [عامل ماهر] وكل يوم الحياة تلطمك، وتشوف كلامنا الجاهز عن [الشهادات] وتشوف الواقع، وتعرف إنك تواجه حياة لازم تكون فيها جلد وقوي، واجبك تكون صلب، لو كنت ممرض ما محصل وظيفة غير في عيادة خاصة، أو كنت شخص بالثانوية العامَّة وداير راسك ما عارف هين تشتغل، أو كنت شخص بلا قدرة على التعلم النمطي وتلقى نفسك في مزرعة. قصص النجاح تحدث لكل شخص يفتح أبواب المنطق الواقعي، المزارع اللي بدأ [يهيس] ويبيع سح في السوق انتهى به المطاف مستثمر ومعه صوبات زراعية وفر قيمتها ريال فوق ريال، البنت اللي كانت تستأجر سائقة تاكسي عشان توصلها للبيوت صار معها صالون، وصارت اليوم تسمى [سيدة أعمال]، ثمة نجاة من عنق الزجاجة واللي لازم تتعلمه ما إنك تسمع التنظيم، اللي لازم تتعلمه إنك لازم تتجاهل التنظير المنفصل عن الواقع، وتصنع واقعك بكل صلابة نفسية وتقاوم نزعتك في الاستحقاق، وتقاتل من أجل حلمك، ومن أجل نجاحك. الصياد اللي يعيش وضع مالي وراحة مالية أفضل من المتنطع اللي ما قادر يسوي شيء بذلك الذي يسمى [الراتب الثابت]، التاجر الأمين الذي صنع لنفسه سمعة هو اللي مفروض يلهمك، الهوم اللي يبيع جح وصنع لنفسه اسم في عمان كلها هو اللي مفروض يلهمك، اللي بدأ يبيع سيارات أكورد شبه مكنسلة ويجيب سيارات من أمريكا وصار معه معرض سيارات هو اللي مفروض يلهمك، اللي عاش هذا الواقع، وجربه، وصنع فيه قصة نجاح هو اللي مفروض يلهمك! عشان تعيش هذي الحياة ما صار ممكن تكمل حياتك بدون بناء وعي نقدي، لازم تكون رؤيتك النقدية، لازم تهتم بثقافة الحياة، ولازم تقرأ عن واقع المجتمعات، ولو كنت من هذا الجيل، تعرف إني ما محتاج أوصيك، وتعرف إنك تفعل هذا الشيء لأنه الحياة فرضت عليك، وتعرف إنه شيء من أبناء جيلك بغمان، وجالسين يتوارثوا مشاكل أجيالنا اللي يا ليتها فلحت في صناعة حلول! أجيالنا ماذا فعلت! آمنت بعدم المساواة، آمنت بالاستحقاق المجاني، آمنت باستغلال العمال، آمنت بنظام الكفالة، آمنت بإنه عمان للأبد بتكون فاضية، وعدد سكانها قليل، أجيالنا! تستخدم كلمة [استغلال الفرص] ما كلمة [استثمار الفرص] .. مشكلتنا ثقافية، في المقام الأول، والمسكوت عنه في عمان واجد، مترامي الأطراف، وأصلا من هذا البغام اللي يتصدى لهذا المسكوت عنه! بس فالحين نلف وندور حول المسكوت عنه سياسيا، أما المسكوت عنه اجتماعيا، فهو هائل، مترامي، ما فيه هذيك [النشعة] مال البطولة المتعارف عليها في الفلسفة العربية! مشكلتنا الأولى ثقافية، وتحتاج لحلول ثقافية، وتحتاج لشخص مؤمن بسالفة المثقف [درجة ثانية] لأنه المثقف درجة أولى جالس ينظر لك عن الحقيقي وغير الحقيقي عالميا، جالس يتتبع ويتقصى جدالات اليسار النيوليبرالي شبه الشيوعي، واليمين المحافظ شبه الشوفيني، أما لو أنت مثقف درجة ثانية خليك في مشاكل مجتمعك، ومشاكل عمان، والخطاب فيها، لأنك مثقف أدنى مكانة من كل عظماء التنظير الكبير عن الكوكب وما به، وعن الخطابات العالمية، وعن كبار العلماء في العالم، هؤلاء الذين قد لا يعلمون من الأساس ما هي عُمان! لو كنت شخص تعيش في هذا الجيل، يحتاج لك كبد، عشان تكون وعي متصل بالواقع، ومن أصلا مهتم بفرش طريق الوعي لك؟ الإعلام؟ اللي كل همه الزخرف والتضحيل والعموميات؟ ولا الثقافة والمثقف المهتم بشؤون مجتمعه مسماي [مثقف طرف ثالث] أو صفة مثل [مثقف شعبي] وغيرها من الصفات التي يطلقها مثقف عالمجي، كوني، بائس، منفصل عن الواقع، يريد أن يحرق المراحل والمسافة من ابن لمجتمعه إلى ابن للمجتمع الإنساني الكبير طبعا، شخص يكمل حركة التاريخ لكنه ما فيه بارض يسمع شوية لأبناء الأرض التي ولد فيها وينطق بهويتها! يا شيخ! تضربك ضيقة والله من كل هذا الوضع، حتى لو بغيت تكتب عن واقع الحال تحس إنك جالس تنفخ في قربة مقطوعة، تحس إنك لازم تخوض ألف مجادلة عشان تقول أن الكتابة هنا مهمة، وإنه هذا هو المهم، المساءلة النقدية للواقع الاجتماعي، ولما أقول [مساءلة] أقصد مساءلة، ولا أقول [نقدية] أعني نقدية، لكن هين تغيب بنفسك! حد متبني جلد المجتمع، واعتباره [مجموعة جعد] يجي هو وينورها، وحد متبني سالفة المجتمع على صواب وجالس يرسخ كل ضغوطات الامتثال والمعايير العوجاء الرومانسية وكأننا المدينة الفاضلة، وحد غارق في الدستوبيا وكأنه عمان خرابة ما منها أمل، وحد غرقان في التطبيل للحكومة وكأنه الحكومة ما تقدر تتجاوز نفسها ولا تقدر تتطور، وحد غرقان في إدانة الحكومة وكأنها هي التي سترفع أسعار النفط العالمية، وكل واحد مصر على مقاربة قاطعة، حادة، حاسمة! أما من هذا المجنون اللي فيه بارض يأخذ الواقع بتفصيلاته، ويحاول، ويجتهد، وينحت طريقة ما في فهم الواقع؟ النخب الأكاديمية غرقانه في الاستحقاق، باغية واقع محلي يناسب الجامعات اللي درست فيها في أوروبا، باغي بلاد جديدة، باغي بلاد [تسده] والنخب الإعلامية غارقة في فردانيتها من جانب، وعلاقتها السيئة مع الرقيب الإعلامي، والواقع الثقافي يا سلام عليه، توّه طالع من تاريخ من المواجهات مع السلطة والتعافي إن أخذ عشر سنوات وبدأ التأثير الثقافي في ضخ الروح النقدية وروح التساؤل وروح التغيير المسؤول فهذا معناه إنجاز هائل وشوط كبير في علاقة الثقافة بالواقع الاجتماعي. أقسم بالله تضربك ضيقة، ضيقة حقيقية، وما تعرف هين تغيب بعمرك، وما تضربك ضيقة لأنه الأحوال تسوء، الأحوال على صعيد التعبير عن الرأي تتحسن لكن تضربك ضيقة إنه المقاومة التي تلقاها جات من الأساس من ناس دفعوا ثمن تدهور حال التعبير، المقاومة التي يعيشها البعض وكأنه أريح له يكون في الوضع السابق اللي يكون فيه معفي من أن يكون له محاولة أو رأي! أنا أصلا حالموه أتعب نفسي! عاد لي من يوم عام 2006 وأنا على هذا الموّال العماني، والواقع المحلي العُماني، ما أحسن لي ألعب لعبة النخبة وأريح نفسي، وأنظر كلام كبير، وأتكلم عن [الحقيقي] وضمنيا أتهم المجتمع بالجهل وإنه يحتاج عقل مثقف كما عقلي كما هو الخطاب الضمني لعشرات المثقفين! وعلى الجانب الآخر تشوف هذا المجتمع، وصبره، وجلده، وتعايشه، وقوته، ويلهمك كل يوم فيه قصة حياة حقيقية، وتشوف الأمل، ما تشوفه في المنابر المزخرفة، ولا تشوفه في الخطابات المتشابهة، ولا تشوفه في الوجوديين، والعالمجية، ولا الكونيين، ولا حتى الدينيين، تشوفه في حقيقة هذا الذي يعيش ويصنع معادلة تأقلم، وتعايش، ونجاح رغم كل الخيبات التي تضخها النخب في مجتمع صغير السكان كبير بمعانيه وحضارته وتاريخه. لقد وقعت في غرام عُمان منذ زمن طويل، وما أعرف ليش أحب هذا البلاء، لا أنا لي سلطة أغير شيء، ولا أنا لي قدرة على الوصول إلى دقائق الحقائق، ولا أنا أصلا مقنع لحد، نصف الناس تشوفني مجنون، ونصف الناس تشوفني عاقل زيادة عن اللازم، وما حد فاهم وضعي في عُمان غير يمكن أربعة أشخاص اثنين منهم يحموني من الشر واثنين منهم يتمنون لي الشر، يعني لا أنا جزء من الحل ولا أنا جزء من المشكلة. المهم! ما أعرف أنا ليش طفشان من كل شيء، يمكن لأنه آلام الدسك جالسة تضرب عمودي الفقري كأنه سكاكين في ظهري، ويمكن لأنني ببساطة تعبت، لأني جالس أكتب عن قضايا صار لي أكتب فيهن 18 سنة متتالية، وأجد نفسي مضطر لمساءلة البديهي .. تعرفوا من هين يجي الأمل! يجي من كل هؤلاء الذين اتصلوا بالواقع حتى أصبح لا يمكنهم الانفصال عنها مهما بدا كل الزخرف، والصوابية المثالية مقنعةً .. ما دام هناك من يتصل بالواقع، شيء أمل! بس ياخي ضيقة، فعلا ضيقة، ضيقة، ضيقة، وهذي البلاد تحبها لكن تضربك ضيم محترم من كثر ما تشوف الحلول أمام عينك، بس الجميع مصر على إعادة ترسيخ كل المجادلات المترفة التي قادت لكل المشاكل! وبس!