بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 3 يوليو 2025

حقنة من القلق

 عشتُ سنوات العشرين والثلاثين كائنا شديد القلق، بمعنى الكلمة شديد القلق، ولا أقصد ذلك القلق العادي، مثل الذي ينتظر امتحانا، أو متوتر أمام مقابلة عمل.

القلق، الوجودي، العاصف. ومهما تكن عند امرئ من خليقة، وإن خالها تخفى عن الناس تُعلم!

الجميع يعلم قلقي الشديد، ولا سيما تلك الفترة التي كنت أنسلخ فيها من كائن ساذج بمعنى الكلمة، سهل الخداع، عُرضة للسخرية، إلى هذا الكائن الذي أصبح قاسياً بشكل أنا نفسي صرت أخشى منه! 


إنها السنة السادسة الآن منذ أن بدأت قراراتي تتخذ مساراً طبيعيا، وهادئا، اعتزال معمعة الرأي العام ومواجهات الخطابات، اعتزال بشر، ومنظومات، وقطع علاقات مع بشر إما بعداوة وخصومة، أو برماد اختلاف الاهتمامات، ولا سيما هذا الذي صديقك فقط وأنت من سجن إلى سجن، من مشكلة إلى مشكلة، لكن وأنت بخير! ينقلب عليك انقلابا يجعلك تتساءل، هل هو حقا صديق؟ أم إنسان يعيش جبنه، وخوفه، وكراهيته عبرك!


لم أكن أحسب أثر قلقي على حياتي الاجتماعية، وأنا إنسان لم يتغير كثيرا عندما يتعلق الأمر بما يمكن أن يفعله عندما يكتشف أنه خُدع، أو يتعرض للاستغلال، أو ينتبه ولو متأخراً إلى إنسان كان يراهنُ على وهم أنني شخص طيّب! غضبي عاصف، وأكاد أصفه بالخطير، واستعدادي للدفاع عن نفسي فعليا وعمليا لا أعبأ أن يوصلني حتى إلى موتي! لن أسمح لنفسي أبدا بأن أتقبل عدوانا من أي شيء، كما لن أسمح لنفسي أن أكون البادئ بالاعتداء! هكذا أعيش، لا ضرر ولا ضرار، وهذا ما أحاول أن أثبت عليه، أن أبقى في مححيط ردة الفعل فقط.


مع نهاية تلك المعمعة الشعواء، بدأت أكتشف ضرر القلق على العلاقات الاجتماعية التي حولي. وكيف إنه في عالم البشر الطبيعيين، كمية عالية من القلق تعني إفساد الجو تماما. أن تكون غاضباً من أي شيء هذا موضوع، لكن أن تفجر غضبك في النادل في جلسة عشاء مع الأصدقاء هذا شيء آخر.


فقط، بعض الهدوء الذي بدأ يكتنف حياتي بدأت أرى الجانب الآخر مما يسمى بشكل عام (العصبية) والتي قد تكون (العصابية) أقرب.  وبدأت تجارب الحياة تظهر أمامي، هذا الذي وصل إلى منصب مرموق وأصبح عصابيا لا يُطاق، وهذا الذي لا تطيق أن تركب معه في سيارته من فرط ما يسب ويشتم كل أحد، مستعد لخوض أي معركة في الشارع، وهذا الذي من شدة الضيق يفتك بالطالع والنازل، ما أن يمسك لسانه موضوعا إلا ويجعل المكان خانقا، وسامّا، ولا يطاق.


الهدوء إجابات على أزمنة مصائبك. وهذه من الإجابات التي وصلتُ لها، وشكلت لي إجابةً عن السبب الذي جعل كثيرين بشكل مُحق يبتعدون عني تماما، هذه ضمن الخسارات الخفية لأي إنسان يختار عالم المواجهات العلنية، وسواء كان على حق، أو على باطل، إن كان العبء الانفعالي الذي عليه عاليا، سوف ينعكس على من حوله عاجلا أو آجلا.

إن كنت تتساءل لماذا ينفض الناس من حولك، ولماذا يدور حولك بعض القيل والقال، أو لماذا في حال مجيئك أو وجودك يتجنب البعض الحضور ليس لأنه يتخذ موقفك تجاهك، وليس لأنه يحسدك، فإن أحد الأسباب هي كمية العصابية التي تحقنها في الذين حولك.

وبالطبع، الحياة ليست رحلة رومانسية، الضغط النفسي الشديد يجعلك رغما عن أنفسك في هذه الحالة القلقة، والمعيار هو طول هذه المدة الزمنية، وتكرارها مع الأشخاص نفسهم، عامان من القلق الشديد وتجاوز الصدمة لا يمكنها أن تمر دون أن تحقق أثرا كاويا على علاقات تنشد الهدوء، والحكمة، والاتزان، وأحيانا شيء أبسط بكثير مثل: قضاء وقت ممتع.


منذ عامين وأنا أحاول التأكيد على مدركاتي الذهني أن هذا هو الصواب الذي يجب أن أفعله، لا أنجح دائما، ولذلك عندما أصل إلى تلك الحالة من الهلع، أتجنب الناس، أتجنب الكتابة، أتجنب أشياء كثيرة حسب طاقتي على التجنب.

المثير للغيظ في المسألة، أن القلق الذي يبعدك عن الناس، يصنع قلقا نتيجة بعدك عن الناس، لذلك هو قضاء وقدر أحيانا أن تكون حول البشر، وأنت ويومك، وأنت وهرموناتك، وأنت وأفكارك التي تذهب بها أو تذهب بك يمنة ويسرة، من هذه الظروف المركبة تنشأ الحوادث المزعجة التي تقودنا إلى هذه الخسارات الصغيرة المتراكمة.


الذي يحقن قلقه في الآخرين من واجبه تجاه نفسه أن يجد طريقةً لكي يخفف هذه الخسارات الصغيرة، لأنها مع الوقت ستتحول إلى انطباع عام، وحتى لو تجاوزت حالتك التي سببت لك هلعك، ربما ستجد أن قلقك ذلك يعود إليك على هيئة إنسان أدنى تصرف منك كفيل بجعله يتوتر تجاهك بشدة، ليس لأن ذلك الموقف الصغير يستحق، لكن لأنك أقلقته بما يكفي وأوصلته إلى التأهب التام لتجنب أي توتر يمكن أن تسببه له.


أما عندما يكون الأمر نتيجة طرفين قلقين! أهلا وسهلا بدراما العلاقات، والخصومات، والحوارات الكاوية!


ونعيش ونتعلم!

الأربعاء، 2 يوليو 2025

منطقة أخرى غامضة!

 الكاتب الحقيقي، موجود في سطوره، في عقول وقلوب قرائه، كاتب لا يموت، ترك أثره، وكتب، أما وجهه الخارجي فهي ليست أكثر من أسمال بشرية بالية مصنوعة من الطين تهيم على وجهها في الأرض. الوجود الحقيقي للكاتب هُناك فيما كتب، أما باقي الشكليات المادية هذه فليست أكثر من كائنات من لحم ودم تحاول الحياة. هذا هو الفهم الناقص الذي يجعل الكثيرين ينسون أن القارئ يصنع الكاتب، وهو الذي يدفعه للاستمرار، وهذا الانغراس التاريخي في الذاكرة العامة (بجودته أو برداءته) هو حقيقة وجوده الجوهرية.


الغارقون في تقديس الإناء. الكتاب المجلد الأنيق، أو المحافل الثقافية الباهرة، هل هذه حقيقة الثقافة؟ 

حقيقتها هي ورطتك في الحياة، ولعنتك مع ما رميته من تفاعلات نصيّة أمام وجه العالم.

أن تكون (شخصيةً) مثقفةً، هذا دور مهني بحت، ليس سيئا، ليس خطأ، بل هو جزء من كونك تحترم السياق المهني للمجال الثقافي.


لكن أن تصول وتجول في حقول الثقافة، وأنت لا تكتب! لا ترسم! لا تعزف! أن تصول وتجول في عالمها وأنت لا تكتب هُنا السؤال!


الإناء ليس مهما، أين تقول شعرك ليس مهما، هذه اعتبارات غير موضوعية، المهم إنك تكتب، وما تتركه، وما يترسخ عبر السنوات بينك وبين قارئك هو الذي يصنع وجودك الذي بعده لا يعود وجودك المادي مهما!


الإنسان الذي من لحم، ودم، يبحث عن الرزق، ويمر بالإفلاس، والمرض، ويخاصم، ويصادق، ويحب، ويكره، هذا وجوده الجانبي، الهامشي، أما وجوده الحقيقي فهو حيث كتب، وما بقي، وما ترك أثرا، وما صنع هويته الغامضة في عالم المعنى الذي لا يملك مقاليده أحد.


أن تكتب، يعني أن تكتب، تستمر في الكتابة، لا تتوقف، فهي ليست موهبة، وليست هبة، وليست هدية من السماء، وليست اعتبارا أو مكانة، هي تراكم طويل المدى، يترسب مفعوله الجيد أو السيء مع الوقت.


أمَّا مرور عشر سنوات منذ آخر مقال أو قصيدة، والحياة على الرخصة الثقافية التي تتأتى من المحافل الاجتماعية، هُنا ثمة علامة استفهام تُطرح، وفي النهاية، كل إنسان بينه وبين قارئه ما بينه وبين قارئه، (سر المهنة) الذي لا كاتب في هذا الكون سيجرؤ على أن يبوح به.


القارئ معلم، صديق، خصم، عدو، أخ، عائلة، وطن، مجتمع، سجن، حرية، حقائق بعدد أنفس الخلائق. ويكفيك عندما تلقى قارئك الحقيقي أن تقف متواضعا أمامه، فهو الذي يعرف كل نسخك التي نسيتها، ويذكرك جيدا، والقارئ الذي يذْكرك، هو القارئ الذي يُذَكِّرك، ولذلك، كاتب دون أن يكتب ليس أكثر من إنسان يقاوم الموت. وقد يموت وهو على قيد الحياة!


أي موت شنيع هذا عندما تفقد قدرتك على الكتابة!

الثلاثاء، 1 يوليو 2025

شؤون ملكية

 جالس يلفت انتباهي موضوع الأمير هاري (سابقا) وميجان! وأتساءَل عن استمرارية علاقة مثل هذه؟

لأن الفرضيات كثيرة، ومنها (وافق شنٌّ طبقه). الأمير المتمرد على التقاليد الملكية، مع تراكمات هائلة كونه (الاحتياطي) غير صدمة خسارته لوالدته ومحاولته ربما البحث عنها في مختلف النساء. 

وممثلة رأسمالية أمريكية لا أظن أن أحدا يرتاحُ للمشهد العام الذي تصنعه؟

أتساءل حقا، هل يمكن لهذه العلاقة أن تستمر؟ ألن يأتي يوم وينتبه هاري إلى أنَّه يسحق كل ما نشأ وترعرع عليه؟ هويته، وطنيته؟ مسؤولياته الملكية؟ من أجل ماذا؟ ومن؟ ممثلة أمريكية رأسمالية تسحبه سحبا إلى صناعة تاريخ مهني مليء بالتمثيل، والأفلام، والمقابلات؟

من المستفيد حتى الآن من هذه الزيجة؟ أليست ميجان؟ هذا ما يتم تأطيره بقوَّة وبشدة من قبل وسائل الإعلام، تبدو ميجان كما لو كانت هي الشيطان فقط في المعادلة.

ولكن ماذا عن هاري؟ المندفع لتحطيم الكثير، هل هو فقدان الشعور بالمعنى في الحياة؟ أم ببساطة تسجيل اللطمات الأخيرة التي يمكن أن يلطمها للنظام الملكي المترسخ؟ ما يبدو للمشاهد الخارجي نظاما ملكيا، هو أيضا (عائلة) بالنسبة لهاري الذي حضر غريبا، بلا زي عسكري، مع ألف تساؤل عن هذه العلاقة وتذهب إلى أين.


أعرف أن لكل إنسان رأي، وأعرف أن الرومانسيين في الحياة يشعرون أن الحب ينقذهم، وفي الوقت نفسه ثمَّة جانب نفسي لا يمكن تجاهله على الأقل على سبيل التكهن، كلاهما به نزعات الآخر يكملها، الهوية البديلة التي تقدمها الممثلة الرأسمالية الأمريكية للفتى الملكي البريطاني (والعسكري أيضا).


كتابه، حديثه عن القتلى الذين فتك بهم، سعيه الرأسمالي لاستخدام اسمه وحكايته لحلب أكبر قدر من المال، اعتناقه هذه الحياة شبه الأمريكية، وماذا بعد؟ بعد المال؟ بعد النجاح؟ بعد التحقق؟ ماذا بعد؟ ألن يضربه ذلك الخواء، ذلك الحنين الجارف لهويته الأولى؟ وعندما يصبح أخوه ملكا لبريطانيا، هل سيعود عودة السند العائد إلى طريق الحق والصواب؟


أعتقد أن هاري يعرف جيدا أن علاقته بالممثلة الرأسمالية الأمريكية شيء هي التي تتمسك به بجنون، بقدر ما يبدو الواقع الخارجي وكأنها هي التي تؤثر عليه، هي التي تسحبه، هي النرجسية المخادعة، لكنني حقا لا أظن ذلك.

مقاييس الربح والخسارة مختلفة، هاري له خط رجعة، أسس شخصية المتمرد بما يكفي، صنع لنفسه البريق الإعلامي الذي يعطيه أفضلية وقدرة على إعادة تصويب السياق، ماذا عن ميجان؟ بنقرة زر يمكن أن تُشيطن، وتخسر كل شيء.


إنها صفقة عالم الضوء والنفوذ، عالم الوصول الملكي الفلكي، لكن ليس هاري هو الطرف الضعيف، رغم ما يبدو عليه كل شيء، هو الطرف المهيمن، المسيطر، الذي يمكنه في ثانية واحده أن يلعب دور العاشق المكلوم ضحية (النداهة الأمريكية) التي سحرته وخربت بيته وزعّلت عليه باكجنهام وضواحيها..


إن كان ثمَّة طرف حقاً يعلم الذي يفعله، فهو هاري، ليس غبيا، وليس عفويا، وليس عاديا كما يريد أن يبدو، أما عن الممثلة الرأسمالية الأمريكية فكما يبدو هي تعيش الحكاية قدر ما تستمر، تحشد ما استطاعت من المال والحال، وتتمسك بهلع بهذه الزيجة فهي على عكس زوجها ليس لديها حياة أخرى بديلة تعود لها، ستصبح زوجة أمريكية أخرى ضمن نصف الزيجات التي نهايتها الطلاق، ووقتها لا أحد يعرف كيفية افتراق الطرق! 


أبعاد سيكولوجية كثيرة في هذه الزيجة، والمؤكد أنَّ ما يُراد تأطيره أمام المتلقي هي سرديات عديدة، قادمة من طيّات النفس البشرية الحانقة، المشحونة بالمواقف، هذا ما أظنه عن هاري، يعيش رحلة تصفية حسابه مع ذاته، ومع معناه، وعلى الهامش رحلة اتخاذه الموقف الكبير، إلى أن يحين الوقت الذي تتناقض فيه الخيارات، إلى أن تفوح أخبار عشيقة دخلت على الخط، وطلاق عالمي يسيّل لعاب المجلات والصحف التي يدعي أنه يشتكي منها!


لا أندمج مطلقا مع هذه السرديات التي تتقيأها الصحف والبرامج ليل نهار، هذا العالم علّمنا عشرات المرات أن مثل هذه الحكايات لها نهاية، ومثل هذه الحياة الساخنة، المليئة بالدراما لها (قفلة) .. كيف ستكون هذه القفلة؟ لا أحد يستطيع التقين، لكن هل حقا نهاية هذه الحكاية عجوزان اثنان يكتبان يوميات أمير سابق، وممثلة رأسمالية أمريكية استطاعت إنقاذ أميرها من حياته الملكية؟ 


أراهن أن ميجان ستخرج الخاسر الأكبر من هذه الحكاية، أما هذا البريء ذو الشعر الأحمر، والعيون المليئة باللوعة والحسرة على ضياع المعنى، أظن إنه يحسب حساب كل شيء، لا أعتقد أن به ذرة من العفوية، وإن كان على ميجان، بكل ما تمثله في هذه الحياة من مادية، ومن شكليات، ومن مسلسلات، وموضه، وبرامج، أجدها على عكس السردية الشائعة أبسط، وربما أكثر نقاء من هذا المشروع التاريخي الكاوي الذي يمثله هاري!


على أية حال، لا أحد يعرف الحقيقة!


ننتظر ما تسفر عن المآلات!

من ظاهرة آمبر هيرد ومستر جوني ديب، والآن الأمير هاري والممثلة الرأسمالية ميغان ساسكس ماركل. الزخم الإعلامي.


لست من نظرية هاري الضحية أمام الساحرة الأمريكية، ولدي فضول شديد لمعرفة المآلات القريبة والبعيدة. التلاعب بالجموع، وصناعة سردية محكمة، وحلب هذه السردية كما يحلب ضرع البقرة الحلوب، الزيارات، المقابلات، الرأسمالية، المنفعة، كلها أفكار تتجمع في هذين الشخصين وحكايتهما.


تابعت باشمئزاز تام تلك المقابلة، الضحلة، بكل ما بها من ابتسامات متكلفة ومزيفة، حاولت التقاط شيء ما لعله ينفعني في ربط معارف علم النفس مع الواقع، لم أجد شيئا يذكر. ثمَّة من يتمسك بسرديته، يحافظ عليها، يستخدمها كمنتج.


هذا هو وضع هذين الاثنين حالياً، صُنَّاع مُنتج يباع. ولعل هاري كان يعلم جيداً أن هذا المسار أربح له (ربما ليس أنفع) لكنه قطعا أربح له من ملاحقة ما تيسر من المنافع الملكية. 


هل هو موضوع وقت؟ ونرى نسخة هوليودية من الأمير السابق؟ نسخة البرامج، لأن هذا الإنسان بارع حقاً، بارع في التلاعب بالسياق، بارع في إحكامه، وصناعته، بارع في هذا التحالف الرأسمالية مع ميجان التي تبدو للجميع كما لو كانت هي التي تدير اللعبة نيابة عنه. 

لست مع هذه الفرضة، وأصر بشكل ما أو بآخر على أن الذي يحدث هو العكس، هي أداة في يد إنسان ينتقم من ذاته السابقة، العائلة التي ربما يراها قتلت أمَّه، من السياسة، من الأنظمة الملكية. يصنع الضوء مستثمرا ما تأسس له من قبل نتيجة سياق مغاير، وهو الآن حرٌ طليق، من الالتزامات، حتى هذه العائلة التي توصف بالملكية أصبحت جزءا من سرديته.


حالة فعلا تستدعي التساؤل، وتستحق التأمل. كيف لعائلة ملكية بريطانية أن يخرج منها هذا الجامح؟ موقفه أقوى بمراحل من عائلة رسمية، لا تعترف بلغة المناكفات الإعلامية، ليست من الأساس إلا مادة منتهكة، موقف هاري أقوى أمام العالم، أمام الجموع، بل حتى قدرته على إعادة صياغة التاريخ الحقيقي تصبح كل يوم أقوى.


ثمَّة شيء غير مقنع أبدا، وهذا الزخم الذي بدأ يُصنع، والنسخة الهشَّة التي صنعت من ميجان ضحيةً (مشروطة) بمن؟ برواية هاري فقط، لقد وضعت حياتَها ورهنتها في سردية هاري التي يتمسك بها. الوضع ليس كما يبدو مطلقاً.


وهذه الرأسمالية الكلاسيكية، تفعل ما بوسعها لحلب هذا الزخم، هي تمسك الجانب العملي بخبرتها كممثلة تعرف عالم الضوء التجاري، وهو بجوهره الملكي كأمير، ترعرع في القصور، إنه ابن الملك! هذه حقيقة حاضرة في الأذهان أمام الكوكب الأمريكي الذي فقد اتصاله بكل شيء ملكي منذ إعلان الاستقلال.


لعبة سياقات، وسرديات، وصراع إنسان جامح مطلق اللسان واليدين أمام مؤسسة ملكية مليئة بالمحاذير، والمعايير، معقودة اللسان، تتلقى ضربة أندرو، والآن ضربة هاري.


يبدو أن ويليام سيكون هو الحل الملكي الدامغ لإعادة تشكيل خارطة العائلة الملكية البريطانية، يبدو لي أنَّ هذا هو موضوع وقت قبل أن تتساوى الأمور، ويتحول الأمير ابن الملك إلى الأمير أخ الملك، ووقتها نحن أمام حكاية إعلامية دسمة.


أتساءل أحيانا وأقول في نفسي: لو كان هاري إنسانا أعرفه عن قرب، وكان صديقا مثلا، أو صديقا لصديق ألن أتعاطف معه تلقائيا؟ ربما لأنني أشعر بالتماهي والفهم.


عجيب الموضوع أليس كذلك؟ كيف حياة إنسان تصبح مادة خام لكي نجرب فيها لساننا، وعقولنا، وأصابعنا، ويكتب الذي يكتب، ويقول الذي يقول، ويصور الريلات الذي يصور الريلات؟


الذي فعله هاري هو إنه أنسى المتلقي جذور الحكاية، ذكي للغاية، ووجد بغيته في الممثلة الرأسمالية ميغان التي لا تخلو من كونها الدرع السردي الذي يحمي رحلته الكاوية. 

رغم كل شيء، ثمَّة شيء محزن أن يصبح إنسانا مجرد حكاية جامدة، محزن بشكل غريب، وربما بشكل شخصي. 


دعنا نرى أين تذهب هذه الحكاية.

الأحد، 22 يونيو 2025

كوكب المنزل الجميل!

 المستوى الثامن في البيانو:


الأمور صارت (ما مزاح أبدا) التوافق بين اليد اليمنى واليسرى، وابتكار مختلف حيل التركيز والذاكرة للتعايش مع هذا الضغط العصبي!


يمكنك أن تسهل على نفسك عملية (تشطيف) الباور كورد، وهي نغمة مكونة من زر في اليد اليمنى، وآخر في اليد اليسرى، ولكن الكلام أسهل من التوافق مع معزوفة جديدة


أنهيت قبل قليل المعزوفة التي وقف فيها تطوري في البيانو تماما، معزوفة لا تستحمل أن تتركها أسبوعا وترجع لها، تشعر أن البيانو كله انصهر من مهارتك، فتصاب بالإحباط.


لسبب ما أحتاج هذا التمرين للحفاظ على ذهني من أثار التكلس والجمود. ولا أعرف ما الذي ضخ بي الطاقة لكي أصبر على هذا المستوى اللعين الذي قضيت فيه مدة ليست بالقصيرة.


البيانو عادة هو جزء من طقوس ما قبل المذاكرة، تسخين، يشبه الكارديو الذي عندما تذهب للجم تشعر بعدها أنك جاهز للتمرين. البيانو يشبه الكارديو إلى حد ما مع المذاكرة.


أحاول الآن ابتكار بعض الحيل الجديدة لأسهل على نفس حفظ المعزوفة. وكذلك ولأنني دخلت مستوى المعزوفات الجميلة، قررت هذه المرة أن أحفظها، وليس فقط أعزفها من الشاشة، أحتفظ بها في ذهني وأكرر عزفها عندما أصاب بالملل. 


المعزوفات في هذا المستوى صالحة لكي تسمى عزفا، تسمى أغنيةً، أو معزوفة، هناك الكثير من الأغاني (والنوتة) المتكاملة، بعضها لمستويات تتجاوز المستوى العاشر، ولكنني لست بصدد الآن دخول تحديات عمر العشرين.


منذ أن بدأت الدراسة، لا جيتار يذكر، ولا عود يعاد!


أغالب النفس فقط لكي أتغلب على هذا الإرهاق المتراكم الذي عمره بالضبط أكثر من عام متتالٍ!


أقول في نفسي: يوما ما ستقل هذه الملايعة، بعض الأشياء ستصبح إنجازات، الدراسة بإذن الله ستتحول إلى شهادة وتخصص، والبزنس بإذن الله يتحول إلى شركة منظمة متكاملة الأركان والمعالم ومعنا في المقر مكينة تقوم بإعداد (سبانش لاتيه). كل هذا تعب، تعب شديد، ولكن ماذا بيدك إن لم تحلم!!! الفراغ، والكثير من الفراغ، وربما يضاف له الاكتئاب وأهلا وسهلا بحياتي السابقة.


عقلي متشبع تماما! لا أستطيع المذاكرة، ولا أستطيع فعل أي شيء، زمااااااان، كان الجهد الذهني هو أسهل شيء في حياتي، طوال يومي جهد ذهني، أكتب، أعزف، أتواصل مع العملاء، ولكن كانت هناك مشكلة صغيرة: لا أخرج من المنزل مطلقا!


لم أكون علاقة حب مع العالم الخارجي، أخرج مضطرا، للعمل، للدراسة، لكسب الرزق، وربما للمناسبات والعائلة والأصدقاء، لكنني حقا لا أحب أجواء الخروج، حتى السفر يجعلني أشعر بالواجب!


أيام كورونا!!! لا يعرف ماذا تعني هذه الأيام غير المنعزلين! بينما العالم كله لأول مرة يجرب الجلوس الطويل في البيت، أنا وطائفتي من المنعزلين لأول مرة نجد العالم جاء إلينا! حياة اجتماعية بمعنى الكلمة، طوال الوقت نجد أحدا لنكلمه، بل وأصبحنا نحن النجوم اللامعة التي طاقتها رائعة في العزلة، تشعر إنك لا تريد التوقف عن الحديث معهم!


ماذا عنك عزيزي القارئ؟ هل أنت كائن كوكبك خارج البيت؟ أم داخل البيت؟


على أية حال! انطفأ هذا النهار بما فيه وكل ما فيه، حان وقت النوم!


قبل النوم ربما قليل من البلايستيشن، وأسمع المنهج، على الأقل من باب الضمير كجيمر يدرس صيفي!


تصبحون على خير!

السبت، 21 يونيو 2025

الذين يراقبون!

 كيف يحضر االغريب السام في حروفنا وفي تعبيرنا عن أنفسنا! 

إليك هذا المثال عن حوار داخلي بيني وبين نفسي.

أحب أن أكتب عن يومي، فهذا حسابي أليس كذلك؟ ليس حسابا يقوم فيه شخص صاحب استحقاق عالٍ بفرض ما يجب وما لا يجب أن أكتبه فيه.

هذا موضوع كسرته منذ سنوات قريبة، بناء الحدود، ولذلك ولأنني جديد على هذه المدركات، أتعامل معها بطريقة شرسة بعض الشيء، كما أتعامل مع أي شخص قليل أدب يضع صورتي مثلا في مكان عام مثل مجمع تجاري، وبكل استحقاق (بريء وغبي أحيانا) يرد عليَّ: لقد رأيتك في المكان الفلاني!

موقف شخصي، مكان شخصي، حياة خاصة يعتدي عليها، فما الواجب؟ رد الاعتداء، ولأنني معاوية، والعداونية جزء من طبيعتي، وقتها لا يلوم المرء سوى نفسه أمام ردة فعلي الدفاعية، وأعترف، أجد العداونية في الدفاع عن النفس تنفيسا غير صحي مطلقاً عن الاندفاع الذي بخصالي تجاه الخصومات والعداوات، ولكن على الأقل أقول لنفسي: أدافع عن نفسي خير من افتعال خصومات من أجل الخصومات.


هذا شيء جديد جدا علي، لذلك ستأخذ عملية بناء الحدود وقتها حتى تصبح منطقية. ولا سيما وأن الأمر لم يعد يتعلق بعزّابي، أو إنسان صعلوك مغامر لا يعبأ بأي شيء، تغير الحال، وتغيرت الحدود.


ثم يأتي الأمر الآخر، الحدود التي أكتب فيها عن يومي. مع الوقت بدأت أنتبه إلى أحوال كثيرة ليست صحية في سلوكي العام، سلوك الكتابة في مكان عام، ألا وهي حجم الخصوصية الذي أبوح به للغرباء، مع الوقت بدأ يقل موّالي السابق، ويتلاشى تدريجيا، موَّال الإدمان، وثنائي القطب، والنوبات، والغضب، والمشاكل العلنية السابقة، وبدأت أحكم تدريجيا المساحة التي أبوح بها. 


هل كانت هذه رحلة سهلة؟ طبعا لا! لأنَّ العالم لا يخلو من البشر الذين لا يتنازلون عن شعورهم باستحقاق أن تكون مشاعا، بل وربما منتهكا عرضة لما تعلكه الأفواه دون خوف من العواقب. والحق يقال، تعلمت هذا بالطريقة الصعبة للغاية، سنوات بسيطة عندما كنتُ أحد حالات المجتمع العماني العامَّة، في الخير، وفي الشر، وأيضا كانت معركة صعبة للغاية من الصبر والثبات والاستعداد التام للعدوانية في الدفاع عن نفسي.


لا أعبأ حقا أن يخسر إنسان اعتدى عليَّ مستقبله، أو أفتح على رأسه هجوماً (قانونيا، ومتفق مع مبادئ الحقوق الفردية) ولم أعد أعبأ مطلقا أن يذهب للسجن، أو أذهب به للادعاء العام، لم تكن الظروف التي جعلتنا قاسيا سهلة، ومن الأساس عندما أخطأت في حق القانون دفعت ثمن الخطأ، سجنت، وحوكمت، وحكم عليَّ، ووقفت في القفص، ودخلت تحقيق الادعاء، وتحقيق أجهزة أخرى. لا يوجد أي سبب لدي يجعلني أتعامل مع ما يسمى (الطيبة) سوى كونها حالة من الضعف والبحث عن التوكيدات من الغرباء، وأغلبية هؤلاء الغرباء لم يكونوا معي وأنا أمر بأقسى أزماتي في هذه الحياة. لذلك، كم أنزعج عندما يظن البعض بي بسذاجة أنني إنسان طيب للغاية، طيب مع الطيبين، وأحب الأنقياء جدا، ولست منهم. 


أحاول أن أتعايش مع مختلف البشر في هذه الحياة، وأحيانا المواجهة هي الخيار الوحيد، ولا سيما مع الذين يعتبرون اللطف بهم عذرا للتمادي، وماذا بيد المرء أن يفعل سوى أن يدافع عن نفسه!!! ليس لدي خيار آخر حقا! 


الرقيب الاجتماعي السام هو الذي يتربص بالغرباء الذين لا يعرفهم للبصق في أفراحهم، وتسميم لحظاتهم، ليس دائما لسبب مبدأ، أو وازع اجتماعي أو ديني أو وطني، إنه يفعل ذلك لأنه يفعل ذلك، يظن أن هذا السلوك عادي للغاية ولا ينطبق عليه. 


ونحن دون أن ندري نستجيب لهذا السلوك الضار ونعطيه صفة الأمر الواقع، لذلك نراعي كل المراعاة ما نكتبه بحجة أن الحاسد والحاقد والناقم لديه عذر ما، نتراجع عن واجب مهم تجاه أنفسنا، وهو المواجهة وحماية الذات ونقرر سلوك الطريق الأسهل.


هذا ما ألاحظه من بقايا الحطام الاجتماعي الذي كنت عليه، وكأنني صرت أراعي كثيرا عدم الاصطدام بأي شيء لدرجة أن هذا الغريب السام أصبح يغير بعض ما أكتبه.


أشتكي أحيانا من ضغط العمل، ومحاولتي المستمرة للدفع بعملي التجاري على الرغم من المشاغل الدراسية والمشاغل الأخرى، لكنني أسعى كل السعي أن أكتب بطريقة محايدة بعض الشيء، وكأن الذي يحك في قلبه أن أتحدث عن نجاحٍ ما لديه وجهة نظر. أصبح شائعا ومتداولا للغاية أن نعتبر أن هذا الكائن لديه وجهة نظر! ولذلك يشيع بين الناس: "عش حياتك ولا تخبر أحدا"


منطق ليس سليما، لا ينطبق مع سعي الإنسان لصناعة حضوره الاجتماعي.

منطق البعض يسميه "الصراحة"


يطالبك بالوضوح التام وهو اسم مستعار! منطق غريب جدا!


يبدو أنني أنحت شيئا ما في بالي!!!


على أية حال، نداء العمل، أكمل الحديث لاحقا!


يا رب هذا الشهر يكون مليئا بالمال والفرص والعملاء الجدد!

الجمعة، 11 أبريل 2025

معارك الأشباح!

 جدالات كثيرة عن الواقع الرقمي، وما يسميه البعض "نُصرة الوطن" والخوف على الوطن، والمصلحة العامَّة. ولا اختلاف في الهدف، وكل الاختلاف في الطريقة.

من منظور مرتبط بشكل رئيسي بالخطاب المستخدم. هل تعرف يا عزيزي المندفع خطر ما تفعله على وطنك؟ ألسنا هُنا نبدأ النقاش، وهُنا ننهيه؟ مصلحة عُمان أولا وأخيرا؟

مصلحة عُمان لا تتمثل فقط في شيء واحد، دعاة الأمن والأمان لديهم وجهة نظر نبيلة للغاية، من الذي يريد عُمان التي تصول وتجول فيها العصابات؟ من الذي يريد عُمان يشيع فيها مهرجان من الدماء والمواجهات؟ من الذي يريد عُمان خبيثة لئيمة تدعم الحروب؟ لا أحد، كلنا متفقون على هذا المبدأ.

الأمن والأمان هذه حقوق وواجبات تجاه الوطن، تجاه الهدف، وليست تجاه الطريقة، لأن الطريقة هي التي تحدد الاختلاف. أنت تدافع عن وطنك، ولا تدافع عن المقاربة، فالمهم هو الهدف. وهذه المعضلة الرقمية التي بدأت تعود للسطح.

الذي ينادي بالحرية وبالعادلة يرسّخ أهم مبادئ الأمن والأمان، الذي ينبذ الفتن الطائفية يفعل الشيء هذا نفسه، وقس على ذلك عشرات المواضيع. السؤال هو: ما هي ضرائب الشدَّة، وما هي ضرائب التراخي؟

إليك مثال التفاعل مع اللاجئين الذين خارج عُمان، فئة تقول: هادنوا، سالموا، خلوهم، تراهم مساكين، تراهم طيبين، والنتيجة؟ وكأنه يقول لك: ليس لك رأي تجاه وطنك، دعنا نكون مليئين بالحنية والطيبة وندير الخد الآخر.
على صعيد المصلحة العامة ماذا يحقق ذلك؟ المزيد من التمادي الداخلي، وانطباع بإنك دولة بلا ردع والتطاول عليها الذي يشبه التطاول القادم من الخارج والذي لا يحاسب عليه من يفعله قانونيا وبالتالي ندخل في تعقيدات حرية التعبير بمنظورها الغربي، وحرية التعبير التي يحددها قانون، وتصبح الأمور [سايبة].

لكن هل الحل هو شتم أمهاتهم؟ واعتبار أن الردع بالشتائم، والقذارة، هو شيء ينفع عُمان؟ الأمر ذاتي يخص من ينتشي بمهمة الدفاع هذه ليمارس الاندفاع نفسه، فماذا تعطي من انطباع لواقعك الداخلي وللعالم؟ أنَّك تخالف القانون ضد من تعتقد إنه يخالف القانون! وبالتالي، بأي وجه تحاضر عن ضرورة ضبط القول العام، وكلام الناس (اتفقنا أو اختلفنا مع ذلك) وأنت من الأساس تتطفل على ساحة سياسية مسببا الضرر لبلادك؟ أعرف أن مجادلة هؤلاء ستكون: ولكن هؤلاء يستحقون!
القانون قانون، لا يوجد شيء في خطاب الشتائم والتشهير يقود إلى شيء سوى خطاب المزيد من الشتائم والتشهير، ولو كان هذا قصدك من الأساس، فالأمر ذاتي، لا داعي لإسباغ صفة الوطنية عليه.

والآن هذه القضية الثانية، والتي بلغ فيها الفجور في الخصومة أشدَّ ما يتحول إليه الواقع الرقمي. لا أعرف من هؤلاء، ولا أظن أنني أو أي مواطن عُماني في مأمن من هذا القطيع من الأسماء المستعارة التي تؤجج السخط، والضيق في الناس. هل هي مساحة تنفيس شخصية؟ هل هي حسابات خارج النطاق العماني وبالتالي لا تصل لها مؤسسات القانون في عُمان؟ كلها احتمالات غامضة، الواقع هو إنها موجودة، وبكثرة، وتمارس الشيطنة والتأليب، وفي الوقت نفسه تخالف القانون بجرائم صريحة. هل هذا حقا ما تريده ببلدك؟ هذا من الأساس إن كنت عمانيا ولم تكن جبانا متسترا تريد أن تُشعلل الوضع لغايات أخرى. لكن إن كنت عمانيا، هل هذا ما تريده ببلدك؟ أن تتحول لغابة؟ لا تدع إنك عماني خائف على بلاده وأنت من الأساس تسيء لأهم مفهوم يضمن السلم والعدالة، مفهوم القانون، والذي وإن اختلفت معه لا يمكنك أن تخالف القانون في سبيل الدفاع عن القانون، هذا ليس اسمه ردع، هذه إما ذاتية أو تخريب متعمد لمبادئ قانونية أخذت عُمان الدروس والدهور لكي تصل إليها وتستقر في وجدان الدولة والشعب. الجبناء لا يدافعون عن الأوطان، والذي يتركب متسترا جريمة باسم مستعار جبان، كان يرفع شعار حقوق الناس، أو كان يرفع شعار الدفاع عن الوطن، أو كان يرفع شعار الدين، هو محرض آخر ومؤلب غير معلوم الوجه والحقيقة، شخص آخر يتنصل من أفكاره ويعطي التحريض، والتأليب، والعمل المتستر تبريراً لأسباب ذاتية، أو لما هو أسوأ، لمن يريد لهذه البلاد أن تقع في مستنقع المواجهات، والفتنة، والصدام. تهديد أي رأي عقلاني، وقسر الناس على الانسياق على هذا الخطاب قاد من قبل إلى ما هو أسوأ، وإلى ردات فعل، ولا يختلف الضرر، الجبان الذي يحرض غيره ويشحنه شحنا لكي يذهب ذلك الغافل في صدامات بحجج (محاربة الفساد) هو نفسه الذي يستخدم التحريض هذا لكي يجعل إنسانا عاديا للغاية يدخل في فخاخ الصدام الرقمي بحجة (يجب أن نمارس الشدة في الخطاب) شدة الخطاب بأي شكل؟ انظر للخطاب الذي يمارس ضد طلال السلماني. هل يعرف الذي يضخم من تأثير شاب مندفع أنَّه يرسمُ هشاشةً كبيرةً تُغري الخصوم بفعل المزيد؟ نعم، هذا ما تفعله عزيزي المندفع في ظنك إن ذاتيتك في الدفاع عن الوطن أهم من الدفاع عن الوطن. تريد أن تدافع عن عُمان؟ طلال ليس أكبر أخطارها، وقد تكون أنت الذي لا يقيم أدنى اعتبار للقانون أخطر من طلال على عُمان، نعم، على الأقل هو خالف القانون باسمه الحقيقي، وتحمل مسؤولية أفعاله، لكن أنت ماذا تفعل؟ تدافع عن بلادك وكأنها غابة، كأنك بلطجي مسموح له أن يفعل ما يشاء، ويعلم الله هل أنت من الأساس داخل عُمان متستر، أو خارج عُمان تسرح وتمرح باسمك المستعار! نهاية هذه الاستقطاب ستكون قبيحة للغاية، وسينجو منه الجبناء، كما يفعلون دائما، كل جبان مستتر بالخفاء سينجو من النتائج الوخيمة لهذا الشحن اعام. البلطجة ليست حقا لكي تكون أداةً للدفاع عن الوطن، والذي ينظّر في فنون البلطجة الرقمية، ومحاصرة الأفراد لحصارهم في زاوية ضيقة هؤلاء هم الأذى، الدفاع عن الوطن شرف وقيمة سامية، ويجب أن تكون محكومة بمنهج، والأهم أن تكون [قانونيةً]. وإلا فإننا نتلو صلاة الغائب على الهدوء ونرحب بالفوضى بكل ما لدينا من اندفاع، والذي لا يعرف كيف حدث ذلك من قبل، عليه أن يتقصى قليلا ليعرف ما الذي سبب هذه المشكلات من قبل. هل تعيش في بلاد هشَّة إلى هذا الحد لدرجة أنَّ فقدان أعصابك تجاه شاب اندفع في مظاهرة صغيرة قد أصبح أبرز حدث في صباحك ومسائك؟ تدينه؟ طبعا حقك، تختلف معه، طبعا وطبعا حقك، هذا ليس كلامي، هذا كلام القانون والمنطق. لكن أن تذهب إلى البعيد وترتكب أنت نفسك جريمة نشر في حقه! هُنا السؤال، هو وجد من يحاسبه، أما أنت فوضعك معلّق، فتحت بابا من أبواب الشر على بلدك وتظن إنك تحسن صنعا! كما أن اللعب بالنار في موضوع النزول الميداني يفتح أبوابا للاحتمالات المدمرة والدموية، هذا لا يعني أن كل من نزل بشكل سلمي يريد ذلك، فقط عليه أن يعرف، ما دمت وضعت نفسك في حشد كبير سوف تتماهى مع نتائجه الكلية، خرجت لكي تنصر غزة، وخرجَ شخصٌ واحدٌ ليلقى زجاجة حارقة على شرطي، سوف تتماهى نتائج حسن نيتك مع سوء فعله. والأمر كذلك من الجانب الآخر، خروج حشد ميداني، وانفلات رصاصة واحدة يفتح أبواب الكوارث على مصراعيها، ولنا في ما حدث من قبل خير عبرة. الآراء تختلف، والمتفق عليه هو شيء واحد، لسنا في غابة، لسنا في مهزلة لكي يصول اسم مستعار في الساحة الرقمية دون ردة فعل تحاسبه، سواء كان حسب ظنه يحرض الناس من أجل مصلحة عُليا، ومن أجل قضية سامية، أو كان حسب ظنه يهاجم هؤلاء بحجة خوفه على وطنه وحمايته وردعه لمن [يتطاول] على بلاده. وأعود مجددا إلى قضية طلال السلماني، إن كان طلال تطاول على القانون، أو فتح بابا للضبط القضائي كي يحقق معه ومن ثم للمحاكمة كي تحكم عليه، من الآن الذي دفع دينه للمجتمع؟ وللقانون؟ ستجد أن خصمك هذا الذي تتهمه بكل التهم البشعة في أفضلية تفوقك بمراحل وأنت تستخدم ضده جرائم النشر الرقمية وتسرح وتمرح كما تشاء. ولو كان طلال السلماني الآن يدخل الإجراء القضائي، ويحقق قيما تردع الآخرين من الاندفاع، فهو (وياللغرابة!) في وضع يجعله كسجين أقل ضررا على عُمان منك كطليق، لأنَّك تعزز مفهوم أن بلادك هشَّة، وشديدة الهشاشة، لدرجة إنك تفيقت في تهييج البشر باسمك المستعار ضد سجين مكبَّل! اسمع لهذا المنطق لكي تمايز في المصلحة العامة وأهدافها، جرب أن تفكر قليلا بدلا من أن تخرج بذاءتك التي لن تسبب سوى بذاءة مضادة، ثمة قانون إن لم تحترمه فأنت لا تحترم عُمان، ودع عنك الخطاب، والجدال، يمكنك أن تشمئز ممن تشاء، بل يمكنك الآن أن تستخدم أبشع المجادلات السامَّة معي، بحكم إني سجين سابق، وشخص لسانه طويل قلَّ أدبه على نفسه وغيره، بل وحتى شتم أمَّه وأباه والسلطان قابوس ولا أعلم من غيرهم. هل تعتقد أنك لو قلت لي ذلك سأغضب؟ نعم سيكون الأمر شخصيا، وسيكون سامَّا، لكن هل هو جريمة؟ هنا السؤال، لن يكون جريمةً. كحال الذي اتهم طلال بإنه يلعب بالنار، أو الذي اختلف معه بشدة وقال له: لا تلق بنفسك كقربان، وغيرهم. إنه وضع عجيب في مقاييس المقارنة بين الضرر والنفع. السجين وهو يؤدي دينه للمجتمع، يوصل رسالة القانون، وهو سجين، ويحاسب، يؤكد قيما من قيم العدالة وتحمل المسؤولية، قبل أن يسجن هو [مُلاحق] وبعد أن يسجن يذهب إلى وضع مختلف تماما، وضع تعرف المؤسسات العدلية كيف تعرّفه. الدفاع عن الوطن شرف لا يستحقه بلطجي جبان يخالف القانون بخطاب الغاية تبرر الوسيلة، الشدة في الدفاع عن الوطن ليست جريمة، الجدال في الدفاع عن الوطن ليست جريمة، المحاججة في الدفاع عن الوطن ليست جريمة، لكن جريمة النشر اسمها جريمة نشر، وإذا أردت الدفاع عن عمان فإن لم تلتزم بأخلاقها وسموها المتعارف عليه معياريا، التزم بقانونها، عمان ليس بحاجة إلى مجرم ليدافع عنها. لعبة الكراهية والاغتيال الاجتماعي أحرقت سلام مجتمعات أخرى. ولا يخفى على أي عاقل نتائج هذه الأفعال. ولأنني في عمان، وأعرف إن ما أكتبه قانوني لآخر مدى قانوني، ولأن النظام الأساسي للدولة كفل لي حقي في مخاطبة السلطات العامَّة، أدعوها للنظر بتمحيص وتفنيد إلى الانفلات هذا ومعاقبة كل من تسوّل نفسه الظن أن مخالفة القانون جائزة في حق من خالف القانون. مسار الصوابية، والميكافيللية، وتبرير الجرائم لا يحدث من طرف واحد. هل الضربة القذرة التي أصابت عُمان في الوادي الكبير كانت ظاهرة؟ هل كانت واضحة المعالم؟ كلا، هُنا الخطر الحقيقي الذي يجب النبش عنه وتحييده بكل الشدّة الممكنة، وركز معي (الشدة) وليس بإعلان الساحة الرقمية منطقة خالية من القانون، وكأنك (سنور لاقي سمكة) تتقيأ أسوأ ما في لغتك وخطابك لكي ترضي ذاتيتك وتُشبع شعورك بالأهمية، أو تتشفى في شخص خالف القانون. إلى الآن لا أعرف من الأحمق الذي في أيام أحداث وادي الكبير ابتكر إشاعةً أن الجناة ليسو عمانيين، ومن ثم ماذا حدث؟ تُعلن الشرطة أنهم من العمانيين، ثم تأتيك المنصات الأخبارية لكي تكابر وتتلاعب بالكلمات بحجة (سقطت عمانيتهم) .. تفاهة عمان أكبر منها بمراحل ومراحل رغم سوء الإعلام ولكنه لا يصل إلى هذا الحد من السقطات المزرية. أعرف عزيزي الشبح المستعار أن كلامي الآن يهيّج مشاعر استسهالك للهجوم علي، هجوم ربما ستعيشه بلا عواقب، وأعرف أنك مستعد الآن لسرد تاريخ أخطائي الهائل، وأعرف إن غيرك فعل ذلك ويفعل ذلك، وأعرف إن من يجد في كلامي إزعاجا لروحه النضالية في الدفاع عن الوطن بشتم الأمهات والآباء وبث الإشاعات، وتضخيم الأحداث قد يجد الحجة المناسبة لتلقين معاوية الرواحي اللاجئ السابق درساً في البلطجة الرقمية، لعله يتأدب عن إدانة بذاءة من يزعمون الدفاع عن الوطن ويرتكبون جريمة نشر صريحة! أعرف أنني قد أتعرض للأذى بسبب كلامي هذا، ولكن لا يهم، هذه وجهة نظري سمح لي القانون أن أكتبها، وليست وجهة نظري وحدي، بل وجهة نظر عشرات من الوسطيين الذين يتمنون لو كنت أنت وغيرك من الجبناء أقل حماقةً في حق بلادك، وفي حق قانونها، وفي حق أهلها، وليتك تعلم أنَّك أنت من يجلب الضرر ويفاقم الأشياء البسيطة ويأخذها إلى مناطق ملتهبة، وليتك تعرف كم أنت أحمق في موازين النفع والضرر الرقمي، وليتك تعرف إن السجين الذي تسميه مجرما أقل ضررا منك وأنت حر طليق، فهو سجين على الأقل، يتعرض للمحاسبة القانونية، أما أنت أيها الشبح فما وضعك؟ تبحث عن شخص جديد لكي تشتمه؟ أم تبحث عن إشاعة جديدة؟ أم تبحث عن صحفي أو إعلامي موجّه لكي تشتم أمّه، وأباه، وتطعن في كل شيء ممكن فقط لكي تُشبع ذاتيتك؟ أكتب في هذه الساحة باسمي الحقيقي منذ 23 سنة كاملةً. لم أجد في هذه الساحة الرقمية أقبح من اثنين: - المناضل الجبان، الذي يوزع صكوك الوطنية على الشعب، والصوابية على الكون، يحارب الفساد في البار، وفي طاولة القهوة، ويحارب السلطة في آذان الآخرين، ويبقى حكم راية لكل من يخوض هذا السعي إن كان سعيا، أو المواجهة إن كانت مواجهة. - الرادع الجبان: فاقد الحجة، المتنصل من المسؤولية، الاسم المستعار الذي لا حنكة لديه في الكتابة ولا المجادلة، ولا الخطاب، يتطفل في مكانٍ ليقوم بما ليس من واجبه، ولا مهارة لديه لكي يجيد ما يفعله. لا حاجة لي لأبرر لماذا يحق لي أن أسجل موقفي، إلا إن كان النظام الأساسي للدولة لا يعني أي شيء لشبح رقمي سواء كان يحرض الناس على الموت، أو كان يرتكب جريمة النشر وراء الأخرى بحجة دفاعه عن الوطن. هذا هو رأيي، أتمسك به، وإن كان سيسبب لي أي خسارة من الخسارات، فليكن، عُمان أكبر من أي سافلٍ يظن أن الدفاع عنها لا يكون سوى بالبذاءة أو الجريمة، سواء كانَ شخصا يلعب بالنار ليذهب بالناس للجحيم والخطر، أو كان شخصا يعبث في الطين ويظن أنّه يعيش في غابة. فلا نامت أعين الجبناء!
انتهى

الخميس، 10 أبريل 2025

يوم رقمي مُحبط!

 كالعادة، السياق ينهار، وتمضي الأخبار المهمة مرور الكرام. قبل فترة، تغييرات في شأن القضاء التجاري، خطوة هائلة في البدء في إصلاح الأوضاع التي تسهل الاستثمار الخارجي، خطوة مهمة، وطبعا خطوة أولى في الطريق الصواب لا داعي للتطبيل لكي نؤطر هذا الخبر كنهاية للسعي، هي بداية لشيء أجمل، هل نال هذا الخبر حقه من التحليل؟ كلا طبعا، مجرد مرور شاحب ككل الأشياء المهمة.

ثُم اليوم، خبر آخر، مهم ضمن تحركات الحماية الاجتماعية، هل يعني بالضرورة أن كل شيء قد حُلَّ وزالت المشاكل، هذا ما سيقوله المطبلون، كلا بالطبع، لكنه أيضا خبر مهم، وبداية لمسار صواب.

لا أعرف كيف أعبر عن إحباطي، تجاه هذا السياق المنهار، ما هو المهم حقا؟ وما هي قضية عُمان الأولى؟ القضية الأولى هي الاقتصاد، والقضية الثانية هي الاقتصاد، والقضية الثالثة هي الاقتصاد، والرحلة الطويلة في النمو، وصناعة الوظائف، وفي الوقت نفسه صناعة الحماية الاجتماعية التي تضمن أنَّه مهما مرَّت الدولة العُمانية بظروف اقتصادية وغلاء، المواطن لديه حماية، ومهما مرَّت برخاء، الدولة لديها حماية من الفساد، وفي رأيي، وهذا رأيي الشخصي، ومن الممكن أن يكون خطأ، وغير منطقي.

كابن لهذا المجتمع، أعتقد أنَّ لدينا معضلة فلسفية حقيقية في فهم عُمان اقتصاديا، وأنَّ الذي يدير شؤون الممكن اقتصاديا تجاه الطبقة الوسطى من المنظرين الاقتصاديين يتبنون نظرة الترف الخليجي، ويبقون في هذا الجانب اللازوردي المتعالي. هذه المشكلة التي لمستها عندما بدأت في الكتابة عن أهم منفعة ناقصة، وهي المنفعة الإسكانية.

يكتب البعض وكاننا في دولة خليجية من ذوات النمو الهائل، وكأن نفطنا يشبه نفطهم، ولذلك فور الحديث عن المنفعة الإسكانية، يقفز لك مدافعا، يريد الجماليات المترفة، أما الضرورات التي قد يفكر بها شاب في مقتبل العُمر ينسفها عرض الحائط من أجل هذه الجماليات والتي هي ضرورية في سياقات كثيرة، ولها أن تحدث موازية لجهود أخرى، والمدن الجديدة، وتعديل البنية المدنية، ورفع كفاءة الشوراع، وأشياء هائلة كثيرة لن تحدث إلا بوجود اقتصاد حقيقي. المنفعة الإسكانية، هي أهم ملامح الحماية الاجتماعية، شقة جاهزة يستلمها شاب عُماني متزوج حديثا، ونظام معقول لدعم الحد الأدنى من الدخل، ومبادئ اقتصادية كثيرة سهلة نظرية وصعبة عمليا، لكن كل هذا الاستقرار الاجتماعي لن يحدث بدون سقف أعلى رأس كل إنسان يبدأ حياته. حكاية الراتب الواحد الذي كان يكفي لتحقيق كل شيء لم تعد موجودة، التنافس على الوظائف شرس، وفوائده الاقتصادية ستحقق فقط مع رفع شعار الكفاءة أولا، وطبعا رأيي الذي يزعج الجميع، لا اقتصاد في الكون يعمل فيه اثنان العمل نفسه وأحدهما يأخذ نصف راتب الآخر سيصنع تلك التنافسية التي ستنفع رب العمل، وستنفع حرية السوق. لا أقول أن قرار اليوم هو القرار الأقصى، فهو قرار عملي إجرائي، لكنني أقول أنَّ الاهتمام بكل ذلك الهامشي من مهرجانات إدارة الرأي العام وتوجيهه، والخيبات المتتالية تجاه المهم حقا في عمان، وكل هذا الانشغال بقضايا لا أفهم ما أهميته؟ شخص قال كلاما في مظاهرة! وحاسبه القانون؟ ما وجه الخطب الجلل في ذلك؟ أعانه الله، كل إنسان يتحمل مسؤولية وخسارة مواجهاته، وأسأل الله أن يكتب له عودة حسنة للحياة الاجتماعية، وأن يتعلم من دروس الحياة، وأن يعيش حياة سلام وأمان بدلا من هذا الرأي العام الذي وكأنه لم يجد شخصا غيره لكي يصب جام غضبه عليه!!! بصدق، لا تفهم ما الذي يحدث، ولماذا يحدث! الخبر المهم بالنسبة لي هو موضوع الحماية الاجتماعية، والتغييرات الذي به، هذا هو المهم بالنسبة لي، وأما بشأن القلق على عُمان، لم أعد أفهم العصر الذي أعيش فيه، ولم أعد أفهم الأجيال الجديدة، ولم أعد أفهم لماذا يحدث ما يحدث! يبدو أنني في الأربعين "جدا" للحد الذي أشعر فيه بغرابة كل شيء! عُمان دولة عجيبة، لا أعتقد أن فهمها سهل أبدا! أنبش في الإعلام عن خبر يوجه البوصلة إلى المهم حقا، القطاع الخاص مشغول بالربحية، والإعلام الرسمي يكتفي بالقوالب النمطية المكررة وفي الوقت نفسه يحاضر للعالم عن الموضوعية والمهنية والمنهجية وغيره من "الطقم" من الكلام الجاهز الذي لا أعرف من رآه في الواقع! أقارن بين الخبرين، وكيف يبدو الخبر هذا شاحباً، أي حوض أفكار جمعي كان يمكنه أن ينحت مفاهيم الحماية الاجتماعية "كمادة مكتوبة" وأن يجعلها في الواجهة، وأن يبدأ الاهتمام من حوض الأفكار العام بها، ثمة ما يُنحت جمعيا، وتفاعليا، أليست هذه هي الثقافة؟ ولكن ما هو المهم؟ شابٌ عُماني اندفع، فإذا بمختلف الحسابات، والأشخاص، والأسماء المستعارة تهجم هجمة واحدة وكأنه خطر حقيقي أمام هذه البلاد مترامية الأطراف! نظام العبرة، والاغتيال الاجتماعي! كلمة إحباط لا تكفي لوصف ما أشعر به، إكسبو يحدث في اليابان بكل ما فيه من فرص، النقل الرسمي جامد! والواقع الرقمي بدلا من الانتباه إلى أهمية هذا الحدث منشغل بنشر الحكم على طلال السلماني! يا ساتر! هل حقا القضية مهمة لهذا الحد؟ عُمان والواقع الرقمي، حيث القضية تحدث دائما في مكان آخر. ولا أعرف نصيب أي إنسان من الاهتمام بالشؤون العامة! هذا اليوم الرقمي العُماني مُحبط جدا، يطيش المهم حقا كالعادة، واليوم الإعلامي العُماني محبط منذ زمن بعيد، بكل صدق، لم أشعر أنني في الأربعين من العمر كما شعرت اليوم، غُربة عن كل شيء ولا أفهم لماذا يحدث ما يحدث!
الله يعين!


يخشى كثيرون الحديث صراحةً عن هذه الشؤون الملتهبة لما يمكن أن يحدث للفرد من قبل السلطة والقانون. يخشى كثيرون القول أنَّ موضوع التجمهر، والخروج الميداني هو أسرع طريق لكي تذهب في صدامٍ مع القانون، ومع الفئة التي تعتبر هذا الشيء (أكبر الخطوط الحمراء) .. ركَّز معي، أنا هنا أصف الواقع، لست هُنا لأحدد اتفاقي أو اختلافي معه، ولست هُنا سوى لأرصف طريقاً إلى مناقشة ما يحدث بعيدا عن مهرجان التلميح الذي آل إليه الحال عندما نتحدث عن هذا الحدث الذي لا أفهم لماذا هذا التضخيم الشديد له؟ الذي يسلك درب مواجهة السلطة يعرف جيدا ما الذي ينتظره! هل هو على صواب وبطل ويضحي من أجل الشعب كما يرى البعض، أم هو مجازف ويقدم نفسها قربانا! والذي يختار ذلك، هو يتحمل اختياره، ويحق لي كمواطن أن أدينه وأبدي خوفي من عواقب التحرك الميداني (المظاهرات + الاعتصامات) ويحق لي كمواطن أن أنادي بتغيير قانون التجمهر مثلا، وأطالب بجعلها قانونية ومنظمة، في النهاية، أعيش في عمان، ولديها قانون، وهذا القانون اختلفت معه أم اتفقت معه سيطبق معي أو ضدي. السؤال هو، كل هذه الشيطنة لشخص واحد؟ لا أعرف لماذا! بكل صدق، لا أعرف لماذا؟ البعض يفعل ما يقود لضرر أكبر! طيب على صعيد التفكير الرادع! ألا تشعر أنَّك تدفع به دفعاً ليواصل كونها [القربان المفضل] فريق يقول له: استمر يا طلال، انسجن عشر مرات، أصفق لك كم أنت بطل! وجيد، بطل باسم مستعار يدافع عن حقوق الشعب! جيد جدا، بطل آخر أليس كذلك؟ فريق آخر: طلال هو الخطر الأكبر، يجب نسفه في اليم نسفا! ما هي الحقيقة: شاب عماني، يحاكم قانونيا، لديه عدة مستويات من المحاكمة، وما أن يصدر بشأنه الحكم النهائي ينفذ في حقه القانون حاله حال أي شخص آخر. الذي يختلف مع السلطة باسمه الحقيقي، وبوجهه، يختلف كثيرا عن ذلك الذي يلعب في الخفاء، يمكنك أن تحترم الخصم الواضح الصريح، ويمكنك أن تكلمه، وأن تجادله، وأن تثبت له صحة موقفك، أو خطأ موقفه في حال كنت تراه مخطئا. هل هذا ما آل إليه الحال؟ اختيار عبرةً واحدة، وتضخيم المواجهة وهي في الحقيقة حدث يومي لا يختلف عن أي إجراء قانوني رسمي؟ طلال السلماني يعرف عواقب أفعاله، كما عرف من قبله عواقب أفعاله، السؤال هو ماذا أفكر تجاهه كفرد من المجتمع؟ يذهب لأقصى نهايات الطريق؟ فريق يضحي به وبمستقبله ويدفعه دفعا ليكون في واجهة الميدان، وفريق يفتك به شر الفتك ليجعله عبرة لمن يعتبر! هل أحدهما على صواب؟ ما هو الصواب حقا في هذا الجانب؟ أليس التأهيل، والإصلاح، وإعادة المخطئين لجادة الصواب مبدأ قانوني أصيل؟ لكن انظر إلى الانهماك التام في اتخاذ موقف من الموقفين. شيء فعلا يجعلك تشعر بغربة حقيقة وتفقد قدرتك على الفهم الموضوعي. من عام 2011 والجميع يعرف، أنَّ التحرك الميداني هو أكبر خط أحمر يمكن أن يتم التعامل معه بهذه الشدة، هل هذا صواب؟ هل هذا خطأ؟ لا أريد تفنيد ذلك حفاظا على سلامتي من أي طرف، لأن رأيي لن يعجب جميع الأطراف. والآن سأقول رأيي الفردي والذي أسأل الله ألا يجلب على رأسي المغرضين، والذين يخرجونه من سياقه مع اعتقادي بصعوبة ذلك وأنا أكتب بهذا التفصيل والمجادلة، سيرد النص هذا على أي شخص مغرض، ولكن مع ذلك، أعرف أنني لن أسلم من شر جبناء الأسماء المستعارة، أو المحرضين الذين يرون ما أقوله ليس كافيا لكي يهز أركان الدولة ويدفع القوات المسلحة لرفع حالة التأهب لأن سيادة معاوية الرواحي كاتب تغريدة!! لست مؤيدا للخروج الميداني بسبب إيماني الشديد أنه فتح لأبواب خطرة للغاية يمكنها أن تأخذ بكثير من الأشياء لقطرة الدم الأولى. لست أنا من يقول ذلك، حتى العلم يقول ذلك، هذه الحالات هي فتح لباب الممكنات غير المتوقعة، رصاصة خاطئة من السلطة، أو زجاجة حارقة من متظاهر، وفتح باب خطر للغاية، لا أفضل الانسياق وراء هذه الاحتشادات الميدانية لهذا السبب فقط، هذا رأيي، لكنني لن أذهب (مجددا) إلى الحماسة في إدانتها، واعتبارها خطرا، وأدخل حالةً من الخوف والهلع والشعور أن مهرجانا من الدماء سيحدث بمجرد خروج مظاهرة سلمية، وأنا شخص هلوع للغاية ولدي الخوف الاجتماعي من هذه الأحداث بشدة، ربما لأنني أحب عمان بشكل ما أو بآخر، لكنني أضع معتقدي الاجتماعي أولاً أمام أي اعتبار آخر، حالي حال أي شخص آخر، حالي حال أي عماني يتفق الهدف الذي هو مصلحة عُمان ويختلف في الطريقة. هذا هو رأيي الشخصي في موضوع المظاهرات والخروج الميداني، لكن أيضا لدي وجهة نظر أخرى تجاه التعامل المتشنج معها، هل يدرك الذي يضخم من حدث عابر في مظاهرة سلمية لم تشهد أي شكل من أشكال العنف (والحمد لله) أنَّه يظهر الوضع بمظهر سيء! وكأنك تقول ضمنيا أن الهشاشة وصلت إلى أقصى حدودها. هل يعرف الذي يأخذ الأمور ذاتيا إلى أي مدى يسيء ولا يفيد! أم يجب أن نتعلم بالخطأ؟ ومن يكتب هذا الكلام تعلم هذه التجربة ليس بالخطأ الواحد، وإنما بالأخطاء كلها دفعة واحدة أقول هذا لكي لا تظن عزيزي القارئ أنني أطلق الأحكام دون أن أعرف جانبي من المعادلة. كل هذا التضخيم لماذا؟ هل يردع هذه المشكلة أم يفاقمها؟ يسوقها؟ يجعلها "ترند" كما تقول الأجيال الجديدة؟ هذه الذاتية المفرطة هي إحدى المشكلات الحقيقية في تناول الأحداث العامة. ماذا لو كان السياق أبسط، والحقيقة أبسط؟ مضحك من يحكي انتفاخا صولة الأسد، الاسم المستعار الذي يوزع صكوك الحق والصواب على الأمم، والمحرض الذي يريد غيره أن يتظاهر وهو لا يعبأ بمصيرهم، والمتشنج في الدفاعية الذي يضع ذاتيته أولا قبل المصلحة العامة. وماذا نريد أولا وأخيرا؟ سلاما، وحقوقا، وسلامةً، وحريةً. أنا أريد، وأنت تريد، وفي النهاية القانون هو الحكم، أما تفاعلنا الاجتماعي فهو موضوع فكري مستمر، شد وجذب، ونقد، ومجادلة. من المؤسف أن يصل الحال إلى هذا الشكل من الانتقائية، وهذا التضخيم الذي يصنع الحدث ولا يوقفه! إن كان البعض سيهاجمني إن قلت "أتمنى السلامة لطلال السلماني" فليهاجم كما يشاء، نعم، أتمنى السلامة للسجين المدان طلال السلماني، وأتمنى له ولكل سجين أن يوضع أمر إصلاحه، وتأهيله، ونصحه، وإعادته للمجتمع بعد سداد دينه للقانون وللحق العام ليعود ليعيش حياةً يستحقها قانونا، هذا ليس كلامي، هذا كلام القانون، وهذا ما نصَّ عليه النظام الأساسي للدولة، وهذا ما تنص عليه القوانين العدلية النافذة في السلطنة بكل مستوياتها المعقدة. لست محاميا عنه لأقول أنه لم يخطئ، ولست وكيل ادعاء لكي أدينه، أختلف معه في الرأي لكنني لا أتمنى أن يتم تدميره اجتماعيا للحد الذي يوضع فيه في طريق اللاعودة بسبب هؤلاء الذين يضعون ذاتيتهم الانتقامية أولا أمام مصير أي فرد عماني. إن كان البعض سيهاجمني إن قلت أتمنى الهداية، والإصلاح للسجين العُماني المدان في المحكمة الابتدائية طلال السلماني فليفعل. وإن كان البعض سيهاجمني لأنني أوجه ندائي للسلطات العامة في عمان أن تتخذ مقاربة الإصلاح، والتأهيل، وتعميم ذلك على كل سجين فليهاجمني. وإن كان البعض سيهاجمني ويشنّع في حقي لأنني أرفض كل الرفض أن تتحول عُمان لغابة يُمارس فيها سلوك غير قانوني، وسب وشتم، الذي يدعو ليكون الوطن في فوضى يجرم القانون فعله، والذي يدعو لكي يكون الوطن غابة ينجو فيها من يرفع أستار الوطنية يجرم القانون فعله. إن كنت سأهاجم طلال السلماني، كان ذلك سيكون وهو حر طليق، يلعب بالنار في المظاهرات الميدانية، ويعرض نفسه وغيره للخطر، أما وهو سجين، فهو مواطن يسدد دينه للمجتمع، إن كنت سأعلن خوفي على عمان من قطرة الدم الأولى التي هي احتمال كبير في أي مظاهرة، من أي مواجهة، من أي تخريب، من أي سلوك يمارسه البعض تحت مظلة أشخاص يقودون إلى حراك ميداني سأعلن ذلك هُنا، ولكن ليس وأنا أضرب سجينا مكبلاً. الذي يدينه هو القضاء، ولا يدينه معاوية ولا غير معاوية ولا اسم مستعار وجد بغيته الآن في نسف إنسان نسفا. ولكي أضع كل مجادلتي بوضوح يمنع كل المنع إخراجها من سياقها، هذا رأيي الشخصي، مخاوفي الشخصية، لا ألزم به أحدا، لا أؤيد ولا أعارض سجن أي إنسان تظاهر، ولا أؤيد ولا أعارض الاختلاف معه في الرأي، الذي أرفض كإنسان يعبر عن رأيه هو أن نكون في غابة، هو أن يخالف القانون ويصبح شيئا اختياريا وانتقائيا. هذه القضايا، وغيرها، مكانها ليس تويتر، هذه أيضا من معضلاتنا الكبيرة، كيف نخاف أن نقول الواضح الصريح. الواضح الصريح: السلطة في عمان لديها كل التشدد في التعامل مع التحرك الميداني. الواضح الصريح: أن عددا غير قليل من الجبناء يحركون هذه الجماهير بأسماء مستعارة في تويتر. الواضح الصريح: أن عددا غير قليل من اللئام يخالفون القانون بجرائم نشر صريحة وبأسماء مستعارة ويرفعون قميص الخوف على الوطن لتغطية جريمة النشر هذه. الواضح الصريح: أن صوت العقل خافت للغاية. الواضح الصريح: أن الذاتية الوطنية والفردانية الزائدة عن الحد في اعتبار الموقف الواحد هو أساس التعبير عن الرأي هي ظاهرة متزايدة في التعبير العماني العام. الواضح الصريح: أن الإعلام لا يقدم ما يكفي لكي يقلل من هذا الاحتداد المستمر. الواضح الصريح: أن الإنسان أصبح يخاف على نفسه من الهجوم العشوائي الرقمي إن قال رأيا لا يعجب اطرفين مستقطبين. أكتب ما أكتبه لا لأدعو أحدا للاقتناع به، أكتب ما أكتبه لأنني أؤمن بطريق العودة لكل إنسان، ولأنني أؤمن أنني أعيش في دولة ولا أعيش في غابة، ولأنني أؤمن أن أشياء كثيرة تحدث مستغربة، وتفتعل المشاكل من العدم. هذا رأيي، قد أكون مخطئا، قد يكون به بعض الصواب، قد يكون به بعض الخطأ، هذا رأيي، لا ألزم به أحدا، وليته ينفع أحدا ما في أن يفهم أن الأمر تفاعلي، مليء بالجدل، وهذا طريق صعب للغاية، ومتعب، ولكنه أفضل وأنفع للمجتمع وللبلاد بمراحل من سياسة الصوت الذاتي الذي يتعامل مع القضايا العامة بلغة الاستقطاب. إن كان طلال السلماني شخصا قد تم تحريضه، فالذين يخالفون القانون في حقه هم أشد ضررا من محرضيه، وإن كان طلال السلماني قد أخطأ باندفاعه، فإن الذين يبررون له تقديم نفسه كقربان أشد ضررا عليه من الطرفين. كم هو سهل أن تختار نهاية مستقبل إنسان، تختار أن تقدم إنسانا غيرك بحجة أنه "سقط من حسبة الحياة الاجتماعية" نعم، سهل، سهل أن تتعامل مع لاجئ خارج عمان أنه يعمل لصالحك، من أجل قضاياك ولو عاد لبلاده شننت عليه الهجوم لأنه "خذلك" يا بطل الصوابية الذي يكتب باسم مستعار. كم هو سهل أن تنتقم لذاتيتك، لكي تأخذ إنسانا إلى طريق اللاعودة، وترميه لقمة سائغة في يد الجبناء الذين يحرضون من بعيد، بدلا من أن تكون أنت الذي يتدخل لبيان حقائق هذا الدرب، ومآلاته. لا أتكلم عن تنظير، أتكلم عن تجربة، وأعي جيدا كل حرف أقوله، وأعرف خطره وضرره علي، وأعرف كل خساراته الاجتماعية التي قد تعرضني لها، لكن كل هذا الذي يحدث هو ضرر فوق ضرر، كله يصنع قطبين مزيفين كلاهما يضر بلاده بحجة سعيه لصالحها. لست هنا إلا لأعبر عن رأيي، الذي يريد مواجهة السلطة هذا خياره وهو يدفع ثمنه لن أكون شامتا فيه ولا مؤيدا له، والذي يريد الدفاع عن السلطة هذا خياره وهو الذي يدفع ثمنه، لن أكون مؤيدا لشخص يرتكب جريمة في حق مواطن آخر بحجة أنها "غاضب لأجل وطنه" نعيش في دولة ولا نعيش في غابة، والقانون هو الحكم الأول والأخير. أكتب ما أكتبه منطلقا من إحباطي لكل ما يحدث، نحن لا نعيش في عصر الكتابة، نعيش في عصر الأسماء المستعارة وصراع الخوارزميات، نعيش في عصر المنصات الإخبارية التي تركت كل شيء في عمان لكي تتفيق لحادثة هامشية لشاب عُماني مندفع ويدفع ثمن اندفاعه، نعيش في عصر السياق المنهار، نعيش في عصر القضية التي ليست في موضعها، أعيش في العصر الذي سأكون فيه كغيري بعد عشر سنوات، خمسيني، لا يستطيع سوى أن يشعر بالغربة وأنه يعيش في زمن ليس بزمنه. فلا نامت أعين الجبناء!

الأحد، 6 أبريل 2025

عن عالم اللجوء

 موقفي من اللاجئين قلته وأقوله مرارا وتكرارا، أنظر لهم من زاوية أملهم بالعودة الآمنة، لا أتفق مع معاركهم، لا أؤيدها، ولا أختلف مع الذين يتولون مناقشة خطابهم بالحجة والبرهان.

ثمَّة أشياء كثيرة أريد قولها، لكنني لست مستعدا نفسيا للعودة إلى تلك الأيام بقدر ما كانت مزرية ومؤذية.

ليست لدي ملاحظات على الذين يتولون الأمر كخطاب سياسي، القلة القليلة التي تعرف ما تقول، وتعرف كيف تتصرف، وأبسط شيء تمشي وفق القانون العُماني.

أمَّا الفئة المتطفلة على الخطاب السياسي هذا، ولا سيما هذه التي وجدت نظام (اللي يحب النبي يضرب) ويظن أن الرد على الشتم بالشتم هو شيء منطقي.

ما منطق هؤلاء: 


اللاجئ في بلاد خارج عُمان، لا يحاسبه قانون على ما يُعتبر جريمة نشر غير قانونية في عُمان، بالتالي، يحق لي ممارسة جريمة تجاهه، وفي كل الأحوال هو صراع بين شخصين، لا علاقة له بأي خطاب سياسي، ولا خطاب اجتماعي، ولا نشاط تعبيري، هي حالة من الشتم المتبادل. هل هُناك شيء يجدي في ذلك؟ شخصيا لا أجد نفعا في ذلك، ولا أظن أنَّ هذا السلوك يفعل شيئا سوى زيادة الانتباه للخطاب القادم من الخارج.


لن أتكلم عن فلان بعينه من اللاجئين، أو الذين خارج عُمان، ومن الأساس لا أريد أن أتحدث عنهم بالخير ولا بالسوء لكي أبتعد عن دخول المعمعة. 

سأتحدث بما أظنه نافعا للطرفين، وإن خذلني اجتهادي فهذا هدفي. أتمنى أن يستفيد أحدهم من هذه التجربة التي تمثل (تجربتي الشخصية فقط) وقد لا تنطبق على غيري.


عندما كنت في بريطانيا نصحني إنسان مخلص النصيحة وقال لي: "لا تحرق سفنك"


يشير إلى قصة طارق بن زياد في فتح الأندلس عندما قام بإحراق السفن التي كانت ستعيده وجيشه وقال مقولته الشهيرة التي نسبت إليه: "البحر من ورائكم والعدو من أمامكم فأين المفر؟"


لم أسمع هذه النصيحة وأظن أن هذا الخطأ الاستراتيجي سبب لي تعقيدات غير متوقعة، وأثَّر على أي نفع اجتماعي من وجودي في بريطانيا وحوَّل الأمر إلى مهرجان من الاستنزاف في الملاسنات والتي البعض لا يدخلها بحسن نية وإنما يدخلها لكي "يشعللها" ظاهره الدفاع عن الوطن وباطنه تهييج لاجئ خارج عُمان لكي (يجلد) أكثر وأكثر، وهذه الجُملة مأخوذة من خطاب البعض الذي اعترف لي بعد عودتي أنَّه كان يتعمد استفزازي لأنني بالنسبة له (أكون أوكّيه لما أكون معصّب). جحش على هيئة إنسان أسأل الله ألا ألتقي بأمثاله مجددا.


أكرر تحذيري، هذه المشاركة لتجربتي لا أهدف منها نصح إنسان داخل عُمان، أو أهدف بها تغيير قرار لاجئ، لا أنصحه بالعودة، ولا أنصحه بالبقاء هُناك، كُل إنسان له خياراته وهو الذي يدفع ثمنها. هذا لكي أقطع الطريق على أي مغرض سيحاول اعتبار كلامي دخولا في هذه المعمعة، أو أي شخص آخر يفترض أنه يجب علي أن أؤمن بالمقاربات الحالية في التعامل مع اللاجئين تقود إلى أي نفع اجتماعي. أما عن الجانب السياسي، والتعامل الرسمي مع اللاجئين فليست لدي أية وجهة نظر عنها لأنني بعيد عن هذا المشهد كليا، ولا أستطيع أن أعرف ما به مطلقا والحمد لله.


سأبدأ بأخطاء خطابي (من تجربتي الشخصية) الخارجي آنذاك، ومع أن الحديث يحتاج لمئات الصفحات، سأحاول أن أختصر قدر الإمكان. 


- استهداف السلطان: كان لدي خلط كبير بين الحالة الفلسفية لسلطة السلطان، والحالة الواقعية لحقيقة ضلوعه في أي شيء حدث لي. هذا جرف الخطاب من أي نفع اجتماعي إلى نوع من المغايظة والانتقام اللفظي وكأنني عندما كنت أشتم السلطان قابوس رحمة الله عليه فإنني أحقق أي نفع اجتماعي أو إصلاحي. الآن بعد مرور التجربة أدركت أن إدانة السلطان لأي تصرف بحجة المسؤولية الفلسفية التي يحتمها منصب السلطان على كل مواطن لم يكن شيئا عمليا، أو نافعا اجتماعيا لي، وقد عطّل ذلك عملا إصلاحيا كان يمكنني أن أؤدي دورا جيدا فيه وحولني إلى كائن يتبادل الشتائم مع مئات الأشخاص الذين بعضهم متطفل على الخطاب السياسي ويهمه تضخيم تأثيري لكي يكون هو البطل الذي يردعني أكثر مما يهمه أي شيء آخر، والنتيجة تعرضت للشتم المقذع الذي يشبه الشتم المقذع الذي أطلقته، ودائرة لا نهاية لها. في الحقيقة السلطان بموقعه الفلسفي كحاكم هو الحل وليس المشكلة، والذي ينظر للأمور بالنظرة الفلسفية الكبير سيتعامل مع منصب السلطان وكأن كل مشكلة في عمان هو سببها، وهذا خطاب تمنيت لو أنني لم أسلكه تجاه السلطان قابوس رحمة الله عليه. على الواقع العملي السلطان كان هو الحل وليس المشكلة، هو الذي أصدر العفو، وعن طريق السفارة والتفاهمات وكل طرف أوضح للثاني ما له وما عليه، العفو الذي صدر بشأني كان يشمل الحق العام، والتعهدات من جانبي أنني لن أعود إلى استفزاز الدولة، أو أجهزة الأمن، وقد وفيت بجانبي من العهد وحتى الآن لم أتعرض لأي استدعاء ولم ألزم أو أجبر مثلا بالهجوم على اللاجئين فضلا أنني من البداية قلت بالفم المليان: "لا أريد إجباري على أن أدلي بأي معلومات عنهم" كانت الإجابة على لسان السفير عبد العزيز الهنائي: ستعود، حرا، طليقا، ملفك جديد وأبيض، ولست ملزما بأي شيء، عش حياتك وابنها وأكملها. أخذت عامين حتى اطمأن قلبي، والآن أكمل عامي الخامس والحمد لله بلا مشاكل. أكتب في مظلة القانون، وسواء نتفق أو نختلف مع سقف التعبير، لقد اخترت العودة لعمان، وأتقبل قانونها، أختلف معه أو أتفق، هو الذي يحكم في شأني، وأختار أن أبتعد عن أي شيء يجلب عليَّ استدعاء ادعاء، أو قضية في محكمة، ومجددا هذا خياري الذي من حقي تماما أن أعيشه، ليس موضوعا للتفاوض مع أحد.


- ظني أن أي شيء فعلته في بريطانيا يعزز فرصي في اللجوء، وهذه مغالطة شائعة، كل ما تفعله في بريطانيا يقع رسميا تحت إطار (أنت تحت السيادة البريطانية ما تفعله طبيعي جدا) اللجوء عملية معقدة للغاية، تحتاج لأدلة، ومن الصعب للغاية بمجرد استدعاء، أو حتى حبس على ذمة التحقيق دون انتباه منظمات حقوقية مثلا، وأدلة، أو حالات أخرى بها دليل على التعذيب مثلا، أو الاختطاف القسري، أو الطائفية، أو وجودك في منطقة حرب. 

اللجوء لمجرد الكتابة عن السلطة وقبوله ليس سهلا، ولم أكن أعرف أنه كان بمقدوري أن أبدأ حياة هادئة، منطقية، خالية من الضغط النفسي الشديد وأنه لا داعي للهجوم على السلطان لأثبت أي شيء للجانب البريطاني أنني أستحق اللجوء. 

تفصيلات اللجوء تقع ضمن قوانين ولوائح تتغير دائما، لذلك من المؤكد أن الوضع تغير الآن.


- من الأشياء التي ندمت عليها أنني قضيت وقتا طويلا وأنا أظن أن البقاء طوال الوقت على الشاشة، والتطاول بالشتم المقذع هو الذي "يغايظ" الفئة المتطفلة على الخطاب السياسي التي كانت تشتمتني شتما مقذعا. عندما اكتشفت أنَّ فئة من الناس ترى الأمر ذاتيا، وترى أن الإساءة الشخصية لي أولوية على تفنيد خطابي السياسي (إن كان لي من الأساس خطاب سياسي) يعني (الأكشن) أهم لديهم من أي اعتبار آخر، وهذه الفئة المتطفلة إلى الآن تصول وتجول في الساحة الرقمية لا تفقه شيئا في الخطابات، تعرف أن تشتم، وأن تفرغ غضبها وتعيد توجيهه إلى أي شيء يسمح لها لبعض الوقت أن (تبرد فوادها) في لاجئ، أو في حساب مشبوه، أو حتى في مشهورة سوشال ميديا تكلمت عن شيء يستفز الفئة المحافظة مثلا.

تواحيت على نفسي فقط في السنة الأخيرة من إقامتي في بريطانيا وبدأت الدراسة وأكملت سنة قبل مجيء فيروس كورونا، وما حدث من تغيير الحكم في عمان والعفو السامي والباقي معروف وعادي جدا، عُماني عاد لبلاده وترك السياسة وبدأ حياة اجتماعية جديدة.


- من الأشياء التي ندمت عليها أيضا أنني نزعت هويتي الفردي تماما وبقيت رهن الهويات الجماعية، وهذا ما جعل خطابي مهلهلا، غير مقنع، الهدف فقط هو كسر الخط الأحمر الممنوع في عمان، ومغايظة أجهزة الأمن، وكأن كسر حاجز الكلام سيصنع أي شيء بعمان. تمنيت لو أنني ركزت على قضايا موضوعية، وكنت على الأقل نافعا بقول الحقيقة، بدلا من لوك فلسفات مطلقة وعمومية الجميع يعرفها.  (مجددا هذه تجربتي أنا فقط كلامي لا يشمل بالضرورة اللاجئين الآخرين).


- كل لاجئ ملف مختلف، وكل لاجئ حكاية، وكانت من أخطائي أنني لم أبدأ حياة جديدة، أدرس، أو أهتم بصحتي، أو أترك الإدمان مثلا، عشت في دائرة أنني لاجئ وكأنها تعريفي الوحيد، أربع سنوات في بريطانيا كان يمكنني أن أخرج منها متخرجا من جامعة، أو على الأقل لا أحرق سفن العودة لعُمان، كل ذلك الشتم وادعاء الإلحاد، وغيرها كانت أشياء هامشية، لا علاقة لها بقرار اللجوء، فقط في حالة كان هناك تهديد حقيقي على الإنسان وحياته ومثلا قادم من دولة إعدامات هُناك الملف يعني شيئا لدى السلطات البريطانية، عدا ذلك، الملف الذي لم يتخلق داخل بلاد اللاجئ السابقة، ويُثبت يجد صعوبة هائلة جدا في الحصول على اللجوء. 

أن تصل بريطانيا وتبدأ في كسر أي خط أحمر داخل بلادك لا يعني أي شيء لدى السلطات البريطانية، ما حدث داخل بلادك هو المهم.


- البعض وهو يسوق السرديات الخاطئة عن اللجوء يكاد يسوق تجربة اللجوء وكأنه تجربة مليئة بالعسل، ولا سيما فكرة (مدعومون، مرتزقة) بالمنطق ألا يشجع هذا إنسانا يائسا لكي يذهب ويطلب اللجوء وينعم بالمال الوفير! هذا ما يفعله البعض ممن يظن أنه يتصدى للاجئين وهو دون أن يدري يسوق تجربة اللجوء مصداقا لبيت أبي العلاء المعري (وإذا نهيت النفس عن شغف بها .. فكأن زجر غويها إغراؤها). ولا أفهم ما يفعله هؤلاء، ولا أظن أنني سأستطيع أن أفهم كوني عشت التجربة هُناك ولا فائدة من الشرح لهؤلاء الذين يظنون أن هذه السرديات تنفع! بينما هي تشجع البعض على الذهاب ويظنون أن هناك جنة من الدعم، والمال، وهذا غير صحيح. 


- الفئة التي تشتم وتسب كتبت عنها مرارا، الذين يجيدون الكتابة في هذه الشؤون السياسية بحنكة قليلون، أما الذين يشتمون الأم، والأب، والعائلة، والقبيلة، بعضهم فعلا يقول كلمة يسميها كلمة حق، وحقا يريد بها باطلا، وهو أن يؤجج ردات الفعل ضد الحكومة.


- البعض يهمه أن يكون البطل الذي يتصدى لهؤلاء (الآبقين) أكثر من أن يهمه حقا حماية الوطن. وفعليا، يوجه الضوء ويضخم تأثير اللاجئين دون أن يدري بطريقته، لاجئ يشتم ويسب، تصوب عليه الضوء لماذا؟ بكل صدق لا أعرف، تفسيري الوحيد أن البعض يجد شعورا بالإشباع النفسي في دخوله هذه المعركة وينسى الجوانب المؤثرة على الخطاب وإقناع الوضع الداخلي بتنفيد منطقي. أليست هذه الفكرة؟ توجيه نظر المجتمع إلى الحقيقة؟ ما نفع ابتكار السرديات عن اللاجئين؟ 


- البعض لا يرد على خطاب اللاجئ، هو يرد على اللاجئ، شخص خسر قدرته على زيارة بلاده هل تتوقع أن عملية الاغتيال الاجتماعي ستضره؟ ستؤجج خطابه الآخر المليء بالتشنج، هذا ما حدث لي، هل يحدث لغيري لا أعرف، لكنني متأكد أن الذي لا يستخدم المنطق، ويستخدم السرديات والشتم هو الذي يضخم تأثير اللاجئين. لماذا يفعل البعض ذلك مع إنهم يريدون العكس؟ هل هذا متعمد؟ أم فقط سوء تقدير أيضا لا أعرف.


كوني لاجئ سابق، ليست لدي إدانات لأي لاجئ، أيضا ليس لدي تبرير لما يفعله. ما عشته في بريطانيا أن الكلام كان مجانيا. فقدت طعما كنت أشعر به في حياتي في عُمان، شعور النحت في الصخر. هل باقي اللاجئين لديهم نفس الشعور، لا أعلم، هذا كان شعوري. وأكرر، أن موقفي من كل لاجئ أنني أتمنى له عودة آمنة إلى بلاده، وأن يكف الله شره إن كان ظالما، وأن يعيد له حقه إن كان مظلوما، هذا موقفي من كل لاجئ ولن يتغير لأنني أنا لاجئ سابق وعشت التجربة.


- بعض اللاجئين لا يعرف خطورة أشياء قد يفعلها بشكل عرضي في الإنترنت وقد تذهب به إلى مشاكل هائلة، مثلا الدعوة للعنف، أو أن يساعد أحدهم على طلب اللجوء، الأمر هُناك جاد للغاية ويعتبر ضمن (Human Trafficking) والتي تترجم (الاتجار بالبشر) 


- الدعوات للاعتصام والمظاهرات، عادةً إن كانت ستحدث فهي لتأثير داخلي، البعض لا أعرف هل يتعمد وكأنه يرد عليها بينما هو ينشر الخبر؟ أحيانا أصاب بشكوك أنَّ أحدهم يريد لهذا أن يحدث، وكل ما يفعله في الظاهر هو ادعاء بحت. لست متأكدا من ذلك لكنني لا أفهم، كيف البعض لديه قلق من حدوث تحركات ميدانية قد تقود إلى ما لا يحمد عقباه (وفق وجهات نظر كثيرة) ومع ذلك يسلط الضوء عليها؟ شيء لم أفهمه لا وأنا داخل عُمان، ولم أفهمه وأنا خارج عُمان.


- عندما كنت لاجئا لم أكن أفهم أن كثيرا من البشر لا يرون بي أكثر من إنسان (طاح من كيس حيّانه) بهذه البساطة، لا يعبأ لمصيري، ولا يعبأ بأي تعاسة أعيشها، لا يعبأ بالغربة، ولا بعدم قدرتي على لقاء عائلتي وأصدقائي، مجرد ملف آخر، مجرد غريب. ليتني كنت منتبها لهذه الحقيقة قبل أن أمر بعلاقات سيئة للغاية مع بشر كانوا يريدون إطالة بقائي في بريطانيا.


- العودة لعمان تكون فقط عن طريق السفارة، والذي يريد العودة عليه أن يفتح فمه، وأن يعرف ما له وما عليه، وأن يصله التطمين من السفارة فقط، يحدث أنَّ بعض الناس من المتطفلين يتدخلون لسبب ما، وبعضهم لا يريد خيرا، وبعضهم له أجندة خاصة، وبعضهم فقط يتملق للحكومة بحجة إنه سبع البرمبة الذي يقنع اللاجئين بالعودة. الحذر من هؤلاء كل الحذر، عائلتك هي التي تمسك إجراءات العودة، وستأخذ وقتا.


- لم يطلب مني صراحة حذف أي فيديو في حساباتي، من الأساس لم ألتقي بأي موظف أمن، وأي موظف ادعاء منذ عودتي لذلك لا أعرف هل هذا الشرط كان سيوضع أمام، قمت بنفسي بحذف المواد التي تعتبر جريمة نشر في عمان، والذي يقوم بنشرها وإعادة تداولها هو الذي سيحاسب. لذلك، هذه المعلومة لست متأكدا منها. 


- الذهاب إلى بريطانيا، وشتم السلطان، وشتم المقدسات، بل حتى وادعاء الإلحاد بحجة أنك لو عدت هذا سيسبب لكم خطرا طريقة غير مضمونة للحصول على اللجوء. والبعض يظن ذلك ويقع في هذه المشكلة، أحيانا يأخذ ملف اللجوء سنوات من الاستنزاف، وقد تصل إلى خمس سنوات بلا قدرة على العمل، وبلا قدرة على الدراسة، وبريطانيا مع الوقت تضيق على اللاجئين أكثر وأكثر. لذلك هؤلاء الذين يروجون لحياة اللاجئ الذهبية المدعوم بالملايين مجرد أغبياء حمقى يسوقون اللجوء ولا يردعونه كما يتوهمون. 


- أختم كلامي بأنني لن أهاجم لاجئا، ولن أؤيده، وأرفض أن يحاول لاجئ إقحامي لسكة السياسة لإيذائي شخصيا، وأفرض أن يحاول شخص في عمان وضعه في مواجهة مع اللاجئين، موقفي من أي لاجئ واضح وصريح، اعرف وضعك جيدا، اعرفه قانونيا، تبين، تثبت، دع عائلتك تتولى الضمانات، إن كانت عودتك تتطلب عفوا ساميا فاطلب العفو (الرسمي الإجرائي) وانتظر الإجراءات إن كتب الله لك صدور العفو. أمنيتي أن يعود كل لاجئ إلى بلاده آمنا مطمئنا، وأمنيتي ألا يخسر إنسان قدرته على الحياة في بلاده، هذا يشمل أي لاجئ وأي عماني.


- إن كان ثمة نصيحة أوجهها لأي لاجئ، يدك في الماء، أنت آمن، فكر مليار مرة قبل أن تحرض إنسانا داخل عُمان على شيء قد يذهب به للسجن، إن كان الناس يثقون بك، وجود ضحايا لك سوف يعود عليك بالضرر، وإن كتب الله لك العودة ماذا ستجد؟ ستجد شخصا أقنعته أن يسلك مسار النشاط السياسي، وتعود أنت إلى عمان لتجد إنسانا خسر وظيفته، ومستقبله، وحياته وهو كان يظنك قدوة أو مثالا وكنت تشجعه على هذا الدرب، هذا الدرب الذي يختاره هو الذي يدفع ثمنه، هذه نصيحتي الوحيدة لكل لاجئ، لا تكن سببا في سجن إنسان، الظروف تتغير، وقد تجد نفسك في ظروف تسمح لك بالعودة، وإن كنت إنسانا تعرضت للظلم فقد يكتب الله لك أن يُعرف من ظلمك، وربما يُعاقب. وإن كنت إنسانا ظالما فهو موضوع وقت قبل أن تقع في خطأ، وسيعرف الناس حقيقتك، ولا أنت بالغربة، ولا أنت بأي تأثير داخل عُمان، أسأل الله السلامة لكل لاجئ، وإن كان ظُلم أن يعود له حقه، وإن كان ظالما أن يكف الله شره عن نفسه والناس وعن عمان. 


رغم أنني أشعر بقلق شديد جدا من نشري لهذا المقال الطويل، وضعت فيه مجادلة محكمة تمنع أي مغرض من إخراج كلامي من سياقه، وهذا هو الشعور الذي كنت أفتقده خارج عمان، هذا الشعور بالنحت في صخر، والسعي في مسارات حرية التعبير، والأمل أن يرتفع السقف الرقابي على الأقل، ذلك الأقل من القانوني بكثير، آمال صغيرة للغاية في حياتي الهادئة التي اخترتها، لا أسمح لأي إنسان بإخراج حياتي من هذا السياق، وما أكتبه من دافع الضمير عسى أن ينفع أحدا.


وبما أنني أريد النفع، رسالة لعائلة كل لاجئ، لا تقطعوا أبناءكم، لا يوجد أبدا أي مانع قانوني من التواصل معهم، لا تقعوا في هذا الخطأ فتزيدوه غربةً فوق غربته، قربكم منه ينفع ولا يضر، ولن تزر وازرة وزر أخرى هذا ما أظنه بعمان وهل أنا مخطئ يعلم الله، هذه زاوية تجربتي، وقد لا تتفق مع تجارب آخرين.


كتبت هذا الكلام انطلاقا من خوفي أن أكون (من كتم علما) هو اجتهاد إن أصاب فالحمد لله وإن أخطأت أسأل الله أن يرشد بصيرتي لأكتب ما هو نافع.


الرد على اللاجئين سياق صعب، أخذه كمباراة في التطاول، والرد على شخوصهم مرارا وتكرار (في رأيي) يضر ولا ينفع، هل رأيي صواب، هل هو الحقيقة قطعا إنه يقبل الخطأ، لكنني مؤمن تماما به، إن كان ثمة مقاربة تنفع تجاه الشتم والسب فهي التجاهل، وإن كانت مقاربة تنفع تجاه البيان السياسي فهي المجادلة، وإن كانت ثمة تفاوض لعودة لاجئ فهي ضمانات القانون، وإن كان ثمة موضوع اجتماعي فهو ألا يقطع، ويُهجر لكي تكون الغربة خياره الوحيد، هذا ما أظنه صوابا لكل من يريد نهاية حسنة لكل لاجئ، أما الذي يريد التنكيل، والانتقام المعنوي، والاغتيال الاجتماعي فهو مسؤول عن نفسه، وعن كلامه، ويحاسبه الله في السماء والقانون في الأرض، أيهما أنفع؟ لا أعرف، لكل إنسان أسباب يراها وجيهة، هذه وجهة نظري الفردية. 


هذا جزء من تجربتي في عالم اللجوء، فإن نفع ما كتبته أحدا، فهو كذلك، وإن لم ينفع فهو اجتهاد.


والله الحافظ من شر كل مغرض سيحاول إخراج كلامي من سياقه.

"لا يتكلموا علينا هذيلا"

 تويتر يذهب مذهباً أعرفهُ جيدا. عِشتُه من قبل، ودفعت ثمن أخطائي فيه من عُمري سنين. وقد علمتني دروس الحياة جيداً خطورة الاندفاع في هذه الظروف.


هذا من جانبٍ. جانبٌ آخرٌ يضع أمام عينيك ذلك الشعور بالمسؤولية، وذلك النداء من الواجب الاجتماعي هذه المرَّة، لا الواجب السياسي والذي له احترامه وتقديره عندما يكون في سياقِه، ومن قبل الذي يجيده، لا من قبل الفئة المتطفلة على هذا الخطاب، الفئة التي تفسد ولا تصلح، وتسيء، وليست أكثر من فئة مَجلبة للفتن، صانعة لردات الفعل، تجعل من الذاتية الخاصَّة بها أولوية أمام كل شيء وطني، وطبعاً ذلك الهم الاجتماعي لا يعني لها أي شيء، المهم هو (الأكشن) الذي يناله متطفل باسم مستعار لديه استعداد للذهاب بعيدا للغاية، جاهلاً بأبجديات الكتابة، ضحلاً، غير مجادلٍ، غير مفندٍ، غير فاهمٍ، يلهو في ساحةٍ ليست بساحته، يرمي الشرار على القش المتناثر ولا يهمه ما الذي قد يخسره مجتمع، أو ما الذي قد تخسره بلاد.

أشياء كثيرة تحدث في تويتر، وتحدث في الإعلام، ولا يعلم المرء هل يصمت ويسكت، أم يتكلم ويقول ما لديه، بكل الاحتمالات التي يفتحها ذلك عليه من قلق، ومن توتر.

تتعرض عُمان إلى مضايقات إعلامية، ليس جديدةً من نوعها، ضغطٌ له أهدافه السياسية الواضحة! ستكون صدمةً هائلةً لي كعماني أن يتضح أن حكومة عُمان تدعم حرباً ما في أيِّ مكان! لا عُماني يصدق ذلك، لا عربي يصدق ذلك، لا حليف يصدق ذلك، لا خصم حتى (إن كان ثمة خصوم) يصدق ذلك! فماذا يريد من يكذب هذه الكذبة؟
هذه هي المعضلة التي يتعامل بها هؤلاء الذين يتطفلون على الخطاب السياسي بجهل، ولحسن الحظ ثمَّة من يجيد وضع النقاط على الحروف بعيدا عن مهرجان المتطفلين الذين ليتهم تعلموا من دروس عامَّة كثيرة فنَّ النأي بالذات عن التدخل في مثل هذه الملفات العويصة.

من الذي يفعل ذلك؟ يكيل هذه التهم على دولةٍ سياستها الخارجية معروفة بالنأي عن الحروب، والفتن! ستكون صدمةً حقيقيةً أن نعيش فجأة في عُمان أخرى مجهولة، عُمان خبيثة، تتلاعب الدماء، بل وربما تتدخل في عشرين دولة حول العالم، تموّل الحروب، وتفعل الأفاعيل! عُمان متخيلة من قبل الذين يظنون أن العالم كلَّه يشبههم! هل من الأساس هناك أي سبب يجعلك تدافع عن عُمان بهذه الحجة؟ أنَّها ليست دولة تتلاعب بلعنات الدماء؟ لا يوجد أي سبب لتفعل ذلك إلا لو كنت ستقع في الفخِّ الذي يريده الذي يكيل هذه الاتهامات، لكي تبرر، لكي توضع في زاوية صغيرة، تُحشرُ أمام إعلام مُحترف يعرف الذي يفعله! وتقدم له الذي أراده بالضبط: تدافع وكأنَّك مذنب بتهمة من الخيال!

كيف تكسب سياسيا أكثر؟ حاصر الوسيط! أليست هذه شروط اللعبة العربية؟ حاصر الوسيط بالاتهامات، بدلا من أن تقدم له جميع الضمانات التي تجعله في حِلٍّ من مشاكلك أنت التي أوقعت نفسك فيها، وبدلاً من أن تكون حليفاً منصفاً، يحمي الوسيط من شروره، حاصر الوسيط أليست هذه شروط اللعبة العربية؟

اجعل من كل حادثة منفردة قُبَّةً، كل عملية تهريب صغيرة تحدث في كل دول العالم اجعلها أمرا تدبره الدولة العمانية مع سبق الإصرار والترصد، واستفز المجتمعات إعلاميا، ولأن المجتمعات لا تخلو من المنساقين، والجاهلين، والأغبياء، اجعل كل فئة متطفلة في كل مجتمع تنساق وراء الخطاب الانفعالي العاطفي، وتنجح نجاحا باهرا!

هذا هو الإعلام العربي منذ سنين، وبعد أن دخلت لعنات الدماء هذا المجتمع العربي من عدة نوافذ وأبواب، اللعبة تأخذ شكلا جديدا من الضغط على الوسطاء، من قال أن السياسة تحتاج إلى أخلاق؟ هل أحتاج إلى شرح ما يفعله السياسيون؟ كلا بالطبع. ومن يقع في الفخ، مجددا، هذه الفئة التي لا ناقة ولا جمل لها في سياسةٍ، اندفاع عاطفي يضر ولا ينفع، ليت الذي تكلم فيه صمت، وليت الذي صمت عنه تكلَّم، ولعل هذا ما يجعلني أكتب على مضض هذه السطور بسبب حالة الضيق الشديد بما يظنه البعض فعلا نافعا!

حسُّ المؤامرة!!! حقا! هذا أعلى ما يد المتطفلين؟ أقدم ورقة في تاريخ البروباجاندا؟ الفئة التي تقول الكثير ولا تقول أي شيء! تردد بلا توقف "نحن مستهدفون" طيب! لماذا؟
من قال أن الوسيط ينجو من الأذى؟ حتى مع الذين يريد لهم الحلو، والخير، والسلام؟
من قال أنَّ الإعلام الذي تقوده الضغوطات السياسية سيكون صالحا، ومتصالحا اجتماعيا؟ الجميع يعرف ذلك، بالفطرة، والبديهة، ولكن ماذا تجد عندما تقرأ هذا الموقع المقرف في هذه الظروف؟ تجد كل الخطابات الضعيفة وأولها: "ثمَّة مؤامرة تدور" لا يا شيخ، مؤامرة دفعة واحدة، مجموعة تحركات إعلامية تعطيها هذا التضخم، تحقق هدف الخصم بتشنجك الدفاعي وتقع في الفخ!

وننتهي من خطاب المؤامريين، إلى خطاب الإيجو الفردي، الاسم المستعار العملاق، الضخم الذي يوزع تعليماته على أمم العالم، يذكرني بصرخة أبو فيصل "لا يتكلموا علينا هذيلا" وماذا بعد يا أسد الحسابات المستعارة، ماذا أقحمك في هذا الموّال اللئيم! لن أقول لك اسكت، فلا يحق لي أنا ولا أي إنسان إخراسك، لكنني أقول لك: ما تفعله مضر، يضر مجتمع أولا، ويضر بلادك ثانيا. هل تعرف كم يبدو مسيئا في حق عُمان أن تقف وقفة الاسم المستعار المتنصل من مسؤولية كلامه لأنك وجدت فرصة لتشتم بلادا، أو شعبا، أو مجتمعا، أو قومية! وكل هذا باسم ماذا؟

لا يُلام الذي يختار النأي بنفسه عن هذه المعمعة القذرة، فما يزعج فيها كثير، المزعج حقا ليس كلام الخصم، المزعج هو الذي يظن أنه يحسن صنعا بالوقوع في الفخ الذي أراده المستفز! وماذا يحدث الآن، يستيقظ الإعلام المحلي من سباته لكي يختار أوهى المقاربات، هذا الإعلام الذي طفّش البشر منه وعنه، فجأة ينتبه إلى أنَّ العقول في البلاد لها أهمية، وأنَّ القوة الناعمة كان يجب أن تكون قد صنعت منذ سنين، والآن، وبشكل مرتجل، وعلى عجل، يخرج لك بمقاربات واهية وعجماء، حقا! هكذا تدافع عن وطن أيها الإعلام السجين في صناديقه!
المؤامرة، هؤلاء فئة مدفوع لها، هؤلاء مرتزقة! وماذا فعلت! وكأن الحجة السياسية ليست سهلة وواضحة المعالم! وكأنَّك تتجنب ذكر الفيل الذي في الغرفة، وكأنَّك نسيت أنَّك من بلاد تقوم بدور الوسيط وتتحمل أذى الطرفين، من أجل ماذا؟ من أجل ذلك المنسي في أوراق الدفاتر العربية، هل تتذكرونه؟ ذلك الذي اسمه سلام، وتوافق، ونهاية لهذه الصراعات العربية التي توزعت عليها لعنة الدماء التي يتمنى كل عُماني ألا تصل إلى عقر داره.

محزن للغاية أن تكون صاحب الحجة القوية وفي الوقت نفسه أن تكون أنت صاحب الخطاب الأوهى من عش العنكبوت. وهذه القلّة التي تجيد قوله ما يجب أن يقال، وكتابة ما يجب أن يكتب، ونشر ما يجب أن ينشر تقفُ كأقلية مغلوبة على أمرها في عصر الفيضان المشحون بالغثِّ، والضحل، والضعيف من الخطاب. مؤامرة! هؤلاء مدفوع لهم، هذه أجندات مغرضة، هذه هجمات موجهة! لا يا شيخ! دولٌ تورطت بمختلف لعنات الدماء والحروب ماذا تتوقع منها؟ تتوقع أن تنجو كوسيط من شرورها، ومن شر إعلامها السليط! ليست مهمتك تقليم أظافر حريات الدول الأخرى، مهمتك تجاه مجتمعك، أن تبصره، أن توضح له حيثيات ما يحدث، أن ترفع سقف خطابك، أن تتوقف عن الرقابة العمياء، العجماء، التي حشدت لها كُل عمومي لسد الفراغات وكأن الواجب تجاه الوطن أصبح مختصراً في إنسان يردد صرخة "لا يتكلموا علينا هذيلا"

لا أعرف ما الصعب في أن يقول أحدهم أنها لعبة السياسة العربية، تتسرب إعلاميا، وأن الهشاشة الإعلامية التي بواقعنا الداخلي هي المشكلة التي جعلت أي طرف عشوائي عابر قويا، ويثير ما يثيره من زوابع، وقلاقل في هذا الرأي العام قليل السكان، سريع الانتباه، كثير التفاعل!

الذي يصنع من سيارة تهرّب بطاريات، وأنابيب دعما عسكريا ليس إعلاما تتعامل معه بكل هذا التشنج، وتعطيه كل هذا الاحترام، والذي يروج الهبل، والهبد، والاستفزاز الاجتماعي لا تحقق له غرضه بأن تستفز أنت مجتمعك، والذي يوجه التهم يمنةً ويسرةً لكي تنفعل، وتتشنج، أنت الذي اسمك "إعلام" يجب أن تكون في الخط الأمامي، لا لكي "تشكك" وتميّع الخطاب، لا لكي تحلل مصداقية الخطاب القادم من وراء الحدود، وإنما لكي تقيم حجتك، السياسية، الواضحة، الصافية، التي تسندها الوقائع، والأدلة، والمنطق العام!

وماذا بعد؟ تتبنى نظرية "لا يتكلموا علينا هذيلا" هذا أقصى ما لديك وموقفك قوي؟ وحجتك دامغة؟ هذا ما تفعله! إن كان الخصم قد استضعفك فأنت تظهر بمظهر الضعيف وأنت تجعل (الإيجو) الضحل هذا أساسا لخطابك.

الأمر واضح لكل ذي لب، لذلك يا عزيزي المتطفل في غير مجاله، دع عنك انفعالية المذنب، وكأنك تنكر حقيقةً وتكابر، دع عنك (الأنا) وكأنك تعيد تربية الناس من أول وجديد، دع عنك ضحالة الخطاب، دع عنك السهل وقم بالعمل الصعب، قُم بالحقيقة، قُم بالمعلومة، قُم بالمجادلة، قُم بالتفنيد، قُم بالتمحيص، قُم بأي شيء سوى هذا الذي تقوم به باسم دفع الضرر عن مُغرضٍ يتلاعب برأيك العام، وأنت الآن تدفع ثمنَ كل ذلك التهميش، وتلك الانتقائية، واختيار الجوقات الجامدة، ومنعك للساحة من التفاعل الحر مع الداخل والخارج.

هذه الربكة هي ما تناله عندما تغفل عن صوت الحرية الداخلي، وعن حق البشر في الدفاع عن وطنهم، هذه الربكة، وملاحقتك لأبسط خطأ لكي تبدأ مهرجان التهميش والإقصاد هذا ما تناله عندما تظن أنّ جوقةً تكفي لكي تدافع عن وطن أمام الأكاذيب، هذه الربكة هي ما تناله عندما تتخلى عن دورك الرئيسي وتترك الساحة لكي ينهش في انتباهها من هبَّ ودب من أصغر المؤسسات الإعلامية المشحونة بالدعاية، هذه الربكة هي ما يحدث عندما تغفل عن بنك الأفكار الكبير الموجود سلفا في مجتمعك، هذه الربكة هي ما يحدث لأنَّك لم تحسب حساباً لهذا اليوم من قبل.

هذه الاتهامات، وردات الفعل، والأخبار الهزيلة التي تُنشر بين الفينة والأخرى عن عُمان كثيرة، ووفيرة، وتحدث، وستحدث، العيب ليس في الذي يصدرها، فمهما كان سببه هُناك من يستفيد من هذا الضغط، سياسيا كان، أو مجرد مؤسسة إعلامية تبحث عن المزيد من الإعلانات عن مكائن الحلاقة، وآخر تخفيضات كنتاكي، العيب حقا في الذي يضخمها لمجتمعه، ويوصل رسالة الخصم، ويوصل أكاذيبه، والاسم المستعار الذي يحكي انتفاخا صولة الأسد، هذا هو العيب، هذا هو ما يسيء لعمان، هذا هو ما يضخم الخبر القادم من وراء الحدود، أن تتصرف كمذنب، وأن تكابر كمذنب، ولا منطق في الكون يسند تهمة غبية حمقاء!

قلتها وأقولها: الدفاع عن الوطن شرف، ورسالة، ويحتاج إلى حنكة، وفهم، والذي ظنَّ أنَّ فتح الباب لكل متطفلٍ لكي يتطاول، ويشتم، ويسيء ينفع! فهو أول من يسيء لهذا الوطن.

ماذا عساي أن أقول أكثر! سوى أنها هزلت حتى بدا من هُزالها، كُلاها وحتى سامها كُل سائم!

ماذا عساي أن أقول أكثر من:

فلا نامت أعين المتطفلين!

استيقظ أيها الإعلام العُماني، هذا ليس وقت "تشكيك" ومغالطات، ورفع الإيجو، هذا وقت تفنيد، وهذه العقول القليلة جدا ممن تعرف لغة السياسة، وتخصصت فيها، ودرستها، وعرفتها، حان الوقت لكي تعيد النظر في انتقائك وجوقتك، بدلا من كل هذا المهرجان الذي يجعل مجتمعك عرضة لضربات إعلامية متتالية وأنت واقف في مكانك تردد بهلع "مؤامرة، مؤامرة، مؤامرة، لا يتكلموا علينا هذيلا"

بكل صدق لا أعرف من هذا الذي يتعامل مع إعلام الرأي العام الداخلي بهذه الطريقة!
لا أعرف من هذا الذي يضر بلاده بهذه الطريقة! وليتني لا أعرف لكي لا أتحمل وزر الصمت عن لومِه.

ماذا فعل هذا الجمود؟ ألم تكف أحداث وادي الكبير لكي نتعلم الدرس؟ لكي نتعلم أنَّ الساحة وتفاعلها التلقائي، العفوي، الذي يصنع وعيه بالتفاعل هو صمام الأمان الأوَّل؟ نعم، الحرية، حرية الناس هي صمام الأمان الأوَّل.

ألم نتعلم من دروس وادي الكبير شيئا؟ عن ضرر التشتيت، والتمييع، ونظرية "ما حد يتكلم" .. وفي النهاية ماذا حدث؟ جهة إرهابية قذرة توجه ضربة ثانية للرأي العام الداخلي؟ والسبب من! الإعلام هذا الذي لا يقوم بواجبه، أي إعلام أقصد، الرسمي؟ العام؟ الخاص، المكتوب، المرئي؟
هذه مآلات الرقابة الزائدة عن الحد، والخوف من الظل، والخوف من اي شيء يثير الجدل، هذه مآلات عدم المجازفة، والبُعد كل البعد عن أبسط خطاب واضح، هذه مآلات منطقية، وطبيعية عندما يُنزع الإعلام عن مضمونه، وعندما يتحول إلى سلسلةٍ من المقاربات الهشَّة، المرتعدة.

ليتَ هذا الذي يظنُّ بالمجتمع الجهل، ليت هذا الذي يظنُّ بالثقافة أسوأ الظنون، ليت هذا الذي يستخف بالأكاديمي الذي درس ويدرّس السياسة، ليت هذا الذي لا يقيم أدنى اعتبار لأي شخص له رأي، ليت هذا الذي لا يحترم وعي الناس، ليت هذا يفهم أن الذي يفعله هو أبعد ما يكون عن الوطن، ابعد ما يكون عن الحق، أبعد ما يكون عن نصرة الأوطان، هذا الذي ترك الساحة نهبا للمتطفلين غير ذوي الفهم، غير ذوي البصائر، غير ذوي الحنكة، ليت هذا يفهم أن أكبر دفاع عن عُمان هو حرية مجتمعها، هو حرية ناسها، على الأقل ليته يفهم أن الحرية القانونية كانت تكفي كثيراً لكي لا يلعب بالرأي العام الداخلي من هبَّ ودبَّ!

ألم نتعلم من دروس وادي الكبير أي شيء؟ ألم نتعلم خطورة هذا الجمود في التفاعل مع الأحداث الداخلية والخارجية! لا يبدو أن البعض يريد أن يتعلم.

حرية الرأي الفردي يجب أن يرعاها الإعلام لا أن يحاربها، حرية الرأي السياسي يجب أن يرعاها الإعلام لا أن يهمشها، حرية الساحة الرقمية يجب أن يقودها الإعلام ماسكا الراية كفاعل حقيقي، يصل إلى العالم، يصل إلى المجتمع قبل أن يصل إلى المجتمعات التي تتفاعل معها عُمان كدولة، وستأتي مع هذه الحرية التجارب، والدروس، والأخطاء ستحدث، والعيد سيأتي قبل موعده مرارا قبل أن تصل الساحة إلى حالة الاتزان، هذا درب صعب، وعر، وبه ما به من مجازفات، ولن يكون دون مدرسةٍ يجتمع عليها الجميع، مدرسة الفرد المسؤول، والساحة الناطقة، المتفاعلة، الأقدر على التمحيص والنقد، بدلا من هذا الخطاب، القادم من جانب واحد، يُلقن كأنه يجدي، ويردد كأنه يُسمع!

وماذا بيد المرء أن يقول سوى:

فلا نامت أعين المتطفلين!

استيقظ أيها الإعلام العُماني
استيقظ!