بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 21 أكتوبر 2024

الرقيب الذي نحب!

جالس أشوف ردة الفعل الاجتماعية على تقرير جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة.
الرقيب على المال العام نال احتفاءً اجتماعيا حقيقيا. وهذا هو ما سيحمي المال العام مستقبلا، أن يرفع مقام هذا الرقيب إلى مرتبة البطولة، أن يعزز، ويمكن، أن يُحتفى به اجتماعيا، وأن يشكل نموذجا مغايرا لما يريده البعض من كتمان الاخطاء، وعدم الاعتراف بها، بل وحتى نبذ كلمة واقعية موجودة في كل بلدان الأرض "الفساد".

التلاعب بالمناقصات فساد، التلاعب بالفواتير فساد، التغاضي عن ما يتلف المال العام خطأ قد يرتقي إلى مرتبة الفساد عندما يكون متعمدا وموجها. وهنا نأتي إلى الجانب التقني والفني في عملية الرقابة. ثمَّة ما هو خطأ، وثمَّة ما هي جريمة. وهذه الجريمة تحتاج إلى من يثبت أركانها لكي تتحول إلى الجهة القضائية. عملية مضنية، ومرهقة، ومليئة بالتفاصيل، والإثباتات، ويقوم بها مجموعة من الذين لديهم صلاحية للنبش في تفاصيل الجهات المختلفة. ثمَّة جانب ثقافي اجتماعي قد يكون حاضراً - كما آمل - في القريب العاجل، وهي صناعة (الرقيب البطل) ذلك الذي يجتهد لحماية المال العام، ويلاحق الفاسدين حيثما حلوا وارتحلوا. وصناعة هذه البطولة ستحتاج إلى خطاب ثقافي، وإعلامي، واجتماعي، بل وحتى خطاب ديني. وبكل صراحة هذا هو الرقيب الذي يستحق التعامل معه ببطولة، الرقيب الذي يحمي المال العام، ويردع التلاعب، ويقدم مقترحات لحلول تشريعية تمنع الثغرات التي يستخدمها الفاسدون لنيل منافع جُرمية، أو للعب في المناطق الرمادية التي تؤدي في نهاية المطاف إلى هدر للمال العام، وربما ما هو أسوأ، إلى تمويل قطعان الفاسدين الذين يلعبون على اختفاء عين الرقيب، أو على غيابه. ما هي العملية الرقابية حقا؟ عملية مضنية، طويلة المدى، تعتمد على التدقيق والنبش في تفاصيل كثيرة، وتتعامل مع أشخاص من الفاسدين الذين يجيد بعضهم إخفاء آثار جرائمه جيدا. (فساد) كلمة تثير حفيظة البعض ممن يؤمنون أنهم يعيشون في مجتمع ملائكي، أو في حكومة خالية من الأخطاء، أو في واقع مثالي يتعلقون بأوهامه، الحقيقة البشرية واضحة، وينطبق على عُمان ما ينطبق على الإنسان، بفجوره وتقواه، بخيره وشره، بصلاحه وفساده، وبتسلطه وعدالته، وباستخدامه الوظيفة أحيانا للنفع العام. والطريقة المثالية للتصدي لذلك هي بالإجراء، وهذا الإجراء سينمائي، وجاذب، ويحقق الرضا الاجتماعي فقط في نهايته، لكن أثناء حدوثه فهي عملية مملة للغاية، وبها مجادلات لا نهائية لها، وليست عملية سيروق لك أن تتبَّع تفاصيلها. النهاية هي التي تثير ذلك الشعور الكبير جدا بالأمل، أنَّ الواقع الحكومي في طريقه إلى ما هو صواب، وما نشعر أجمعين أنَّه التصرف المناسب، والرقابة على المال العام وكشف الفسادين والمتجاوزين بطولةٌ يجب أن توضع في محلها المناسب، بلا مبالغات، وبلا تقليل منها. ولعل ما حدث مؤخرا خطوة أولى من ضمن خطوات قادمة في الطريق لسد ثغرات أجاد البعض من فاقدي الضمير استغلالها للانتفاع الشخصي من صلاحياتٍ كان يجب أن تكون في البناء والنفع، لا في الفساد والهدم. أتمنى حقاً أنَّ الأمور تذهب في هذا الطريق. الإجرائي، الذي له ديمومة، الذي يصنع أعراف وأدبيات رقابية تتطور مع الوقت. أتمنى حقاً أنَّ الرقابة المالية والإدارية للقطاعات المختلفة تتفشى كتفشي البرء في السقم. أتمنى حقاً أن يكون هذا هو المسار القادم، مسار تمكين الرقابة، والبدء بصناعة هيبةٍ للمال العام، وخشية لدى أي إنسان من الاقتراب منه، وشعور بأنَّ الذي يمد يده لهذا المال ستطاله في نهاية المدى يد الرقيب المالي والإداري، والذي إن مُكِّن، واحتفي به اجتماعيا صنع تلك الهالة التي لا يخشاها سوى من أراد أن يَفْسَد ويُفْسِد. الأمر إجرائي بحت، ليس سينمائيا مليئا بالضجيج. أتمنى حقاً أن يقود إلى ما هو أبعد، وأن يصنعَ منظومةً جديدة من الرقابة على المال العام، أن يصنع ثقافةً رقابية، ومساهمةً عامَّة، وشعوراً جمعيا بالمسؤولية. أشعر بالتفاؤل، والكثير من الأمنيات أن يكون هذا هو النهج الذي تذهب إليه الحكومة. تمكين الرقابة، وأجهزة الرقابة، وفتح العيون الراصدة، وصناعة الهيبة الإدارية والمالية، وتغليبها مع الوقت على كل المنافع التي تستغل أبسط الثغرات للتنفع الشخصي.
 

عسى خير بإذن الله، أشعر ببعض التفاؤل، وأتمنى أن يذهب الحال إلى ما هو أفضل، وأنفع لعمان ومجتمعها وحكومتها. 


الخطاب الاجتماعي الأمثل لتكريس الرقابة الإدارية والمالية، يكون على وجهين: 1- شرح مفهوم الرقابة، وكيفية العملية الرقابية، وعلاقة الرقابة بالقضاء والادعاء العام، ومدة الواقعة الواحدة. وهذا جانب شارح توعوي. 2- تعزيز علاقة جيدة مع مفهوم [الرقيب الإداري والمالي] لأنه رقيب جميل، الكل مستعد يشجعه ويرفع من همته بل ويتقبل إنه يؤدي واجب يشفي صدور قوم ينتظرون بفارغ الصبر شيوع الرقابة، ووقوع أي متجاوز ومتطاول على المال العام أو مزور لسندات صرف، أو متلاعب بمناقصة أو معطي مشروع حال ولد عمه، أو غيرها من وسائل التلاعب المجرمة قانونيا. 3- طبعا الأمنيات الحقيقية، وبكل صراحة، ألا تكون هذه سحابة صيف، مؤقتة، ولاحقا تنطفئ، أتمنى أن يكون خطاب متصاعد، ينمو مع الوقت، ويصنع اتصالا مع المجتمع، مما يصنع أيضا هيبة لفكرة الرقابة، وهالةً حسنة وبطولة لموظفي الرقابة، وهذا الشيء يعزز مفاهيم كثيرة، ويمنع فساد الغفلة، أو فساد المال السائب، أو فساد الفرصة الواحدة، واشياء كثيرة. نمو الفكرة الرقابية وتحولها إلى واقع مستمر هي الأمنية الحقيقية، وعسى ألا تكون هذه سحابة صيف، أشعر أن الأمر ليس كذلك، لكن مع ذلك عسى ألا يتوقف هذا التوجه. 4- بداية استخدام المحيط الرقمي بشكل ذكي ونافع، بدلا من الدعاية الفارغة، وتكرار الكلام العمومي، وترديد الكلام السطحي والضحل نفسه الذي يردد في بعض الاسطوانات، هذا هو الخطاب الرقمي الذي يشكل فائدة اجتماعية، ويقنع المتلقي، ويوسع المدارك، ويفتح علاقة جيدة مع مفهوم مهم للغاية وهو مفهوم الرقابة على المال العام. 5- خارج التعقيدات الحكومية والقانونية، وغيرها، أمامنا خطاب رقمي يستخدم بحنكة وبذكاء، وهي ظاهرة تستحق التأمل. والسبب طبعا لأن الرقيب المالي والإداري فكرة مستساغة جدا اجتماعيا، لأنه رقيب [نظريا] ما ممكن يستخدم صلاحياته للشخصنة، بالتالي هو رقيب مقبول منطقيا، واجتماعيا. 6- ثمَّة شعور كبير بصوابية التوجه يمكن أن يسببه الرقيب الإداري والمالي، ولكن أيضا! ارتكاسه لاحقا للصمت والخطاب الخجول سوف يحقق مشاعر سلبية كثيرا، لذلك أتمنى أننا نرى خطابا في حالة نمو، واستمرار، أو على القيلة الرسمية الدائمة [الاستدامة]. وعسى خير يا رب. حالة فعلا تستدعي الانتباه لكل مهتم بالخطاب الرقمي وعلاقته مع المجتمع. ما أعرف من وراء كل هذا الجهد الرقمي، بس من قلبي أقول: أحسنت عملاً، أنت فعلا شخص أوكّيه، وواصل جهدك النبيل والجميل أيا ما تكون.


أتمنى تغطية نقاط إضافية في الخطاب الرقمي المختص بالرقابة. مثلا: - عدم التركيز على المبالغة في إنجازات جهاز الرقابة، لأنه هذا يتلف الإقناع الاجتماعي، يعني نعم جهاز الرقابة ينشر عن إنجازاته، لكن عاد المبالغة والتطبيل الزائد سوف يفقد الرسالة الجوهرية قيمتها. - شرح الفساد، وأنواعه، أكثر من شرح الرقابة وأنواعها. فساد الرشوة وكيف يكشف، فساد التلاعب بالمناقصات وكيف يكشف، والفاسد الذكي، والفاسد لأنه شاف فرصة، والفاسد لأنه يستغل ثغرة، والفاسد اللي يخدع وزارته، والفاسد اللي يستخدم التلاعب، فكرة كشف طرق الفساد تفتح باب للتشريع الجديد، وأيضا لتعديل اللوائح، والأنظمة التقنية، وتضعنا كمجتمع في انتباه إلى التغييرات الجديدة في حماية المال العام. - ما هو الاسترداد؟ وما الفرق بينه وبين الفساد، نقاط مهمة للغاية كي تكون منفصلة عن الخطاب الرقابي الذي به [أكشن] مال فاسد مسكوه، ومال متلاعب في السجن، وغيره، نعم هذا الجانب المليء بالأكشن جيد ويصنع مشاعر اجتماعية حسنة، لكن ليس المهم هو الوصول الواسع فقط، أيضا الرسائل العميقة والتي ترفع الوعي بالعملية الرقابية. - التوضيح للرأي العام أن الذي [نُشر] ليس كل ما حدث، وتبيان العملية الرقابية كيف تحدث، والخط الزمني للواقعة الواحدة، وكذلك متى الرقابة تسترد المال، ومتى تغير الخطأ، ومن يحاسب من تكتشفه الرقابة الإدارية والمالية؟ - كمواطن أشعر أنني أتمنى خطابا رقابيا مستمرا، ربما [بودكاست/ رقابة] بإدارة جهاز الرقابة نفسه، وألا يكتفي الخطاب الرقمي بالمواد ذات الانتشار الفيروسي وإنما تصنع موسوعة رقابية مستمرة عبر عدة أدوات رقمية، بهذ الطريقة الخطاب الرقابي يدخل مع (إخوانه) من الخطابات الرسمية كزميل جديد في الساحة وربما يكون زميل مميز مع الخطابات الرسمية لأنه يصنع شعورا جميلا ببطولة العدالة، وملاحقة الفساد، وكشف الأخطاء، ويعطي مشاعر (إصلاحية) جميلة جدا. وبالتوفيق للخطاب الرقابي القادم. * كل كلامي نابع من شعور أن توسعة الخطاب الرقابي قادمة في الطريق، وهذه أمنياتي كمواطن، عاد لو كانت هناك خطة أخرى، كل كلامي أمنيات، وعسى بإذن الله ألا يخيب حسن ظني في الرقيب الإداري والمالي، لأنه الرقيب الوحيد اللي أشعر نفسي أشجعه كما أشجع ريال مدريد.


من نواحي ثقافية، ورقمية، واجتماعية، ما عُمري شفت توجه في عمان أشعر إنه يستحق الدعم والتطوير الدائم مثل خطاب الرقابة الإدارية والمالية. لأنَّه شيء فروق جوهرية كبيرة بين هذا الرقيب، وباقي أنواع الرقباء. مثلا، نقول الرقيب الاجتماعي، بما لديه من استحقاق مقرف، وكأنَّه ولي أمرك، ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة ويظن هذا من حقه. رقيب عن رقيب يختلف! هُناك رقيب فاقد للأمان الداخلي، مهمته فقط إنه ينفش ريشه باسم صلاحيته، وكل ما كان يستخدم صلاحيات الرقابة للشخصنة، أو لإثبات وجوده في الساحة شكَّل صورة منفرة اجتماعيا عن مهنة الرقابة، والتي هي ضرورة منطقية، وقانونية، واجتماعية، وإنسانية، وحضارية تلقائية. لا يوجد شيء مطلق في هذه الحياة. بشكل عام كلمة (رقيب) ما كلمة مستساغة، إلا في بعض الحالات التي لسبب ما ككائنات اجتماعية نشعر بالامتنان، الرقيب الذي يحمي البلاد من عصابات المخدرات، الرقيب الذي يكافح تمويل الإرهاب، الرقيب الذي يتابع الحدود، كلها مهن تعتمد على المراقبة، مع ذلك، أخونا الرقيب الإداري والمالي هذا من بين الجميع نكاد نتفق إنَّه هذا أكثر رقيب له شعبية، وأكثر واحد تحس إنك تتضامن معاه وتتمنى له النجاح في مهمته، لأنَّه من عساه يكره رقيب إداري ومالي يقوم بعمله على أكمل وجه؟ يكرهه فقط الذي يتمنى أن يشيع الاستهتار، واللامبالاة بالمال العام ومناقصاته وفواتيره والتدخلات باستخدام النفوذ للسطو على مال عام أو لتغيير إجراء تمنعه لائحة أو قانون واضح. أولا، يا رب ما أكون متحمس ونهاية حماستي خيبة. معي شعور ما إنه هذا الخطاب الرقابي يكوَّن ويتأسس كمنهج يتراكم بالتدريج، ويصنع مع الوقت حضوراً إلى باقي الخطابات الرسمية، ومن بين كل الخطابات الرسمية هذا خطاب متفق عليه. ولكن السؤال كيف سيكون هذا الخطاب لأنه معنا عدة أشياء يجب وضعها في ميزان متناغم ومنطق. وإليكم الأمثلة: هل سيركز هذا الخطاب مثلا على جهاز الرقابة الإدارية والمالية ويعتبر أي إنجاز له (جوكر النقلة الثالثة) بما معناه، بدلاً من ترسيخ مفاهيم الرقابة، يصبح الموضوع تطبيل وتسكيت، وهات يا مبالغات، وبعدها بنحصل المتشنجين في علوم الطبل يقول لك: اسكت! انطم، ما شايف كيف كل حد قايم بواجبه! ويرجعك إلى المغالطة الشائعة إنه كل شيء مثالي، وما محتاجين نطور شيء، ونحن نعيش في المدينة الفاضلة، وبصراحة هذا النوع من البشر النقاش معهم خسارة كالوري على الفاضي! الاتزان في هذا الخطاب وتجنب التطبيل، وترك جهاز الرقابة الإدارية والمالية يتحدث بلغة الأفعال، أظن والله أعلم أن هذا الخطاب المتعلق به كمؤسسة حكومية، لا تخلو من فكرة [هيبة الدولة] لكن أيضا مليئة جدا بمشاعر الإصلاح، والنزعة الفطرية لكل إنسان أن العدالة تنتصر في النهاية مهما كان الفاسد ذكيا. لذلك ما أتمنى أي إنجاز رقابي آخر تفسده كائنات التطبيل وتخرب مضمونه وتحوله إلى خطاب ضحل وفارغ، وتخترب رسالة من الممكن أن تدفع دفعا بمفاهيم الإصلاح، وحفظ المال العام لأجيال قادمة. - الجانب الثاني شخصية الرقيب نفسه، كيف ستسوقها للمجتمع؟ هُنا ورقة البطولة، وأظن إنها (جاية مقشرة) وأقيس هذا على مشاعري لما التقيت بقريب لي يعمل في جهاز الرقابة، كنت مليئا بالبشر، والفرح، وأحتفل به كأنه هو اللي كان ماسك خيزران ويطارد الفاسدين في الشوارع، هذا هو الشعور الطفولي الذي كنت أشعر به. ولطالما تعرضوا في فترة ما للهمز، واللمز، فضلا عن مئات التصريحات العامَّة اللي تتهم وتقول (لا تفعلون شيئا). من المهم ترسيخ هذه المشاعر البطولية في الرقيب الإداري والمالي، ولكن أيضا، من المهم فعل ذلك بحكمة. أي (شطحة) على شاكلة إنه أبطال العدالة المالية والإدارية خلاص جعلوا عُمان دولة فيها (صفر فاسد) معناه صنعنا مبالغة تخرب الرسالة الجوهرية، إنه الرقابة عملية تتطور، وتتأقلم، وتُلاحق الفساد الذي دائما في كل مكان في العالم يأتي أولا. وهذي المبالغة للأسف رائجة في عالم المطبلين، اللي ما يعرف إنه عمان فيها قتلة، وفيها مغتصبين، وفيها ناس في السجون وفيها الشر بكل أنواعه، بس هذا الإنسان المطبل الرومانسي يفضل أن يغلق بصيرته عن المنطق ويعيش في عالم زاندا الخاص به! طيب، التسويق المبالغ فيه إنه ما يحدث من رقابه (كافٍ) وعمره ما شيء رقابة كافية! هي طاقة مؤسسية، وعدد، ووصول، وصلاحيات، وعملية يجب أن تشرح للمجتمع بشكل تفصيلي. لا يختلف الموضوع عن الشرطة، وعن التفحيط مثلا! هل تتوقع أنَّه من المنطق أن يوضع ألف شرطي في كل حارة! الكلام النظري الفلسفي ممكن نذهب فيه لنهاية المدى، لكن في النهاية هُناك واقع يجب أن يشرح. وبشكل عام أمنيتي كمواطن إنه خطاب الرقابة هذا ما يتعرض لأي مساس أو سوء من أي شخص هدفه التطبيل بلغة الكفاية، وكأنه خلاص عددهم يكفي، وكأن جهاز الرقابة المالية والإدارية لديه قدرات عين حورس الخارقة. لا التقليل من مكانة الجهاز ستساعد هذه الرسالة، ولا التضخيم المبالغ فيه، هُنا فعلا الأمر يحتاج حنكة إعلامية هائلة، وبصراحة ما أعرف من ماسك هذا الخطاب الرقابي اللي جالس تو يبزغ، بس حقا حقا أتمنى يقرأ هذا الكلام عشان أقول له دعوة من القلب لك من مواطن عماني يحب بلاده أن تنجح أكثر وأكثر، وأن تصنع تجربة خطاب رقابي محمية من الانزلاقات التي تحدث عادة في خطابات رسمية أخرى تذهب إلى التضخيم، أو التسطيح، أو ما هو أسوأ خطاب المثاليات العدواني، المبني على منطق واحد: (إذا لم تقل عُمان كاملة مثالية فأنت شخص يسيء لعُمان). حضور الشخصية الرقابية الإدارية والمالية في المجتمع سيشكل نقلة جميلةً، ولكن أيضا يجب مراعاة ألا يصل به الحال إلى أن يمشي في الأرض مرحاً، ويعطي مؤشرات أن الرقابة الموجودة تكفي وتزيد، الرقابة والمزيد منها أدبيات متراكمة وعمل يصنع أعرافه مع الوقت، التأكيد على هذه الحقيقة البديهية أنفع من صناعة هالات إعلامية فقط لغرض الإشباع الاجتماعي الشعبي المؤقت. هُنا ميزان آخر يجب وضعه في الحسبان، صناعة البطولة، لكن أيضا مع تجنب إفساد الشخصيات الرقابية بهذا الضخ العالي من "الإيجو" الذي لن ينفع القضية ككل. - مضمون الخطاب الرقابي، كيف يكون؟ من جهة هو شرح لعملية رقابية مملة بمعنى الكلمة، ولو جبت (سكوركيزي) بجلالة قدره لن يستطيع أن يجعل من العملية الرقابية شيئا جاذبا. (الأكشن) يحدث فقط في النهاية، بعد ما يمسك فاسد أو سارق، ويحاسب، ويروح السجن، وينشر الخبر، ونسمع اجتماعيا هذي الأنباء اللي توصلنا لأنه عمان دولة قليلة سكان. لكن هذا الخطاب لا يصنع رسالة، هذا الخطاب يصنع لك حالة تخدير بسيطة، عمرها أيام قبل أن تبدأ التساؤلات: (من المجرم الذي سقط في يد العدالة). ميزان آخر يجب مراعاته بدقة بالغة، لأنه من السهولة أن تنقلب النوايا الحسنة إلى ما يخالف الرسالة الرقابية، شرح العملية الرقابية مهمة طويلة المدى، وأكرر ندائي أن يتولى جهاز الرقابة الإدارية والمالية صناعة (بودكاست) على هيئة قناة موسوعية أو موقع إلكتروني، أو تفرغ له منصة عين مساحة إنتاج عالية وهُنا يمارس الرقيب نوعا ما من (زكاة العلم) وتترك هذه المواد لتتفاعل مع المجتمع كرسالة طويلة المدى. شرح فكرة الرقابة ليس مستحيلا، لكنه ممل بمعنى الكلمة، وربما بعض الأعمال الإبداعية توصل الرسالة، وأقترح بشكل جاد الاعتماد على فريق الشرطة الإعلامي، عملوا شغل عجيب في حملة الاحتيال! وبأدوات إبداعية شعبية أوصلت الرسالة! ومن يتوقع الشرطة اللي يظن فيها التزمت والخلو من روح الإبداع كصورة نمطية يخرج منها هذاك الخطاب الإعلامي المحكم! أتكلم عن شيء شبيه يفعله جهاز الرقابة. عموما هذي أفكار وهموم صانع محتوى، خلينا نرجع للفكرة الأهم. ثم الخطاب الآخر: الفساد! ما هو الفساد من الأساس؟ وكيف يتكون؟ وماذا يصنع الفاسد بالمنظومة التي يفسد فيها، وما هو سبب فساده؟ وكيف يتحايل على القوانين؟ وهُنا نكاد ندخل في عمل نفس الجريمة + الإدارة. خطاب أيضا من الجيد أن يتولاه مختص خبير راسخ في العلم وايضا ليس على هيئة مواد صغيرة، وإنما (صب خرسانة) يعني خبير يصب وعيه بشكل دوري ويصنع تراكم موسوعي وهذا يكون متاحا للمجتمع ويصنع تأثيره أيضا على المدى الطويل. خطاب الفساد، وشرح الفساد يختلف عن الرقابة وإنجازات الرقابة، نعم من الجميل جدا أن يتم الاحتفال بالإنجازات، لكن من الخطأ الفادح تأطيرها بأنها نهاية الطريق، إن كان ما يحدث حقا هو بداية لطريق رقابي فيه عيون راصدة ومبصرة لأي فساد إداري أو مالي فالأولى أن يطرح سرديا (كبداية لحكاية قادمة، وفصول أخرى في الطريق). أما منطق المطبلين الذين كل همه (التسكيته) كأنه يقول لناس: هذيلاك تراهم خلاص ممسوكين، خلصوا الفاسدين من عمان! هذا اسمه تحطيم للقضية، وللخطاب، وبكل بساطة هذيلا واجد منهم والغم يظنون أنهم ينفعون المجتمع أو الحكومة بأي نفع! شيء واجد أشياء ممكن أن تقدم في سبيل صناعة خطاب رقابي، ويحتاج نوع من التناغم المؤسسي، والفكري، والإعلامي، والثقافي، والقانوني، والمهني. مثلا مؤتمر سنوي للرقابة! أو مثلا مجلة للرقابة، أو حاجة من هذا القبيل، أظن إنه ما ينقص جهاز الرقابة أفكار مثل هذي. اللي أتمناه فعلا من قلبي، إنه هذا ما يكون سحابة صيف، إنه هذا يستمر، ويتطور، ويتوسع، ويحمل مع الوقت صفات التجربة النامية والمتطورة، ولعله أجمل خطاب رسمي ممكن تتقبله هو وجود من يراقب بعين ممحصة تجعل الفاسد يخاف. إن تم هذا بشكل حقيقي، وصادق النية، ومخلص لله وللوطن، أظن إنه روح الخير، وقوته، ويده التي تحمي ستذهب مع الوقت إلى واقع أجمل كلنا نتمناه وندعو إليه. الرقيب الإداري والمالي مفهوم يمكن صناعته، وترسيخه بالصدق التام، وليس بالصوابية فقط، وهذا الصدق إن وصل إلى قلوب الناس، يقابله ذعر هائل يعيشه أي فاسد، وأي مفسد، وأي متسلط، وأي شخص يستغل نفوذه، وأي شخص يخالف القانون. وأسأل الله العلي القدير ألا تطيش رسالة الرقابة المالية والإدارية، وألا يأخذ شخوصها العجب، ويظنون أن الرحلة اكتملت. الرحلة بدأت الآن، وبإذن الله ستأخذنا إلى منظومة مناعية تتطور مع الوقت، وقد تتعب، وقد تمرض، وقد تخطئ، لكن المهم هو إبقاءها أمانة لكل الأجيال العمانية القادمة في الطريق.

الأربعاء، 16 أكتوبر 2024

 لما تتعرض للكثير من الضغط، وربما الرفض، وبعض التقليل من مكانتك، ومهاراتك، وتواصل الصراع لفترة طويلة جدا فقط لتثبت أبسط الأشياء، البديهية، والتي من حقك، منطقيا، وإنسانيا، ولكنك تتعامل مع مجموعة من الناس، أو مؤسسة، أو مجتمع، أو شخصيات نافذة، أو ربما تكون جزءا من أقلية تتعامل معها دول نافذة بالإقصاء والتهجير، والشر.

لما تكون فرض تتعرض للإلغاء من قبل ناس قادرين على صناعة سرديات محكمة حولك، وحول حقوقك، وحول حقيقتك.

نعم، الحق معك، نعم أي شخص موضوعي غير منحاز يعلم أن الحق معك، ولكنك هل تعلم معنى أن تتحول إلى إنسانٍ حاد للغاية، من فرط ما أُلغي أصبح هو نفسه إلغائيا، يعيد توجيه الجروح التي تعرض لها بشكل موجه، أو عشوائي إلى الآخر الذي يعرفه؟

رب أسرة، يتعرض للإلغاء في عمله، يحرم من الترقيات، يساء له في تقديرات عمله، يظهر له زميل يحسده، ينشر عنه الإشاعات في العمل، أو امرأة عاملة في مدرسة، تريد أن تحصل على بعثة (تستقعد) لها مديرتها. تظلمها، والجميع يعلم أنها مظلومة، وقس على هذه الأمثل ما يكفي لكي تعرف القصد.

قد تكابر وتقول: لم يفت هذا كله في عضدي. كل هذا الرفض، والتشنيع، والتشهير، والسرديات التي تحاك حولي لم تغيرني. لكن هل حقا لم تغيرك؟

هل أصبحت حادا؟ شرسا؟ مستعدا للفتك بأي شخص يبدي لك أي ملاحظة ولو كانت بسيط جدا عن سلوكك؟
هل أصبحت لا تفرق بين الشخص الذي يهدي إليك عيوبك ليصلحها؟ والذي ينبش عن عيوبك لكي يسلط عليها الضوء؟
هل أصبحت كاسرا، عاصفا، مستعدا لإلغاء أي شخص يقترب منك، أو من خبرتك، أو من مهارتك، أو من حقيقتك؟ بأي شكل من أشكال الإلغاء أو تحجيمها بجهل منه؟

هذه أسئلة يجب أن تطرحها على نفسك إن الضغط الذي تعيشه في مهنتك، أو في الحقل الذي تعمل فيه، أو في مجتمعك قد تراكم إلى الحد الذي جعل سلوكك مع من يحبك وتحبهم مليئا بالدفاعية، شرسا، جاهزا لقرع طبول الحرب.

وقد لا تفعل ذلك، ربما تصبح ساخطا، توزع الأحكام يمنة ويسرة، فاقد الطمأنينة الذي لا يعطيها، فاقد التوكيد الذي لا يمنحه، فاقد الكلمة الطيبة الذي لم يعد يجد وسيلة لقولها. وربما لا تشعر بذلك، من فرط انشغالك بالحرب التي تواجهها، سواء كانت الحرب الناعمة، أو تلك اللامبالية عندما يسيء تقديرك رئيسك في القسم، أو رئيسه، أو رئيس رئيسه، قد لا تنتبه إلى ما أصبحت عليه بسبب تلك الضغوط.

ومتى ستستيقظ من تلك المعركة؟ أو الغفوة؟ أو الغفلة؟ عندما يعود حقك - هذا إن عاد- لتجد نفسك قد حولت كل المحيط الذي حولك إلى معركة من الإلغاء، والتسلط، والسخط، والدفاعية المفرطة، وربما عقّدت أبناءك، أو إخوتك، أو أصدقاءك، أو زوج، أو زوجة، أو مرؤوسين لا ذنب لهم فيما تتعرض له!

لا يتعايش الجميع مع ضغوط الإلغاء، والسرديات، والتهميش المتعمد، وسطوة الحاسد عليه، أو التسلط، بعضهم يتحول إلى ساخط ينثر الزجاج الحاد، ويرميه في آذان من يحبونه، وهو لا يعلم أن الظُلم يمكنه أن يجعل من المظلوم ظالما.

نعم، أنت مظلوم، وكل إنسان مظلوم في شيء ما، لكن هل تستطيع أن تتصور أنك عندما تصل لحقك تجد نفسك في صدمة حقيقية، أنك ربما عشت لسنوات متتالية وأنت في حالة سخط ستجعل مشوارك للعودة إلى حياة هادئة أصعب بكثير؟

السؤال الكبير: هل ستراجع نفسك التي تغيرت تحت الضغوط؟ أم ستكابر مكابرةً هائلة وتقول: أنا معذور، كنت مظلوما؟

هنا السؤال الجوهري الذي إما يجعلك تعترف بأنك تحتاج إلى بصيرة جديدة تجاه صدماتك وجرحك، أو أن تعلقها في شماعةِ فاتورة الذين ظلموك.

البعثة التي حرمتَ منها في عملك، قد تأتي، لكن ابنك أو ابنتك الذين دفعوا ثمن أعصابك المحترقة طوال سعيك للدكتوراة لن تعوضهم سعادتك وأنت تسافر تاركا ذكريات سيئة في أناس جعلتهم يظلمون معك.

باختصار، أن تكون رحيما والعالم لا يرحمك، هذه من أشق الابتلاءات على نفس الإنسان!
مع ذلك
القسوة ليست حلا!
فما الحل!
لا أعرف!
الحل هو أن تعرف أن هذا يحدث، أما كيف ستعالجه! هُنا حكاية أخرى مختلفة للغاية..


الجمعة، 11 أكتوبر 2024

يوم التصوير!

 

يوم التصوير! كما المجنون! اليوم السبت! إجازة كما يقولون، وأنا كما الدبي العقر (الدبور) أخلص موضوع شغل، أتصل، أتصل بالمونتاج، أتابع موضوع فيديو. أجلس على اللابتوب، أوصله بالتلفزيون، أبدأ أكتب سيناريو! تو مالك معاوية! مالك كذاك مضغوط! موه حال بك؟ أظن أنني فقدت السيطرة على قلقي الإنتاجي والإبداعي! ذاكرت شوية، وكأنني أريد أعوض المهنة عن تقصيري! بكل لهفة وهوس! المنطق يقول: اليوم السبت، اللي يعمل في الحقل الإبداعي لازم عقله يهدأ، لازم يفكر بصفاء، ما يشتغل تحت الضغط والقلق والخوف من التقصير! لكن الذي يحدث في عقلي شيء آخر، شهية شخص عاد إلى القلق، حياة لا تهدأ، حياة من الضغط الهائل على العقل ليخرج أفضل ما عنده! وهذا خطأ، وأعلم أنَّه خطأ، ثمَّة كائن كان كامنا، استيقظ عندما بدأت أعيش تحت الضغوط مجددا، كائن يحب الضغوط، وهذه الأجواء المليئة بالتحديات التي تفوق طاقته! كائن يتحدى الانهيار، يكتب بسرعة الكلام، ينجز كل شيء وكأن الوقت سينتهي، وكأن الغد لن يأتي، ويعيش كل يوم وكأنه اليوم الأخير!!! لحظة!!!!! لحظة!!!!!!!!!!! لحظة!!!!!!!!!!!!!!!! وكأنَّه اليوم الأخير!!!! هُنا مربط الفرس! يا إلهي! الكتابة تفعل العجائب أحيانا! عرفت القلق الذي أعيشه، وما سببه! عرفت الكائن الذي استيقظ تحت هذه الضغوط! الآن فهمت! ياخي عجيبة النفس البشرية! فعلا، عجيبة!


يوم التصوير، شكله سهل جدا صح؟
أن تصور مرة كل شهر، وأنت ذاهب متشوق لأنك ستعيش فرصة للضوء، للظهور، فرصة تداعب شعورك بالتحقق، وبالنجاح، وبتأثيرك على العالم يختلف تماما عن يوم التصوير الذي تؤديه كواجب، وكمهنة، أو كالتزام!
الذي كسر فكرة خوفه من الكامرة يفهم هذا الكلام جيدا. ومع الوقت عندما تفقد الكامرة، ويفقد الضوء دهشته، يتحول إلى احترافٍ مهني، تسعى أن تؤديه رغم كل ظروفك بإتقانٍ تام.

يوم التصوير! ممكن تتشعفط في أي شيء ممكن! تروح شاطئ، ثم تروح مول، تروح محل، أو تبقى أمام إضاءات وخلفك (كروما) خضراء. ومزاجك ليس ملكاً لك، إنه تحت رحمة المصور، الذي هو تحت رحمة الإعدادات، والضوء، والظل، والانعكاسات!
خمس ثوانٍ فقط قد تأخذ ساعة من الإعداد، فقط لأجل مشهد يعلم من يصوره ماذا سيفعل به في المونتاج!

هذا هو الجانب الآخر من صناعة المحتوى! وهذا لا يشمل إدارة المنصات، ولا يشمل جدولة النشر، ولو كنت من المشاهير، يا إلهي! أنت تتحدث عن ساعات عمل مهولة، كيف لا! وسناب يأخذ منك ساعات وساعات ويحرمك حتى من عيش أبسط لحظة بسبب انشغالك بتغذية منصة تستنزف حياتك ووقتك.

تصور مهما كان مزاجك، الأمر ليس اختياريا، وإن كنتَ أعددت سيناريو تذهب للتصوير بصعوبة أقل عن انتظار اللحظات العفوية وما تجلبه من خطط مفاجئة، قد تضبط معك ويفتح عليك ربنا بفكرة، وقد تتعصلج معك وتشعر إنك حائر وتقول: ليتني كتبت سيناريو!

هل المكان جاهز؟ والكامرات جاهزة؟ تصل والقهوة تلعب برأسك، وتنطلق أمام الكامرة بتدفق عجيب! أم تصل لتجد صاحب المحل متأخرا، والمصور يبحث عن (محول) كهرباء، أو تتأخر لأن في المحل زبائن، أو غيرها من الظروف، تنطفئ القهوة من رأسك، تفتعل الطاقة من نخاعك الوجداني، وتصور.

يوم التصوير، ليس سهلا، لأنك ستدفع ثمنه لاحقا بعد النشر، وبعد خيبة تصوير واحدة يصبح الرعب الحقيقي أن تعيش خيبة تصوير ثانية، أن تبدو باهتا، ومتعبا، ومرهقا، ولأنك لست "روبرت دينيرو" الذي يمكنه إيقاف تصوير فيلم فقط لأنه يريد أن يحك أرنبة أنفه، لستَ هذا الشخص!

مكان مليء بالأسلاك، والإضاءة، يرى المشاهد أجمل ما فيه، وأنت ترى أشد ما فيه صعوبةً، وفوق ذلك، يغلق التكييف أحيانا للحفاظ على جودة الصوت!

عملية صناعية متكاملة الأركان، من السهل أن ينخدع المرء ويظن أنها سهلة، حتى يدخل بنفسه معمعة الإنتاج وخط الإنتاج هذا، بعدها يعرف أي جهد، وأي وقت، وأي تكاليف يحتاجها!

الهاتف أعطى للجميع خيارا سهلا، لكن الذي يحسب حساب عوامل أخرى كثيرة، يعرف أن الكامرة هي الشيء الوحيد الذي ينجزه.

وفوق ذلك، تعيش وتتعلم، وأسوأ مقلب في التاريخ، المايكرفون يفقد بطاريته في منتصف الطريق!

يا إلهي، لو بدأت لن أنتهي حتى صباح بعد غد.
كان يوما مرهقا.
والآن عقلي يرفض أن يهدأ


الأحد، 6 أكتوبر 2024

بيان بشأن مادة الإحصاء

 




بيانٌ عاجل: لقد تابعت بكل اهتمام، وتقديرٍ ما أفاضت به نفوس الأصدقاء الخيِّرة، وما باح به الوجدان الناصح للعمل الصالح بشأن نيتنا القذرة في حذف مادة الإحصاء من هذا الفصل الدراسي. ولقد خيضت نقاشاتٌ عديدة بشأن الموضوع، بعدها كان غاضبا وساخطا، وبعضها الآخر كان متفهما، متزنا، يحاول أن يحول دون حدوث هذا التصرف، والآن، وقد ملك السهم قصده، وتم إنفاذ النية، وأصبح الأمر حدثاً وواقعةً من وقائع الزمان، يسرني أن أبوح إلى كل (الأصدقاء فقط) في تويتر وضواحيه بهذه النقاط التوضيحية: - إن كان ميسي وتخاذل فلم لا أتعايش مع هزيمة صغيرة في مباراة الذهاب وأدخر جهدا عاليا لمادة الإحصاء في الموسم القادم وأنا في أتم جاهزيتي واستعدادي. - لقد مررت منذ شهر 4 إلى هذا الشهر بسلسلة متتالية من الظروف الشخصية، والتي بدأت بأزمةٍ شخصية، ثم بعدها أدخل معمعمة الامتحانات النهائية، وبعدها مباشرة أدخل رحلة شراء السيارة والتي أخذت شهرا ونصف، لأدخل بعدها مباشرةً في رحلات التصليح، والوسواس القهري بنية دخول عالم الدفع الرباعي. ومباشرةً، إلى قافلةِ ظفار المجد، منشغلا بصناعة المحتوى عن الاستمتاع بكل ما كان يحدث هناك، ومن قافلة ظفار المجد، إلى مسقط لتهاجمني آلام الدسك وتجعلني طريح الفراش، قبل أن أعود إلى صلالة مجدداً، في عملٍ إضافي، ومن ثم العودةلمسقط على مشارف الفصل الدراسي، الذي يبدأ لأجد نفسي وقد سجلت موادَّ علم النفس، ومعها مادة الإحصاء التي ليس من السهل أن تقدم فيها أداءً حسنا وقد خسرت عدة محاضرات، وتحتاج إلى مذاكرة طوال الفصل وملاحقة للحلول في الفصل الدراسي. - إن فكرة حذف مادة الإحصاء، أو حذف أي مادة من مواد الدراسة لم تدر بخلدي من قبل، ولم أظن أنها خيار متاح حتى أصبحت أمامي مجموعة من الخيارات الخطرة وجوديا، والتي منها تعرض المعدل لضربة موجعة بسبب الظروف، والمشاغل القاسية التي اكتنفت هذا الشهر، وهي على عكس مواد علم النفس، ما أن تفقد اتصال خيوطها تصبح غريبا، مشتتا، تطوف في المدى الكوني الإحصائي لا تعرف من أين تبدأ، ولا تعرف من أين تنتهي. - مررت خلال الأسابيع الستة الفائتة برحلة إعادة تموضع لرزقي القادم من مشروعي التجاري سواء في الإعلانات، أو في صناعة المحتوى، وبذلت جهدا فوق الشاق في تجهيز موقعي الإلكتروني، فضلا عن تعاقدات جديدة، سواء مع الأطراف الخارجية، أو مع الأطراف الداخلية التي ننتظر منها إبقاء ميزان ميزان في حالة استقرار وإنصاف. - أعلم تمام العلم، أن حذفي لهذه المادَة يعني بالضرورة إزالة اسمي من لوحة الشرف بسبب عدم وصولي إلى نصاب عدد المواد اللازمة لتدخل التأهل ليكون اسمك في هذه اللوحة، هذا حسب علمي وظني، ولا أعلم ما هو وضع الطلاب في الفصول القريبة من التخرج إن كان يشملهم أو لا، ولكن في كل الأحوال، لوحة الشرف شعور عشته عامين، ووصلت إلى الإشباع النفسي الذي كنت أحتاجه بعد فشلي في عدة رحلات جامعية، والاسم موجود في لوحة الشرف أو غير موجود هذا لن يغير من واقع الحال شيئا، فالفرصة بإذن الله متاحة في السنة القادمة سنة التخرج. - إنني وإذ أتخذ هذا القرار، بين خيارين، إمَّ أن أزعّل أحدا، أو تذهب خططي بددا، وبعد التوكل على الله، والتفكير المتواصل، والأرق، قررت حذف هذه المادة لهذا الفصل الدراسي، والاستعداد لأي فصل تكون فيه بتهدئة اللعب كثيرا، والتهيؤ على الصعيد العملي. - إن هذا الحذف لن يغير، أو يؤجل من خطط التخرج شيئا، بل أنَّ فصلا صيفيا واحدا يعني أنني وفرت على نفسي وقتا، وقللت الضغط المتوقع من سنة التخرج، بما فيها من مشاريع، وما فيها من واقع تدريسي مختلف. هذا البيان، موجه فقط (للأصدقاء) الذين اهتموا بالموضوع، أرجو منهم تقبل قراري بصدر رحب، علما أنني حقا لا أجد صعوبة في المادة، ولا مشاكل في شرحها بقدر ما تستنزف مني هذه المادة جهدا ذهنيا مرهقا لا أستطيع احتماله حاليا بعد كل هذه الشهور المتتالية من الإرهاق الذهني، والبدني، والصحي، والنفسي، فضلا عن ما لا يقال علنا مما يطرأ على حياة الإنسان من صدمات وابتلاءات. أختار صحتي النفسية، والمضي بسلام في هذا الفصل الدراسي، وتخزين طاقتي، والاستشفاء الذهني، وترتيب أوراقي، وتخفيف ضغط العمل التجاري، وتقليل كل الضغوط إلى الحد الأدنى لأعبر هذا الفصل الدراسي بسلام. والله الموفق والرازق العليم. أخوكم الداعي لكم بالخير ماريو

تغريدة: بناء الحدود






 



مرحبا أخي العزيز، أرد على هذه التغريدة التي وردت منك في حسابي الشخصي، وهذا الرد ليس أكثر من سانحة لتوسعة النقاش، ولأخذه إلى مناطق أخرى لعلها تطرح شيئا من الفائدة لي ولك وربما للآخرين: - بدأت كلامك بكلمة "أحسّ" وربطت ذلك بمشاهدات ورصد لديك أن حساباتي بها خاصية الاشتراك. هذا في حد ذاته مؤشر على الانطباعية التي في غير محلها، والتي لا "أحسُّ" إحساساً أنَّها في غير محلها، بل أذهب إلى ما هو أبعد. - الحسابات والمنصات هي أصول رقمية، معترف بها، من قبل وزار التجارة، وينظمها إضافة إلى القانون العُماني قانون عالمي. لذلك تساؤلاتي لك كما يلي: * هل من المنطقي أن أتدخل في أصولك المادية أو الرقمية؟ لو كانت لديك عِمارة وتؤجرها، هل من المنطقي أن أعتبرك ماديا لأنك تسعى لاستخدام أصولك في طلب الرزق الحلال؟ * لماذا هذا التدخل في حياة شخص آخر؟ ما وجه الاستحقاق الذي سمح لك بذلك؟ طبعا أقول ذلك بلطف شديد لكنني حقا أتساءل، ما الذي يجعل هذا التصرف "عاديا" علما أن إسباغ صفة [العاديَّة] الاجتماعية غير منطبق لأننا لسنا أصدقاء، ولا تربطنا سابق صلة لكي أعتبر الأمر حقا من حقوق الصديق الذي يسأل بلطف وفضول مستحق نتيجة طبيعة العلاقة والمكاشفة بين صديقين. * المشتركون في أي حساب هم أشخاص في "سوقٍ" رقمي، وهم يعلمون أن اشتراكَهم يعطيهم امتيازات، كما أن اشتراكي في تويتر أعطاني امتياز كتابة هذه التغريدات الطويلة، ما وجه التدخل الذي تقوم به في علاقة بين مقدم خدمة في أصل رقمي يملكه، ومستفيد من هذه الخدمة، هل من المنطقي أن أتدخل في مؤجرين في بناية تملكها، أو لو كان لديك مكتب سيارات، هل تتوقع أنني سأتدخل في علاقتك بينهم ولو بسؤال؟ - أنت تقول إنسان "مادي" طيب، أنا رجل أعمال [كحيان جدا طبعا] ولكن على الأقل هذه الصفة الرسمية، ولدي سجل تجاري (أيضا كحيان جدا) هل من الغريب أن أطلب الرزق وأقدم خدمات رقمية؟ هذه ليست مادية، هذا يوم عمل طبيعي جدا في عالم المنصات الرقمية، وهي من المهن غير النمطية والتي أتمنى أن يخوض غمارها آخرون هذه هي صناعة الأسواق، وفتح باب للوظائف غير النمطية. - الأمر ما يتعلق بإني زعلان من تغريدتك، الأمر يتعلق بإني فعلا مستغرب إنه كل هذي السياقات الأخرى المرتبطة بحقوق إنسان لا تعني لك شيئا لكي يكون أول تواصل بيني وبينك في هذه الحياة مبني على كلمة "أحس" ولاحقا إلصاق صفة وكأنني أرتكب جريمة في حق الكون بوجود اشتراك في حسابي. - رأس مالهم اثنين من المشتركين، شكلك فعلا وقعت مع مادي متعثر بينما نسيت إيلون ماسك من إحساسك الجميل. - لا تثريب، وقعت في أخطاء أشد من تدخلاتك هذه، ولقد تعلمت، ونموت، وأكتب لك هذا السرد العريض الطويل على أمل أن ينفعك كلامي لكي نعرف الحدود التي بيننا كبشر، ومتى هذه العفويَّة، والعاديَّة الاجتماعية تتحول إلى اقتحام لمساحات خاصَّة جدا، وبالذات في شؤون الرزق، وطلبه، هذه فعلا مساحات لن يروق لك أن يتدخل فيها شخص لا تعرفه. - عارف إنك حسن النية، وإنك ما قصدت كل ذلك، لكن حسن النية ما يعني إنه الأفعال لم تملك مقاصدها. - الله يحفظك ويكتب لك الرزق الحلال الوفير.

السبت، 5 أكتوبر 2024

وكل ملاقي دروسه!

 سبحان الله، وكيف لله في عدله، وفي خلقه شؤون! وأسأل الله أن يقيني شرَّ التجارب السابقة في هذه الحياة. لعلكَ لا تعرف ما الذي يدخره الله لك عندما تظلمُ الآخرين! ولا تعرف ما سنن العدل التي وضعها بين البشر! والذي لا يتعظ من تجاربِ غيره، سيتعظ من تجربته الخاصَّة.


وما أصعب شيء على الإنسان؟ هل من أصعب أن يكون مضغةً حلالاً في لسان الناس؟ هذا ما يعاقب الله به الذي يظلمُ الآخرين، ويرقص على جروحهم، ويتخذ الخيارات الخطأ في اللحظةِ الخطأ. وما الذي يحدث داخل هذا الحال؟

تخيل معي، كلبٌ سافلٌ يخوضُ في حياتك بلا حساب وبلا عقاب. سفيهٌ يتفوه بما يشاء عنك، تصبح مشاعاً، متاحاً، لأي بهيمةٍ في الشارع. هل تتخيل هذه الحياة؟ وهذه العقوبة؟ عندما يأتي شامتٌ قذر يتطاير اللعاب من شدقيه، فرحان بوقوع إنسان في القاع، وتحوله إلى حكاية اجتماعية تؤخذ إلى الموت النهائي.

هُناك من يتغذى على أوجاع الآخرين، وليس الشامت فقط، أيضا هُناك ذلك السمج الذي لا يفهمُ اقتحامه لحياة الآخرين. الشامت حقير، يقوده عفنه الداخلي إلى بث التقيؤ، وياللعجب! ينعكس ذلك عليه بالكراهية، ومقت الناس، وعدم ثقتهم به، وهو يشمت ويمارس هذه اللذة الآثمة، يخسر ويكوّن الجميع تجاهه شتى أنواع الحواجز والمحاذير، وهو يتقيأ، والناس تنفض عنه وهو لا يفهم ويصيح بذعر: ما الذي حدث لي؟ ما الذي حدث لي؟

حدث لك عدل الله في الأرض، فاحمده أنَّه عاجلك ولم يمهلك. على الأقل لديك فرصة لتغيير مسارك، وللتعلم من أخطائك، وللنمو بعدها.
أن تكون سمجاً، تتدخل في حياة الآخرين، وأن تكون شمَّاتا محترفا، تظنُّ أن بحثك المجنون عن الآخرين الذين يسقطون في الخطأ، أو في الخطيئة، وتعتقد أنَّك تفعل خيرا، أنت لا تفعل خيرا، ما تمارسه قذارة نفسية لا أكثر، اعتداء على نفسك، ومع استساغة هذا السلوك سيبدأ في الظهور عليك، وعلى من تحب، ومع الوقت سترى تلك الهالة التي تحولك تتحول إلى سجن، من أنت؟ شمَّات، سمج، تقفز فيما لا يعنيك، والعلاقة بينك وبين الأفكار هي علاقة شخصية، تفقد تفكيرك، تتحول إلى غبي، وأنت غارق في المكابرة، والعموميات السطحية، وفوق ذلك تعتقد أنَّه حق من حقوقك!

من واجب المرء على نفسه أن يكون صلباً، وشرساً في الدفاع عن نفسه أمام هذه الزبالات البشرية. الشمَّات ليس أكثر من زبالة بشرية قادمة من [درامات] ومرادم الأشخاص الذين ماتت أحلامهم، وفقدوا الطريق إلى غدهم، وشعروا أنَّ الانشغال بالآخرين وأخطائهم خير لهم من بناء حياة لهم، وإلا فماذا يصنع الفاشل غير ذلك؟ ما الذي يفعله الفاشل في هذه الحياة؟ ينشغل بكل طاقته بأي شيء إلا ببناء حياة خاصَّة به، يتحول إلى مخرِّبٍ هاوٍ يمارس هذه الهواية الآثمة ولا يعرف ما الذي ينتظره في نهاية النفق المظلم!

الدفاع عن النفس أمام سماجة الغرباء يبدأ ببناء الحدود الضرورية مع جميع الناس. سؤال: هل له حق في ذلك؟ هو أول الأسئلة الضرورية لبناء هذه الحدود.
السمج يبدأ حواره بالاستحقاق الغبي، وكأنَّه يتدخل في شيء يعنيه، ثمَّ إن سمحتَ له بالدخول لعالمِك، يوزع الأوامر عليك كأنَّه يعرف الصواب الفلسفي، والاجتماعي، والنفسي، والسياسي، ولا يتوقف، سيدخل في نخاع عظامك إن تيسر له ذلك. هي مهمة من أن يبني الحدود؟ مهمتك أنت، وفي ظروف ما صعبة للغاية، مهمتك أنت أن تدافع عن حدودك، وقد تضطرك الحياة لخوض حروبٍ شاقَّة فقط لكي تخرج من غزو الغرباء لعالمِك.

التنازل عن الحدود الشخصية مع إنسان واحدٍ، قذرٍ، وسمجٍ، ويتدخل فيما لا يعنيه، ويمنح نفسه استحقاقا فوق مكانه، ومكانته في حياتك هذا شيء، وأن تسمحَ لعموم كبير من الغرباء فعل ذلك دون ردة فعل هذا هو الانتحار الاجتماعي، وإن لم تتعلم من تجاربك السابقة، فتعلم لتحمي نفسك من تجاربك القادمة. ثمة خلل في نظامك الحدودي النفسي، خلل هائل يجب عليك إصلاحه، والطريقة المثلى طبعا هي الحصول على الإرشاد الملائم من الشخص المختص، قد تحاول ابتكار أدواتك الخاصَّة وتصل للصواب الصحي، وقد تتأخر في ذلك فتصل للصواب متأخرا، أن تصل خير من أن تترك الباب على مصراعيه وأنت تنتظر أن تغير الحياة من طبيعتها فقط لأنَّك طيب زيادة عن اللازم.

الشامتُ كلبٌ بشريٌّ قذر، والسمج يرقةٌ بشرية دبقة ولزجة. لا يوقفهم شيء، بلا وجوه ليخافوا عليها، وبلا محاذير، ولا مخاوف، أناسٌ بانتظار دروسهم الكبرى في هذه الحياة، وكل إنسان ملاقٍ درسه الأكبر في هذه الحياة، ومن رحمة الله أن تعيش دروسك الكبرى في سن العشرين حيث الخطأ جزء من ياتك، لا أعرف ما مصيرك إن اكتشفتَ أنَّك شامتٌ وكلب بشري سمج وأنت في عمر الخمسين! لعلك ستجد وسيلة للحياة وللنمو، ولعل معركتك ستكون اصعب، مع ذلك!!
لا تتوقف عن المحاولة، سواء كنت في طرف المعادلة الهش الذي وجد نفسه في ورطةٍ من ورطات الحياة ولا يجيد مواجهتها، تعلم، مضطراً، وجد لنفسك المساعدة والنصح، وإن كنت في الطرف القذر الذي يتعامل مع آلام الآخرين بفضول، وسماجة، واقتحامية، وقذارة، تعلم أن تواجه العفن الداخلي، لعلك ستجنب نفسك دروسك الكبرى في هذه الحياة بالقليل من الحكمة والحفاظ.

قبل أن تصبحَ سمجاً يوزع الأمر والنهي على حياة الآخرين، فكِّر قليلا في أفعالك. روحك الملطخة بغائط الاستحقاق، وبسوائل المرادم الفكرية التي جئت منها، هل تعرف إلى أي مدى تركتك إنساناً لامباليا، تتلذذ عندما تجدُ مصيبةً تتدخل فيها كأنك طرف فيها! فكر قليلا في هذا التصرف المنحط الذي يعكسُ وجهك القاتم الذي ترهقه خيارات إنسان وصل إلى مرحلة من الاندفاع في السماجة، ولا يفهم لماذا يجد رداً لا يعجبه من كثيرين.

لو وصلت حالتك إلى أن يقول لك الناس عدة مرات: لا تتدخل في حياة الآخرين الشخصية، فأنت على موعدٍ مع دروسك الجيدة. لأنك سمج، وإنسان بغيض، وتستحق الإهانة، وربما تستحق ما هو أكثر إن لم تتوقف عن هذا الاستحقاق الغبي الذي لا تعرف بم سيعود عليك. وحتى وإن كنت تلوك الصوابية، أو تزعم كذبا أنَّك إنسان طيّب يريد الخير العام، هذا لا يغير من حقيقة الأمر، أن بناء تدخلاتك الاقتحامية في حياة الآخرين قادم من شعورك أنَّك "تستحق" ذلك.

صناعة الحق في هذا الفعل إن كانت شخصيةً فهي فعل محتقر، تخيل، أن تفعل ذلك بينك وبين إنسان، هذا فعلٌ محتقر، فما بالك أيها السمج الوضيع أن تفعل ذلك علنا؟ تفتح الأبواب لكل الفئران والخنازير الملطخة بالغائط لتفعل ذلك في حديقة إنسان آخر بكل وضوح يقول لك: لا أرحب بك!

لذلك لما تكون سمج، ولوح، وفأر وضيع، ومتطفل، وفضولي، وتلوك ما شئت من استحقاق الصواب العام، على الأقل اعترف لنفسك أنَّك تعاني من مشكلة، لعلك ستجد طريقا أو طريقةً لحلِّها. تتدخلُ فيما لا يعنيك "وتزعل" عندما يوقفك شخص عند حدَّك، أنت حالة إبداعية من السماجة عالية المستوى، لزجٌ محترفٌ، وستتعود على قبول الإهانة ممن يرفضك، وهو موضوع وقت قبل أن تتشوه، وتتلوث نفسيا وتبدأ في البحث عن من تهينه. اقطع المعادلة من البداية، ولا تكن سمجا، ولا متطفلا على حياة الآخرين، ولا على خصوصيتهم ففي هذه الحياة ما يسمح لك بغدٍ أجمل إن درست أخطاءك وغيرتَها، وأيضا في هذه الحياة ما يودي بك في عواقب سلوكك الاقتحامي لحياة الآخرين.

أن تكون سمجا، ومتطفلا، وفوق ذلك عدوانياً مع الآخرين، أنت لست أكثر من مشروع مأساة في هذه الحياة، وستصنع خسارتك بكل حماسة حتى تصل لها وبعدها لعلك ستتعلم من دروسك، أو ستعيش عمرا من المكابرة قبل أن تصل إلى النهاية التعيسة لكل من يشبهك. تخيَّل أن تعيش وكل من حولك مثلك! سمجٌ، يبحث عن أقرب إهانة بلا عواقب يمكنه أن يوجهها لغريب، شمَّاتٌ يعيش في حظيرة الخنازير بين الوحل والغائط.

لا تعط لتطفلك صفاتٍ قيمية عالية، أنت سمج، هذا اسم ما تفعله، ولا تعط لتدخلك فيما لا يعنيك صفات في غير موضعها، الصواب العام موضوع فكري، والنصيحة موضوع شخصي، والتشهير ليس نصيحةً، والاعتداء على خصوصية إنسان حماه الله قبل أن يحميه قانون الناس، فكل أعذارك التي تخفي بها عفنك، وسلوكك المنحط ليست أكثر من تبريرات لإنسان ضعيف هو أنت، ضعيف أمام نفسه، وأمام اندفاعه الأقوى منه، اندفاع يخفي وراءه روح ملوثة بالشماتة، وسلوك ملوث بالتطفل، وشخصية متخمة بالسماجة، فلا تكن هذا الإنسان!

وماذا يحدث في حياة (السمج الهاوي) هو عادةً يشتغل في محيط هؤلاء الذين يعانون من مشكلة في بناء حدودهم الشخصية. يتسلى باقتحام حياتهم، ومع الوقت يتدرب على هذه السماجة، والتدخل في شؤون الآخرين. وتكبر الهواية، وهذا السمج يفكر أن يدخل في دوري الاحتراف في التدخل في حياة الآخرين، حتى يقع مع الأشخاص الخطأ، وفجأة يضربه (جلتش) .. وكأنه وجود شخص طبيعي في سلوكه يفاجئه! لأنَّه سمج باختصار، ومتطفل، وبلا كرامة، ولا يفهم أنَّ حياة الآخرين ليست ملك يديه. عندما تتدخل في حياة إنسان فأنت تعامله كعدو، وسيراك عدواً. التسلط، أو التدخل، والاقتحام في حياة إنسان لا يختلف عن محاولتك دخول بيته عنوةً، لا تستغرب ردة فعل عدوانية وأنت غارق في سماجتك تظن أنَّه "من حقك" أن تتدخل في حياته. لذلك أيها السمجُ الذي لا يفهمُ ما الذي يفعله، أتمنى أن تعلمك الحياة ما يجعلك إنسانا أجمل مما أنت عليه الآن. لا شيء يجعلك تبرر لسلوك اقتحامي، ولا شيء يجعلك تجد له أي تبرير، سمّه باسمه، وابدأ رحلة النمو في تغيير هذه القذارة، وانبذها، فالله جعل طريق عودة للجميع، وأنت رغم كل بذاءة ما تفعله بالآخرين الآن لديك الفرصة، لكنها لن تكون وأنت تكابر، وتبرر، وتحاول أن تجعل استحقاقك الغبي هذا شيئا طبيعيا يمكنك أن تكمل حياتك به!