تسلم يا يوسف، وشكرا لأنك خففت غربتي قليلا، فالموضوع حقا يستحق التأمل، كحالة. انظر للتفاعل الذي حدث ستجده يشفُّ عن غيابٍ شبه تام للموضوعية. نتكلم عن شخص ليس ملاكا، ليس شيطانا، له ما نقبله فيه، وبه ما نرفضه، الاتفاق على أنَّ النتائج التي يحققها في شيء خيّر حقيقية وواقعية هذا ليس موضوع رأي، هذه معطيات واقعية إنكارها غير منطقي.
سؤال النية، أيضا يقع ضمن دائرة الاستبطان الخارجي، والحدس، والظنون، ولا يخلو أيضا من التحيزات التي تؤكد فكرة مسبقة، عن الخير والشر، عن الخيّر والسيء، وعن الصادق والمرائي، أما الموقف الواقعي فهو خارج التوقعات، نسبة كبيرة جدا تقف في حالة حدية مؤذية للغاية.
الحالة الأولى: التفخيم المبالغ فيه، (ما حد كماه، أفضل واحد، الأفضل، الأعظم) وهذه ليست إفادات نافعة، نعم هي حسنة، ومليئة بالمشاعر الطيبة، تأثيرها النهائي؟ ضار، لأن هذا النفخ الزائد بالمديح مضر لأي إنسان إلا لو كوّن فهما نقديا عاليا لماهية المجاملة الزائدة وأثرها على المرء، وكيف أن الكثرة من المبالغة تغلب العقلانية في التمحيص.
الحالة الثانية: حادة، إلغائية، لا يعجبني كلامه، بالتالي ألغيه هو من أين جاء، له أخطاء! بالتالي أعتبر أي شيء جيد يفعله سيئا، أعتبره ضمن ظاهرة المشاهير، بالتالي أجازف بالصوابية، والتي من ضمن عواقبها توقف إنسان عن مساعدة الآخرين بسبب خوفه من الاتهام بالرياء، أو التزلف أو غيرها من الظنون التي لا يمكن حسمها كحقيقة.
ثم نأتي إلى تأثير الأغلبية والامتثال لهم، وأدهشني حجم التعليقات الهجومية التي جاءت لي!! وكأنني جئت شيئا إدّا!! مع أن كلامي كان يتكلم عن جزئيتين فقط! الحدث الذي عايشته، والفكرة العامة وراء الحدث، وأيضا حقيقة الواقعة التي تُنتقد. تُظهر أشخاصا في حالة حاجة، تتهم بالاتجار بهم! طيب ما هي الحقيقة؟ هل أنت حقا تظهرهم وتلوي ذراعهم؟ أم تستجيب لطلبهم؟ وكيف تساعد شخصا عبر السوشال ميديا؟ تظهر بوجهك وتقول (إنسان وساعدوه) هذه لا تنجح.
وما الحقيقة فعليا؟ لو كان بيد هذا المتحامل زر؟ كأنه يقول لناس في أزمة: لا تظهر علنا، الشيء الذي تفعله (يحرجني) يضايقني، ذوقي لا يسمح لي برؤيتك وأنت (تتوسل) الخروج من أزمة، هذا يريق ماء وجهك! وهو لا يفهم أن السجن إراقة لأكثر من ماء الوجه، وأن صاحب الحاجة والأزمة له عقل يختلف عن عقل إنسان مترف يفكر بالصورة الاجتماعية لنفسه، والتي يسقطها على سجين، أو شخص محتاج.
البعض أيضا لديه منطلقات مختلفة، وكأن وجود حالات معسرة (يحرجه) فهو أيضا لديه تلك المبالغات، وأحدهم قال لي في نقاش عن المقال: يحرجني كيف يظهرنا أمام دول الخليج؟
أولوية مشاعره عند ذهابه لبلد خليجي ومحاولة إظهار نفسه أنّ مجتمع له الوضع المادي نفسه (مثلهم) أهم من قيام ناشط اجتماعي بإنهاء حالة، وعندما أقول إنهاءها نعم، واقعيا يحدث ذلك، عمليا يحدث ذلك لسنا أمام شخص (يحاول) نحن أما شخص فعلها مرارا، باتصالاته، وبعلاقاته، وبمساعدته لحالات، وباعتمادها، وبمصداقيته مع الجمعيات الخيرية، ليس هو وحده، معه آخرون لديهم هذا الوصول القادر على تحقيق نتائج.
والبعض لا يهمه الموضوع ولا يعرف تأثيره الضار والسام، وجد معمعة رقمية ودخلها ليخرج أسوأ ما فيه. السؤال الكبير: يتساءل الناس لماذا يشطح من يسمون بالمشاهير؟ ولماذا تظهر منهم سلوكيات سيئة؟ ربما لأن من ينشد الاتزان يصمت، يتجنب اللسعات التي سوف تأتيه ساخرة ومستهزئة إن قال فقط ما يتحرى الإنصاف.
الأمر لا يتعلق بمحمد المخيني، الأمر يتعلق بخطابنا الرقمي مع بعضنا البعض، ولا سيما مع أصحاب المنصات المنتشرة، أو أصحاب الحضور الاجتماعي الشرس، حساباتهم هي منصات تصفية حسابات، وتنمر، وتسميم، وإلغاء، أو هي حسابات مدح، وتفخيم، كلاهما مضر، وكلاهما يؤدي إلى خسارة أخرى وهي إنسان يفقد بوصلة الرأي الوسطي السليم، ينتظر الإشباع بالمدح ويفسد هذا جزءا من عقله، ويصاب بارتكاس في فهمه للمجتمع، وصدقني وأتحدث عن تجربة، تكوين صلابة ذهنية هائلة تجاه هذا الوضع أمرٌ صعب للغاية.
جلسات النهش في الذين يسمون المشاهير، النهش بمعنى الكلمة، تسمى (نقدا) الشخصنة تُسمى (رأيا) وظاهرة الاستحقاق الرقمي! يجب أن تسمعني، في منصتك، وفي حسابك، فهذا (حقي) تسمعني وإلا فأنت إنسان يحب الظهور!!
أقاويل غريبة: تحب الظهور!!! تحب المال؟ هي يكسبه بالحرام مثلا؟ وما الذي يجعل الذي يحب الظهور مخطئا؟ وما الذي يجعل الذي لا يحبه مخطئا؟ منذ متى من السهل للغاية التدخل في الخيارات الفردية بحجة المشاعية الاجتماعية؟ وكأن هذا الإنسان لا حقوق له.
كُل هذا التدافع جزء من ظاهرة رقمية سببها نكوص المنابر الأصلية عن أداء دورها الاجتماعي، غياب الإعلام الاجتماعي الحقيقي الذي يعترف برأي الناس، ويدفع به إلى مناطق أكثر موضوعية، ونفعا فكريا.
مواضيع كثيرة تُشتق من حدث واحد، ولا أخفيك كدت أن أصاب باليأس وأن أتوقف عن الكتابة في هذا الموضوع لكي لا ينفجر عقلي من حجم التفاهة التي صرت أقرأها في حسابي، تفاهة الشامتين، وذوي الضغينة والاستحقاق، والدناءة والسقوط النفسي وذلك الخطاب العنجهي من قبل إنسان تنازل عن اسمه ولم يعط لكلماته مسؤولية! لم يتحمل قبحها!!! (علما أنني لست ضد ظاهرة الاسم المستعار ككل، وإنما ضد ظاهرة القناع الحامي للتصرف القبيح).
الكراهية حق لكل إنسان، والرفض حق لكل إنسان، السؤال الكبير هو، وأقوله لنفسي، منذ عامين تقريبا وأنا موقفي الداخلي هو ما سردته بالأمس، بعد ذلك الموقف العفوي المليء بالغفلة الاجتماعية في تغريدة الشكر لي! وهناك سألت نفسي: لماذا أمتنع عن كتابة شيء! ليس عن هذا الشخص فقط، وإنما عن كثيرين، لأنني في هذا الدفاع أيضا أدافع عن نفسي، وعن غيري.
من السهل على أي إنسان أن يكون قبيحا باسم مستعار، ومن حق كل إنسان أن يكره، لكن أن يصل الحال إلى الإملاء، ونسيان أننا أشخاص، نتساوى في الخطاب، نناقش بعضنا بعض، هُنا تغيب مسلمات الأشياء، لا شيء اسمه مشهور لكي يعطى مكانة خاصة أو مكانة أدنى، والذي يمارس هذا الدور يخطئ في حق نفسه أولا، ولا شيء اسمه شخص عادي لكي يسمح لنفسه أن يقبض (ضريبة الشهرة).
الموضوع كله ضمن تجليات الظاهرة البديلة لكل التقصير الذي كان على مؤسسات إعلامية واجتماعية القيام به، لكن هذا موضوع آخر، وحديث آخر، فليهنأ كل الذي همّش، أو نكّل بالصوت النقدي بحجة الخطاب الواحد فليهنأ بهذه الظاهرة الاجتماعية التي أفرزها، وستمر سنوات عندما يدعو المنادي: ليتنا لم نكن بتلك الحدية والحساسية في التعامل مع الصوت النقدي الوسطي، وليتنا لم نجعل كل شيء حديا، وشرسا!
انظر إلى لغة الاختلاف السياسي، وعدوانيتها مما يجعل المنصف الوسطي غير قادر على ولوج مهرجان البصاق المتبادل، انظر إلى لغة الاختلاف الاجتماعي وكيف تُبنى على القسوة، وغيب احترام الطرف الآخر، انظر إلى بزوغ ظاهرة التنمر الرقمي، والآن في أعمار محددة ظاهرة انتهاك الخصوصيات. كلها ظواهر وانفلات يتفاقم، والبعض يظن أن كل هذا: عادي.
كل هذا ليس عاديا، كل هذا مشكلة، ولها حلول، وهذه الحلول تحتاج إلى تحليل، وفهم، وتنظير، ولا تحتاج إلى رأي شخص واحد، أو إلى صوت عنجهي يظن أن بيده مقاليد الصواب، كل هذا له حل، وليس بالخوف، والشك وبالظن، كل هذا له حل، ولن يكون بالاستحواذ على كل من وصل رأيه للناس لكي يوضع رغما عنه ضمن معارك التلاسن، أو ضمن مهرجان التخدير أو التطبيل. كل هذا ليس عاديا.
لكل إنسان حق، أن يمدح من حقه أن يمدح، أن يذم من حقه أن يذم ويمتعض ما دام يقول حقا وليس جريمةً، والمحزن حقا أن كل هذا الارتفاع في الممكن من الكتابة مهدور في كل هذا النزف اللغوي الرقمي، بينما من كان واجبه أن يحتوي كل رأس المال اللغوي العام هذا، وأخباره، ونقاشاته، يتبنى موقفا هداما ضد ما يسمى (كلام الناس) .. كلام الناس رأي عام، وهذا الرأي العام تديره تفاعلاته، رأسمالية لغوية هي التي تحدد شروط العرض والطلب، ولهذه نهايات دائمة، نهايات واحدة.
وأنا متشائم للغاية، لأن نهاية الرأسمالية اللغوية العشوائية، مأساة يصنعها هذا الذي يتفرج ويده على قلبه وسكينه بيد عقله، ينتظر الويم التي تنجح فيها الفوضى التي صنعها في صناعة الضرر، وبالتالي، تأتي الأعذار، وتنتصر المدرسة التي لم تؤمن يوما ما بأن للناس لسان.
الأمر لا يتعلق بالمخيني، الأمر يتعلق بأشياء كثيرة للغاية يا صديقي، وشكرا لك لأنك خففت من غربتي. حقا حقا يا يوسف: شكرا ..