عندما يتعلق الأمر بالتعبير عن الرأي في فهناك مدارس تتنافسُ في إمساك راية التشريع في حق الكلام، وتحديد كيفية الرقابة، والعقوبة فيما يتعلق بالكلام!
المدرسة الأولى: ترى المجتمع جاهلا، يعيش في العصر الحجري، غير متعلم، غير حضاري، والمشاريع الفكرية فيه خاوية، والثقافة مجرد هواية، والخطاب الديني مجرد رجعية، ولا تؤمن بأنَّ طرحا محليا يستحق الاحترام، وهي التي تتولى التنوير لهذا الجمع الجاهل، تتعامل معه باستعلاء، وتؤمن بتكميم الأفواه، وتوجيه الخطاب إلى ما يناسب نخبة مخصصة، ولديها أدلجة واضحة المعالم، تُعلي من شأن الرقيب، وتسمح له أن يفعل ما يشاء وفق منهجه ومدرسته الخاصة، والخصم فيها ليس فكرةً، وإنما هو شخص، وتؤمن بمدرسة العبرة، وتنتقي الخصوم، وتتعامل بمعايير مزدوجة، وبالنسبة لهذه المدرسة صلاحيات الرقيب، وقدرته على التلاعب ولي ذراع الأفراد أهم من أي شيء آخر، من أجل ذلك التنوير المزعوم، والسبق الحضاري، والشعور بنقص المجتمع وجهله. أساس عملها الدعاية والأدلجة وتمييع الخطاب الفردي بشتى الوسائل الممكنة. للرقيب في هذه المدرسة رغبة شديدة في المنع والهيمنة، وإن تعسر عليه المنع في شيء ابتكر سببا لذلك للحفاظ على سطوته وسلطته.
المدرسة الثانية:
تلك التي تعطي الكلام حجمه الحقيقي، بكونه كلاما. والتي ترى تأثير حرية الرأي موضوعا بناءً، تؤمن بسيادة القانون لا الرقيب، ولديها مرجعٌ قيمي تجاه حرية الفرد، تؤمن أن المجتمع منجمٌ للإبداع، وللأفكار، وأن إعطاء الفرصة للجميع للكلام ينفع البلاد، تؤمن بالقانون، وبالفردية [المكفولة] في حدود القانون. تعزز القيم والمبادئ المتسقة مع ثقافة المجتمع، ومع الدين، تأخذ من العالم ما يمكن أخذه، تجمع بين الفرداني والجمعي حسب الممكن المتاح، تؤمن بحرية النقد، ولا تتفق مع التجريح والقذف، ولا تعتبر مخالفة السائد حرية شخصية بالضرورة، تميل لكونها مدرسة شبه محافظة، ترفع شعار عدم التدخل في الخصوصية، وتحافظ على البناء الأسري العائلي كأحد مبادئها الرئيسية. تتسامحُ إلى حد كبير مع الآخر، وأساسُ خطابِها التعايش المشروط بالاحترام. تميل للحس الحمائي بعض الشيء عندما يتعلق الأمر بالخطاب الخارج عن السرب، ولكنها تدعو للحوار معه، وأن تقارع الحجة بالحجة. وهي مدرسة عموم الناس عادةً. للرقيب في هذه المدرسة حجج قانونية، لا يلجأ للمنع إلا في أصعب الظروف.
المدرسة الثالثة: