بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 24 أبريل 2024

جمر في طيات الخفاء

 هي دائرة تعزز نفسها تلقائيا، تلك التي بين إنسان أنت تريد مساعدته وهو يريد لك الأذى، يؤذيه أن تكون صاحبَ فضلٍ عليه، فيتراكم تجاهك أكثر وأكثر، ويحاول أن يؤذيك.

ودع نفسك أيضا في الموقف نفسه، إنسان تريد له الأذى، يتلطف بك، يحاول مساعدتك، يُشعرك بالضيق تجاه نفسك، ويضيف إلى تلك المشاعر السيئة التي تشعر بها تجاهه مشاعر أخرى إضافية. هذه المناطق غير المُعرَّفة من الكراهية، والغل، أو الحسد، أو الحقد هي أعقد ما يواجهه الإنسان، لأنك تتعامل مع إنسان مغلق، لا يضع على الطاولة حقيقة مشاعره، وبالتالي لا يناقش أفعاله بناءً على مشاعره الحقيقية. نفترض أنك الطرف رقم واحد، الذي يريد مساعدة أحدهم من شخص تلقى الأذى منه. ما هو موقفك؟ تبقى حائرا، لأن أمامك تصرفات غامضة، شخص يرفض حتى أن تكون لطيفا معه، وتظن أنك بلطفك معه تخفف مشاعره تجاهك، بينما في الحقيقة أنت تدفع بتلك الكراهية للالتهاب الشديد، وسينالك الأذى في التدفقات التي ستأتي لاحقا، والاندفاع الذي ستصنعه الظروف، وهي الكراهية، والندم، والحقد، والحسد، والغل، وأشياء اخرى اعتملت في الفؤاد وتحولت لاحقا إلى مآسٍ لا ينساها المرء في حياته. والجانب الآخر، الذي يعاني من مشاعرٍ غير منطقية تدفعه لإيذاء شخص آخر، بشكل هوسي، أو قهري، يكتم في قلبه آلاف التبريرات، ويعقلن بشتى الطرق والوسائل الداخلية استحقاقه لهذه الكراهية. يقسم وجوده صراعان، الأوَّل ذلك النابع من النفس الخيِّرة، والندم على ما فات، والثاني ذلك النابع من النفس الأمَّارة بالانتقام والغضب، جمرٌ يُنفخُ بالإقناع الداخلي. وكل هذا خافٍ، غامض، يحدث داخليا فقط، لا يُعترف به. وتحدث المعضلة، تُمد يد العون والمساعدة، وتجهل تلك اليد ما يعتمل في فؤاد الشخص الآخر، فيختلط كل شيء، السخط، والحقد، الحسد، الحقد، الاستحقاق، والنسمات التي تنفخ في الجمر، ويشتعل كل شيء بالكراهية. الحب والعطاء لا يكفيان، لا بد من فهم وتجربة. فكرة أن كل شيء يعالج بالصبر، والحب، والتغاضي فكرة لا تتحقق مع ملابسات كثيرة، وحالات بعض تناقضاتها حتمي. مثل هذا المثال، يحتاج إلى عقلٍ محض، الحب بما به من قيم العطاء والتضحية والصبر والتغاضي سيؤدي إلى ما هو أسوأ، مثل هذا المثال يحتاج إلى خطاب عقلاني، منطقي، ومساحات واضحة، مثل هذا المثال الأمل يضره ويؤذيه، والمنطق والوقت يصنعان نتيجة أفضل من تلك التي يصنعها الاندفع العاطفي المليء بالاحتواء والتغاضي. لو شعرت يوما ما بأنَّك تعيش هذه المشاعر، فلا ترهق من حولك بطلب العون إن لم تكن قادرا وعلى نية أن تضع تلك المشاعر الغامضة على الطاولة وتتكلم عنها وتجد لها الحلول، ولو شعرت يوما ما بأنَّك الشخص الذي يتعامل مع حالةٍ غامضةٍ من الحقد تجاهك، حالة تعلم جيدا أنَّها غير مستحقة منطقيا، فلا ترهق نفسك بأن تكل الأمر للقلوب والتغاضي الملائكي، هُنا يعمل المنطق والوقت، وعملهما يؤدي نتيجة حسنة تفوق تبعات المحبة بكل تضحياتها التي تنعكس إن جاوزت المدى الممكن من الاحتمال.

الأحد، 21 أبريل 2024

 المعضلة الحقيقية في الاكتئاب، هي تلك الأفكار التي تخرب طمأنينتك في هذه الحياة. تلك العدمية "الصواب" والتي هي في الوقت نفسه خطأ.

نعم، كلنا نعيش وسنموت، هذه حقيقة حتمية، صواب عدمي، لكن هذا لا يعني أن هذه الحقيقة مهمة في الحياة، الآمال ضرورية لجعل الحياة ذات معنى، والطموح والسعي للنجاح وللكسب كلها مشاعر ضرورية. ماذا يقول لك الاكتئاب؟ يقول لك كلام غريب، عدمي، يقنعك إنك إما ما تستحق، أو إنه الحياة ما تستحق هذا التعب، ويدخل بشكل سام في أفكارك، ويشتتك، ويجعل كل شيء يتعفن ويذوي. تطول فترة الاكتئاب، تطول فترة هذا التفكير، وتأخذ سنوات للتصدي إلى سلوكيات كثيرة نشأت وتكونت داخل الذهن المكتئب حتى كادت أن تكون طبيعة ثانية. معضلة الاكتئاب أنه ليس شعورا بالحزن في حد ذاته، إنه مادة كاوية، حمض يأكل تلك الزهور الفكرية الجميلة المتعلقة بالأمل والطموح في الحياة. أوسخ ما في الاكتئاب هو التفكير المستمر بالموت، والشلل التام أمام التزامات الحياة، وطبعا لو ضفنا عامل السهر، وقلة العلاقات الاجتماعية، والعزلة، حصل الاكتئاب على كل الحوافز التي تجعله يتحول إلى حقائق متتالية، مليئة بالبوار، وفقدان للشعور بجماليات كثيرة في هذه الحياة! نعم، قد يكون الاكتئاب "فترة وتعدي" .. لكن قبل لا تعدي هذي الفترة عليك الانتباه التام إلى ما أخذته من أفكار من تلك الفترة، بعد كل حالة اكتئاب يجب أن تقوم بحالة تطهير تام لكل تلك المخلفات الدبقة، واللزجة، والكاوية، وبقايا الاحتراق والرماد. خسرت أسبوعين أو ثلاثة من حياتك، وربما أكثر، إنقاذ تفكيرك من الاكتئاب أهم بكثير من إنقاذ التزاماتك في الحياة التي قد تكون أخللت ببعضها!


كل يوم تتجلى لي القيمة المُضافة للكتابة في تويتر، غير تلك القيمة الدوبامينية السريعة. هذه الأفكار المتناثرة تضع على طاولة التخطيط مجموعة من المُقلقات الصغيرة، وهذه تتراكم، ومع الوقت تتحول إلى تلك الحالة من الشلل السلوكي الذي يعيد طرح الأسئلة حول الخطط والتنفيذ. حتى هذه اللحظة! لم أتخذ قراري الحاسم تجاه مدرسة التمرين التي سوف أتبعها، ولم أتخذ قراري الحاسم تجاه الهدف. وجود المدرب جنبني أخطاء الحديد الشائعة، ووجود أخصائية التغذية ساعدني، ثم جاء رمضان، وتعقد كل شيء. رمضان القادم أعرف قراري مسبقا، سيكون شهر تنشيف منخفض الكربوهيدرات، منخفض النشاط البدني، بسيط جدا، لا حديد، تنس طاولة في حدود المعقول [كما آمل]. مستوى الالتزام لم يكن سيئا، وحققت الحد الأدنى من جلسات التمرين، ولكن حتى هذه اللحظة القرار غائب، والنتيجة اللجوء إلى المكملات، وهذه لها ما لها وعليها ما عليها، ونعود لأسئلة القرار والاختيار والمسار. اليوم ستكون جلسة التمرين في بداية الشهر الثالث بعد دخول صالة الحديد، النية أن يكون تمرينا بدون مسحوق ما قبل التمرين [لم أجد ترجمة جيدة بعد لكلمة (Pre workout) يا إلهي! لماذا أشعر وكأنني منقطع لمدة شهر كامل! لحظة! صح! المفروض إني ماشي على الجلسات والحد الأدنى! ليش أتعامل مع الموقف كأنني توقفت شهر! الظاهر إنه الشعور العام بالهبوط، والمزاج المتدني بعده جالس يُثقل التفكير بحتميته المخادعة! كل شيء يمضي على ما يرام، لا يوجد شيء يستدعي هذا الشعور بالذعر! إنها مجرد فكرة ثقيلة، وستزول ..


خيارات، ومسارات، ومقاربات، وتجارب! هذا هو مختصر الوضع الحالي! ملاحظة ذهنية داخلية: لقد صرت تستطيع أن تكتب، هذا مؤشر جيد للغاية، مع الكتابة يأتي الفهم، وبالقليل من التحليل والإحاطة بالتفاصيل تأتي الحلول. أين المعضلة الحالية؟ التساؤل الحديدي المُر: هل أفعل ما ينفع أم ما يُمتع؟ الحديد نافع، لكنه ليس مثل تنس الطاولة، تأثيره واضح، وصارم. هذا تساؤل سلوكي رقم 1، النسبة والتناسب بين الحديد وتنس الطاولة حسب المتيسر من الوقت الضيق من الأساس! بعد هذا التساؤل، الكيفية! أيهما؟ حديد، مع المكملات، والنمو العضلي، والتقوية؟ أم تدريب الجسد على المدرسة البطيئة! الصواب يقول تدريب الجسد على المدرسة البطيئة فهذا الذي ينفع الصحة، والصواب الآخر يقول بناء عضلي فهذا الذي يدفع للاستمرارية! ثمة منطقة رمادية خفية هُنا، وهي التي تسبب لي كل هذا القلق والشعور بجسامة الموقف! تنس الطاولة، أمُّ المتعة، ولكن حسب أي مقاربة؟ جلسة ست ساعات، أصلها باستشفاء تام؟ أم مشوار ساعتين بالكثير ومن ثم العودة للمنزل! رياضة مع مسحوق ما قبل التمرين [لم أجد ترجمة جيدة لــ pre workout] بعد. ما الذي قادَ لهذا الاكتئاب؟ الأسباب معروفة، لخبطة النوم، ثم لخبطة النوم، ثم لخبطة النوم، ثم لخبطة النوم، وحتى تقوم الساعة، ومع أن النوم ضمن رحلة ماريو التغييرية رقم 4، لكن الظاهر أن الرحلات تتداخل ما بينها، الرحلة رقم 3 تعاني الآن من الاحتياج لبدء الرحلة رقم 4، ولكن هل هذا ممكن أم سيكون مقلقا بشدة! الأشياء الجيدة حتى الآن في الرحلة رقم 3: - تم كسر فكرة [الذهاب لصالة الحديد] بشكل تام، أصبحت جزءا من الأدوات الجسدية التي أمارسها، دون الشعور بأنني جديد. - النتائج ظهرت، تحسن في آلام الظهر، وتكون عضلي لا بأس به. - الالتزام لم يعد مشكلة، عدم الذهاب للصالة أصبح هو المشكلة، وهذا معناه اكتمال الغرس، وبداية تكون الجذور. - تمرين الحديد فتح ملامح رحلة التغيير رقم 4، والتي من ضمنها النوم، والقهوة، والتغذية! - ارتفاع واضح جدا في مستوى تنس الطاولة، ولكن موضوع "الوزن" لم يتم حله بشكل واضح، ويحتاج إلى قرار واضح المعالم. أين حيرتك يا ماريو؟ 1- هل أدخل مرحلة تنشيف؟ وبالتالي أتقبل نزول مستوى التمرين، وقلة ساعاته، والتركيز على تدريب الجسد على الاستشفاء الطبيعي؟ 2- هل أعتبر تنس الطاولة [جزء من المساء] وليست أمسية متكاملة؟ 3- كثير الحديد قليل التنس، وكثير التنس قليل الحديد، هذه قاعدة تعلمتها بالتجربة، فكيف أوازن بين الأمرين! ما زلت تتعامل مع الرياضة بقلق شديد، الجيد في المسألة أنك صرت تقلق تجاه الخطة بشكل عام، "انزحطت" في الحدية أثناء رمضان، وعدت للتمرين لساعات مهولة، وهذا غير مفيد، وغير نافع، ويزيد الوزن، وبشكل عام لا يرفع المستوى، ويضيع الوقت، وهذا الأهم، يضيع الوقت! الجيد هو إنك الآن صرت تنتبه إلى هذا الضياع، وتحاول إيجاد خطة للاستفادة من طاقتك، المتعب هو إنه الخطط عرضة للتغير وللزوال، ونعود إلى أسِّ الأشياء المهمة: "النوم"! الحديد غرس أشياء كثيرة دون أن أنتبه لها! نعم لقد فعل ذلك، والآن فقط وأنا أكتب أكتشف التكامل في هذا الموضوع. لقد غير أشياء كثيرة في وقت قليل. حسنا! أكمل التأمل في التغريدة القادمة!

السبت، 20 أبريل 2024

النِّصابُ من الكتابة!


على مَضض، أكمل واجبَ التنفس. الجُمل صعبة، واللغة عصيَّة. أعقلنُ الذي يحدث مع علمي بأسبابِه. حياةٌ كاملةٌ تلك التي عشتُ في هذا التفاوت، بين المد والجزر، والجبال والوديان، والصعود والهبوط، وسهولة أن يحلَّ هذا الضيف المرُّ في أقرب انزلاقٍ نحو تلك الهاوية الاعتيادية!
الضيف الثقيل، يزور النفس مجدداً، ولم عساه ألا يزور! فقد تهيأت له أسبابه الكافية! في أجملِ الظروف، في أحسنها، وكل شيء على ما يرام، يزور هذا الضيف الظالم مجدداً، ببرود موظف التحصيل الذي يقطعُ الكهرباء عن عُرسٍ عابر في الحارة!

هل ألومُ نفسي على شيء؟ فعلت كل ما بوسعي للتغلب على هذه الثنائية القدرية، المكتوبة عليَّ! لا أداةَ أخرى لأفعلها! اتخذت كل الأسباب الممكنة لأتجنب هذا الضيف الذي حلَّ على رأسي مثل الكابوس! كُل شيء كان على ما يرام! ثمَّ احلولكَ التفكير، والسلوك! مزيد من العدم واليأس والافتتان المؤقت بنهاية كل شيء!

حسنا! يبدو أنني أكتب! هذا ما يظهر لي الآن على الشاشة، أعود إلى نصيبي الذي لم أمنحه نصابَه. كنت بخير! وأنا أكتب كل يوم، كنت بخير! ثم الآن هذا! الذي صرتُ أخجلُ حتى من ذكر صفته، أو اسمه، حلَّ على شيء، وجعل كل شيء قاتما!

استيقظت مبكرا! بدأت بالمقاومة. هذه خطوة حسنة. هذا الذي يحدث ليس خارجا عن المألوف، ولا عن المتوقع، هذه طبيعتي، هذا أنا، هذا ما أكون عليه، وهذا ما يجب أن أتقبله بصدر رحب. المد والجزر، الجزء الدائم الضمني، الحاضر دائما، واجب الغياب، قهري الحضور، ببرازخه المعبَّاة بالأسئلة!

من السخف أن أعيد طرحً سؤال [لماذا!] والأشد سخفا من ذلك، إعادة تداول موضوعات [ماذا]. هو الأمر كذلك، مد وجزر، قطبٌ عالٍ، وقطب موغلٌ في السوداوية، ليس ليلا، ليس نهارا، ليس فجرا، وليس ليلا، وقتٌ يموتُ، ونفسٌ تضطرب، والحمد لله على كل حال.

حسنا! إنني أكتب! هذا لعمري مؤشر حسن. لعل الذي يحدث الآن أجمل من الدافع للكتابة، لعلها نهاية موسم طفيف عابر، لعل الضيف الثقيل يرحل عن النفس، ولعل النداء للشفاء، وللتعافي من الكدر قد بدأ! إنني أكتب! إن لم تكن العافية في الكتابة فأين عساها أن تكون في هذه الحياة المضنية!

كُل شيء على ما يرام، أنت فقط لا تشعر بذلك! يكفي أن تقتنع منطقيا بأنَّ كل شيء على ما يرام، حتى وإن فقدت بوصلتك للآمال. كل شيء على ما يرام، والحياة تسير كما تفعل دائما، بكامل بهائها المعقد، وبساطتها اليومية.

هذا الوقت سيمضي!

الاثنين، 8 أبريل 2024

ماذا بعد الحرب؟ ماذا بعد غزة؟ غربة إسرائيل!

 العقل المُغيَّب بالتسييس الأعوج، المرتهنة عواطفه بحزمة من الشروط البرمجية، الهارب من سعة الأمَّة إلى ضيق التحزب السياسي، المشوه، الهجين، غير المتجانس، وغير المتحقق، يحتفل بأعداد قتلى وجرحى غزة وكأنه إسرائيلي!

فعلا عجيب! ومثير للاشمئزاز العقلي، والمنطقي، والنفسي، والفكري، والفلسفي!
عربي، مسلم، يهدهد شعوره بالهزيمة كما يفعل أي يميني صهيوني متطرف، يسيل لعاب أفكاره، ومخاط بنات أفكاره، وصديد عاهرات شفتيه بالتباهي بعدد الموتى، وكأنه صهيوني يرثي حال إسرائيل المنيعة الحصينة ويدغدغ نفسه بعدد القتلى! لماذا؟ كي لا يقر للمقاومة بنصرها!

ما النصر؟ إن لم يكن هذا! النصر أن يموت عدد أصغر من البشر! هذا النصر لديه! ماذا عن المعركة طويلة المدى؟ لا يهم! وإن مات من الإسرائيليين أكثر! فهو ليس أمام نصر، إنما أمام دموية، ووحشية، وتطرف، مهزوم، مأزوم، متشنج، يرفض الكرامة وكأنها تثير حساسيته، وتسبب له البثور والدمامل في جلد أوهامه المدبوغ بالتسييس الأعوج، والانسياق الجماعي، والهوس بالدعاية. قردٌ من قرود البروباجاندا الدنيئة، فأر قارضٌ للكلمات، مجرد قملة، قذرة، دنيئة أقصى ما لديها أن تمتص الدماء من لحظة عزَّة، وكرامة! من حمامة ناجيةٍ من المحرقة والإبادة!

ألا تُهزم، هذا شكلٌ من أشكال النصر. ألا تُقادَ إلى زنازين إسرائيل، هذا شكلٌ من أشكال النصر، أن تكسر عنجهية الآلة العسكرية الإسرائيلية، وأن تكشف حقائقها للعالم، هذا شكلٌ من أشكال النصر، الهزيمة الوحيدة، هي في قلوب هؤلاء، المتعلقة قلوبهم بالذل كخيار أصيل للحياة!
لاعقو حذاء المهانة. يؤذيهم أن تكسر أوهامهم، فلم يعد لديهم سوى التباهي بما يخفف به العدو عن حرقته.

وإن خجل بعض الشيء من نفسه، سيقول: لم ينتصر أحد! ويعود لرفع قمصان الجثث في وجه الذين تتوق أفئدتهم للنصر، ولو بعد حين، ولو تأجل لجيلين!

والله غالب على أمره!


الأمر واضح وبسيط، حرب إسرائيل على غزة! الانتصار الإسرائيلي، يعني ما يلي: 1- السيطرة الكاملة على القطاع. 2- إنهاء جيوب المقاومة، وإيقاف تسليحها. 3- إنهاء قدرات الأنفاق. 4- إعلان الاستسلام من الجانب العسكري المقاوم. 5- تحرير الأسرى. 6- اقتياد قيادات المقاومة للمحاكمات العلنية. لكي تنتصر إسرائيل، يجب أن تحقق الأهداف من وراء هذه الحرب. كل هذا لم يحدث. ما الذي حدث بالمقابل لقرود البروباغاندا؟ كل قملة رقمية مصابة بالسعار من احتمال الكرامة؟ كُل من محقت هويته ببدائل من الخوارزمية الشرطية المضطربة بالتناقض والحزازة؟ يحتفل بالموت، وبالإبادة! نعم، هذا ما يفعله! ينتشي بجنون، وبغيظ، ويتباهى بمن مات وكأنهم ماتوا لتأكيد موقفه الهبديِّ، فالهابد بالتي هي أبغض، وبالتي هي أشد خزيا، المحتفل بالعار، المنغمس في لذاذة المهانة، المستمتع بالهزيمة، يحتفل بكل هذا. ما النصر؟ هو تحرير فلسطين؟ طيب! ما نصر إسرائيل في هذه الحرب؟ سيقف، وكأنه يميني متطرف تخنقه سوالفه اليهودية، لقد قتلنا منهم ثلاثين ألف ونيف! بالله عليك هل تسمع نفسك؟ المقاومة لمَّا تحرر فلسطين. لكن أن يصل بك الحال إلى الشماتةِ في هذه الإبادة، أنت تماماً من يضعه الصهاينة تحت نعالهم، احتقروك، أنت وأمَّتك، ودينك، ولكنك لا تدري، من فرط ما أنت مهزوم، لا تدري، من فرط ما أنت تحتفل، لا تدري، من فرط ما اعوجَّ تسيسُك، وتسيَّس اعوجاجك، لا تدري، غافل، هائم في جهلك، جاهل، هائم في غفلتك، مثل المسحور، تطوف في فيضانات الدعاية كنملةٍ يسوقها عاصفٌ من الرمل، لا أمطر فسقى زرعا، ولا أرعد فهدم جدارا، ولا فاض فأغرق قريةً، هباءٌ في هباء، وخواء في خواء! فلا نامت أعين الجبناء!

حرب إسرائيل على غزة، هي حرب العاجز، حرب الهمجي، البربري، حرب الإبادة التي تعاقب المدنيين، ليست حربا، وإنما حملة همجية. ليست مواجهة، وإنما بطش، وجور، وإظهار للوجه الحقيقي لليمين الذي وصم اليهوديَّة بالعار لأجيال. هي حرب الفجَّار، وانكشاف الأقنعة، وبداية مرحلة جديدة لعالم مختلف!

فعلها اليمين الإسرائيلي، السلفي، المتطرف. لطَّخ يد الجيل اليهودي الجديد المولود في فلسطين بالدماء، وفي كل جيلٍ يأتي من يكتب عليه لعنة الدم. وكل يوم يمضي، واليد اليهودية تتلطخ بالدم، لأن المشروع السلفي اليهودي المتطرف لا يعترف بغير إسرائيل المُحارَبَة. كيانٌ يستمد وجوده من التهديد بزواله! وإن زال التهديد، يصنعون ما يكفي من الأسباب لإعادته. تخيل أنَّك جندي إسرائيلي من مواليد عام 2000؟ ما الذي حدث لك؟ لم يعد من الممكن أن تتراجع! أن تؤمن بالسلام، مجددا، رمتك دولتك في الحرب! وهذه المرة، وبينما هذا الجيل هو أشد أجيال الأرض إيمانا بالسلام الرومانسي! غير المنطقي، السلام الزائد عن الحد، الصوابيِّ لدرجة الخروج عن الواقع، تأتي دولة نتنياهو لكي تلطخ يد هذا الجيل بالدم والانتقام! ليست الحرب الخطرة على وجود إسرائيل، السلام هو الخطر الحقيقي الذي يهدد هذه الدولة المارقة، الخارجة عن المنطق، المبنية على عقيدة جينية متوارثة قابلة لإعادة الإنتاج، والتخلق، وأصبحت الآن كيانا سياسيا يمارس وجوده عبر لعنة الدم. النصر الوحيد الذي انتصرته إسرائيل، هو أنها انتصرت على أبنائها، ونجحت في تحميل جيل آخر هذه اللعنة، والموت الذي كان "ضررا جانبيا" أصبح هدفا رئيسيا، وتلطخت يد الجيل الإسرائيلي الشاب بالمجازر، وبالإبادة، وبعد أن كانت حرب الضرورة، والقانون الدولي، والتصويت في الجمعية العامة، أصبحت اليوم حرب البرابرة، وفتاوي الحاخامات، والسلفية. مدنية دولة إسرائيل على المحك! وما أعجب مكر الله! المشروع السياسي القائم على الدماء، والإلغاء، قادَ الفلسطينيين إلى المقاومة، وقاد الإسرائيليين "أبناء الأرض" إلى الإبادة، وانتقلت الأفكار من مستوطنٍ يريد البقاء، إلى دموي يبحث عن الفناء. وهو موضوع وقت قبل أن تعشعش لعنة الدم بأبواغها عفناً، وفرقة، وكراهية، وشعوراً مريرا بالندم! هكذا فعل النازيون، فكيف كانت نهايتهم؟ وهكذا فعل الإسرائيليون، لقد كلفوا هذا الجيل ندماً لن يحتملوه في هذا العالم الجديد، الذي يسع الجميع، والذي ضاق ذرعا بهذه الانتماءات المذهبية السلفية المتعطشة للإلغاء والدماء. تخيل أن تكون إسرائيليا من مواليد الجيل الجديد، ينعم أقرانك في هذا العالم بفرصة لتغيير العالم، وبينما يأفل نجمُ التفكير القديم، ويسطع نجمُ هذا الجيل بكل عيوبه وبكل مزاياه، يحل الجيل الصهيوني الجديد في وجه العالم الحديث كمرتكب إبادة! هل حقا يعجز صهاينة العرب عن رؤية ذلك؟ وهل حقا يختارون التطبيع في هذه المرحلة؟ ومع هذه الإسرائيل؟ لقد عجنت التساؤلات العقولَ عن السبب الذي دفع بالمقاومة إلى هذه الضربة التاريخية! والآن، يظهر الذي كان في الخطط، ويُعلم الذي كان في النوايا، لقد حطمت إسرائيل بنيها بيدها، وانصدعت الأعمدة التي تحافظُ على شكلها الأنيق كدولة مدنية، ودخل جيلها الجديد مرحلةً مختلفة لا يدركها كل هؤلاء الذين قادوا حرب الإبادة هذه! الأفضلية الأخلاقية الإسرائيلية المستمدة من ديمقراطية الغرب انتقلت إلى شكلٍ جديد، إلى مشارقةٍ يرتكبون الإبادة، وهو قريب جدا عصر الغربة الإسرائيلية الجديد. ولكن هذه المرة ليست غربة إسرائيل مقابل جوارِها الذي يرفضها، وإنما غربة إسرائيل في المدى الشاسع للعالم. ماذا عساه أن يشعر الجيل الإسرائيلي الجديد بعد نهاية الحرب؟ لقد تلطخت يده بالدماء، وهو موضوع وقت قبل أن يحطم الفخار فخاراً، موضوع وقت! قبل أن يتسمم الصهاينة الجدد بالشعور الهائل بالنقص، وبالكذب، فإما ضاقوا ذرعا بمشروع اليمين، وقدموا التنازلات، وإما عاثوا في الأرض فسادا وتقبلوا الخسارات! يا الله! ما الذي فعلته المقاومة بإسرائيل! يا الله، يا الله! هل حقا نحن نعيش هذا اليوم الذي تحطمت فيه أركان المعبد الديمقراطي الأنيق الذي خربه السلفيون اليهود بأيديهم! سبحان الله! ما أمكره! وما أعدله! فعلا عبرة لمن يريد أن يعتبر! ودرس في سنن الزمان، ومسيرة الدول، ونهايات الاحتلال، وضرورة المقاومة! والله غالب على أمره!

ماذا بعد هذه الحرب! الفلسطيني، مدعومٌ عالميا، قضيته أصبحت الأولى في هذا الكوكب. بطلٌ، مقاومٌ، انتصر على كيانٍ بحقيقة قاعدة عسكرية في شكل دولة. كسرَ حواجز الحضارة، والثقافة، واللغة، وكشف حقيقة التناقض، وألزمَ الطغاة بالكشف عن أنيابهم. والجيل الجديد، لم يعد مهزوما، لقد تجرع جرعة النصر الأولى، وتعطش للمزيد منها، وابن الشهيد لم يعد يحلم أن يصبح شهيدا! لقد أصبح يحلم بالمزيد، بأن يكون فاتحا، ومنتصرا، ومستعيدا للأرض، وتعلم الصبر، وانتظار أن يخربَ اليمين الإسرائيلي "وطنهم الموعود" بأيديهم! المقاوم، اخذ جرعة من الممكن! وماذا يحدث في الضفة الأخرى. الفلسطيني من مواليد الجيل الجديد، تعلم درسا في الحنكة، والانتظار، وعرف معنى الحرب العابرة للأجيال، ماذا عن الإسرائيلي الذي سلمه جيل الخراب لعنة الدم! تلطخت يده بالدماء، تشوه وجهه القبيح، إسرائيلي يرقص في [التوكتوك] على أنقاض المدنيين، وأشلائهم، كائن، قبيح، كذوب، سمجٌ، باستحقاق نرجسي سام، سايكوباثي قاتل، مراوغ، يكذب ولا يصدقه أحد، يدافع عن حق ليس له، ويرفع شعارات لا يطبقها، كيف سيصمد الجيل الإسرائيلي الجديد أمام هذه النكسة! لا أعرف! الأمر حقا حقا مثير للدهشة وللاستغراب! وما أمكر الله! ما أمكر الله! ما أمكر الله! بلغت قلوب الإسرائيليين حناجرهم. لم يعد الأسرى، قيادتهم تكذب، وتسلمهم لعنة الدم قبل أن يختصم السياسيون مجددا، ويحاولون صناعة إسرائيل أقل غربة! إسرائيل في غربة جديدة! إنها غربة إسرائيل القادمة في الطريق، إنها حقا غربة إسرائيل في الطريق. غربة الجيل الإسرائيلي الحديث عن الجيل السابق، غربة الجيل السابق عن الجيل الإسرائيلي الجديد، غربة إسرائيل عن العالم، غربة إسرائيل عن إسرائيل، غربة، في غربة! ما أمكر الله! ما أمكر الله! وكان يتخيل الصهاينة نهاية مجيدة، عن اليوم الذي يُقاد في قادة المقاومة إلى "نورمبرج تل أبيب" وكأن خيالات الوهم الصهيوني قد غلبت الواقع، والممكن، حتى فلَّ الحديد الحديد، فلم يعد أمام إسرائيل سوى مسيرة العار العسكري، وقصف الأطفال، وقتل موظفي الأمم المتحدة، والانتقام من العالم أجمع، سايكوباثي، هش، حقير، دنيء، مخدوع من الداخل، مخدوع من الخارج، مبرر له ما يفعله، يرمي بكل أوراقه، ويخسر ثروته المعنوية، والمادية، والأفضلية الغربية الاستعمارية، والأفضلية الأخلاقية، بل وحتى فردانية الجيل الجديد بكل ما عليها من سعة عمياء، وبكل ما لها من إنسانية عجماء خاوية الانتماء إلا للمجرد الفكري منزوع الصلة، مصنَّع الهوية! الذي يحدث ليس نصراً مجيداً على صعيد قطاع، إنه انتصارٌ على صعيد كوكبٍ كاملٍ يدفع ثمن أفعال فاسقيه الكبار، من استعماريين، ومن رأسماليين، ومن ديموقراطية متناقضة، ليس النصر أن تستعيد الأرض بين ليلة وضحاها! وإنما النصر أن تقطع خطوة أخرى في الطريق الطويل العابر للأجيال! وقد ثبت المقاومون بعزة الله وبنصره! جنون حقيقي، فعلا! جنون حقيقي غير متوقع! وما تكشفه الأحداث كل يوم، تثبت أمراً إضافية فوق أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن الظلم لا يثبتُ أيضا بالزمان، وجاء هذا الزمان الجديد، الفلسطيني فيه بطلٌ مقاوم، والصهيوني فيه مرتكب إبادة! جندي، حقير، لا يختلف عن النازيين في الأفعال! استعلائي، قاتلٌ، سيكوباثي، حقير، دنيء، وقميء، ويعيد تعريف الكراهية التي مارسها ليعيش غربتها لأجيال قادمة! وبينما يعشعش الذل في قلوب الاحتلال، ويفقد الجيل الجديد فرصته للشعور بأنه جزء من العالم الحديث، تتحول بذور الكرامة والعزة في أمَّة كاملة إلى شعور بالأمل! وإلى ثقة بأن النصر وإن كان بعيدا، إلا أنه اقترب! وأن الرحلة لن تكون سهلة، لكن الخطوة كانت في طريق الحلم البعيد! لم تخسر إسرائيل خلودها المرتقب، وتطبيعها الشامل فحسب، لقد خسرت بنيها الذين شوهتهم بقراراتها الحربية، وخسرت تعاطف العالم، وعادلت موازين الإبادة والمحارق، وارتكبت إبادتها الأعظم، وأخرجت حقارتها إلى صفحات الحقائق، خسرت إسرائيل الكثير! والكثير، والكثير، أكثر من مجرد حسابات المعادن في الميدان، وأكياس الجثث، وأعداد وأرقام الصواريخ، وخرائط المساحات! لقد خسرت إسرائيل الكثير، خسرت روحها المدنية التي "كادت" أن تنال الخلود، وعادت إلى نقطة الصفر، ومربع البدايات، والاحتلال الذي بدأ مجددا، وسيُدفع ثمنه الذي ظن البعض أن قبحه سقط بالتقادم! ما أمكر الله! من أين يبدأ المرء وأين ينتهي! كل هذا يحدث في زماننا العربي المتخم بالهشاشة والضعف. والخسيس الذي يعمي عينه عن كل ذلك! ماذا يريد! ألا يشعرُ بتهالك حججه! وهوانه؟ ألا يشعرُ العربي المأزوم بمرارته؟ ألا يرى مكر الله بالظالمين؟ لا أعرف ما الذي يراه إنسانٌ في فلسطين غير فصلٍ جديد من فصول رحلةِ التحرير العابر للأجيال، والكاسر لشروط الزمان والمكان وقوانين الأمم المتحدة. والله غالب على أمره!

الأحد، 31 مارس 2024

رحلات التغيير .. بين العبور والمرور!

 العقل في مكانٍ آخر. محاضرة علم النفس التنموي، أو التطوري، أو علم نفس النمو، أو علم نفس تطور الأشياء، أو كل ما سبق، أو بعضه تجري على قدمٍ وساق.

عقلي في مكان آخر، لا أستطيع التركيز. ملامح رحلة ماريو التغييرية الرابعة بدأت تتضح، ولكن دعني أولا أضع خلاصات، ونتائج الرحلة الثالثة في موقعها المناسب قبل القفز إلى قلقٍ جديد. قبل أي شيء دعني أسرد أمام ذهني الرحلات الثلاث السابقة: 1- الرحلة الأولى: الذهنية! مقاومة آثار اضطراب مزمن، انجراف المزاج، وانزحاط السلوك، وأضيف لذلك عامل إدماني لخبط الأوراق وناثرها بين سجنٍ، وهجرةٍ، وعزلةٍ، وإرهاق، ونوم سيء، وسهر بالأيام، واضطراب شاملٌ أسأل الله ألا يعود. 2- الرحلة الثانية: الجسدية، الدراجة الهوائية، وبدء التخبيص الجسدي، والنظر للجسد بروح اعتراضية على واقع الحال، أخذت ثلاثة أعوام من المحاولات، ثم فترة من النجاح، ثم كسر في الكتف، ثم عودة للمربع الأول، ثم وقفت مع الممكن والمتاح من مسارات، وخيارات، وعدم إمكانية الاعتماد على رياضة واحدة فقط. 3- الرحلة الثالثة: تنس الطاولة، وإعادة تكرار أخطاء المرحلة الثانية، ثم البدء بتعديلها، النظر للغذاء، والمكملات العشوائية، ثم بعدها، تنظيم الأوراق، أخصائية التغذية، شعار المرحلة هو "الانضباط أولا" وتسميات أخرى مثل مدرسة القرف بدلا من الشغف. تسير على قدم وساق، انتقلت من حالة الإرادة إلى حالة العادة تقريبا، تحتاج إلى التزام مستمر، وإلى تقبل النكسات، وتوطين النفس على الاستمرار في حال حدثت الإصابات. هي أيضا مرحلة السكري، ومرحلة الدسك، وآلام الظهر، وأيضا مرحلة تطبيق بعض فوائد علم النفس المليحة لفعل الأشياء الصحيحة. مرحلة الصوابية الجامدة، الجافة، الخالية من الإبداع، المليئة بالجداول والخطط، الحتمية، غير النسبية، وهي في اكتمال ثلاثة من أرباعها، والقسم الأخير اكتساب المرونة للحفاظ على كل مكتسباتها، وعاداتها، قبل البدء في التخطيط للرحلة الأخيرة. هذه الرحلة الثالثة، بها مخاوف هائلة، بدأت بعد عمر الأربعين، بها ساعات لا ينصح بها من الانهماك في الرياضة، بها ضرورة لكبح النفس عن الانسياق وراء الضغط الشديد على الجسد، وأخذ الأمور بهدوء، مرحلة صالة الحديد كنمط حياة، وتنس الطاولة كمهارة واستثمار للعمر ما بعد الخمسين. تحتاج إلى بعض التأمل، وتأكيد الأهداف، وعدم نسيان العامل الصحي أمام عامل العضلات، وملاحقة النمو العضلي، ووضعه كأولوية أمام عوامل أخرى. الرحلة الرابعة: ستتعلق بالنوم، ودخول نادي الخامسة صباحا، ونبذ حياة الليل، ومحاربة كوكب الدوبامين، والتخفيف من الهاتف، وبعض العزلة الصحية، والانهماك في صناعة المحتوى، وتأسيس بزنس العُمر، وهي كلها ستعتمد على تثبيت نتائج المرحلة الثالثة. والرحلة مستمرة، ومنحنى التعلم المتفاوت جزء من هذه الرحلة. وعموما، صباح الخيرات ..

الأحد، 24 مارس 2024

جدالات الكلام!

 قاش مستحيل أن يحدث بين شخصين:

1- القادم من منطلق انتمائه لجماعة: هو من الأساس لا يناقشك كفرد، وإنما كجزء من انتماء جماعي. متخيل الليبرالي الأمريكي اليساري الجديد لما يفتك بصاحب رأي في مهرجان الكنسلة الرائج عالميا؟ النقاش جاي من استحقاق من طرف واحد، إنه هو يمثل هذه الجماعة، وبالتالي، ما يقوله انطلاقا من الخير العام، وفي هذه الحالة، الخير الإنساني، ولك أن تقيس ذلك لما تناقش شخص جاي من انتماء جماعي، سياسي، أو ديني، أو فكري، أو قومي. 2- القادم من منطقة فردية: وهو يناقشك أنت كفرد، بشكل مباشر، ويقول آراءه كفرد، وهذا يحدث لما شخص يكون لديه وجهة نظر حول حقه التام في اتخاذ موقفه الفردي، ومتى يتوهق؟ لما هذه الآراء تتصادم مع منطق جماعي، مثل الجدال الأزلي حول مواضيع التفكير النقدي الديني، أو السلوكيات الشخصية "التدين، الحجاب، التدخين، شرب الكحول" مثلا شخص متدين، يقول لك: التدين اختياري، وهذا قرار "فردي" أنا أتخذه بنفسي وأطبقه وأمارسه، يهاجمه شخص آخر ويقول له كلا، هذا ما قرارك، أنت ضمن الفئة الدينية اللي تهاجم حرياتنا، وهكذا دواليك، والنسخة المعاكسة تحدث، لما شخص يتبنى سلوك أو اختيار فكري، فيهاجم كأنه صاحب أجندة جماعية، وأحيانا نعم، الفرداني لديه أجندة جماعية، والجماعي لدي أجند فردانية، لكن بشكل عام، النقاش أصلا يحدث في مكان آخر، وكل هذاك الصدام لم يؤسس له اتفاق حول آلية سيره، لذلك ينزع إلى الصدام وإطلاق الأحكام. وعشان أعطي أمثلة غير قابلة للالتهاب. تخيل النقاش بين شخصين، الأول يقول لك: - أنادي بإنه الدوام الرسمي يكون فيه حرية للاختيار، اللي يلبس بدلة، واللي يلبس دشداشة ومصر. أو شخص يقول لك، المصر ما ضروري، خليه كمة. - الشخص الثاني يقول له: هذا هويتنا، وأنا أشوف إنه أفضل نتمسك بها. الحوار من شخص، إلى شخص آخر، وانتهى صح؟ لكن أيضا ممكن الحوار يتحول إلى إنه الشخص الأول يقول للثاني: - أنتم تنادون بالرجعية والتخلف، [فرد ضد جماعة] وأنتم السبب في إنه الأمور لا تتطور [الحوار خرج وأصبح في مكان آخر] - خطاب [فرد ضد فرد]: أنت مخدوع، وتم غسيل دماغك من قبل التقاليد والعادات أيها المنساق المضحوك عليك. وكذلك من الضفة الأخرى: - أنت مخدوع من قبل العولمة التي تنزع هوية، وممسوخ لدرجة إنك ترفض التقاليد العربية الأصيلة. [فرد ضد فرد] لكن باعتباره جزءا من جماعة. - أنتم مخدوعون بهذه الدعايات، وتريدون الهجوم على تقاليد المجتمع ومسخها لهوية منساقة وراء العولمة الغربية. وهذه الحوارات التي تحدث عادة عندما لا نكون وجها لوجه. حادة، بها شحنة من الأحكام والريبة تجاه الآخر، وهذه طبيعة التواصل غير البشري [ربما!] .. نفسد للود ألف قضية عندما لا يتم مأسسة منابر الحوار، وجعلها محايدة وملكا للجميع، وما يحدث في تويتر ليس سببه "جهل الناس" أو سببه "طرح ضحل" أو غيره مما ينادي به رقباء البرج العاجي، الذي يحدث سببه أن هذه الحوارات كلها طاقة نقدية تحدث في غير مكانها المناسب، لأن الذي عليه تهيئة مكانها المناسب يمارس الوصاية والتوجيه والرفض والتسطيح والتجهيل وكافة أشكال رفض هذا النمو والتفاعل لأنه متمسك بنظرية جامدة حول ماهية الصواب، ومعايير غير واقعية عن عدالة المنبر العام. لذلك تويتر هو المنبر العام المرتجل الذي يغطي هذا التقصير الذي كان على مؤسسات كثيرة أن تتولاه، وأن تتحمل منحنى التعلم العام حتى يصل إلى نقاش مثمر، وطاقة هائلة ممكن أن تفعل الكثير من الخير، وتنشر الكثير من قيم الحوار والتعايش فقط بالقليل من الاعتراف بالآخر. المشكلة مستمرة، وستبقى، وللأسف الشديد، هناك من يتخذ من هذه الأحداث الاجتماعية المتتالية حجة لفرض رؤية مؤسسية منهجها إلغاء الرأي العام، واعتباره هامشيا، وبالتالي تأجيل هذا الحوار لأن تأسيس المنابر الاجتماعية العامَّة عملية صعبة، وتحتاج إلى مساحة كبيرة من التفهم للآخر، والأهم الاعتراف به، واحترامه. إذا كان أساس الحوار دعائي، وصدام انتماء للثقافات الشاملة، فهو ليس أكثر من رمي للمزيد من القش في كثبان التحيزات، والحزازات. وإن كان أساس الحوار هو فتك الجماعة بفرد، فهو شكل من أشكال الضغط الاجتماعي، أو القمع الاجتماعي، وإن كان أساس الحوار هو هجوم الفرد على جماعة، فهو شكلٌ من أشكال قلة الحيلة، والشعور بجسامة المشوار، تصرف كاميكازي آخر، انفعالي. هذه الحوارات، هي مهمات متعددة، للجامعات، ولمؤسسات الإعلام، وللثقافة، وللمنابر [العادلة!] غير الموجهة، وغير المتحيزة، الظن بأنَّ تهميش الرأي العام، وتسطيحه، وتجهيله، هو الطريقة لنصرة مدرسة تؤمن بالتوجيه، والأدلجة، ليس أكثر من إضافة إلى جمعٍ إلى الجموع، صناعة لمشكلة، والخطاب سيبقى كما هو عليه، صراع ظنون، وريبات، وتسجيل موقف فرد ضد جماعة، أو جماعة ضد فرد، أو التسلط في أبهى أشكاله بمحاولة طمس كل هذه المنابر المرتجلة والتعويضية من أجل منبرٍ هامد، يعطل تفاعل الأفكار هذا كله لأنه لا يجد وسيلة لقبول الاختلاف. وهنا نجي إلى أس المشكلة الرئيسي، أن يكون موضوع الآراء خاضعا لمدرسة دون أخرى، ومفروضا بأدواتٍ أساسها القدرة على إخراس الآخر، ولي ذراعه، وإعادة صناعة المشكلة بمبرراتٍ مزخرفة وكلام جميل الشكل قمعي المضمون، استعلائي، وإلغائي. الطريق طويل جدا، ويبدو أنَّ عبثية المنابر المتحيزة، وتجنب تأسيسها بعدالة منطقية، وتأجيل شمولها للجميع، وبناء انتقائية شخصية واجتماعية، والتأطير النمطي، وغيرها من الوسائل ليس أكثر من تأجيل فوق التأجيل، وعندما تأتي شرارة في هذا القش المتراكم، سيتنصل من تسبب بكل ذلك من ما فعله، وسيلجأ إلى تفسير سخيف آخر، بحجة أن المشكلة بالناس، وجهلهم، وتخلفهم، وينسى من تسبب بذلك أنه هو الذي صنع كل الظروف لهذه الأزمات الاجتماعية والفكرية. لذلك، وإلى حين تخلق هذا المنبر العادل، سيواصل ما يحدث الحدوث، وستبقى هذه الجدالات بلا نتائج تعايشية، وستبقى رهن مساحات تأثير الأفراد والجماعات، وقوة الصدام بينها، وستبقى رهن قوة المؤسسات، وهشاشة وصولها، أو قوة تأثيرها، وفي النهاية، لأنَّ الذي يفكر بشكل قمعي من الأساس ينتظر هذا اليوم المجيد، سيخرج لنا من العدم المقص الرقابي كحل رئيسي لكل هذه المشاكل التي سببها، وتركها تتفاقم، وتتراكم، لأنه غير قادر على بناء تعايش مع الاختلاف، وإنما هي لغة الدعاية والتوجيه، والتي أصبحت فكرة سخيفة في هذا العالم الذي تحررت فيه المعارف، والمعلومات، والحقائق من سلطة الرقيب مهما حاول واهما أن يتمسك بمعطيات زمانه الذهبي، وقدرته على إعادة تشكيل الحقائق للجموع، فسوف يواصل الفشل مرة بعد أخرى حتى يقبل بأن العالم تغير، وتجاوز تلك المرحلة. النقاشات في تويتر مكشاف جيد على الفارق الهائل بين تجربة الفرد في التعامل مع العالم المتفاعل، وتجربة المؤسسات في ملاحقة هذا الزخم العالمي الجارف، ومن أراد خيرا للناس، فليحترم الناس أولا، وليصنع لهم منبرا عادلاً خاليا من تحيزات الرقيب، ومشاكله الكثيرة، ولكن على من تقرأ زبورك يا داوود! القمعي يدعي أنه يدرأ المشكلة وهو يصنعها. الاستعلائي يدعي أنه يحترم جميع الآراء، وتستمر صناعة الخطاب منزوع الدسم، منزوع القيمة المعرفية، العمومي، الدعائي، المزخرف، والذي يفعل ذلك هو الذي يطلق الأحكام هو الذي يمنع التبرعم الفطري للرأي والإبداع والكلمات، ويبقي الدائرة تدور، عود أبدي لحكاية الرأي، والحرية، والحقيقة، والمعرفة، والنقد، وهكذا دواليك، حركة لولبية، لن تسفر عن تغيير إلا بعد حدوث الأزمات! والمثير للغيظ، أن الذي صنع الأزمة، هو الذي سيتحرك لحلها! وكأننا لا نتعلم مطلقا من أي شيء حدث من قبل!


ما يحدث في تويتر، ليس سيئا، وليس خطأ، وليس مزعجا، ولا يفترض أن ينزعج منه أي طرف إلا ذلك الطرف الذي يودُّ أن يقسر الآخرين على تبني وجهة نظره. ما يحدث هو اتفاق على الاختلاف، وكل إنسان يجود بما لديه من حجج ومجادلة، وهذا هو الجانب الصحي في المسألة الرقمية. ما يحدث ليس "ضحلاً" وليس "خاليا من المعنى" وليس "سيئا" .. ما يحدث هو طاقة جماعية هائلة والذي لا يجيد التعامل معها باحترام، وتقدير لكل فرد فيها على حدة هو الذي يصنع الأزمة الكبيرة، وهو الذي يكهرب كل شيء، لأنه لم يحترم الطرف الآخر بما يكفي لكي يعطيه قيمةً لرأيه، وبالتالي، سواء كان هذا الطرف من الناس، أو من الرقيب، أو رقيب من الناس، أو فردٌ متمسك بفردانيته، أو منتمٍ متمسك بانتمائه، أو صانع زخم، أو قائد جموع، أو "مؤثر" أو مجرب، أو ما يكون! كل هذه الطاقة الجماعية، تضخُّ الكلمات، والمجادلات، واللغة، والإبداع، والصورة، والصوت، والرسمة في المكان الذي يستوعبها بطريقته. تويتر ليس جنة الله في الأرض، وليس حريةً موعودة، إنها منصة رأسمالية تبيع وتشتري في كوكبٍ كامل، بخوارزميات هدفها الربح، حاله حال الانستجرام الذي لا يحبك لسواد عينيك، الأمر نفسه. الذي يجعل هذه المنصات جاذبة، وخيارا أول، لتلقي المعلومة، ولإرسالها لأنَّ التقصير في الاستفادة من هذه الطاقة الجماعية [الاجتماعية] يجابَه بمدرسة قديمة، تميل إما لتعطيل الكلام، أو لنزع معناه وتحويله إلى عموميات لم تعد تنطلي على أحد، أو ما هو أسوأ. الخلل أكاديمي، وإعلامي، وتلام المؤسسات الأكاديمية قبل مؤسسات الإعلام. الخلل الكبير، هو عدم وجود مساحة اعتراف، واعتبار أن المنبر المؤسسي قيمة لمن يرتقيه! وهذه معضلة الفرد في هذا العالم الحديث. تكون رقميا: قيمتك هي "تايملاين" وملفات رقمية، وتأثيرك وانتشارك تحدده اشتراطات رقمية غامضة مبنية على إعلاء المربحين للمنصة. تكون مؤسسيا: تتعامل مع رقيب يريد من البشر القيام بدوره بدلا عنه، يفشل في الوصول للناس وإقناعهم، وبالتالي يستخدم منابره كوسيلة لي ذراع، وسيتلف عقلا وراء آخر، ومبدعا وراء آخر، ويتحيز، ويمارس الشخصنة واللف والدوران ولا يبالي أن يتسبب بأزمة شعبية بين الناس وبلادهم فقط ليحافظ على موقعه كرقيب، لعل، وعسى أن يخفف هذا عنه مسيرة الخفوت، وتضاؤل التأثير، والشعور العام بأنَّه يؤدي واجبا شكليا على الرغم من تضخيمه المستمر لمنجزه الذي يُسأل عنه بكلمة "أين؟" أكثر من كلمة "كيف!" وككل مشاكل الكلام، الجميع يعرف ما هي المشكلة، والحل يحتاج إلى أن تغضب الجميع! بالتالي، من هذا الذي سيجازف بأن يكون شجاعا في اعتبار الرأي الفردي العام وسيلة إنتاج، ونمو، ورقابة تفيد الدولة والمجتمع، ومسؤولية تغرس في الأجيال؟ الجميع سيختار تلقائيا خيار السلامة، وعندما يكون الأمر بيده، سيختار ما هو أسلم، وما هو أصمت، وما هو أبعد عن المجازفة والتجربة، وهذه حكاية الكلام المستمرة التي لا يريد شخص أن يتقدم إليها لفرط ما فيها من غموض المجهول، ومن احتمالية الخروج عن المألوف، فضلا عن المعضلات الآخرى السياسية، والاجتماعية، والفكرية التي لا حل لها. انتظار العربة، أو انتظار الأزمة، ووقتها إما الفوضى أو الجمود، الفوضى تقود إلى حلول الصمت، والجمود يقود إلى حلول التسليم واليأس، ودائرة، كلها تصب في النهاية في تعطيل مصدر نمو اجتماعي لأن هذه المهمة يقوم بها بالنيابة عن مجتمع كامل، مجموعة من الأفراد الذين يظنون أنهم يملكون مفاتيح الصواب! عموما، كما قلت وأقول من قبل #الماشيئفائدية هي إحدى تقنيات التأقلم مع وضعٍ مثل هذا. هنيئا للرقيب كل ما يفعله من تعطيل لهذه الطاقة الهائلة والمثمرة فقط بحجة أن خطأ واحدا يشمل بالضرورة الجميع! أمَّا تفكير منتج ومثمر بصراحة!

الساخطون!

ما الذي يدور في عقولهم؟ هؤلاءِ الذين يجعلون السخطَ أساس تعاملهم مع الآخرين! ما الذي كان يمكنه أن يقدمَ لعونهم؟ ومساعدتهم، لتجنب النهايات المؤلمة للإنسان الذي لا يعجبه العجب؟
ثمَّة بشرٌ في هذه الحياة حرموا على ألسنتهم الكلمة الطيبة. وصنعوا عشرات التبريرات لعقلنة أسلوبهم، وطريقتهم في التعامل والحوار. أظن أنك يا عزيزي القارئ قد يتبادر لذهنكِ شخص أو شخصين، تنزعج دائما من طريقتهم في الحديث معك، ولا أقصد هؤلاء، الذين لديهم أمل كبير في اكتشافِ ضرر سلوكهم عليهم، وإنما هذه الحالات التي وصلت إلى الحدود الضارة، وبدأت تعيش في عزلةٍ، وفي بعدٍ، ويحيط بها الشعور باليأس منهم، كما يأكلهم من الداخل الشعور باليأس تجاه الحياة، وتجاه الآخرين، وأنهم لا يتغيرون.
دائما ما أتساءل، كيف يمكن مساعدتهم؟ ما هو القلق الشديد الذي يدفعهم إلى الهجوم بشكل قهري على كل شيء. البعض قد يجد سهولةً بالغة في إطلاق إطارٍ عريضٍ كالوسواس، أو، القلق، البعض قد يتقصى أكثر، هل لدينا إنسان يستمتع بتكسير مجاديف الآخرين، ووصمهم بالنقص، والتعبير عن السخط، أما لدينا إنسان يؤذيه ما يقوله، لكنه يندفع لقوله، يقوله كأنه مسحور، به شيء ما يدفع به دفعا للانتقاد الجارح، وللانتقاص مما هو جميل، أو ما هو مشجِّع، أو ما هو عفوي، أو ما هو متحمِّس!

كيف يمكن أن تتعاطف وأن تساعد إنساناً هذا ما يفعله؟ لعل الخطوة الأولى هي أن تبني دفاعات بينك وبين نفسه، وتتقبل أن هذا الخطب الذي به، وتتخذ قرارا ينفعك، بألا تعتمد عليه كمصدر من مصادر التشجيع!
نغرق أحيانا في البحث عن الأسباب، ونحاول البحث عن أسباب للغفران، وهذه شيء جيد، هل تتخيل ذلك الشخص الذي يهاجمك بضراوة إن قلتَ له أنك تمارس اليوجا مثلا! فيهجم عليك بقسوة، ويصفك بالسخيف! ثم يهجم على العالم الضحل والسطحي! لدرجة أنك تندم أنك شاركته ذلك الاهتمام؟
هل تخبر شخصا ما أنك قبلت في تخصص، فيحقن سخطه تجاه الحياة في لحظتك؟ وكيف أن هذا التخصص نهايته البطالة؟ وأنك تذهب بحياتك للجحيم!
المشكلة أنهم لا يقولون ذلك وهم يقصدون الأذى، ثمة هلعٌ تجاه الحياة، وشعور عارمٌ باليأس، وإن عزلنا احتمالية أننا نتعامل مع إنسان سام يستمتع بتلويث سعادة الآخرين، سنجد أننا نتعامل مع إنسان متألمٍ، لديه الرغبة في أن يسعد بسعادة الآخرين لكنه يعجز عن الاطمئنان تجاه الحياة بما يكفي لكي يثق في حدوث الأحداث السعيدة!

الأسباب التي تجعل شخصا ما ساخطا، وغاضبا كثيرة، السؤال هو كيف نتعامل معه؟ وهذا السؤال ذي الإجابة الأسهل! السؤال الأصعب هو: كيف يمكن أن نساعده؟ كيف يمكننا أن نهدئ من روعه، وكيف يمكننا أن نعيد تذكيره بتلك الأسس المتفق عليها بين البشر، حول المعاملة، واللطف، وأن اللطف الذي ترسله يعود إليك، وإن قبولك بين من تتعامل معهم شيء عليك تعلمه، وتطبيقه، وتصويب مساره!

مشحون بالغضب، لكنه يسمه حكمة. مليء بالسخط، ويسمي ذلك واقعية، يسمي ردة الفعل موقفا، يتكهرب عندما تقترب من البضعة المشحونة بالهلع، حتى محاولتك للأخذ بيده لكي ينظر للحياة نظرة أكثر تفاؤلية، سيلطمك كما يفعل أكثم بن صيفي "سوء الظن عصمة، وحسن الظن ورطة" وكلامه صحيح، إن كنا نتكلم عن إنسان يعيش في غابةٍ، أو في ساحة غربةٍ. الذي يفعل ذلك في محيط مملوء بالحب، والتفهم، والعون، والصبر، هذا هو الذي يثير الأسئلة. ما الذي كسرك إلى هذا الحد؟ وما هي الطريقة التي يمكن أن تُعان بها؟ من طريق تأقلمنا مع الشخصيات الساخطة، تحويلها إلى نموذج أدبي متداول ورائج للشخصيات السامة. وهذا خطأ، الساخطُ الغاضبُ يختلف عن الذي يلعب بمهارةٍ على الأعصابِ المكشوفة في وجدانك، ذلك النرجسي الذي يضربُك ببراعةٍ في نقاط ضعفك، والذي يكسرك بتعمد، ويستخدمك في ألاعيبه الاجتماعية، أو السياسية، أو التجارية، أو حتى الفنية والثقافية. هذا النموذج يعرف ما يفعله أما النوع الآخر، الساخط الهلوع لا يعرف أنه يفعل كل ذلك، إنه يمر باندفاعٍ مشحون بالقلق على كل ما لا يعبأ به من نفسه، يمر على حلق الألغام راكضا، تنفجر فيه، تؤلمه وتؤذيه، أما السام فهو جبانٌ ذكي، يلقي بالحجر من بعيد، يترك مؤقتات مدروسة لكي لا يكون هناك عندما تبدأ جروحك بالنزيف. كيف يمكن فهم هذا الإنسان؟ هذا شيء! كيف يمكن مساعدته هذا شيء آخر. تخيل أن تتعامل مع غريب ساخطٍ لا يعجبه أي شيء. وكما اتفقنا أعلاه، تيقننا أننا لا نتعامل مع إنسان يجد إحباط الآخرين ممتعاً، شخص مكسورٌ من الداخل، هلع، قلق، يكون وسائل دفاعية كثيرة، ويستخدم الهجوم النفسي على الآخرين عندما يشعر بالضغط! كيف يمكن مساعدته؟ من الأساس من هذا الذي "فيه بارض" لكي يتعايش معه طبيعته الساخطة؟ لا شيء يعجبه، ولا تصدر من فمه كلمة طيبة، والتعامل معه صعب، والابتعاد عنه هو الخيار الذي يفاقم المشكلة، ويجعله يعيش في دائرة حيرته، وبحثه الدائم عن السبب، فيعود، ويلقي باللوم على العالم، ويزداد سخطا، وبعد ابتعاده، يأتي اقترابه وقد اكتسب شحنة جديدة من السخط، وهكذا دواليك حتى تتحقق الصورة النمطية الاعتيادية للإنسان الذي فقد اتصاله مع الآخرين، ولم يعد قادرا على الحوار أو الحديث مع أحد. كثيرون يمكن إنقاذهم من هذه الخسارات. يمكن تجنب دخولهم للنهاية في نفق الاستخفاف بمشاعرهم الذاتية، وبآمالهم، وبالتالي بآمال الآخرين. تتفاقم المشكلة عندما نبحثُ عن ما يهدئ روعنا من الذين يعانون من الآثار الكاوية لليأس والتشاؤم، أو الآثار الحارقة للقلق والهلع، أو الآثار الانفجارية للغضب والكبت. هنا يصبح لدينا مشكلتان، والمشكلة أصعب بكثير عندما يكون الطرف الثاني طفلا لأبٍ أو لأمٍ يعاني من هذا الوضع. التعامل مع إنسان غير قادر على اللطف، أو إنسان حمضي كاوٍ ينفث ما في غدته تحت ظروف معينة، ليس سهلا. التعايش مع ما يسببه من آثار محبطة ومقلقة في محيط العمل، أو في محيط القرابات الاجتماعية صعب للغاية، ثمة أشياء علينا أن نعززها في أنفسنا قبل المجازفة بتقديم التعاطف أو النصح أو العون لإنسان يخسر بالتدريج الذين حوله بسبب قلقه، ومنظوره الحاد اليائس أو الساخط. إنهم يخسرون الكثير، يخسرون من حولهم، يخسرون من روحهم، يخسرون تفاؤلهم، يخسرون صحتهم النفسية، يخسرون صوابيتهم المنطقية، يخسرون ذلك الدفق الوجداني الرئيسي الذي نحتاجه لنكمل الحياة، دفق الأمل، والمحبة، وتوالد الخطط والأحلام. إن وضعت على عاتقك أن تساعد أحدا منهم، فلتكن الخطوة الأولى أن تحمي نفسك من آثار سخطهم، وأن تحاول بجمال ومحبة تذكيرهم بالجميل في الحياة، بنسختهم السابقة قبل أن يستولي عليهم القلق والسخط، أو الغضب، أو اليأس، أو الاستخفاف. نعم! قبل أن تساعدهم، عليك أن تساعد نفسك، وتحمي نفسك، وتحيط تأثيرهم عليك بنسيجٍ كثيف مضاد لاختراق سهام القلق، ونثار الزجاج الجارح، وقطرات الحمض الكاوي التي قد تفور منهم وأنت تقترب من جرح نازف، أو ندبةٍ لم تشفَ في أرواحهم، أو كسر شديد في أجنحة روحهم. أن تفعل ذلك مع إنسان ليس من محيط أحبتك وأصدقائك، فأنت هنا الذي يجازف بطمأنينته، وربما تلعب دور المنقذ، وربما من الأساس تتدخل في الذي لا يعنيك، أن تفعل ذلك مع إنسان لم يلجأ لك، ويرفض تدخلك فأنت المخطئ هُنا، عليك أيضا أن تتذكر ذلك قبل أن تحاول برومانسية بالغةٍ الانشغال عن مشكلاتك بحل مشكلات العالم. لكن أن تفعل ذلك مع من يستحق، لن أقول هذا واجبك، لكنه من أفعال الخير الجميلة، التي تعيد الأمل للمكروبين، وتعيد الطمأنينة لمن فقدوها، وليس عليك أن تكون مسلحا بالحقائق، بل بالصبر، والمنطق، والأهم، أن تكون قد حميت نفسك من الآثار المرهقة لإنسان يعاني بشدة. تذكر، إنه يعيش قلقه وهذا يؤلمه، يعيش يأسه وهذا يؤلمه، وأن يتحدث عن مشاكله هذا يؤلمه، قد لا تكون دعوة من يعانون من داء السخط المتراكم إلى جلسة فضفضة وتنفيس هي الحل، بقدر ما أن دعوتهم إلى جلسة هادئة، من القهوة، أو رحلة لمشاهدة مباراة، أو فيلم أهم. ربما! كل شيء في هذا المقال قادم من كلمة ربما، المغرقة في الاحتمالية. من الذي يساعد هؤلاء الذين فتك بهم السخط؟ هؤلاء ليسوا جاذبين، ولا يشعرون المرء بالمكافأة المعنوية. تحيط بهم التصنيفات، والتأطيرات، كأشخاص مزعجين، أنانيين، وقحين، ونعم قد يكون بعضهم هكذا، السؤال هو، كم منهم كان يمكن إنقاذهم من النهايات المرة للوحدة، وانفضاض الجميع عنهم، بكثير من التفهم، وقليل من التعاطف!
 

ماذا عنك عزيزي القارئ؟ ماذا تقول في حق هؤلاء؟ 

الثلاثاء، 19 مارس 2024

حوارات علمنفسيَّة!

 مشكلة علم النفس، ومن أكبر مشاكله، إنه علم عابر للزمان والمكان. يعني، كل فترة يطلع لك "تريند" وينال اهتمام عالمي كبير، ولا تكاد جريدة تخلو أو موقع إلكتروني، أو حتى "ريلات" الانستجرام وغيرها من وسائل الإدمان الرقمي البصرسمعي منه!

الشخصية النرجسية تارة، ثم اضطراب الانتباه وفرط الحركة [ADHD] ولما نمل عاد من هذي الحبشتكنات نرجع إلى موضوعنا الكبير عن جنون العظمة، وموسوليني، ونرجع إلى الجوكر، والشخصيات السيكوباثية، وهكذا دواليك. أما علم النفس الحقيقي، فهو ممل، وكله خطوات فوق خطوات داخل خطوات وقوائم داخل قوائم، وعملية استبعاد طويلة وممنهجة، وإجابات قليلة، وأسئلة كثيرة، ومنطقة رمادية، وفي النهاية تكاد تقول إنه نص قانوني، ودستور عالمي، وشيء فيه اجتماعُ علماء كوكب الأرض، وأمم متحدة، وجمعية أمريكية لعلم النفس، وجوردن بيترسون الذي يمنح صكوك الجحيم، وغيرها. كيف أشبه أن تكون طالبا لعلم النفس، أو مهتما؟ وأنت مهتم بعلم النفس، ما أن تجد الإطار، ستتسرع لحشر معرفتك ووعيك وانتباهك داخل هذا الإطار. وأنت طالب في مجال علم النفس تبدأ "تتأدب" ولا أقصد بكلمة "تتأدب" أي كنت قليل أدب، بل أقصد تكتسب أدب العلم، وتعرف ثم تحاول بناء الإطار المناسب، تتوقف عن التفكير من جهة الإطار إلى الداخل، وتفكر من الداخل إلى أقرب إطار ممكن، وفي أحيان كثيرة تصفعك الحاجة إلى تخطيط الإطار بنفسك. شيء من هذا القبيل. ولو كنت من المهتمين بعلم النفس ووقعت في هذا الفخ، لا تلم نفسك كثيرا، من لم يقع فيه من الأساس؟ عملة التفكير بوجود إطار نمارسها في علم النفس وخارج علم النفس، ولا علاقة لذلك بالتشخيص والأمراض، بل أيضا في تسمية الأشياء. تسمي الاندفاع، حماسة. تسمي وقاحتك صراحة، تسمي السلوك القهري بالواجب، تسمي المكاشفة سمية، لا تفرق بين حقك واستحقاقك، أشياء بعدد المواقف في هذه الحياة قد لا تسميها باسمها الدقيق. علم النفس هُنا يلعب دور العجوز، الذي يلبس نظارة، والذي لا يدخن الغليون، ويقول لك لحظة، هذا اسمه كذا، وذاك اسمه كذا؟ ليش يا عمّو علم النفس! هو كذا علم النفس، مثل عجائبية سيف الرحبي، لديه طريقة في تسمية كل شيء، أنت متفق، مختلف، هو كذا، تراكمت المعرفة البشرية وقررت تلك التسمية لسلوك، أو لشعور. لو كنت مهتم بعلم النفس لسينمائيته، نعم ستجد مدارس هائلة، بس ربما أحسن لك تدرس علوم جنائية، وتجرب تسوي مقابلات مع آلاف السجناء، وربما كنت محظوظ وتصير خبير في مجالك، وينفعك في كتابة تجربة تحليلية أو بحثية أو أدبية عظيمة. أما لو كنت تريد تعطي ما لسيف الرحبي لسيف الرحبي وما للناس للناس، تأقلم مع مساحة شاسعة من الشرطية والاستبعاد، وسوي لنفسك بارض، واحفر في الشاطئ، ومن ثم في الصخر، ومن ثم في التراب، واكتشف كل التجربة البطيئة وهي تحيطك بمهارات تجعلك نفساني جيد في مجالك. ومثلا، في علم النفس يتكلم عن ظاهرة التأجيل، مثلا، أنا معي امتحانين اليوم، لكنني مصر أصيغ كل أفكاري التي تعطلني عن المذاكرة على هيئة مقالات في تويتر، بينما القضية الحقيقية إني لازم أتأدب وأروح أذاكر قبل لا أنقص درجات وأنا أمتحن وأنا صايم! للحديث بقية غيب ذاكر يا ماريو


سؤال يحزنني دائما، لأن الإجابة الحقيقية، من صاحب تجربة، ثم من طالب في هذا المجال، دائما تختلف عن التصورات، تختلف جذريا، وكليا. أولا، قبل الذهاب إلى طبيب نفسي يعالج بالأدوية والعقاقير، السؤال بشكل عام، هل لقاء مختص في الصحة النفسية هي خطوة حكيمة؟ بشكلٍ عام، علم النفس غير مرتبط فقط بالأمراض، والمختص النفسي لا يعمل فقط في مجالات المرض، والاعتلال، أشياء كثيرة مرتبطة بعلم النفس، مثل الذاكرة، والسلوك، وتكوين قوالب الفهم، وجود أخصائي نفسي في حياتك هو وسيلة وقاية قبل أن تضطر للعلاج. ليس من المستغرب أن يتمسك الإنسان بسوائه النفسي، فهو مرتبط بشكل كبير "بالأنا" سواء تلك الأدبية، أو تلك الفرويدية الملتبسة الغامضة في التعريف بين بدائيتنا وجمعيتنا. لهذا نكبت الكثير من مشاكلنا، وننتظر حتى نمرض، وهذه هي المشكلة في رأيي، لأن الجميع متفق أن الوقاية خير من العلاج، كاتفاقنا مع ضرورة الحمية الغذائية مع مرض السكري، أو الضغط، كاتفاقنا أن الذي يعاني من الكوليسترول أو الكبد الدهني يحتاج إلى بعض الرياضة، كل هذا نتفق حوله، لكن عندما يتعلق الأمر بزيارة [مختص بالصحة النفسية] نصاب بذلك الخدش المروع للأنا، وتعمل الوصمة الاجتماعية المدعومة بالسينمائية الرائجة والمتداولة، مع الانطباعات الاجتماعية لكي تمنعنا عن فعل شيء ينفعنا بشدة. الذي يقابل أخصائيا نفسيا، لا يفعل ذلك بالضرورة لأنه مريض، تستطيع مقابلتهم وأنت بخير لتكون موظفا أفضل، لك تتبنى صناعة عادات جيدة في حياتك، لكي تتحدى القلق الذي تسببه لك المهنة، لتتعلم عن التركيز، والذاكرة، ولكي تقوِّم بعض السلوكيات التي قد تنقلب ضدك بعد سنوات أو شهور، مقابلة الأخصائي النفسي شيء نفعله، والجلسات النفسية والتقويمية والعلاج بالكلام شيء نمارسه دائما، لكننا نقابل كل أحد غير ذلك المختص. جلسات الكلام مع الأصدقاء، والمكاشفة، وفتح القلوب "والفضفضة" التي في محلها وفي غير محلها، نفعله مع شخص غير مختص بالصحة النفسية، لو فعلناه مرة كل أسبوع مع أخصائي نفسي لوجدنا نتائج جميلة جدا خلال شهور. لكن، نفضل مقابلة الأخصائي النفسي بعد نزع القيمة الشكلية للعلاج النفسي. المدرب في صالة الحديد: أيضا شكل من أشكال العلاج السلوكي، وصناعة العادات، ونعتمد على معرفته التجريبية، التراكمية بالسلوك البشري، وهو ومدرسته، من السهل أن نتأقلم مع مدرسة غير متعمقة في علم النفس السلوكي تصدر من مدرب عضلات، لكننا نأنف أن يحدث ذلك مع أخصائي علم نفس سلوكي، لماذا؟ مجددا هي تلك "الإيجو" المرتبطة بالاستقلالية في القرار النفسي، والغم، ثم الغم، ثم الغم، أول ما يتعلمه الأخصائي النفسي هو أنَّه لا يتدخل، يعني سبب غير وجيه لعدم مقابلة شخص يخص صحتك النفسية. جلسات التقويم الوظيفي، مقابلات الوظيفة، كلها بشكل ما أو بآخر تم نسجها من قبل عقول [علمنفسيَّة] الاختبارات السيكوميترية، وتقويم الأداء الوظيفي، والعقوبات، وحتى مواعيد العمل، واختيار ساعات العمل، كلها وضعت بمشورة، واستشارة، وعمل نفساني، نقبل كل هذا لكننا عندما يتعلق الأمر بمشاعرنا السيئة والمؤذية لنا ولغيرنا نتعامل مع الأمر كعبء سري، وكأن مقابلة الأخصائي النفسي مجرد "دلع". العلاج بالعقاقير، أو "الطبيب النفسي" مقاربة من مقاربات الحلول، ولك أن تختار، جلسات بالعلاج بالكلام، والتقييمات النفسية، وتوضيح ملامح السلوك، قد تمتد لعشر جلسات، أو مضاد اكتئاب يعمل بعد أسبوعين، وبعدها تعود إلى سابق عهدك، تتلقى العلاج النفسي الإدراكي من مصادر غير مختصة. تفعل ذلك في خطابك الداخلي، ومعايير نموك القيمي والأخلاقي، وتحديدك لما هو صواب وما هو خطأ، وقد تخطئ في تحديد الصواب الخطأ وتتعلم بالتجربة. تتلقى العلاج النفسي الإدراكي من المجتمع، ومن الدين، ومن كتب التنمية البشرية، ومن المتحدث التحفيزي المختص غير المختص، وربما يلامس شيء ما قلبك في "ريل انستجرام" أو في تغريدة لمغرد تحب متابعته، وتتلقى منه العلاج، بدون مدرسة متكاملة الأركان وبدون أخصائي. العوارض النفسية لن تزول عنا، ولو تسألني، وجود أخصائي نفسي تقابله مرة كل شهر على الأقل هو جزء من واجبنا في العناية بأنفسنا، هذا ونحن [بخير] نعم لقد قرأت الكلمة، ونحن بخير يجب أن نقابل أخصائيا نفسيا لكي نجوِّد عملنا، وخطابنا الداخلي مع أنفسنا، ويجب أن نتوقف عن حصد التوعية النفسية، والعلاج الإدراكي، وصناعة العادات، وتقويم السلوك من مصادر مرتجلة بعضها يتناقض مع بعضها البعض لاختلاف المدرسة. ثمة أمراض نفسية من الكارثة أن تحاول حلها بغير أدوية، وثمة عوارض نفسية قد لا تحتاج إلى دواء راديكالي جذري له أعراض جانبية كثيرة، مقابلة الاثنين، الأخصائي النفسي، والطبيب النفسي يجب أن تكون جزءا من سلوكنا الاعتيادي الصحي سنويا، يجب أن تذهب، وأن تخضع لكشف عام، وأن تتحدث عن سلوكك، وعن مشاعرك المؤذية، وعن السلوك الذي يضرك، وتأخذ صورة شاملة عن تفاقهم وضعك النفسي، بهذه المقابلة وربما ببعض الاختبارات المتعلقة بالأنماط الشخصية، أو بالأنماط المرضية قد تكتشف بعض المشاكل قبل تفاقمها. لذلك، إجابتي يا صديقي العزيز، ليس من يجرؤ أن يقابل الطبيب أو الأخصائي النفسي وهو ليس بخير، بل يجب أن تجرؤ على مقابلته وأنت بخير، وبكامل طاقتك، وبكامل إنتاجيتك، ففي علم النفس كنوز هائلة لتوجيه طاقتك، ولتأمل ذاتك، ولصناعة النجاح، ولحل عقد الخوف من المجهول، ولكشف أنماط سلوكية مبكرا قبل أن تحقق بعض مبتغاك في هذه الحياة لتكتشف أن زيارة مؤجلة ست سنوات لأخصائي نفسي أخبرتك عن معاناتك من وسواس طفيف تفاقهم، أو مع نمط تفكير كان يمكن أن تحله ببعض الواجبات العلاجية، والقليل من الكتابة، أو تسجيل الملاحظات، وغيرها من وسائل كثيرة هدفها أولا وأخيرا نقلك إلى حالة من قبول التغيير، وبالتالي اعتناق السلوك الأفضل لك، والأصوب لتحقيق ذاتك. وشكرا على طرحك لهذا السؤال الجميل جدا جدا، تركت مذاكرتي بضمير مرتاح لأرد عليه.

لا أسمي ما أفعله صراحةً، بقدر ما أسميه وضوحا. أنا هو الشخص نفسه الذي ذات يوم في سلسلة من الهذيان المرضي، كنت أتكلم من وحي الخيال مباشرةً، في تصديقٍ جازمٍ لضلالات مرضية، كنت أعتصر ألماً وأنا أتذكر لحظةً من اللحظات، سواء تلك المتعلقة بفقدان السيطرة على الأعصاب، أو بكل بساطة، بالجنون، وتصديق الخيال. مرةً من المرات، في فيديو مشحونٌ بالتداخل المر بين الواقع والخيال كنت أوجه رسالة شديدة اللهجة إلى حكومة سلطنة عُمان، وأهددهم بأن التنظيم الشيوعي الذي أديره، دخل في كل مفاصل الدولة، الجميع تعامل مع ذلك الفيديو بشكل ضاحك وساخرٍ، وظن كثيرون أنني أمزح، والواقع المر أنني كنت حقا وقتها أتكلم بتصديق تام، وبجدية تامَّة، والسبب النفسي واضح، وهي إحدى آليات التعايش مع الصدمات، تعبير عن الشعور بالعجز أمام السلطة واللجوء إلى الخيال، الأمر يشبه أحلام اليقظة لكن في حالتي ولظروف عديدة تحول إلى مادة مرئية شبه ساخرة. لم أتعايش مع هذه النكسات العلنية بسهولة، العلاج النفسي ساعدني بشدة في الممايزة بين الذي كان تحت سيطرتي، والذي لم يكن تحت سيطرتي، وهنا تأتي أهمية المعالج النفسي، فهو حكمٌ أكثر حيادية من طاقم تحكيم برشلونة مثلا! الوضوح الذي أتبناه هو خط عودة للواقع، ولقد خسرت الواقع من قبل، عدة مرات، خسرته بالضغط النفسي الشديد، وخسرته بإدمان المخدرات، وخسرته بالتلاعب بأدويتي التي كنت أدفع بها دائما لوضعي تحت حالة الهوس المرضي، الجزء المليء بالحبور [المرضي] في حالات ثنائية القطب، وخلال هذه السنوات، طورت مجموعة من السلوكيات الضارة لنفسي ولغيري. وصف أنفسنا نفسيا، وسلوكيا، مهارة صعبة للغاية لا أمتلكها، ومن الصعب أن يمتلكها المرء تجاه نفسه، هنالك دائما معضلات في عزو ما حدث للظروف النفسية الداخلية أو الخارجية، ومن الأساس هذا التقسيم تقريبي ولا حدة من الصواب فيه، ولا جزم، ولا حسم، ولكن وجود المعالج النفسي الماهر يقرب هذا الصواب في الحكم إلى واقع تاريخي، يحول كل شيء إلى وقائع وذاكرة، وما أن يمسك الإنسان بحقيقة ما حدث، تبدأ عملية العلاج الفعلية. أنا متعايش مع حقيقة حالتي منذ زمن طويل، واضطررت لتكوين شخصية دفاعية شرسة للغاية عندما يحاول أي مخلوق كان الاقتراب من أهليتي العقلية، وفي الوقت نفسه، لدي نزعة دفاعية هائلة وخوف شديد من مناطق الاضطراب والجنون، لأنني أعرف جيدا معنى أن يفقد الإنسان سيطرته على عقله. ترفق الله بي، وللظروف الخارجية دور كبير في استقراري، وهي نعمة من الله، هذه الامتيازات التي لا يملكها شخص بنصيب أقل من الوعي، أو اللغة، أو الكتابة، أو الإبداع، أو أن ينتمي لعائلة تصالحت مع مرض ابنها وتحالفت معه في إبقائه بخير، هذه الظروف لا يملكها آلاف مؤلفة من الناس الذين يُخفون، وبعضهم يسجنون في غرف مغلقة، وبعضهم يربطون بالسلاسل، وبعضهم يُذهب به إلى دجال ليربطهم بالحبال بحجة إخراج العفريت الذي سكنه. سؤالك لم يكن مجرد تغريدة، إنها قضية حياة بالنسبة لي، قضية وجود مع البشر الذين أؤمن بهم وبحقوقهم، قضية نضالٍ آمل أن أكون أحد جنودها المخلصين، ومع أنني أعاملُ دائما "كعاقل" أو ككاتب على قدر لا بأس به من الموهبة، أو "كعاقل" يمتلك مهارات لا بأس بها من التحليل والقدرة على التفاعل مع الواقع، لم أجعل هذا يخدعني يوما ما لأكون من المترفين بعقولهم، أنا لست من هؤلاء، ولو كنت منهم لانتميت لهم بضمير مرتاح، أنتمي لهؤلاء المضطربين عقليا، الذين يقاسون ويعانون في السيطرة على عقولهم وعلى أفكارهم، هؤلاء الذين لا يفهم أحد لماذا يخافون من النوم، ولماذا ينعزلون بالأشهر، ولماذا يطمحون ويحلمون بالطمأنينة، أنتمي لكل هؤلاء الين يفتك بهم القلق، والغضب، وأنتمي لكل هؤلاء الذين لطالما فكروا بالانتحار لسنوات متتالية، وبعضهم فعلها، وبعضهم أكرمه الله بالحياة. هذا الوضوح يا صديقي، جزء من القضية الكبيرة، وتخص فئة من المجتمع قليل من يهتم لأمرهم، فئة في كوكب الرأسمالية تعتبر "فئة غير منتجة" وفي كوكبنا العربي تعتبر "وصمة عار" .. ولذلك يا صديقي، مثل هذه الأسئلة، تذكرني بما أكونه في حقيقة الحياة، مع أن المغريات الوفيرة التي أمامي تجعلني أنصاع أحيانا للعب دور الذكي، العبقري، مفرط النشاط، صاحب التجربة، أو الابن الضال الذي عاد إلى رشده، وأعترف أنني أستجيب أحيانا مع بعض الحمقى لهذا الإطار الجاهز، فقط من باب عدم تضييع الوقت في نقاش لا يرجى منه فهم أو وعي. أما الحقيقة الصافية، أنني شخص يعاني من اضطراب نفسي، ارتكب الكثير من الأخطاء، وارتكب في شأنه الكثير من الأخطاء، وتحولت مع الوقت والسنوات وتعقيد الظروف إلى حالة صعبة من العلاج، ونبذ العلاج، والصدام، قبل أن يأخذني مركب الحياة إلى اللحظة التي إما أستعيد فيها سيطرتي على عقلي، أو أخسر قدرتي على الحياة المستقلة، كانت ست سنوات كاملة من الصراع والتجربة، وهي مستمرة، ولم أعد أعبأ بتشخيصي، أو بالإطار الذي يعينني على الفهم، كل ما أفكر به هو السلوك، والموقف تجاه أي شيء، ومهما كانت الأشياء لحظية، أعود، فأدرسها، وإن كنت مخطئا، أعترف بخطئي وأحاول تصحيحه، وإن لم أكن مخطئا أحارب بضراوة حتى يكف المعتدي عدوانه. والحق يقال: هي حياة ممتعة جدا، اضطراب البصيرة المؤقت يعطي نتائج أدبية رائعة، لكن هل أعاملها كحقائق، كلا. وعاد لك أن تتخيل التوفيق بين كل هذه الاضطرابات، وبين حياة اجتماعية حتى هذه اللحظة من الأسهل لك أن تلعب دور المصاب بعين، أو الذي "اختطف الجن والعفاريت عقله" بدلا من أن تقول أعاني من اضطراب في المزاج، ولا أنام خمسة أيام، واحيانا عندما أتعاطى جرعة عالية من الحشيش، أو عندما أعاني من نوبةٍ هوس كبرى أهدد الجيش بأنني أمسك جميع مفاصله، وأستطيع تحطيم الدولة بإشارة من يدي. نعم، كل هذا مضحك، مضحك بشدة، المؤلم أن تكون أنت الشخص الذي يضحك الآن، وأن الذي تضحك عليه هو نفسك، هو أنت في حالة سابقة. التأطير للاضطراب العقلي سهل للغاية عندما تعلم سببه، الكيماوي، أو الإدماني، المفزع هو ذلك الذي يحدث وأنت في بعيد كل البعد عن المؤثرات العقلية، لذلك يا صديقي العزيز جدا، هي رحلة طويلة، والبعد عن المؤثرات العقلية بداية الطريق، وبعدها، يتحول إلى واقع ممل، ممتع بغياب دهشته، متوقع، وخطوط عودة كثيرة، وسلوك يكتسب مع الوقت ديمومة مُرْضِية، وطمأنينة عامَّة يفسدها بعض القلق، لكنه لا يحطمها للحد الذي يجعل الانهيار التام طريقة تعايش مع الألم. ههههه ياخي، أفعل المستحيل كي أترك المذاكرة، صدقني لو كانت تويتر يسمح لي بكتابة مائة صفحة متتالية لفعلت من فرط هذا التأجيل الرمضاني للواجب الدراسي. كن بخير، مودة وسلام

رة حد سألني سؤال: ليش دائما الصحة النفسية مشكلة اجتماعية عالمية؟ فأجبته: لأنه في مكان ما يجب أن يقضي شخص أربع سنوات ليدرس، وسنوات طويلة ليتدرب، أو 12 سنة ليتخصص في مجال الصحة النفسية، وينسف رأيه شخص جلس قبل خمس دقائق في مقهى شيشة! هذي هي مشكلة الصحة النفسية في العالم أجمع!

بما إنه وقت المذاكرة حان، هُنا تنشرح النفس للكتابة عن رحلة ماريو التغييرية رقم ثلاثة، والنظام الغذائي في رمضان. أول اكتشاف جديد، عرفت لماذا نترك الحمية الصواب، ولماذا عدة مرات في العمر يمر علي مثل هذا الجدول الغريب وأتركه. لأنه أول أعراضه هو زيادة الوزن! نعم! كما قرأت. من يتوقع إنه الحمية الصحيحة هي ست وجبات، بلا حرمان، وتدريب للأيض! وقياس للسعرات، ولكن ليس بالطريقة الغشيمة، بطريقة هادئة، وخالية من الجوع الشديد، وترفع مستوى طاقة الجسم! صعب جدا جدا أن تصدق ذلك وأنت تمشي على غير هدى في عالم الحمية. على صعيد جانبي، أيضا، برنامج الذهاب لصالة الحديد استمر، ونعم صرت أستخدم الفعل الماضي لأنني واجهت تحديا في رمضان، وإذا بي "أنزحطُ" عن الخطة، ولكن لا يذهب بالك إلى أنني صرت كسولا! الذي حدث هو أنني خالفت نصائح أخصائية التغذية، والتي نصحتني مرارا ألا يتجاوز عدد ساعات التمرين "أي تمرين" عن ساعتين في هذه المرحلة من التدريب الأيضي، ولأن تمارين الحديد مرهقة وتتعب العضلات لم يكن هذا مطروحا، ساعة ونصف ثلاث مرات في الأسبوع، ومع أنه أستطيع الذهاب يومين إلى أكاديمية التنس كنت أفضل الراحة في هذين اليومين. وجاء رمضان! الذي حدث، أنني قبل دخول رمضان قد أنهيت متطلبات التدريب، وبدأت أجد بعض الطاقة في الذهاب لصالة التنس، فماذا كانت النتيجة؟ ماريو ينزحط مجددا في الحماسة غير المحمودة، ثمانية أيام متتالية من لعب التنس، وفي اليوم الأخير خمس ساعات كاملة. لم أستطع التوفيق بين التزاماتي، وغذائي، والذهاب لصالة الحديد، لذلك كنت بشكل ما ضمني أذهب لتنس الطاولة. بعد اليوم الثامن، آلام في الركبة، آلام في الظهر، وقررت أن آخذ استراحةً جيدة لمدة يومين ومن ثم أذهب لصالة الحديد. قلت في نفسي "دعني أذهب للتنس أسخن ساعة ساعتين" ثم أذهب لصالة الحديد، وكان ما لا يحمد عقباه! كبسة أثناء التسخين، وردة الفعل اللاإرادية، وآلم في العضلات القطنية في الظهر، تمزق خفيف جدا لكنه مزعج بمعنى الكلمة. لو كنت أطعت كلام أخصائية التغذية، وتمرنت بالتي هي أحسن لما مررت بهذا الظرف السخيف! يتضح لي أن راحة يومين بعد ذلك الجهد الشاق لا تكفي، وأنني ضغطت على جسدي بدون فائدة تذكر، والآن علي التعامل مع هذه الإصابة بالانقطاع عن الرياضة لمدة قد لا تقل عن خمسة أيام! ماذا أجدت تلك الساعات الإضافية؟ عدد الساعات التي ستفوتني تفوق كل الساعات الإضافية، والتي من الأساس لم تنفعني! درس صغير، وأيضا درس آخر ضمني عن ضرورة الإطالات قبل التمرين! عموما، لدي امتحانات، ومن السخف أن أنظر للموضوع أنه جيد للمذاكرة لأنه أصلا المذاكرة ساعات عمرها ما تعطل التمرين، بس يا ماريو تذكر لماذا هناك حد أعلى لكل شيء، ما شيء فائدة تجلس خمس ساعات وأنت آخر ثلاث ساعات مرهق وتلعب بربع مستواك! أنتظر هذه الإصابة تشفى، بعدين لي جلسة مع نفسي في ضرورة تطبيق الخطط حذفورا حذفورا!

مرحبا يا صديقي، المنظور الذي أنادي به هو إنه المرء منا يطبِّع علاقته مع العلاج النفسي، كونه من الأساس يتلقى عدة جلسات مرتجلة، غير متخصصة في سلوكه النمطي/ الطبيعي. وأنادي أي إنسان أن يلتقي مع طبيب نفسي، ومع أخصائي نفسي مرة في العالم على الأقل. سؤالك يحتاج إلى إزاحة بعض التصور النمطي عن موضوع العلاج النفسي. البعض يظن أن عملية اللقاء مع مختص في علم النفس هي عملية نبش، وتفسير، وتحليل، والذين يتبعون مدرسة التحليل النفسي الشائعة سينمائيا، والحديث عن عقد الطفولة، أو عن المشاعر المكبوتة يتخلق لديهم هذا الانطباع، وهذا ليس عمليا بالضرورة وإن كان يمكنه أن يكون علميا، واستقصائيا، ونافعا معرفيا، لكنه أيضا قد يكون تضييع وقت. بينما أنت تسرد بحرقة قصة طويلة تأخذ منك ساعة لتشرحها، المعالج أو الطبيب يكتفي بجزء منها لكي يضع في وجدانه كلمة واحدة "يعبر عن صدمة قديمة" قد تقضي ربع ساعة وأنت تشرح مشكلة تعاني منها والمعالج يأخذ من كل ذلك الكلام "لديه قلق" وقد تتحدث عن موقف في العمل مع مديرك أو مديرتك وتشرح للأخصائي النفسي بتفصيل تراعي فيه الدقة بينما الأخصائي النفسي كل الذي يسمعه "وسواس طفيف أو جسيم" وهكذا دواليك. لذلك لتستفيد من العلاج، يجب أن تعرف من الأساس ما الذي يريد الطبيب أو الأخصائي النفسي معرفته، وكل معالج وأسلوبه وطريقته. البعض يجد في العلاج النفسي فرصة للحديث عن أعمق المكبوتات بداخله، وربما أشياء يعجز عن قولها لأي شخص من الناس، وجود إنسان ملزم بالسرية "قانونيا" ويتعهد أخلاقيا بعدم إفشاء أسرارك العلاجية تصريحا أو تلميحا، مساحة جديدة في الحياة، واستثمار هذه المساحة يصنع لك مساحات اجتماعية واضحة، وعلى الأقل تتجنب التنفيس المرتجل مع الذين لا يفهمون حالاتك النفسية، ولا سيما لو كانت لديك مشكلة ما! لذلك، لتوفر التكلفة، حدد ما الذي تريده من تلك الساعة، على صعيد الطبيب النفسي، اسأله عن الدواء، وآثاره الجانبية، ومفعوله، واطلب منه مرجعا معتمدا لتقرأ فيه عن الدواء، وعلى صعيد الأخصائي النفسي، فلديه مؤونة وفيرة من الاختبارات النفسية، ومن طرق العلاج، بل ومن المصادر، وما قد يبدو لك غير مهم لتقوله الأخصائي المدرب، والمؤهل يعرف جيدا ما الذي يفتح عينيك عليه، وأنت وعنادك، وتقبلك للتوعية الإدراكية، وأنت وصدقك مع نتائج الاختبارات السيكومترية، وأنت وتفسيرك لها، بشكل عام، المعالج قد يكون مرجعية توكيد لبعض انطباعاتك عن ما هو صحي وغير صحي في سلوكك مع نفسك أو مع غيرك. لذلك أقول اذهب له وأنت بخير، وإن لم تذهب من قبل فلا تذهب لكي تسرد مشكلةً ضخمةً على اعتبار إنك "تراك واصل" خليك تشوف أبرز مشكلة لديك وتعالجها، اذهب لمرة واحدة، وقل للمعالج لماذا أتيت، وإنك تريد أن تراجع. وهناك مدارس كثيرة في التوعية الإدراكية، وفي التحفيز، وفي الدعم، حبذا تطلع عليها قبل الذهاب إلى رحلة أن يكون لديك أخصائي نفسي في حياتك. لو لم تكن لديك حالة مرضية تسترعي العناية الدائمة، قد تزوره مرة كل عام، أو تزوره عند الضرورة، ولو كنت من الذين يحبون تطوير أنفسهم بدلا من أن تكون من جماعة الذين يريدون [تغيير أنفسهم] فقد تكون العملية النفسية معظمها تدور في فلكك أنت، وجهدك الذاتي، واطلاعك، وعودتك مرة في الشهر، أو كل شهرين لذلك المعالج فقط لكي تفتح خيوطا جديدة تستفيد منها في رحلات التغيير، أو رحلات التطوير لصحتك النفسية بشكل عام. الذي أقترحه، هو أن تتابع قليلا من تجارب الذين دخلوا عالم الأخصائيين النفسيين، أو الأطباء النفسيين، وما اكتشفوه، وتنظر للأمر وكأنك ذاهب لتقابل طبيب باطني، أو طبيب كبد، أو طبيب أنف وأذن وحنجرة وأدهشك بحلول للشخير، أو شخصك باختناق النوم التنفسي، وأنت لم تكن تحسب حسابا لذلك، قد يحدث لك ذلك وقد يقول لك: أراك بعد ستة أشهر، ويقترح لك مجموعة من الكتب وبعض الاختبارات التي تكلف عشرة دولارات، وقد تعود له لأنك تريد المزيد من هذه التجربة النفسية، وقد تكفيك هذه الخيوط وتكتشف كتبا في علم النفس الإيجابي، وفي تطوير الذات، تخبرك عن المدرسة التي تتبعها، ويكون لها مفعول منطقي ودائم في جعل صحتك النفسية وإنتاجيتك أفضل حالا. وهكذا دواليك. وأرجو أنني أنصفت سؤالك بإجابة أفادتك.

الأحد، 17 مارس 2024

تأملات فجرية!

 من أصعب المواقف التي أواجهها كإنسان، ذلك التواصل المفاجئ من أبٍ هلوع، أو من أمٍّ هلوعة، أو من أخ، أو من أخت كبيرة، تلك الرسائل المفاجئة والتي تسأل عن أمر حساس للغاية، يتعلق بالمرض النفسي! صعبٌ جداً على النفس، أن أجد نفسي في ذلك الموضوع الذي من يُستشار فيه ليس مؤتمنا فحسب، بل يجب عليه أن يكون واضحا تمام الوضوح.


حكايتي مع علنية الاضطراب العقلي الذي أقاومه لم يكن خيارا بيدي، أصبح خيارا متاحاً للملأ نتيجة الطبيعة العلنية لاضطرابي، وهي حكاية أنفقت وقتا طويلاً في سردِها، وتوضيحها، من سنوات رفض التشخيص، واللعب بمضادات الاكتئاب، حتى سنوات الإدمان على مختلف المواد المخدرة، ثم ست سنواتٍ متتالية من العمل الشاق، وصناعة كل وسائل الاستقرار، وشبكة الأمان العائلية، والاجتماعية، وكل الاختيارات التي لم تكن سهلة إطلاقا، من أجل ماذا؟ الحفاظ على الاستقرار الذهني، والفلات، والهرب من شر نوبةٍ كاسحةٍ قد تقلب بحياتي رأسا على عقب.
لم أعد أهتم بالتشخيص الذي يلاحقني، الإطار الذي يجعلُ الآخر مرتاحاً في فهمي، التشخيص موضوع طبي، إجرائي، قانوني، أكثر من كونه علاجياً بحتا، ثلاث مرات يتم تشخيصي بثنائي القطب، ثم مرة يتم تشخيصي باضطراب الشخصية الحدية، وهما أبناء عمومة متقاربان في الوصف. قبل ست سنوات أدركتُ أنني إما أن أغالب هذا الاضطراب، أو سأسمح له بالفتك بحياتي، وبحياةِ من أحب. غرقت في عدة خطوط غير واضحة، الجانب الاجتماعي كان إحدى العقبات والتحديات، والتعامل مع الآثار العلنية لأشياء كثيرة يشكل تحديا مزمنا، فضلا طبعا عن الاضطرار للتعامل مع سفيه جاهل، أو لئيم شامت، أو ما هو أشد إيلاما، التعامل مع الناس الذين أخطأت في حقهم بلساني أو بأفعالي، هؤلاء أدخر لهما تعاملا يختلف عن الغريب السمج الذي يظنُّ أنه يملك استحقاقاً خاصَّا يسمح له بمد لسانه إلى حياتي، وطبعاً ثمة استثناء خاص للناس الذين تعرضت للأذى من قبلهم، معارك إما معلقة، أو مؤجلة، والذي أعرفه أنها لن تفتح من جانبي حتى يشاء الخصم غير ذلك.
بعيداً عن الأحقاد المتراكمة. لم أختر أن تكون حالتي معلنةً، وقد اضطرت عائلتي لفعل ذلك على أمل التخفيف من العواقب المروعة التي كنت بصدد مواجهتها، قضية عويصة، وصعبة، وامتلأت بالسجون، والهجرة، والتقارير الطبية، والهرب من المصحات، والمستشفيات، وقطع الأدوية، والاكتئاب، والهذيان، وكان ما كان من مسيرة إلكترونية حافلة بالخير والشر، وبالفكر والهذيان، وبالإبداع والكتابة، وبالصدامات والمواجهات، حتى بدأت رحلة التغيير الأولى قبل ست سنوات، ومنها والحمد لله، والشكر لجلالة السلطان، ولوالدي، ولعائلتي، حُل الإشكال القانوني في مسألتي، وبعدها، والامتنان الكبير لصاحب السمو ذي يزن، حُل التعقيد الاجتماعي، وشاء الله أن يمن علي بفرصة ثانية، أتمسك بها، وأفعل كل ما هو منطقي للحفاظ على سلامة عقلي من أي اضطراب قد يقودني لهاوية المواجهات، أبقي علاقاتي الاجتماعية في محيط صحي، وأدرس تخصص علم النفس الذي ينفعني بشدة، ولم تعد الحالة مع العمر صعبة المراس، ومع العلاج السلوكي، والأدوية، أكاد أطمئن إلى تكويني ما يكفي من تجربة المكوث في الواقع والمنطق الذهني النمطي، حتى أرتطمُ بكل قسوةٍ بهذا السؤال الوارد من غريب، يسألني عن قريب له، وينتظر مني أن أقول له شيئا مفيدا، أو عصا سحريةً تعيد كل شيء إلى "طبيعيته" .. يبقيني التواصل لمرة واحدة مع أي شخص يعاني من مرض نفسي، أو مع قريب له في حالةٍ من الهموم تمتد لأيام، ذلك الشعور بالمر بالخوف من قول الحقيقة، وأنَّ الأمر ليس سهلا، وأن الرحلة طويلة، وأن التعامل مع هذه الاضطرابات قد يكون مشواراً يمتد لسنوات، وكلما قاومت حقائقه العلمية، والمنطقية، ازدادت مرارة من يقاومه، وكلما حاولت أن تبحث عن الوهم المريح، تفاقمت لديك مشكلة جديدة.

أمرُّ بمشاكلي، واكتئابي، وظنوني، وشكوكي، وأفقد أعصابي أحيانا، وأتكهرب، لكنني تعلمت بالتجربة أن أخشى على من يحبني من مرارة الحسرات، وأبتعد عن المحيط العلني، هذا الذي تغير، أما أنا، فلم تتغير مغالبتي لذهني، بكل ما فيه من ذكريات سيئة، وبكل ما أعانيه من صدمات، وبكل الندم والغضب، وبكل الثنائيات التي تفرض نفسها علي.

قد أبدو مرحاً وبخير أحيانا، قد أبدو منهمكا في حياةٍ اجتماعية مليئة بالناس، وأنا أحترق قلقا، وتوترا، ورغبةً في البعد والعزلة، قد أبدو عكس ما أشعر به لأن هذا هو الواجب الاجتماعي، والامتثال القسري الذي يعاني منه أي إنسان طبيعي أو مضطرب، وقد يبدو للبعض أن مشكلتي قد حلت، وأنني قد وصلت [للعلاج] وهذا غير صحيح، الحل السحري، والواقع المثالي كله ليس أكثر من آمال متوالدة من ظن الإنسان أن وضعا ما هو "المثالي". وهذه الكلمة، "المثالي" مثل كلمةِ "الكمال" مثل كلمات أخرى، صارمة، وسامَّة، ومدمرة لكل العمل الشاق الذي يبذله إنسان من أجل نفسه أو غيره، لا يوجد وضع مثالي، توجد رحلة قد لا تكون شاقةً بقدر ما هي طويلة، وتأخذ وقتها، وقد يتخللها الإخفاق، والتعب، وربما الفشل، وربما النكسات!

تتناثر الشرارات في قشِّ الطمأنينة، مع صوتِ أب هلوعٍ يسألني عن ثنائية القطب، أشرحُ له أنني لا أستطيع خدمتك بأي شيء، أستطيع أن أدلك على الذي يمكنه مساعدتك، أن أرسل لك رقم طبيب أو معالج، أو أدلك على موقع إلكتروني تستطيع أن "تفضفض" فيه بحرية، وبسريةٍ، أما غير ذلك، فليس بيدي، من الأساس، علمتني تجربتي الشخصية أن أبتعد كل البعد عن عوالم العلاج النفسي! قد أكون متحدثا تحفيزيا، أو كاتبا يلقي الضوء على مناطق مجهولة عن العموم فيما يخص الأمراض النفسية، أو قد أكون [ناشطا اجتماعيا] يتحدث عن القضية النفسية، وحقوق المرضى، أما أن أجابه بهذا السؤال المر! يا إلهي! من الذي لديه الإجابة! لا أحد لديه الإجابة، لا توجد إجابة، توجد رحلة، وستأخذ وقتها وتعبها!

الاضطراب النفسي في عالم الأدب جميل، ولافت، حتى تسميته "الجنون" لا تخلو من تحدٍ للوصمة التي تحدث في العالم اليومي. من الأسهل أن تكون أديبا، مجنونا "مصرقعا/مبدعا" غريب الأطوار لأنك مبدع، هذا سهل، وكم يحلو للمحب أن يؤطرك في هذا الإطار، لأن ذلك أسهل عليه من الصفات الأخرى "مريض نفسيا، مضطرب، فاصل، غير عاقل" .. وهل الامتثال الاجتماعي غائب عن المعادلة! أحيانا من فرط زهقي من جاهلٍ يدخل نفسه فيما لا يعنيه، أجدُ أن هذا القناع أسهل من مناقشة سمجٍ لا يعرف حدوده، أو غبي يريد أن يؤكد تحيزاته بسؤال عن "الجنون" وكيف يكون! أؤكد له أن الجنون أسهل من الغباء، وأن فقدان العقل أسهل من الجهل، نعم، أستطيع أن أؤكد هذا بسلاسة ويسر، فالمجنون يعقل، لكن الجاهل يعلم الله متى يتعلم، ومتى يعلم!

لا أستطيع مساعدة أحد في حل إشكاله النفسي، وأقصى ما لدي من قدرة هو حديث الأقران، وعموميات علم النفس الإيجابي، ذلك العلم المظلوم من قبل قطيع آخر من "الجاهل المتعلم" ومن الأساس هذا الموضوع الحديث عنه يطول ويطول، لما في هذا المجال من تداخلاتٍ مع مجالات أخرى، تكاد تكون بديلا للإدمان على السوشال ميديا، أو بديلا لإدمان المسلسلات، أو بديلا لليوتيوب الذي بدلا من فتحه في صفحة إلكترونية تقوم باستئجار نائح واقعي يخبرك عن جمال الحياة، نعم هذا موجود، ولكن علم النفس الإيجابي موجود أيضا، وله تطبيقات كثيرة في عون الأقران لبعضهم البعض، وتشجيعهم على التغيير، وهذا هو الهدف الضمني الذي يجعلني دائم الكتابة عن الرياضة، وعن تغيير الحياة. أكتب وأنشر لجمهور خفي، صامتٍ، تربطني به علاقة قوية، لمئات، أو آلاف يعانون من وطئة اضطرابهم، هؤلاء هم الذين يمدني بالحياة، وبالطاقة، وهؤلاء هم الذين أعتبرهم المتلقي الأول لكل نشاطي الاجتماعي، أما البقية، الغارقون في ترف عقولهم، بكل صدق! لا أعبأ بهم، ولا بأحكامهم، ولا بمعاييرهم، ولا حتى بتطلعاتهم تجاهي مهما بدت طيبة ومشحونة بالأمل، أعلم حدود ما أستطيعه، وأعلم أين أقف أمام التحديات المرتبطة بشيء مختلف حوله اسمه: [الحياة الطبيعية] هذه المسكينة التي تعريفاتها تفوق أنفس الخلائق حتى!

يؤرقني ذلك الصوت الهلوع: "يعني ما شيء حل!!!"

هذا يشتكي من صدمة لابنه الذي يمر بحالة ذهانية، هذا شخص له مكانة مرموقة في مؤسسة تعليمية وفجأة يرى أشباحا ويسمع أصواتا، وتتوالى الحكايات التي لا أريد أن أسمعها، ولا أحتمل أن أعرفها، أقاطع من يتصل بي أو يتواصل معي كأنني "حاسد" أعرف الإجابة السحرية ولكنه لا يريد أن يقولها لأحد، لا أريد أن أعرف عن مشاكل الآخرين، لا أريد حلها، لا أستطيع ذلك، لست مؤهلا، ولا أريد ذلك، أقصى قدراتي هي ذلك الفعل العمومي بالكتابة والنشر، تلك الإيجابية التي قد تنفعك بعد أن تحل مشكلتك الطبية، عمومية، مرتبطة بتجربة فرد يقاوم، أكثر من ذلك، الحلول رحلة، عليك أن تبحث عن الشخص المناسب لحلها، وعليك أن تتحمل وعورة الطريق، وأن تتوقع بعض الإخفاقات، والنكسات.

- "يعني ما شيء طريقة ثانية"

لا توجد طريقة ثانية أو أولى، توجد ألف طريقة، عليك أن تبدأ، سواء كنت زوجاً تعاني زوجته من اكتئاب ما بعد الولادة، أو كنت زوجة يعاني زوجها من وسواس قهري، أو كنت أباً وصدمك ابنك المبتعث بنوبة هوس كبرى وتم تشخيصه بثنائي القطب، أو كنت أما لطفل من أطفال التوحد، أو أنت نفسك بدأت تعاني من الحديث القهري، أو مشكلة عصبية، أو شكوك تدمرك، أو ترى أشباحا ترقص في الجدار، أو فقدت قدرتك على النوم أكثر من ساعتين، أو أصبت بشلل مفاجئة في حالات القلق، أو، أو، أو. لا توجد طريقة أولى، توجد ألف طريقة بعد الثانية والثالثة، يوجد مشوار، قد لا يطول كما تتوقع، لكنه ليس قصيرا كما تتمنى.

أكتب عن تجربتي لعلها تنفع الآخرين، وأواصل المقاومة لأن هذا واجبي تجاه نفسي وتجاه من أحب، غير ذلك، أشعر بامتنان للحياة، ولطبيبي الذي أتابع معه، وللمعالج النفسي الذي أثرثر معه بالساعات، ولزملائي في قسم علم النفس بكلية مزون، وأشعر بامتنان لاختياري هذا التخصص، والذي أكد لي أن في علم النفس أكثر من العلاج النفسي، والذي به أناس مبدعون، ورائعون، لا أحتمل ولا أريد أن أكون منهم.

الشيء الوحيد الذي أجد شجاعة في الحديث عنه، عن أي شخص مضطرب نفسي، هو أنَّ الذي يحتاج للتوعية والفهم قبل الشخص الذي يعاني من المشكلة، هم الذين حوله، هنا أنطلق بصدامية ومجابهة، الذين يحتاجون لفتح عيونهم هم ذوو كل من يعاني من اضطراب نفسي، يحتاجون إلى وضع مصلحته العلاجية فوق مصالحهم الاجتماعية، يحتاجون لشجاعة للتصدي للوصمة الاجتماعية، يحتاجون لحمايتهم من بطش الذين يستغلون غياب بصيرتهم المؤقت، أو الدائم.

أفعل ذلك لأنه دين أدين به لرب العباد، وكل يوم يمضي أشعر بأنني أدين لله بفعل كل هذا، ليس من أجلي، ولا من أجل أي شخص آخر، هذا هو دافعي الذي يجعلني أستمرُ رغم كل شيء. رغم كل الواقع الاجتماعي الذي يحيط بي، ورغم كل الحلول التي سخرها الله لي.

الحمد لله أولا وأخيرا، هو المنعم، والرازق، الفضل لله، والشكر لله، ومن تلك الحياة التي كنت فيها من نوبة وراء نوبة، وسجن بعد سجن، وانهيار علني بعد انهيار علني، واكتئاب يمتد لأكثر من عامٍ، من تلك الهلاوس، والجنون، والهجرة، وكل ما تفوهت به لساني بوعي أو بغير وعي، بمخدرات وبدون مخدرات، رغم كل الأيام التي كانت فكرة الانتحار هي الخيار المنطقي الوحيد! عبر الله بي إلى أيام أخرى لو قال لي أحدهم أنني سأعيشها لبصقت في وجهه من فرط ضخامة التفاؤل.

هذه الرسالة التي أؤمن بها، وهؤلاء الناس الذين أنتمي لهم، فئة ليست معكم أيها الأصحاء عقليا، ليست منكم، هؤلاء هم الذين أنتمي لهم، وأقاوم معهم، وهم الذين أستمد منهم القوة، والطاقة، والعزيمة، وهم الذين بقدر عجزي عن مساعدتهم، لا أعجز عن تشجيعهم، وتحفيزهم، وتذكيرهم، بأن الحياة ممكنة، وأن الطريق إلى حياةٍ وصحة نفسية أفضل ممكن، وله ألف طريقة، وأن لكل أزمة نهاية، ولكل وعكة شفاء. هذا ما أؤمن به، وهذا ما لأجله أفعل ما أفعله، وهذا قسمي فيما أملك، أما قسمي فيما لا أملك، هو أنني لا أملك الحلول، ولا أضع نفسي في طريق الحلول، وكل الذي بيدي هو التذكير الدائم بالرحلة، والمكوث في منطقة البصيرة أقصى وقت ممكن. ونصيبي في هذا جميل، ويكفيني، والحمد لله على كل حال.

معاوية