بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 21 أغسطس 2024

لا شيء يختلف، لا شيء يتغير!

 جالس أشوف اللي جالس يستوي بين مشاهير عُمان، ويتناقل عقلي بين الفردانية اللي تخليني أعتبر كل سلوك طبيعي، وكل رأي تجاهه طبيعي، وبين الشعور الجمعي بإنه كل هذا اللي يصير سببه شيء واحد، المأسسة العوجاء التي يدفع بها البعض من أجل صناعة واقع رقابي يسيطر فيه على قرارات البشر الفردية. هذا المأزق الذي لا أحد يعلم كيف ستكون هذه المأسسة نهايةً له.


الرقيب الإعلامي كشف بوضوح عن وجهه الاستعلائي، والذي ينتقص من كل ما له علاقة بالإبداع العُماني، كشف وجهه منذ زمن بعيد ولم يبق سوى أن ينطلق ليبسط مدرسته بأسلوبه واستعلائه وإلغائيته. والذي سيحدث سيكون كارثة بكل المقاييس حتى يستيقظ الذين يدفعون بهذا المنهج الرقابي على مجموعة من الأزمات التي لم يكن هناك أي داعي لتحدث! ولكن تكلم من؟ لو كان الإعلام في عمان من الأساس بخير لما ظهرت ظاهرة المشاهير من الأساس، ولما وجدت أنَّ شخصا بلا تعريف يملأ الرأي العام بالطول والعرض!

غياب الدراما؟ أدى إلى وجود البديل التعويضي المرتجل بالاسكتشات التي رغم طاقتها الإنتاجية البسيطة تصل للناس بسهولة ويسر، ولكن ماذا عن الدراما التي يدفع فيها مئات الألوف؟ مجرد حكاية شاحبة يحاول بعض المجتهدين فيها صناعة مساحة انتباه لها. ولكن ما الحقيقة؟ هل من دراما اقتحمت الحدود ووصلت للساحة العربية؟ ستجد نجوما عمانيين، ولكن لن تجد دراما صنعت هذه النجومية، ستجد [سد فراغات] وتسكيتات وأعذاراً وموارد مهدرة بسبب مدرسة ذهنية استعلائية وإلغائية لا تحترم ولا تعترف بالمبدعين من أبناء البلاد ودائما تقارنهم بالموجود في العالم!

الإعلام العُماني! ملتصق ويتغذى من سمعة عُمان السياسية الجيدة، عندما يتعلق الأمر بالشأن السياسية فالذي يصنع اسم عُمان هو منظومتها السياسية، وماذا يفعل الإعلام العُماني، ليته يجيد النطق من الأساس في الأوقات الصعبة، وإن نطقَ يأتي كعادته تعميميا، ضحلا، يتجنب التفاصيل، ويتجنب الخوض في أي شيء! وليت الإعلام العُماني المحلي عندما لا يتعلق الأمر بتحركات عُمان السياسية كدولة يطرح معدلات قبوله ومتابعته من قبل مركز دراسات منفصل ومحايد، ستظهر الحقائق عن الإعلام العماني ووصوله للناس بعدها!

المسرح وغيابه صنع حالة من فقدان النوعية في المنتج الإبداعي العُماني، ومن الأساس لا يمكن لحركة ثقافية أن تزدهر وتنشأ بدون إعلام حقيقي [يحترم] أبناء البلاد، ويحترم عقولهم، أما رقيب إعلامي فؤاده معلَّق بالمقارنات مع العالم ولا يستطيع أن يقارن بين إعلامه والعالم فنحن نتكلم عن فصام عجيب لا عجب أن يكون مشحونا بالعدوانية والإلغاء! هذه الحقيقة التي لا يود كثيرون قولها بالفم المليان، أنَّ عدو المبدع العُماني هو مبدع عُماني آخر، وأن عدو المثقف العُماني هو مثقف عُماني آخر، حقيقة مرة من حقائق عُمان، ولذلك لا بأس أن يصبح المثقف المشغول بالشؤون الكونية والكوكبية العظمى هو المثال على العُمق المُسطَّح، عميق في فلسفته، وبعيد كل البعد عن الواقع الاجتماعي!

المشاهير في عُمان يعوضون مكانا تركه أهله. يقدمون إعلاما لم تقم به المؤسسات، وثقافة لم يقم بها المثقفون، وفنا مسرحيا لم يقدمه المسرحيون مع أن حركة المسرح قد تكون من أجمل المنتجات الثقافية العُمانية، لكنها رغم كل شيء، شحيحة، وبسيطة ولا تغطي التعطش الهائل للمجتمع بمختلف أجياله للطرح العُماني.

أنا شخصيا أجهز نفسي للصدمة الكبرى، وأبني كل مسببات اليأس المريح، لست متفائلا بما سيحدث في الساحة الرقمية بعد أن ينال الرقيب الإعلامي أي سلطة عليها. مستعد تمام الاستعداد لإيقاف أي مشروع مهني لي وأعود فورا لاعتبارها منصات فردية! لا يوجد أي سيناريو في رأسي أن الرقيب الذي يمنع الكتاب ولا يرد على مؤلف الكتاب برد موضوعي واحد سيقدم أسبابا تفصيلية في عرقلته لاحقا لمنافسيه الكبار على الرأي العام العماني الذي يعجز دائما عن الوصول له بشكل مقنع!

لا أعرف لماذا لا يكتفي الرقيب الإعلامي بأن يكون منهجياً في شؤون الإعلام، وأنه يقدم "خدمة إعلام" ولماذا يجب أن يتدخل في كل شيء، في الثقافة، في الروح الوطنية، رقيب إعلام "بتاع كله" ينسى أن مهمته هي رصد التجاوزات في حدود القانون وليس أن يكون هو في حد ذاته سلطة ثقافية! لماذا لا يكتفي الرقيب الإعلامي بأداء مهمته فقط! هذه التي لا يفعلها!

والأمر لا يتعلق بحرية التعبير، لأنَّ الرقيب الإعلامي لو عاث فسادا في عالم المنصات الرقمية فردة الفعل ستكون واضحة وبسيطة، الجميع سيعود إلى مشروعه الفردي، وسيتمسك بالحقيقة التي نعيشها في عمان، أن السقف القانوني أعلى بكثير عن السقف الذي يختاره الرقيب الإعلامي للتعبير الثقافي والشعبي! ياخي هذا الرقيب من سلم منه ما أعرف! لا سلم منه خطاب رسمي، ولا سلم منه خطاب فردي، وتو عاد جاي يقحم على عالم المنصات الرقمية!

لست متفائلا أبدا، وأعمق في نفسي مشاعر نهاية الموسم المزهر للكتابة وللتعبير الفردي، مع أن القانون الذي رفع السقف سيبقى مكانه، لكن المدرسة التي تنزع قيمة الطرح العماني هي التي ستهجم على ما يتمأسس من مشاريع العالم الرقمي، لا نجاح للرقيب الإعلامي في صناعة أي نموذج وصل للناس باقتناع! حتى الدراما التي يدفع بها لم تخل من وصم المجتمع بالجهل وعدم الفهم، أو تلجأ إلى التبرير، أو تنشر وثائقيات عن السلاحف بينما الرأي العام يضطرم في قضايا أشد!

الظاهرة الرقمية العُمانية وسبب نشأتها هو المدرسة الرقابية في الإعلام العُماني، وظاهرة المشاهير وغيرها لو تركت وشأنها ستتحول مع الوقت إلى سوق تنافسي للمبدعين، في التصوير، وفي كتابة السيناريو، وبدلا من أن يمد الرقيب الإعلامي يده إلى هذه المنظومة، يمد أغلاله، وقيوده، وشخصنته، وإلغائيته! لعله في وهمه الكبير سيلفت انتباه الناس إلى منتجاته الإعلامية التي كم تمنينا أن تصل إلى خارج عمان وصولا حقيقيا! وكم نتمنى أن تدرس من قبل مراكز دراسات [حقيقية] لتفنيد هذا المنجز الذي يبالغ في وصف ضخامته!

الرقيب الإعلامي إن كان يطالب بإبداع [حقيقي] وفكر [حقيقي] وثقافة [حقيقية] عليه هو أولا أن يكون حقيقيا، وأن يتصل مع الإبداع [الحقيقي] والفكر [الحقيقي] والثقافة [الحقيقية] بدلا من أن يتعالى بقدرته على الرقابة، ويحاول جاهدا أن يبسط أذرعه الأخطبوطية على كل المبدعين الذين هربوا من طريقته الظالمة في التعامل مع المنتج الفكري المحلي الذي لا يرقى في رأيه حتى إلى صفة أن يكون [حقيقيا].

أشوف هذي المعمعة اللي صايرة بين مشاهير عُمان، وأتذكر واحد منهم من المفضلين جدا بالنسبة لي، المدرب أيمن. الإنسان الذي لم يختر درب الكراهية، ولا الفتن، ولا أي شيء. ليس جلادا من جلادي الفضيلة الذين يحشرون العالم بالنصح والصوابية بينما يمارسون الغش على البشر بحسابات مزودة بأرقام متابعين وهميين، وليس من الذين يشتغلون على الفتن والأزمات ويتغذون بالتنمر على فلان وفلانة، وليس من الذين يبحثون عن السقطات ويشمتون في من هب ودب!

عندما تمخض الرقيب الإعلامي ماذا نتج؟ ترخيص المنصات الإعلامية المثيرة للجدل! يا سلام عليه! ولنا أن نرى حتى هذه اللحظة أي مدرسة مارسها على هذه الصحف الصفراء المبنية على الاجتزاء المثير للجدل! هذا ما تمخض عنه الرقيب الإعلامي!


أنا بكل صدق لم أعد أعبأ بأي شيء يحدث، وحتى هذا الرزق الذي أنحت الأرض نحتا من أجله لم أعد أعبأ به، ولا أعرف كيف سأتصرف بعد أن يقع الفأس في الرأس، وقد لا يقع، وقد يقع أشد وطأة مما أتوقع، لم أعد أعبأ ولم أعد أهتم، الذي أعرفه أنني سأعود إلى حالتي الفردية وسأكتب كأن شيئا كم لم يكن.

من المخادع جدا والمراوغ جدا أن يأتي من سبب هذه الظاهرة الرقمية، ومن تقصيره الواضح كان سبباً في ظهورها كمنابر تعويضية مرتجلة فيزعم أنه جاء لحل المشكلة التي سببها! الذي سيحدث سيكون سيئا للغاية، وأسأل الله أن يكون توقعي في غير محله!

على أية حال! لم يعد هناك ما يقال عن هذا الموضوع، الذي سيعاني من هذا الأمر هم من الأساس الذين يعملون بشكل منضبط، أما الذين يثيرون الفوضى، فهم من الأساس لا نية لهم للتحول إلى مؤسسات منضبطة! يعني أهلا وسهلا بالرقيب الإعلامي الذي يريد السيطرة على منافسه الأكبر! الفرد النشط رقميا! ليته ركَّز على منتجه الإعلامي، وقدم إعلاما [حقيقيا] كان كل هذا لن يحدث ولكن على من تقرأ زبورك على داوود!

العُصابية الرقابية جزء من تدافعات عُمان الرئيسية. فريق يؤمن بالتعبير، ويدعو لاحتمال إخفاقاته التي يمكن احتمالها، ولا سيما تلك الإخفاقات التي لا تخالف القانوني، وفريق يؤمن بالتمكين المبالغ فيه للرقيب للحد الذي يجعله سلطة على الثقافة، والإبداع، وكل ما هبَّ ودبَّ في سماء الأخبار والرأي العام!

من الذي يتكون له الغلبة! يعلم الله ذلك!
حفظ الله عُمان من شر كل إلغائي عنجهي لا يرى أبعد من أرنبة استحقاقه الأعمى!